مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

أثر المرجعية المالكية في استقرار مجتمعات السودان الغربي

الأستاذ أحمد مخـتار لوح
كلية الدعوة الإسلامية - السنغال

أثر المرجعية المالكية في استقرار مجتمعات السودان الغربي، أحمد مخـتار لوح، جمهورية السنغال

ملخص

يعالج البحث تأثير الفقه المالكي في بناء منظومة تشريعية متكاملة للأقطار الإسلامية المتاخمة للصحراء الكبرى، والمعروفة تاريخيا وجغرافيا ببلاد السودان الغربي، أو غرب إفريقيا، وهي المنطقة التي مكنتها دول الجوار المغاربي من توحيد مرجعيتها العقدية والفقهية والصوفية (الأشعرية، المالكية، الصوفية الجنيدية)، وربطها بالسائد في أقطار المغرب العربي الكبير؛ حيث كان لهذا الفقه المتمثل في مؤلفات، وشروح، وحواش، وتذييلات، وتحقيقات، وفتاوى، وأقضية أثر بارز في بناء مجتمعات مسلمة مستقرة سياسيا واجتماعيا غابت فيها الحزازات الطائفية والمذهبية التي ابتليت بها بلاد عديدة شرقا وغربا .

إشكالية البحث: يطرح البحث جملة من التساؤلات التي تحدد إشكاليته العامّة ومن ذلك:

كيف أسهمت المثاقفة في انتقال المؤثرات الفقهية من أقطار المغرب العربي إلى دول الجوار الأفريقي؟

وما سر تقبل الشعوب السودانية للمرجعية المالكية وذبها عن اختياراتها في المعاملات والقضايا الاجتماعية؟ وإلى أي مدى يمكن ملاحظة تجليات هذا التأثير في الحالة الاجتماعية لهذه البلاد؟

وماهي مخاطر ومهددات البنية المذهبية لهذه المجتمعات في ظل واقع إقليمي حرج يتسم بالتسيب المذهبي والطائفي؟

هذه الأسئلة وغيرها هي ما سنعالجه في هذا البحث من خلال أربعة مباحث.

المبحث الأول: انتقال المذهب المالكي إلى بلاد السودان الغربي

السودان الغربي، الإطار الجغراسياسي

السّودان الغربي:

مفهوم جغرافي أطلقه الجغرافيون والرحالة العرب القدماء على رقعة جغرافية واسعة تمتد من حدود نهر النيجر إلى أقاصي نهر السنغال، تمييزا به عن السودان الأوسط والسودان الشرقي، وكانت تمثل في الماضي بلاد الأفارقة الزنوج، التي ظلت تتمتع بعلاقات تجارية وسياسية واقتصادية قوية بالأقطار العربية الواقعة في الشرق والغرب، يقول الإدريسي عن رسم حدود هذه المنطقة: «إن هذا الإقليم الأول مبدؤه من جهة المغرب من البحر الغربي المسمى ببحر الظلمات، وهو البحر الذي لا يعلم ما خلفه وفيه جزيرتان تسميان بالخالدات …

وفي هذا الجزء الذي رسمناه من المدن: أوليل، وسلى، وتكرور، وبريسى، ودو، ومورة، وهذه البلاد من أرض مقزارة السودان، فأما جزيرة أوليل فهي في البحر، وعلى مقربة من الساحل، وبها الملاحة المشهورة، ولا يعلم في بلاد السودان ملاحة غيرها، ومنها يحمل الملح إلى جميع بلاد السودان، وذلك أن المراكب تأتي إلى هذه الجزيرة فتسوق بها الملح وتسير منها إلى موقع النيل وبينهما مقدار مجرى فتجري في النيل إلى سلى وتكرور وبريسى وغانة وسائر بلاد ونقارة وكوغة وجميع بلاد السودان»[1].

وقد أطلق هؤلاء الرحالة على هذه البلاد عدة تسميات، أشهرها بلاد التكرور، وهي واحدة من القبائل الإفريقية الذائعة الصيت في الدعوة والجهاد بفعل إمبراطوريتها الكبرى التي اعتنق ملكها الإسلام على أيدي المرابطين في القرن الخامس الهجري، وأبلى بلاء حسنا في رعاية الدين ودعمه في مملكته الواسعة الأرجاء، وقد ظلت هذه التسمية معتمدة ومدونة في السطور حتى وقت قريب جدا، فقد عنون السيوطي فتاواه الموجهة إلى بلاد السودان بهذا العنوان: «فتح المبرد المبرور في الأسئلة الواردة عن بلاد التكرور»، وفي ترجمة أعلام المالكية في المنطقة كتاب بعنوان: «فتح الشكور في معرفة أعيان التكرور» للبرتلي، وفي جامعة الأزهر رواق مشهور جدا باسم: «رواق التكرور»، كان جناحا خاصا للطلاب الوافدين من غرب إفريقيا، وقد ظل هذا الاستخدام شائعا في أدبيات الأزهر الشريف لقرون، تميزت فيها العلاقات العلمية الثقافية بين حواضر التعليم ومؤسسات الفتوى والقضاء بالعمق والمتانة.

ويضم هذا الإقليم حاليا دول إفريقيا الغربية عموما المنضوية تحت منظمة (الأكواس) أي المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية، وهي خمس عشرة دولة بعد انسحاب موريتانيا منها، وتربطها معاهدات واتفاقيات اقتصادية وسياسية وأمنية تعتبر هي الأقوى في إفريقيا إذا قورنت بمثيلاتها من المنظمات الإقليمية في وسط وشمال وشرق إفريقيا.

الحالة الاجتماعية: تضم هذه المنطقة أعراقا وقبائل شتى ينتمي جلها إلى الفرع الحامي والقوقازي، ومن أشهرها:

  1. مجموعة «الماندي» التي تعد إحدى أقدم القبائل احتضانا للإسلام بفعل احتكاكها المبكر بالدعوة من خلال دولتي غانا ومالي.
  2. مجموعة «الهوسا» و «اليوروبا» ولغات «الكانم» وهي: مجموعة قوية وعريقة اكتسبت شهرتها ومكانتها بفضل إمبراطورية البرنو – كانم.
  3. مجموعة «الفلان»، وهي أكثر القبائل الإفريقية انتشارا وامتدادا، اعتنق زعيمها (وارجابي) الإسلام على أيدي المرابطين كما يروي البكري في المسالك والممالك، وتعهد بعد إسلامه بنشر تعاليم الدين الحنيف وشريعته في أرجاء دولته، وفقا للمعتقد المرابطي السني والمذهب الفقهي المالكي، وإلى المرابطين يعود الفضل بعد الله – سبحانه وتعالى – في توحيد المرجعية الدينية في هذه المنطقة، وتخليصها من الحزازات المذهبية التي شهدتها جاراتها المغاربية في فترات تاريخية متعاقبة، قبل انفراد المالكية بها، مع بقاء بعض جيوب الممانعة، كالشيعة والإباضية، وقد استمر النفوذ الدعوي الفلاني والثقافي والسياسي إلى وقت قريب بعد قيام ثورة العلماء والأئمة في فوتا تورو في القرن الثامن عشر الميلادي، ونجاح حركة الشيخ / عثمان دان فوديو في شمال نيجيريا.

بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى أقل عددا وامتدادا وانتشارا، صهرها الإسلام كلها في بوتقة حضارية واحدة، مكنتها من الإسهام بشكل لا يبارى في ترسيخ دعائم الثقافة الإسلامية، وجعلتها محل استقطاب بفضل ذلك الموروث الثقافي الخصب، كالفقه المالكي الذي ظل يشكل أهم معلمة حضارية تميزها عن غيرها «فقد كان لهؤلاء الفقهاء جهود عظيمة في مجال نشر الإسلام والثقافة والعلوم الدينية، واللغة العربية، كما كان لهم وعلى مدى أربعة قرون في دولتي مالي وصنغاي الإسلاميتين أثر كبير في التطور الحضاري والاجتماعي الذي طرأ على هذه البلاد، إلى جانب جهودهم في المجال السياسي، إذ شاركوا في إدارة البلاد من خلال تولي الخطط الدينية.»[2]

المبحث الثاني: عوامل انتشار المذهب المالكي في السودان الغربي

تكاد بلاد السودان الغربي تكون المنطقة الوحيدة في العالم الإسلامي التي انفردت بمذهب فقهي واحد منذ مدة طويلة، وهو المذهب المالكي الذي لم يشهد قديما منافسا قويا يسعى لإزاحته أو لإضعاف نطاق تأثيره كما هو المعهود في عديد من البلاد المشرقية والمغربية، يقول الباحث المالي: عبد الرحمن مايغا في هذا الصدد: «يعتبر المذهب المالكي أو بالأحرى المذهب الذي ينتمي أو ينتسب إليه مالك، مذهب الصحابة والتابعين وهو المذهب السائد في السودان؛ أخذ ينتشر منذ أواسط القرن الثاني الهجري إلى أن وصل في السودان الغربي مع منتصف القرن الخامس الهجري، وتوطدت أركانه ودعائمه فيه، وبذلك غلب مذهب مالك على الحجاز والمغرب الأقصى إلى بلاد من أسلم من السودان.»[3]

ويجدر بالذكر هنا الإشارة إلى أهم العوامل التي ساعدت على انتشار هذا المذهب في هذه البلاد؛ تزامنا مع انتشار الإسلام في ربوعها، وهذه العوامل تنقسم وفقا للمعطيات المتوفرة إلى عوامل سياسية، وجغرافية، واجتماعية ودينية بحتة، وهي على النحو الآتي:

أولا: العامل السياسي

ويتمثل هذا العامل في انتصار دولة المرابطين على منافسيهم، ونجاحهم في إخضاع الغرب الإسلامي كله لسيطرتهم بعد صمود طويل، والمرابطون أصلا فقهاء جمعوا بين التربية والتزكية، ووجهوا مشروعهم الإصلاحي مبكرا نحو هذه المنطقة حين عسكر الفقيه (عبد الله بن ياسين الجزولي) على ضفاف نهر السنغال، وتمكنوا في فترة قياسية من إسقاط أهم وأكبر إمبراطورية أفريقية في عصرهم، وهي «إمبراطورية غانا» فمنذ هذا التاريخ والمذهب المالكي في انتشار مستمر، وأصبح المذهب الرسمي للدولة المرابطية، وبات الغرب الإسلامي بما فيه السودان المعقل الرئيسي له…

وهكذا أصبح القرن الخامس الهجري، القرن الذي انتصر فيه المذهب المالكي انتصارا ساحقا في الغرب الإسلامي، بعد صمود طويل، ولم يزاحمه أي مذهب أيضا إلى يومنا هذا، وكثر أتباعه في العالم الإسلامي عامة وفي الغرب الإسلامي خاصة، وحظي بمساندة العامة والخاصة، وأضحى المذهب الذي لا يبغي عنه الناس بدلا»[4].

ومما ساعد المرابطين على أداء هذا الدور المحوري، سيطرتهم المبكرة على الطرق التجارية الرابطة بين المغرب وبلاد السودان، علاوة على العلاقات الدبلوماسية الطيبة التي ربطت بينهم وبين الدول السودانية مثل مملكة التكرور. وقد استمر الدعم السياسي والرعاية والعناية السابغتان للمذهب في عهد ملوك دولة مالي وصنغاي الإسلاميتين، ففي رحلة حج الملك/ مانسا موسى الشهيرة، مر بمصر وطلب منه تقبيل الأرض في حضرة السلطان ( قلاوون ) المملوكي؛ فرفض ذلك بحجة أنه مالكي لا يسجد لغير الله، كما أقدم في تلك الرحلة على شراء عدد من كتب الفقه المالكي، مثل الموطأ والمدونة، ومختصر خليل، والتقى بعدد من العلماء والقضاة المالكية هناك، وطلب من الفقيه المالكي محمد بن أحمد بن ثعلب المصري شرحا لمختصر أبي الحسن الطليطلي في الفقه وقد وافق على ذلك وقام به أحسن قيام.[5]

ويحكي العمري عن خلفه الملك مانسا سليمان قوله: «ملكها الآن اسمه سليمان – أخو السلطان موسى منسا – بيده ما كان قد جمعه أخوه مما فتحه من بلاد السودان، وأضافه إلى يد الإسلام، وبنى به المساجد والجوامع والمواذن وأقام به الجمع والجماعات والأذان، وجلب إلى بلاده الفقهاء من مذهب الإمام مالك – رضي الله عنه – وبقي بها سلطان المسلمين، وتفقه في الدين.»[6]

وفي عهد الأساكي الذين حكموا (صنغاي)؛ أصبحت مدينة تنبكت مركزا مهما لنشر الفقه المالكي، يقصدها الطلاب من كل صوب وحدب، وتولى الحاكم الصالح /(أسكيا محمد) بنفسه مهمة رفع شأن المذهب؛ إذا اشتهر بالتقوى والورع والعدل، ومراعاة حرمة الدين واتباع أحكامه، علاوة على اهتمامه بالفقهاء، وأخذ المشورة منهم في كل ما يخص شؤون الدين والدنيا[7].

إذن، هذه الشواهد تؤكد محورية ومركزية العامل السياسي في نشر المذهب المالكي وتدعيمه في هذه البلاد منذ فترة قديمة تبدأ من القرن الخامس الهجري إلى يومنا هذا.

ثانيا: العامل الجغرافي

ويتمثل في قرب المنطقة ومجاورتها الأقطار المغاربية التي انطلقت منها قوافل الدعوة والتجارة التي كان لها الفضل في نشر الإسلام وتثبيت المذهب المالكي فيها، ويتجلى ذلك بشكل أوضح في الصلات الدبلوماسية التي جمعت بين الطرفين، حيث يذهب المؤرخون إلى أن انتشار المذهب بشكل فعلي في الغرب الإسلامي تزامن مع وصول المعز بن باديس إلى الحكم في أفريقية سنة )466 – 454هـ)، والذي حمل الناس في أيامه على مذهب الإمام مالك والقضاء على ما عداه، وظلت علاقته مع بلاد السودان الغربي قوية جدا، كما يشهدها تبادل الهدايا الثمينة بين الطرفين التي حكاها ابن عذارى المراكشي[8].

