الكلمة الافتتاحية لرئيس اللجنة العلمية عن الأمانة العامة للمؤسسة خلال ندوة “دور المرأة والأسرة في البناء التربوي” في ياوندي
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيئين والمرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد
الفاضل المحترم الشيخ العلامة محمود مال بكاري رئيس مجلس العلماء وفرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالكاميرون.
صاحب الفضيلة رئيس الجمعية الثقافية الإسلامية بالكاميرون، عضو فرع المؤسسة الدكتور يوسف مالك
أصحاب السعادة، أصحاب المعالي
السادة المشايخ والعلماء الأفاضل والعالمات الفضليات أعضاء فرع المؤسسة بجمهورية الكاميرون.
حضرات السادة الأساتذة والخبراء.
أيها الضيوف والحضور الأعزاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يشرفني في مطلع هذه الكلمة، أن أنقل إليكم تحيات معالي الأستاذ الدكتور أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، الرئيس المنتدب لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، وكذا تحيات السيد الأمين العام فضيلة الدكتور سيدي محمد رفقي، وتمنياتهم بالتوفيق والنجاح، لجمع ندوتكم العلمية الهادفة.
السادة العلماء الأجلاء والسيدات العالمات الجليلات:
في غمرة احتفالات أمتنا الإسلامية بمشارق الأرض ومغاربها، بحلول شهر شعبان، وما يحمل معه من بشائر الخير والروحانيات، ونحن على أبواب حلول شهر رمضان، أغتنمها فرصة، فأبارك لكم جميعا هذه الأيام المباركة داعيا المولى عز وجل أن يبلغكم شهر رمضان لصيامه واغتنام قيامه.
ومرحبا بكم جميعا وألف مرحى، في هذا الحفل العلمي الكبير، بمدينة ياوندي، عاصمة جمهورية الكاميرون، البلد العظيم، وهي تحتفي بمؤسسة الأسرة، وفي مقدمتها، معلمتها الأولى، وقطب دعائم خيمتها، المرأة: الأم، والجدة، اعتزازا بما للجميع من أدوار ومساهمات تربوية فاعلة في البناء التربوي الأسري.
يقول الحق سبحانه مخبرا خلقه من الرجال أجمعين عن منته العظيمة عليهم: ” والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون ” [سورة النحل الآية /72].
فالحق سبحانه أخبر بأن جعل للرجل من نفسه امرأة – زوجة – ليسكن إليها، وجعل له من زوجه أولادا: البنين والحفدة، وشكل من الجميع – الرجل والمرأة – نواة الأسرة، وبسبب الزوجية أولا، والوالدية ثانيا، حملهم مسؤولية التربية.
السادة العلماء الأجلاء، والسيدات العالمات الجليلات، أيها الحضور الكرام
كلكم يعلم علم اليقين، بأن الأسرة في المجتمعات الإسلامية، تشكل مؤسسة تربوية بامتياز، فهي تعنى بالدرجة الأولى بإعداد الأفراد وتنشئتهم تنشئة صالحة، وتشكيل شخصياتهم، للاضطلاع بدورهم الإنساني والحضاري، وكذا النهوض بالمجتمع.
ولذلكم اعتبرها علماء التربية، بأنها من أهم المؤسسات التربوية في المجتمع، كما أنها أول المؤسسات التربوية التي تتعامل مع الفرد بعد ولادته، وخلال نشأته. فكانت – بذلكم – الخلية الأساس في المجتمع، إذا صلحت أحوال أفرادها، صلح معها حال المجتمع، وإذا فسدت أحوالهم فسدت وفسد المجتمع.
ومعلوم أن الأسرة يرتبط تكوينها بالزواج، وليس مطلق الزواج، وإنما الزواج المؤسس على قواعده الشرعية المتينة، وما ينتج عنه من روابط قوية: رحمية ودموية.
السادة العلماء الأفاضل، والسيدات العالمات الفضليات
تؤكد الدراسات الحديثة التي أجراها خبراء العلم الأسري، وعلماء التربية الإسلامية، أنه لم يحظ نظام اجتماعي بالعناية والتفصيل في القرآن الكريم والسنة النبوية، مثلما حظيت به مؤسسة الأسرة، وأدوارها التربوية النموذجية، والمفاهيم التربوية والأسرية المستفادة من قصص الأنبياء عليهم السلام.
ومن الإشارات القرآنية – الأولى – المرشدة إلى نواة مؤسسة الأسرة وأهميتها، ما جاء في قوله تعالى: ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا ” [النساء /الآية 01].
