الاستحسان
تعريف
الاستحسان لغة عد الشيء ذا حسن واعتقاده حسنا. وفي الاصطلاح: عرف الاستحسان بعدة تعريفات منها:
- أولا: الاستحسان هو العمل بأقوى الدليلين، ومثاله تخصيص الرعاف دون القيء بالبناء في الصلاة للسنة الواردة في ذلك. وذلك أنه لو لم ترد سنة بالبناء في الرعاف لكان في حكم القيء في ألا يصح البناء، لأن القياس يقتضي تتابع الصلاة، فإذا وردت السنة بالرخصة بترك التتابع في بعض المواضع صرنا إليها وأبقينا الباقي على أصل القياس، وهذا … هو الدليل وإن كان يسمى استحسانا على سبيل المواضعة.
وقالوا بأن هذا النوع من الإستحسان ضرب من الترجيح لكونه يتراوح بين دليلين أحدهما أقوى من الآخر فيأخذ بالأقوى. - ثانيا: الاستحسان دليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر العبارة عنه، والاستحسان بهذا المعنى رفضه العلماء بما يشبه الاتفاق، وفيه قال الشافعي: من استحسن فقد شرع، وقال الإمام الشاطبي في الموافقات: “لو فتح هذا الباب لبطلت الحجج، وادعى كل من شاء ما شاء، واكتفى بمجرد القول، فألجأ الخصم إلى الإبطال، وهذا يجر فسادا لا خفاء له”.
- ثالثا: الاستحسان هو العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس ومن أمثلته:
استحسان جواز دخول الحمام من غير تعيين زمن المكث فيه، وقدر الماء، فإنه معتاد على خلاف الدليل.
واستحسان الإمام مالك رد ألفاظ الأيمان إلى مقتضى العرف، مع أن الأصل في ذلك أن ترد إلى اللغة التي تقتضي في ألفاظها غير ما يقتضيه العرف فمثلا من أقسم وقال: “والله لا دخلت مع فلان بيتا” فهو يحنث بدخول كل موضع يسمى بيتا في اللغة والشرع، والمسجد يسما بيتا فيحنث على ذلك، إلا أنه عند المالكية يتم العدول عن هذا الحكم لكون أن المسجد لا يسمى بيتا في عرف الناس، فلا يحنث الحالف إذا دخله بناء على دليل الاستحسان. - رابعا: الاستحسان هو العمل بمصلحة جزئية مقابل دليل كلي، ومثاله تضمين الأجير المشترك كالحمال والراعي… ولو لم يكن صانعا والدليل يقتضي أنه مؤتمن.
وقد أكثر الإمام مالك من الأخذ بالاستحسان في اجتهاداته حتى يروي عنه أنه قال: “تسعة أعشار العلم الاستحسان”.
أدلة مشروعية الاستحسان
استدل القائلون بالاستحسان ومنهم المالكية بأدلة عدة على مشروعية العمل بهذا الأصل منها:
قوله تعالى: (وَامُرْ قَوْمَكَ يَاخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا)، الأعراف، الآية: 145
وقوله تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ أُوْلُواْ الاَلْبَاب)، الزمر، الآية: 18
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن”.
وما روى البخاري عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا أنه “ما خُير بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ”.