هذا الجوار الطبيعي كان سببا في انتشار مذاهب أخرى شهدت تمددا طفيفا في بلاد المغرب كالمذهب الإباضي الذي يذهب بعض المؤرخين إلى أنه الأقدم انتشارا في بلاد السودان؛ إذ يذكر أبو العباس الدرجيني (ق 7هـ) أن جد والده علي بن يخلف النافوسي (الإباضي) وهو تاجر من الجنوب التونسي سافر إلى غانة بغرض التجارة، وأقنع ملك غانة بالدخول في الإسلام.

أما التكرور فقد أسلموا في وقت مبكر لم تحتفظ المراجع التاريخية بتفاصيله وإن كان من المؤكد أنه تم على أيدي هؤلاء التجار الإباضيين القادمين من تاهرت.»[9] وبالرغم من شذوذ هذه الرواية أو ندرتها لدى الكثيرين؛ فإن هناك محاولات مستميتة من الباحث السنغالي الدكتور (عمر صالح باه الفلاني) لتأكيد ظهور النزعة الخارجية في الفكر الإسلامي الأفريقي مبكرا، وخصوصا فيما له علاقة بالسياسة الشرعية، مستندا في ذلك إلى الوثيقة التاريخية التي كتبها أئمة فوتا تورو لرسم خارطة الطريق لكل من يتولى إمارة الدولة الإسلامية الفتية.

ثالثا: العامل الاجتماعي

ويتمثل فيما يعتبره الباحثون قرب هذا المذهب من العادات والتقاليد الاجتماعية الإفريقية، كما تقول الباحثة سحر عنتر: «وهناك خاصة أخرى في المذهب المالكي، ربما جعلت أهل السودان الغربي يفضلونه على ما عداه، وهي تلك التي تتعلق بأصوله فهو يتميز بكثرة الأصول، وكثرة هذه الأصولبين أيدي المفتي تتيح له باختيار أصلحها وأقربها للعدل، وأكثرها توافقا مع الواقع الأفريقي، ولذلك كان المذهب المالكي يتميز بكثرة مراعاته للعرف»[10].

ومن الشواهد على توظيف المالكية للعرف والعادة؛ ما يثار من شبهات حول المذهب ومؤاخذات على الإمام مالك من أنه لم ينشئ مدرسة فقهية جديدة بل كان يأخذ العادات القانونية المعروفة عند أهل المدينة، والتي تعود جذورها إلى الإرث العربي القديم الذي نشأ من محيط المعاملات؛ فيضفي عليها طابعا دينيا، ويعتبرها مثل السنة[11].

رابعا: العامل الديني الروحي

متمثلا في شهرة المدينة التي عاش فيها الإمام مالك؛ باعتبارها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحي، ومهوى أفئدة المسلمين الذين اختار بعضهم الهجرة إليها والإقامة فيها للمجاورة والتزود من النفحات الرسالية، وقد عزز هذا الشعور ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة من أحاديث وآثار تؤكد هذا البعد وتقويه «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة»[12].

المبحث الثالث: دور المرجعية المالكية في استقرار المنطقة

أولا: الاستقرار السياسي

يعود الدور المركزي لفقهاء المالكية في الحضور القوي في المشهد السياسي العام لبلاد السودان إلى فترة بعيدة تعود إلى أيام مملكة مالي الإسلامية، حيث كانوا يمثلون دور التوجيه والاستشارات الخاصة في جليل القضايا وصغيرها، يذكر الرحالة (ابن بطوطة) في معرض مشاهداته في مملكة مالي في القرن السادس عشر الميلادي أن مجلس الملك الصالح (مانسا سليمان) الذي خلف أخاه موسى في الحكم كان يعج بالخطباء والقضاة ضمن الدائرة الضيقة من الحاشية المقربين، ومما يدل على ما كان يحظى به هؤلاء الفقهاء من المكانة العالية والمنزلة المرموقة ما حدث – يوما – في بلاط هذا الملك حين دبرت إحدى أزواجه مكيدة بالتواطؤ مع ابن عمته، كادت تقضي على ملكه لو قدر لها النجاح. وقد انكشف الأمر مبكرا لدى الملك فعزم على معاقبة زوجه بما يتلاءم مع حجم هذه الجريمة، غير أنها فرت ولجأت إلى دار الفقيه خطيب المسجد الجامع، ونجت بموجب ذلك من المتابعة والملاحقة بالرغم مما عرف عن (مانسا سليمان) من الشدة والصرامة في مواجهة الجرائم، وعلق ابن بطوطة على هذه الحادثة بأنها كانت أحد أسباب استتباب الأمن والاستقرار في بلده.[13]

وتتجلى في هذه القصة طبيعة الدور السياسي الذي كانت تمثله طبقة الفقهاء المالكية، وهو أشبه بدور المجتمع المدني في الديموقراطيات الحديثة، حيث يتركز في الغالب على تحجيم تغول السلطات الحاكمة، والحد من تعسفها في استخدام القوانين العامة التي غالبا ما تبخس حقوق المستضعفين والمحرومين، وفي هذا حماية قطاع عريض من الشعب وتأمينه من بوائق الظلم والحرمان التي قد يتعرض لها.

وقد استمر حضور هذا الدور في المشهد السياسي العام في عهد الصونغاي، حين كان لفقهاء المالكية القدح المعلى في عزل الحاكم / سني علي بير، وإيصال الأسكيا محمد توري إلى الحكم. «كما كان لبعض كبار فقهاء المالكية دور كبير في الحفاظ على دولة صنغاي من الاضطرابات والفتن الداخلية خاصة في الفترة التي أعقبت عزل (أسكيا محمد) واستيلاء ابنه (موسى) على الحكم… فقد منعوا (الأسكيا) من التنكيل بإخوانه ومعارضيه منعا للفتن الداخلية؛ ومن ذلك جهود الفقيه محمود بن عمر للصلح بين الأسكيا موسى وبين إخوته بعد أن قام بخلع أبيه من الحكم، فطلب منه الفقيه القاضي محمود العفو عن إخوته وأن يتجنب الفتنة بينه لما فيه من قطع الرحم والفساد.»[14]

