الاستصحاب : المفهوم والمشروعية
تقديم
الاستصحاب لغة هو المصاحبة أو استمرار الصحبة وجعل الشيء صاحبا ومصاحبا.
وفي اصطلاح أهل الشرع يطلق على اعتبار الحكم الذي ثبت بدليل في زمن سابق قائما في الحاضر، حتى يظهر دليل مغاير يلغي استمرار الحكم السابق وهو على أنواع.
فمعنى الاستصحاب هو: إبقاء ما كان على ما كان حتى يقوم دليل على خلافه، كمن اشترى شخص شيئا من شخص فادعى المشتري دفع الثمن إلى البائع وأنكر البائع، فيكون القول للبائع مع يمينه، إذ الثمن يعتبر أصلا في ذمة المشتري ما لم يثبت أنه دفعه للبائع، لكون الثمن مستحقا عليه باليقين، فالأصل أنه في ذمته حتى يأتي بحجة تثبت أنه دفعه وحينئذ يسقط عنه. فالاستصحاب قائم ومستمر حتى يثبت ما يغيره وإذا ثبتت الملكية لإنسان بدليل فهي له حتى يوجد ما يزيلها.
استصحاب العدم الأصلي
ويسمى كذلك البراءة الأصلية، والمراد به دلالة العقل على انتفاء الأحكام الشرعية قبل بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا تكليف قبل ورود الشرائع، وأخص من هذا انتفاء الأحكام السمعية قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، وهذا النوع من الاستصحاب حجة عند مالك والشافعي واستدلوا على مشروعيته بقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)، الإسراء، الآية: 15، فالأصل في الناس أنهم غير مكلفين بشيء حتى يبعث الله إليهم رسولا يبين لهم التكليفات، فما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، هو المعتمد، وما عدا ذلك نستصحب فيه أصل عدم التكليف أي حكم العقل قبل ورود التكاليف.
ومثال هذا النوع أن يدعي الأحناف وجوب الوتر، فيجيبهم المالكية بأنه ليس بواجب بدليل “الأصل براءة الذمة حتى يرد دليل الشرع”، ولما لم يرد، فالأصل خلو الذمة من هذا الوجوب.
استصحاب ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه حتى يثبت نفيه
فهذا النوع هو الذي عبر الفقها ء عنه بقولهم: “الأصل بقاء ما كان على ما كان”، ومعنى ذلك أن الشيء الذي دل الشرع على ثبوته لوجود سببه يجب الحكم باستصحابه حتى يدل دليل على نفيه، كثبوت الملك لوجود سببه الذي هو الشراء، فيحكم به حتى يثبت زواله، وكبراءة الإنسان حتى تثبت تهمته.