وجاءت السنة النبوية بأنواعها الثلاثة: قولية، وفعلية، وتقريرية، تؤكد على أهمية مؤسسة الأسرة، وكيفية تنظيمها، وما لها من أدوار تربوية متنوعة، وكذا الدور المنوط بعناصرها الأساسية، ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، المرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته. ” حديث رقم: 2554.
فقد حددت هذه النصوص، في قسمها القرآني: أصل نشأة وتكوين أول أسرة على وجه الأرض، وعناصر مكوناتها الأساسية التي تقوم عليها.
وفي قسمها الحديثي: جاء التنبيه إلى المسؤولية الملقاة على عاتق أفرادها الأساسيين – الرجل والمرأة – أي الزوج والزوجة.
حضرات السادة العلماء الأجلاء والسيدات العالمات الجليلات
وهذا كله، يعكس لنا مدى اهتمام الإسلام، وعنايته الكبيرة بمؤسسة الأسرة- عموما -، لكونها اللبنة الأولى للمجتمع، وأولى مؤسساته التي يتم داخلها تنشئة وتربية النشء اجتماعيا، وفيها يكتسب الكثير من معارفه ومهاراته وميوله وعواطفه، واتجاهاته في الحياة، كما يجد فيها أمنه واستقراره، قبل الالتحاق بالمدرسة النظامية بمختلف مراحلها “الابتدائي والاعدادي والثانوي والجامعي”.
كما يؤكد علم الاجتماع الأسري، أن الأسرة أشكال وأنواع، وأهمها: الأسرة النواة – أو الأسرة الأولية –، التي تتشكل عناصرها من الرجل والمرأة، أي الزوج والزوجة وأبنائهما، فهي تنشأ بالزواج – الشرعي – والإنجاب، فكانت نواة.
وحين تكتمل الأسرة النواة بزواج أبناءها، وإنجاب الأحفاد، الذين يعيشون مع الأجداد والجدات والآباء في عيشة مشتركة، وتحت سقف واحد في بيت العائلة، يتحول الجميع إلى أسرة ممتدة، تتعدى الأزواج إلى الحواشي. وكلا الشكلين هو السائد في المجتمعات الإسلامية.
ويثبت خبراء التربية، على أن المرأة – عموما – في وسطها الأسري سواء كانت: أما، أو جدة، أو عمة، أو خالة أنها تتحمل داخل الأسرة الممتدة مسؤولية في غاية الأهمية في التربية والتوجيه، وأن المرأة الأم من موقع أسرتها النواة، تنفرد بكونها المسؤولة الأولى في العملية التربوية داخل باقي مكونات الأسرة، لأن دورها التربوي يبدأ من فترة الحمل إلى الوضع، ومن المهد والمراهقة إلى مرحلة الرشد. وهذه كلها مراحل، يحتك فيها النشء احتكاكا مباشرا بالعنصر النسوي – على الخصوص – داخل الأسرة، ولذلك اعتبرت المرأة داخل أسرتها المدرسة التربوية الأولى في حياة الإنسان، المساهمة في صناعة المجتمع الإيجابي النموذجي، ونحن اعتبارا لهذا وتكريما لها وعرفانا بأدوارها روعي التنصيص عليها في أول عنوان موضوع الندوة تمييزا لها عن باقي عناصر الأسرة.
واعتبارا لأهمية موضوع الأسرة عموما، والمرأة على الخصوص في محيطها الأسري، ودور الجميع في التنمية الشاملة للمجتمع، فإن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، قد أولته أهمية وعناية فائقة ضمن برامج أنشطتها بمختلف فروعها.
ولإبراز دور الأسرة في البناء التربوي، ثم التأكيد على حضور المرأة، وكونها عنصرا أساسيا، وقوة تغيير في العملية التربوية الأسرية، وحول كيفية مواجهة الجميع للمؤثرات وتطورات العصر وآثارها على التربية، مع بزوغ العولمة التي تدعو إلى إزالة الحواجز التي تفصل بين الأسر، والمجتمعات وخصوصياتها.
وكذا في إطار أهداف مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة المنصوص عليها في المادة 4 في فقرتها الأولى الداعية إلى:
- ” توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين، بكل من المغرب وباقي الدول الإفريقية، للتعريف بقيم الإسلام السحمة ونشرها وترسيخها “
وتفعيلا لفقرتها السابعة التي تنص على:
- ” ربط الصلات، وإقامة علاقات التعاون مع الجمعيات، والهيئات ذات الاهتمام المشترك”
يأتي تنظيم هذا اللقاء العلمي الذي ينظمه مجلس العلماء، والجمعية الثقافية الإسلامية بشراكة مع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع:
“مكانة المرأة والأسرة في البناء التربوي “
أيام: السبت والأحد 16/17 شعبان 1443هـ الموافق لـ 19 و20 مارس 2022م
ولتأطير جلساتها العلمية، حرصت اللجنة العلمية المشتركة – الكاميرونية المغربية -، إشراك نخبة من السادة العلماء، والأساتذة الباحثين الأكاديميين، المهتمين بقضايا الأسرة والتربية من كلا البلدين.