ولم تقتصر هذه العلاقة المتينة بين الأساكي والفقهاء المالكية على المكرمات والعطايا فقط، بل قام الفقهاء بتصدي دور خطر ومركزي يتمثل في رسم معالم السياسة الشرعية التي يجب أن تسير عليها الدولة، كما هي مسطرة في أجوبة المغيلي عن أسئلة الأسكيا، والتي ورد في مقدمتها ما يلي: «إنما أنت مملوك لا تملك شيئا، وقد رفعك مولاك على كثير من عباده لتصلح لهم دينهم ودنياهم لا لتكون سيدهم ومولاهم.»[15] وتبدو نبرة الشدة والترهيب في خطاب المغيلي، وغرضه في ذلك إثارة التخويف والترهيب من تسلط الحكام على الرعية، ومثله في الشدة أو أكثر كلام القاضي الفقيه المالكي المحقق / محمد بغيغ الموجه إلى أسكيا إسحاق، حيث ورد فيه: «الحق ما تقول يا إسحاق، فقال والله الحق، فقال إن علمناك بذلك الظالم فماذا تفعل له؟ فقال له: ما يستحق من قتل، أو ضرب أو سجن أو إجلاء أو رد ما أتلفه من المال وغرمه، فقال له الفقيه محمود: ما عرفنا هنا أظلم منك! أنت ولا يغصب غاصب هنا مغصوبا إلا لك وبأمرك وبقوتك. إن كنت تقتل الظالم فابدأ بنفسك.»[16]

ويتضح هذا الدور بشكل أكبر في فتوى الشيخ سيديا بابا الموريتاني في جواز التعامل مع المستعمر الفرنسي لحفظ الأمن وضبطه، وقد بنى فتواه هذه على أسس ومسوغات شرعية، نذكر منها:

  1. المصلحة العامة للبلد، لحاجة هذه البلاد إلى سلطة سياسية عادلة، تخرجها من ويلات الفوضى والسيبة، حتى وإن كانت كافرة، بدليل ما روي عن الإمام مالك، وسفيان الثوري، ونصه: (سلطان جائر سبعين سنة خير من أمة سائبة ساعة من نهار).
  2. قاعدة ارتكاب أخف الضررين، وترك أعظم المفسدتين بدليل أن الخضوع لهؤلاء الحكام فيه نوع من المذلة والمفسدة، ويرى أن مفسدة السيبة أعظم من ذلك، مستشهدا بصلح الحديبة وما حصل فيه من تنازلات مؤلمة وشروط مجحفة قبلها الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون على مضض.
  3. هذا التعامل يدخل في باب الموالاة غير المنهي عنها في القرآن الكريم كما ورد في سورة الممتحنة.
  4. مكانة يوسف عليه السلام في مخاطبة عزيز مصر، واستخدامه إياه في خزائن الأرض.[17]

ثانيا: الاستقرار الاجتماعي

بما أن الفقه المالكي كان يمثل الرصيد الفكري والعلمي المؤطر لمختلف مناحي الحياة الاجتماعية للشعوب السودانية؛ فقد استوعب فقهاء هذه البلاد والعلماء فيها أثر الحركة الاجتماعية في تأسيس البنى التنظيمية لهذه الشعوب وتوجيهها، وعملوا قدر جهدهم لتنزيل هذا الفهم على واقع الحياة العامة من خلال الفتاوى والاستشارات العلمية والأقضية العامة، وحلقات الدروس «ولذا ظل إصدار أي قرار نظري ما، يفترض أن علماء الشرع ظلوا أمدا بعيدا صانعي الخيار الاجتماعي والاقتصادي و السياسي، وعارضيه، وهذا يبدو من الناحية البدهية أطروحة تحتاج إلى النظر والبحث والتقصي.

وبالتالي كان المفتي يتأثر بمحيطه، وواقعه، ويؤثر في مجتمع ظل متناسقا بطبيعته، وميالا إلى الدين والتدين يكيف ويتكيف مع النص الفقهي وخصوصياته المجتمعية دون الخروج على النسق الفقهي المالكي.»[18]

فقد كانت هذه الفتاوى في مختلف المسائل والقضايا نبراسا ينير الدرب للسائرين على طريق الهدى والشرع. وبالنظر إلى كتب التراث نرى فصولا مطولة مخصصة لدراسة ونقد معظم الظواهر الاجتماعية الفاسدة المنتشرة في هذه المجتمعات كما يتجلى في أجوبة السيوطي عن الأسئلة الواردة من بلاد التكرور، ومثلها أجوبة المغيلي عن تساؤلات الأسكيا محمد، ملك الصونغاي، علاوة على المصنفات الماتعة التي كتبت في هذا الغرض، مثل مؤلفات العلامة التنبكتي أحمد بابا في نقد ظاهرة استرقاق الشعوب المسلمة في إفريقيا، وكتابات العلامة عبد الله وأخيه عثمان بن فوديو في نقد ظاهرة التخليط بين الإسلام والوثنية، ومثيلاتها من الظواهر الاجتماعية الهدامة المنتشرة في هذه المجتمعات غداة انطلاق حركة الإصلاح والتصحيح الفودية[19].

والخلاصة أن الفتاوى الفقهية المؤصلة على مذهب الإمام مالك كانت «إحدى القنوات التي مارس من خلالها العلماء تأثيرهم في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية التي تشكلت بنسبة كبيرة من فتاويهم بوصفها تجليات لممارسات المجتمع ونظم قيمه الذهنية، وتعكس بجلاء تفاعل النصوص الشرعية مع الواقع الاجتماعي بقوانينه العرفية السائدة وشبكات بناة القرابية، والفئوية بمستوياتها المختلفة، الشيء الذي أدى أن نلمس ذلك المشغل الاجتماعي وحضورهم في فتاواهم عامة.»[20]

وقد اكتسب الفقهاء جراء ذلك مكانة عالية في المجتمعات السودانية لا تبارى، فقد كان القضاة منهم موضع ثقة، ومحل عناية واهتمام، ومقصدا عند الحاجة وحلول الهم، حيث كانوا يقومون برعاية المساكين، وتولي الأحوال المدنية المتعلقة بتسجيل المواثيق والعهود وتحرير العبيد من الرق، والنظر في التركات والمواريث والوصايا وتوزيعها وفق تعاليم الشريعة الإسلامية درءا للغبن والإجحاف والغلول، علاوة على القيام بأدوار اجتماعية أخرى غاية في الأهمية والريادة مثل مساعدة الطلاب وإيواء المحتاجين والغرباء وعابري السبيل؛ ولهذا لم يألوا جهدا في إصلاح المفاسد الاجتماعية والقضاء عليها بما أوتوا به من إمكانات مادية ومعنوية؛ الأمر الذي ساعد على نشوء طبقة جديدة في بلاد الحوض والسودان اكتسبت تميزها وريادتها بالفقه والتصوف سميت طبقة الزوايا، أو طبقة (أبناء السيدات في العرف السنغالي) وقد مثلت هذه الطبقة في موريتانيا والبلاد المحاذية لها أعظم قوة دينية اجتماعية يحسب لها ألف حساب.

«حيث كان للفقه والفقهاء يومئذ الدور الأعظم في توجيه الناس وفي القيادة السياسية والاجتماعية، وحيث كان الناس يحكمون مقولة: (ولا يفعل فعلا حتى يعلم حكم الله فيه ويسأل العلماء ويقتدي بهم)»[21].

فاتخذوا منهم «القضاة والمستشارين والمصلحين بين القبائل والإمارات وكان بنو حسان يستفتون الزوايا، ويستمدون من بركتهم ويحرصون على أن يدفنوا في مقابرهم، وكان لكل أمير قبيلة زاوية يعتمد عليها وشيخ زاوية يستند إليه حتى صار للفقهاء ورجال التصوف منزلة قد تفوق منزلة الأمراء ومن على شاكلتهم من أصحاب النفوذ السياسي.»[22]

ومن الآثار الاجتماعية لهذا الاستقرار:

  • الاستقرار والأمن الاجتماعي من خلال المواساة بأشكالها.
  • تنوع الموارد التكاملية.
  • تأسيس مؤسسة للتعاون التكاملي.

 ثالثا: الاستقرار العلمي والثقافي

من حسنات المذهب المالكي أنه ضمن لبلاد السودان مرجعية علمية موحدة، انعكست إيجابيا على الحالة الثقافية المستقرة، وهذه الحالة من الاستقرار لم تكن وليدة الصدفة والنشأة كما يعتقد البعض، بل كانت هناك في البدء محاولات إباضية للتمركز، وهو ما دفع الكاتب السنغالي (عمر با الفلاني) إلى القول بوجود بقايا ومؤثرات الإباضية في الفكر الأفريقي الإسلامي كما يتجلى في الوثيقة التي دونها الإمام/ جيرن سليمان بال في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي. ومثله حضور المذهب الشيعي في المنطقة، الذي يعزى إلى تنامي نفوذ قبائل صنهاجة البربرية؛ مما يؤكد أن الوحدة المرجعية تعتبر حالة طارئة في المنطقة بعد نجاح حملة المرابطين في القرن الخامس الهجري، وقد دعم هذا الحضور المالكي القوي السلطات السياسية الراعية، والملك الصالح: مانسا موسى.

ويذكر المؤرخ السعدي عددا من الفقهاء المالكية الذين انتقلوا من بلاد المغرب العربي والمشرق للإقامة في السودان والتدريس فيها، منهم على سبيل المثال لا الحصر: عبد الرحمن التميمي الذي رافق مانسا موسى إثر عودته من الحج، وعبد الله البلبالي، وأبو القاسم التواتي، ومنصور الفزاني، وسيدي علي الجزولي، وغيرهم ممن اجتمعت عندهم رئاسة الفقه والفتيا والإمامة.[23] وإليهم يعود الفضل في نهضة المذهب وانتعاشه في هذه البلاد.

ويتجلى حرص فقهاء هذه البلاد على المحافظة على الطابع المالكي للفتوى والإقراء والقضاء، خصوصا في المسائل التي شهدت اجتهادات فرعية داخل المذهب، مثل قراءة البسملة في الفريضة التي اشتهرت على ألسنة التجانية، وعدد من منتسبي الطرق الصوفية المماثلة، يقول الشيخ أحمد بمبا البكي في فتوى موجهة إلى أحد أتباعه «أيها المريد الصادق المحب الأديب، أما مسألة البسملة فأمرتكم جميعا بالمذهب المالكي، فإن رأيتموني أفعل شيئا ولم آمركم به ولم تروه في الكتب المالكية الفقهية، فاقتصروا عنه بالمالكية، فإن لي خصائص لا آمركم بأن تقتدوا لي فيها. عليكم بالمالكية فإنها مطهرة منورة»[24].

ويبدو في هذا النص والنصوص المماثلة له المحشوة في كتب فقهاء المنطقة، أن التطور العلمي والثقافي وحركة تنقلات الكتب، ورحلات العلماء ساعدت على بلورة اتجاه فقهي جديد يقوم على نشدان الحق وتوسيع آفاق الاطلاع والاختيارات الفقهية، بدل الاقتصار على مشهور المذهب أو راجحه، وهو الأمر الكفيل بخلق حالة من الفوضى والاضطراب والتسيب في أوساط المقلدين الذين لا يقدرونعلى التعامل مع أمهات الكتب ومراجع المذاهب الأربعة، فجاء هذا الخطاب لوضع حد لهذه الظاهرة، ودعوة عامة الناس إلى التقيد باختيارات المذهب المالكي في الفروع حفاظا على استقرار المنطقة وأمنها وسلامتها.

المبحث الرابع: تجليات هذا الاستقرار

أولا: تشكيل السلطة العلمية

 وقد تم تشكيل هذه السلطة عبر عدة مسارات، من أهمها:

  1. مسار التدريس: الذي اعتمد فيه على المصنفات المالكية الأصيلة في فقه الفروع، كالموطأ الذي تردد ذكره كثيرا في مؤلفات وتراجم علماء السودان الغربي، وانعقد حوله كثير من القراءات المعمقة والمراجعات الدقيقة، كما تناولوه بالشرح والتعليق والتعقيب، ويليه في الأهمية والتعلق المدونة، عمدة المذهب في القضاء والفتوى بزيادات ابن القاسم وتهذيب سحنون، وقد وضعت لها شروح وتعليقات، وهضمت دراسة ومراجعة. وبالإضافة إلى هذين المصدرين؛ اكتسبت مؤلفات أخرى الذيوع والشهرة، مثل: مختصر ابن الحاجب، والتهذيب للبرادعي، والرسالة للقيرواني، والتمهيد لابن عبد البر، والتبصرة للخمي،[25] ومختصر خليل ابن إسحاق الذي ملأ ذكره بلاد السودان وشغل الناس قديما وحديثا، ونال من القبول والعناية ما لم ينله كتاب في العلوم الإسلامية، قال عنه العلامة أحمد بابا التنبكتي: «ولقد وضع الله سبحانه وتعالى القبول على مختصره وتوضيحه من زمنه إلى الآن فعكف الناس عليهما شرقا وغربا حتى لقد آل الحال في هذه الأزمنة المتأخرة إلى الاقتصار على المختصر في هذه البلاد المغربية مراكش وفاس وغيرهما، فقلّ أن ترى أحدا يعتني بابن الحاجب فضلا عن المدونة بل قصاراهم الرسالة وخليل»… [26].
  2. مسار القضاء: كان القضاء الشرعي – ومازال – أحد المسارات المحورية في تحقيق الاستقرار العام بأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه البلاد، وذلك بتصديه المطلق لقضايا المجتمع ومظلومياته التي تقتضي حسما عاما قبل استفحالها، وتحولها إلى مصدر أخذ ورد وتجاذب بين الأطراف المتنازعة، وقد كان كتاب: تحفة الحكام لابن عاصم الغرناطي عمدة القضاء في هذه البلاد، كما كان القضاة يتمتعون بقدر من الاستقلالية والحرية «وعلى الرغم من تبعية هؤلاء القضاة للسلطة المدنية إلا أنهم في أحكامهم التي يصدرونها مستقلون تمام الاستقلال عن أي اعتبار خارج نطاق الأحكام الشرعية المستمدة من روح الإسلام وحده ووفق مذهب الإمام مالك، ولذلك كانوا حريصين في اختيارهم على أن يكونوا من الفقهاء البارزين في العلم والمتضلعين في الفقه المالكي، متمتعين بالورع والصلاح والزهد»[27].

 وقد اتسم تعاملهم الدقيق مع المذهب بالسمات الآتية:

  • التزام نصوصه وعدم الخروج منها إلى غيرها، إلا ما حدث بشكل استثنائي عند المؤهلين ذوي الرسوخ والمتانة في العلم وسعة الأفق.
  • القضاء بالقول المشهور في المذهب دون الشاذ أو المرجوح، وعدم الخروج منه إلا فيما ندر ضمانا للاستقرار.
  • طغيان طابع التقليد في القضاء، وندرة طابع الاجتهاد، وما يسمى تجديدا في المذهب.[28]
  1. 3. مسار الإفتاء: وقد كان للفتوى تأثير قوي في المجتمعات السودانية لتمثيله توقيعا عن رب العالمين من جهة، واستناده إلى ظروف الناس وهمومهم التي تشغل بالهم حاليا ومستقبلا، وقد تضافرت عوامل متعددة أسهمت في إحداث هذا التأثير؛ منها:
  • العامل الديني: ممثلا في الإسلام المالكي الذي رسخه المرابطون، ويتسم بشدته وصرامته في تطبيق الشعائر الدينية، والمبالغة في الزهد، والتعلق بالكرامات والخوارق التي تمكن من التحكم في هذه البيئة، علاوة على الاحتياط في أمور الدين وسد الذرائع.
  • العامل الاجتماعي: الذي يعتبر من تجليات العامل الأول، مما جعل المفتي موقعا عن رب العالمين، وتجاوز الفتوى بموجب ذلك مجرد إشعار قولي إلى حيز التطبيق والعمل، وتظهر تجليات هذا العامل بوضوح في مؤسسة المشيخة الدينية التي تمثل اليوم نظاما سياسيا قبليا يتزعمه شيخ أو رجل علم وفقه.
  • العامل العلمي: ويتلخص في مضمون الفتاوى الفقهية، أي دراسة كيف حاول الفقيه تطويع الفقه لدافع الحياة، وتكييف النصوص بما يتلاءم مع مقاصد الشريعة ومصالح العباد والبلاد؛ مما ساعد على تلبية الحاجات الضرورية للمجتمع[29].

ثانيا: تحجيم الظلم والاستبداد

مثل الفقه المالكي مصدر إلهام للثورات المسلحة التي قاومت مشروعات الاستبداد والظلم التي أريد توطينها في المنطقة، خصوصا بعد مجيئ الاستعمار الغربي الذي رأى في طبقة المرابطين علماء الفقه والتصوف مصدر تهديد جدي لوجوده ومستقبل مشروعه؛ لما يستنطقه هذا الأخير من نصوص تراثية تدعو إلى تكريس حرية الاختيار ونقض بيعة الإكراه، التي اشتهر بالقول بها الإمام مالك بن أنس –رضي الله عنه– ولما يمثله أيضا من سلطة روحية واجتماعية عليا تؤول إليها أحوال العامة عند حلول الهم، ويرى الباحث الموريتاني (محمد حبيب الله) أن الفقيه المالكي اكتسب هذه الشرعية بسبب تصديه للتوسط بين الخلق والحق قائلا: «وبما أن الفقيه هو العالم بقانون السياسة وطريقة التوسط بين الخلق إذا تنازعوا، فإن خطورة دوره تتجلى في هذا المجال أكثر فأكثر عند ما يكون النزاع بين طرفين متباينين غاية التباين: مسلم مسالم أعزل، وكافر غازي شاكي السلاح، مدجج، أي عندما يكون هذا النزاع يرتدي رداء الصراع الحضاري المستهدف لمقومات الوجود الإسلامي وضروب المصالح العليا للأمة.. مما يعطي دور الفقيه هنا أبعادا فقهية، وسياسية وواقعية، وأخرى تاريخية واجتماعية خطيرة أكثر من أي نزاع آخر مهما كانت خطورته بين أفراد المسلمين وجماعاتهم»[30].

وتتجلى معالم هذا الهم الإصلاحي في حماية الشرع والذب عن البيضة كما هو مشهور في أدبيات السياسة الشرعية؛ في عديد الفتاوى والرسائل التي صدرت من عدد من فقهاء المالكية في المنطقة، من منتصف القرن الثامن عشر وحتى مطلع القرن العشرين، والتي أعادت إلى الأذهان جدليات فقهية قديمة حول جملة من القضايا الحساسة، مثل:

1.مشروعية الجهاد وضوابطه، ومبررات إعلانه، حيث تضاربت الفتاوى في هذه المسألة بين علماء المنطقة ممن تجمعهم صلات قربى وأواصر رحم في الدين والطين كما يقولون؛ أشهرها ما جرى بين الشيخ سيديا بابا فقيه شنقيط وعالمها في عهده، والشيخ ماء العينين والشيخ سعد أبيه، حيث مال الشيخ سيديا والشيخ سعد أبيه إلى منهج المسالمة الذي يرى إعلان الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي تهورا ومجازفة، وسوء تدبير لأحوال المسلمين الذين لا يقدرون على مواجهة الجيش الفرنسي بعدده وعدته، وحسن تدربه في خوض الحروب القصيرة والبعيدة المدى، وهو الاتجاه الذي تبناه بقوة الفقيه السنغالي القادري الشيخ (موسى كمارا) الذي ألف كتابا خاصا في نقد ظاهرة الجهاد في بلاد السودان، خصوصا جهاد الحاج عمر الفوتي الذي وصمه بالفوضى وحب الشهرة والتسلط والزعامة، يقول في مقدمة هذا الكتاب: «وقد دعاني أيضا الشيخ الحاج مالك التواوني المتزهد وأنا وهو خاليان بلا ثالث إلى مساعدته في الجهاد ومصاحبته فيه، فقلت له إن أمر النصارى قد استفحل الآن واشتد ولا يقدر أحد الآن على مقاتلتهم. فتعجب مني في تعظيم أمرهم. فقال إن أمر الله أعظم من أمرهم وأمر غيرهم لأنه تعالى إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون. فسكت وذهبت عنه وجاوزت في سفري إلى دكار وهذا منه غفلة وزلة. فإن لكل عالم زلة غفر الله لنا وله ءامين «في جهادهم من العباد»[31].

2.نظرية دار الإيمان ودار الكفر أو الحرب، وما يقتضيه هذا التقسيم للمسلم من ضرورة الهجرة، وهي نظرية روجها ومهد لها الشيخ (عثمان دان فوديو ) جهاده في شمال نيجيريا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، يقول ابنه محمد بللو: قال سيدنا المختار بن أحمد الكنتي في النصيحة الكافية: «بلد السودان قد غلب على أكثر أهلها الكفر، ومن فيها من المسلمين تحت قهر الكفرة، قد اتخذوهم أمراء والناس يعملون بعمل أميرهم غالبا، وهم قد غلب عليهم ظلمات الجهل والهوى والكفر ولهذا نهى عن السفر إلى أرض العدو وبلاد السودان»[32].

3.ظاهرة استرقاق المسلمين، والتي استفحلت بعد سقوط إمبراطورية صنغاي الإسلامية على أيدي السعديين المغاربة، والذين استغلوا هذا الفراغ المؤسساتي في المنطقة للقرصنة وتنشيط أسواق النخاسة في الشمال، وقد أصدر فقهاء المالكية عدة فتاوى في تنديد هذه الظاهرة وتجريمها، كفتوى أحمد بابا التنبكتي بعنوان: معراج الصعود إلى حكم مجلوب السود، وقد خصص لها الفقيه السنغالي المؤرخ موسى كمارا فصلا خاصا ختمه بقوله: «وفي قواعد المذهب المالكي أن من أعتق بعض عبده كيده أو رجله أو أصبع منه أو أقل من ذلك استتم عليه، ومن مثل بعبده ولو بوشم بنار أو بضرب يشين جارحة عتق عليه إلى غير ذلك من الأسباب الكثيرة الموجبة للعتق»[33].

ثالثا: إصلاح أحوال العامة

من تجليات أثر المالكية في استقرار بلاد السودان الغربي؛ تصدي هذا الفقه السني لإصلاح أحوال العامة، والقضاء على مراتع الفساد والانحراف في العادات والعبادات، ويتجلى هذا البعد بشكل أوضح في مضمون فتاوى السيوطي المخصصة لبلاد التكرور، وأجوبة المغيلي عن أسئلة الأسكيا حيث وردت في مقدمة الرسالة «فلا بد من إزالة الفساد على كل حال، وإن تعارضت مفسدة ومصلحة فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإن تعارضت مفسدة إحداهما دينية وأخرى دنيوية فدرء المفسدة الدينية أولى، وكذلك إذا تعارضت مفسدتان إحداهما أكبر من الأخرى سواء، فلا تخرج من ذلك عالما ولا عابدا، ولا شريفا ولا أميرا.

هذا وقد وضعت هذه الفتاوى والرسائل الفقهية أسس وآليات التعامل مع الفساد المتفشي في هذه البلاد بفعل الجهل، وتسلط حكام السوء، وتفضي ظاهرة التخليط بين الموروث الوثني، والشرع الإسلامي؛ فجاءت جهود أئمة الإصلاح وقادة التغيير من القرن الثامن عشر وحتى العشرين الميلاديين معبرة عن تلك الهموم القديمة التي شخصها السيوطي والمغيلي وفقهاء عصرهم من المقيمين والوافدين، يقول الشيخ عثمان دان فوديو عن شيخه جبريل وهو يعد فضائله ومزاياه «ليعلم أهل بلادنا السودانية هذه، بعض ما أنعم الله عليهم، ليجتهدوا في شكر الله تعالى على وجود الشيخ في هذا البلد، فيستوجبوا المزيد، ومن فضائله أنه بلغ الغاية في الاستدلال بالكتاب والسنة، وحض الناس عليهما، ومنها كان أول من قام بهدم العادات الرديئة في بلادنا السودانية هذه»[34].

ومن أهم بؤر الفساد والانحراف التي تمت معالجتها فقهيا عن طريق الإفتاء والإرشاد، أو إصلاحا وتغييرا باستخدام وسائل إنكار المنكر المتاحة:

1.مفاسد في العبادات، كالوضوء، والتيمم، والغسل، والصلاة، وقضاء الفوائت، والزكاة، والصوم، والحج، وقد كانت هذه العبادات يشوبها الكثير من اللغو واللهو والتلاعب بالكيفية.

2.مفاسد في الأحوال الشخصية كالنكاح والطلاق، التي كثيرا ما كانت تمارس بصورة يغلب عليها إخضاع نصوص الشرع لتأويلات اجتماعية وعرفية وثنية منحرفة، كعدم احترام الأركان، وتجاوز الحد الشرعي في الزيجات.

3.مفاسد في المعاملات كالبيع والشراء، والكراء والإيجار والشفعة والمساقاةوالمعاطاة وغيرها.

4.مفاسد في الميراث الذي تسرب إليه الموروث الوثني مثل توريث ابن الأخت، وحرمان العصبة، كما ورد في نص السيوطي وغيره.[35]

الخاتمة

بعد هذا العرض الموجز لدخول المذهب المالكي إلى أقطار السودان الغربي، وما بذل من جهد في توطينه، وتثبيته مرجعا للأحكام، والفتيا والقضاء، نخلص إلى الآتي:

  1. مما اختصت به هذه المنطقة دون غيرها من مناطق العالم الإسلامي، الوحدة المرجعية، المتمثلة في مذهب أهل السنة والجماعة الذي دانت له هذه البلاد بشكل نهائي منذ القرن الخامس الهجري مع نجاح الحملة المرابطية في أسلمة الثقافة والنظم، بخلاف جاراتها المغاربية التي شهدت تناوشا بين أهل السنة والإباضية من جهة، وبينهم وبين والشيعة الإمامية من جهة أخرى لوجود إطارات سياسية داعمة لهذا الاتجاهات كالدولة الرستمية والفاطمية والعبيدية.
  2. يعزى هذا النجاح في توحيد المرجعية الفقهية إلى طبيعة المذهب المالكي بأصوله التي تتناسب مع الكثير من الأعراف الاجتماعية التقليدية في المجتمعات الإفريقية، مثل: العرف، والمصلحة المرسلة، وسد الذريعة، وعمل أهل المدينة، وما انبثق عنها من فروع فقهية في المعاملات والأحوال الشخصية؛ مما سهل على المفتين والقضاة تحكيم العرف في بعض النوازل، وإقناع العامة بقبول مخرجات هذا الحكم والعمل بمقتضاه.
  3. يعتبر الفتوى والقضاء والتدريس أهم القنوات التي تم توظيفها لدعم هذا الاستقرار، والذي تجلى بشكل أوضح في رعاية وتأطير السلطة العلمية، وتحجيم الظلم والاستبداد في الحكم وإدارة الناس، وإصلاح أحوالهم المعيشية والعمرانية والاجتماعية والفكرية تحقيقا لمقاصد الشرع الكبرى.
  4. يعاني هذا الاستقرار المرجعي حاليا من اضطراب واهتزاز بفعل حركة العلماء وتنقلات الكتب التي أفرزت واقعا مذهبيا جديدا يتسم بوجود بعض الثنائيات المتضادة فقهيا، كالمالكية واللامذهبية التي يرفع شعارها المحسوبون على التيار السلفي المتأثر جدا باختيارات الحنابلة قديما وحديثا. وهو الأمر الذي يستدعي تطوير مسطرة المدرسة المالكية الإفريقية وحملها على العناية بفقه الدليل، بدل الاقتصار على المختصرات المجردة عن الأدلة. وفقنا الله وإياكم.

الهوامش

[1] – نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، المجلد الأول، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1422هـ /2002م، ص: 17.

[2] – سحر عنتر أحمد مرجان، فقهاء المالكية وآثارهم في المجتمع السوداني في عهدي مالي وصنغاي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط 1432 هـ /2011 م، ص: 5.

[3] – الحركة الفقهية ورجالها في السودان الغربي من القرن 8 إلى القرن 13 الهجري، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 2011 م، ص:31.

[4] – ينظر عبد الرحمن مايغا، الحركة الفقهية ورجالها في السودان الغربي، ص: 32.

[5] – ينظر سحر عنتر، فقهاء المالكية وآثارهم في المجتمع السوداني، ص: 70 – 71

[6] – مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ج4، تحقيق كامل سليمان الجبوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2010 م،\ص:45

[7] – ينظر سحر عنتر أحمد، فقهاء المالكية وآثارهم في المجتمع السوداني، ص: 95.

[8] – ينظر سحر عنتر أحمد، فقهاء المالكية وآثارهم في المجتمع السوداني، ص: 41 – 44.

[9] – الحسين ولد محنضن، إسهامات الخوارج في نشر الإسلام والعروبة في بلاد شنقيط، الفقهاء والصوفية، ص: 175.

[10] – فقهاء المالكية وآثارهم في المجتمع السوداني، ص: 104.

[11] – ينظر أحمد ذيب، المدخل لدراسة الفقه المالكي، دار ابن حزم، بيروت، 2014 م، ص64

[12] – أخرجه الترمذي في الجامع، كتاب الذبائح، أبواب العلم (2672) وابن حبان في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل مكة (3796)

[13] – ينظر سحر عنتر أحمد، فقهاء المالكية، ص: 18.

[14] – فقهاء المالكية، ص:151.

[15] – المرجع نفسه، ص: 149.

[16] – محمود كعت، تاريخ الفتاش، في ذكر الملوك وأخبار الجيوش وأكابر الناس، تحقيق حماه الله ولد السالم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2012 م، ص: 149.

[17] – ينظر محمد يحيى حبيب الله، الحركة الإصلاحية في بلاد شنقيط، مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتبادل الثقافي، ط2006 م، ص: 258 – 262

[18] – هارون ولد عمار، التأثير والتأثر في الفتوى الفقهية الموريتانية، مقاربة وصفية لبعض المدونات الفقهية، من أعمال ندوة: الفقهاء والصوفية في الغرب الإسلامي ودلالات التقريب، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، 2010 م، ص: 151

[19] هارون ولد عمار، التأثر والتأثير في الفتوى الفقهية الموريتانية، ص: 153.

[20] هارون ولدعمار، المرجعنفسه، والصفحة نفسها.

[21] محمد يحيى حبيب الله، الحركة الإصلاحية في بلاد شنقيط، ص: 32.

[22] محمد يحيى حبيب الله، الحركة الإصلاحية في بلاد شنقيط، ص:201 – 202.

[23] ينظر تاريخ السودان، تحرير وتعليق حماه الله ولد السالم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط، 2012، ص: 202 – 204.

[24] المجموعة المشتملة على أجوبة ووصايا الشيخ الخديم وفتاويه، جمع وترتيب محمد جاج، ص: 249.

[25] ينظر عبد الرحمن مايغا، الحركة الفقهية ورجالها في السودان الغربي، ص: 140 – 142.

[26] نيل الابتهاج بتطريز ا لديباج، ص: 171.

[27] فقهاء المالكية، ص: 167.

[28] ينظر المرجع نفسه، ص: 167.

[29] ينظر هارون ولد عمار، التأثر والتأثير في الفتوى الفقهية الموريتانية، ص: 154 – 161.

[30] الحركة الإصلاحية في بلاد شنقيط، ص: 32.

[31] – أكثر الراغبين في الجهاد بعد النبيئين من يختار الظهور وملك البلاد ولا يبالي بمن هلك في جهاده من العباد، تحقيق وتعليق: أحمد الشكري وخديم  امباكي، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الرباط 2003 م، ص: 36.

[32] – إنفاق الميسور، تحقيق بهجة الشاذلي، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الرباط، 1996، ص: 58.

[33] – زهور البساتين في تواريخ السوادين، تقديم وتحقيق وتعليق: ناصر الدين سعيدوني، معاوية سعيدوني، مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، الكويت، 2010 م، ص92.

[34] – المرجع نفسه، ص: 35.

[35] – ينظر محمد بلو، إنفاق الميسور، ص: 113 – 119 وينظر الحاج محمد فودي جابي، نصيحة الإخوان فيما تحصل به مرضاة الرحمان، دار البراق، بيروت، ط2016 م، ص: 50 – 67.

المصادر والمراجع

  1. أبوبكر خالد باه، آثار الثقافة الإسلامية في فوتا، ط 1982م.
  2. أحمد بابا التنبكتي، نيل الابتهاج بتطريز الديباج، تحقيق: طلاب كلية الدعوة الإسلامية، بإشراف الدكتور عبد الحميد الهرامة، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، ط 1995م.
  3. أحمد بمبا البكي، المجموعة المشتملة على أجوبة ووصايا الشيخ الخديم، جمع وترتيب: محمد جاج.
  4. أحمد ديب، المدخل لدراسة الفقه المالكي، دار ابن حزم، بيروت، ط2014 م.
  5. بوبكي سكينة، الحركة العلمية في بلاد الهوسا، خلال القرن 19، رسالة ماجستير في التاريخ والحضارة، الجزائر، 2009 – 2010 م.
  6. جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، الفقهاء والصوفية في الغرب الإسلامي ودلالات التقريب، ط 2010 م.
  7. سحر عنتر أحمد مرجان، فقهاء المالكية وآثارهم في المجتمع السوداني في عهدي مالي وصنغاي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1432 هـ 2011 م.
  8. الشريف الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1422 هـ /2002 م.
  1. شهاب الدين العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق: كامل سليمان الجبوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2010 م.
  2. عبد الرحمن السعدي، تاريخ السودان، تحرير وتعليق حماه الله ولد السالم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2012 م.
  3. عبد الرحمن مايغا، الحركة الفقهية ورجالها في السودان الغربي من القرن 8 إلى القرن 13 الهجري، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط2011 م.
  4. محمد بللو، إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، تحقيق: بهجة الشاذلي، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الرباط، 1996 م.
  5. محمد فودي جابي، نصيحة الإخوان فيما تحصل به مرضاة الرحمان، دار البراق، بيروت، ط 2016 م.
  6. محمد يحي حبيب الله، الحركة الإصلاحية في بلاد شنقيط، مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتبادل الثقافي، ط2006 م.
  7. محمود كعت، تاريخ الفتاش في ذكر الملوك وأخبار الجيوش وأكابر الناس، تحقيق حماه الله ولد السالم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2012 م.
  8. موسى أحمد كمار، أكثر الراغبين في الجهاد بعد النبيئين من يختار الظهور وملك البلاد ولا يبالي من هلك في جهاده من العباد، تحقيق وتعليق: أحمد الشكري، وخديم امباكي، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الرباط، ط 2003م .
  9. موسى أحمد كمار، زهور البساتين في تاريخ السوادين، تقديم وتحقيق: ناصر الدين سعيدوني، معاوية سعيدوني، مؤسسة جائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري، الكويت، 2010م.

تحميل المقال بصيغة PDF