وحتى يمكن الإلمام بمجموع قضايا الموضوع، حددت اللجنة العلمية المشتركة، محاور أربعة أساسية للمدارسة والمناقشة، مسبوقة بمحاضرتين افتتاحيتين حول محور مفهوم مؤسسة الأسرة من وجهة نظر إسلامية، والمحاور الثلاثة – المتبقية – هي:
- المحور الثاني: الأسرة في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية
- المحور الثالث: الدور المحوري للمرأة في التربية الأسرية.
- المحور الرابع: تجارب تربوية، وتحديات تطورات العصر.
حضرات السادة العلماء الأجلاء والسيدات العالمات الجليلات:
إن ندوتنا هاته، تسعى إلى تحقيق مقاصد نبيلة، منها:
- القصد الأول: ما جاء التنصيص عليه في الظهير الشريف المؤسس للمؤسسة، وهو: ” توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين، بكل من المغرب وباقي الدول الإفريقية للتعريف بقيم الإسلام السمحة، ونشرها وترسيخها “
- ثانيا: ” توطيد العلاقات التاريخية التي تجمع المغرب وباقي الدول الإفريقية، والعمل على تطويرها “
ومما لا شك فيه، أن الحديث عن القيم التربوية الأسرية، تعتبر من أرفع وأسمى القيم الإسلامية، وهو مما يجب التعريف به، والعمل على نشره، وترسيخه.
ومقاصد تفصيلية أخرى أجملها في:
- تحديد العناصر الفاعلة المسؤولة في المكون الأسري في المجتمع الإسلامي، والتأكيد على أدوارها الأساسية.
- السعي لتقريب مفاهيم الأهداف الأساسية للتربية الإسلامية، ومناهجها، وطرقها.
- إبراز دور الأسرة في تعزيز وترسيخ قيم التربية الإسلامية.
- التحسيس بقيمة وأهمية دور المرأة من خلال مساهماتها التربوية في الحفاظ على تماسك أفراد الأسرة الواحدة.
- الوقوف على ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من آيات وأحاديث نبوية مما له صلة بالتأطير التربوي، ومحاولة تفهمه واستيعابه.
- العلم والمعرفة بكيفية مواجهة أسرة المستقبل ثورة المعلومات والتكنولوجيا الذكية للحفاظ على التربية الأسرية الأصيلة.
السادة الأفاضل والسيدات الفضليات
أغتنم هذه المناسبة، وباسم الأمانة العامة للمؤسسة، لأقدم الشكر الخالص الجزيل، لجميع الذين ساهموا في تنظيم هذا الحفل العلمي الكبير.
كما أنوه بالمجهودات الجبارة التي قدمتها مختلف جهات التنسيق بمجلس العلماء والجمعية الثقافية الإسلامية بالكاميرون، وأخص بالذكر فضيلة الشيخ العلامة محمود مال بكاري، رئيس مجلس العلماء، وفرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالكاميرون، فشكر الله لكم جميعا على ما بذلتم من وقت ثمين، واهتمام كبير لهذا الملتقى العلمي المتميز، إسهاما منكم في العمل على إنجاحه.
كما لا يفوتني أن أشكر كل المشاركين من السادة العلماء والأساتذة الأجلاء والعالمات الجليلات لكلا البلدين الشقيقين: المملكة المغربية والجمهورية الكاميرونية، ومختلف الضيوف الحاضرين، الذين تحملوا عناء السفر للمشاركة وللحضور، وأخص بالذكر الضيوف الأعزاء الذين قدموا من خارج العاصمة ياوندي.
وفي الأخير: نسأل العلي القدير، أن يبارك في أعمال هذه الندوة العلمية الهامة، وأن تكلل جلساتها العلمية، بالنجاح والتوفيق، مع تحقيق الأماني والأهداف، وأن يحفظ الله سبحانه وتعالى قادة بلدينا من كل سوء، ويوفقهم لصالح الأعمال، وما فيه خير لشعوبنا الإفريقية – جميعا -، إنه سميع مجيب الدعوات.
والحمد لله الذي بفضله ونعمته تتم الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته