حفظ الثوابت الدينية الإفريقية المشتركة – ميثاق العلماء الأفارقة
ميثاق العلماء الأفارقة – الباب الثاني: حفظ الثوابت الدينية الإفريقية المشتركة (ملخص)
يشتمل الباب الثاني من ميثاق العلماء الأفارقة الذي عنوانه: “حفظ الثوابت الدينية الإفريقية المشتركة” على الثوابت الدينية المشتركة التي اختارها علماء المغرب والقارة الإفريقية واستقر الأمر عليها والعمل بمقتضاها.
ولذلك تعمل مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي ترعاها إمارة المؤمنين على توحيد جهود علماء القارة الإفريقية لترسيخ هذه الثوابت وحفظها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وتتجلى هذه الثوابت الدينية المشتركة في العقيدة الأشعرية، والمذاهب الفقهية السنية، والتصوف السني.
الثابت الأول: العقيدة الأشعرية
نسبة إلى الإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت324هـ) الذي قرر أصول العقيدة الإسلامية على منهج السلف الصالح مستنداً إلى الحجج النقلية والبراهين العقلية.
ومن الأصول التي رسخها الإمام أبو الحسن الأشعري واستقر عليها الأمر لدى علماء إفريقيا:
- معرفة الله تعالى بإثبات ما يجب له تعالى من صفات الكمال والجلال، وبنفي ما يستحيل عليه سبحانه من أضدادها، واعتقاد أنه تعالى يخلق ما يشاء ويفعل في ملكه ما يريد، وأن العباد مكتسبون لأعمالهم والله تعالى خالق لكسبهم.
- اعتبار جميع أهل القبلة مسلمين لا يجوز تكفيرهم.
- تعظيم مقام النبوة، والاعتقاد بأن الرسل والأنبياء صفوة الله من خلقه يتصفون بالصدق والأمانة والتبليغ، أيدهم الله تعالى بالمعجزات الدالة على صدقهم، والإيمان بما أخبروا به مما أوحي إليهم.
- الاعتقاد بإمامة الخلفاء الراشدين المهديين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم أجمعين.
- وجوب الإمامة العظمى، وأنها خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما من شأنه أن يحفظ الملة ويصون الدولة من خلال حفظ الكليات وضمان سبل العيش الكريم.
- وجوب طاعة أولي الأمر ولزوم الجماعة واجتناب الخلاف والفرقة.
الثابث الثاني: المذاهب الفقهية السنية
وهي الثابت الفقهي المشترك لدى علماء إفريقيا، ويعد الاهتمام به تصورا وممارسة ممثلا في المذاهب الفقهية السنية الأربعة من أهم القضايا والمسائل التي ينبغي الاعتناء بها في هذا العصر، إذا لا تخفى الآثار السلبية الناجمة عن الخروج عن مقتضى المذاهب الفقهية واختيارات العلماء على مر العصور.
فالالتزام بها وصيانتها وحفظها يمثل المناعة الصامدة والحصانة الوافية التي تحفظ الأمة الإفريقية من الفتن والشرور.
ولذلك يعمل علماء إفريقيا في ظل مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة على ترسيخ المذاهب الفقهية السنية المعتمدة بأبعادها المختلفة: ممارسة وانتسابا والتزاما، وذلك من خلال أمور، منها:
- المحافظة على مقومات الشخصية الوطنية الإفريقية استنادا إلى النظر الفقهي الوسطي، لتحصينها ضد الغلو والجهل بالدين، وسوء الفهم للنصوص الشرعية.
- حماية وحدة المنظومة الفكرية الجامعة لثوابتها.
- وضع القواعد العامة للشعائر من حيث مضمونها وطبيعتها ومادتها، وتنزيهها من الممارسات الضارة أو غير الشرعية. والعمل على حمايتها وحفظها.
- تنوير المتمسك بالثابت الفقهي؛ ودفعه إلى مزيد من التبصر بأصول مذهب إمامه، والاطمئنان على أن اجتهاداته واختياراته بنيت على أسس راسخة، وقواعد ثابتة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة واجتهادات الأئمة.
المحور الثالث: التصوف السني
تتميز الشخصية الإفريقية بكونها شخصية روحية بطبيعتها، ولولا هذه السمة ما كان للتصوف أن ينتشر في ربوع البلدان الإفريقية بصورة لا مثيل لها، لذلك فليس غريبا أن يجد التصوف السني في المغرب ومعظم البلدان الإفريقية مكانته وموقعه الفريدين، فهو مكون من مكونات هوية الأفارقة الذين تلقوه بالقبول منذ قرون.
إن التصوف السني هو أحد أبرز الثوابت الدينية المشتركة بين المغرب والبلدان الإفريقية، وهو مسلك لتطهير الباطن وتزكية النفس؛ يقوم على الالتزام بالفضائل والقيم الأخلاقية العملية.
إنه واجهة من واجهات السلوك الأخلاقي المعتبر المستنِد إلى الكتاب والسنة، ومنهج تربوي بديع في التزكية الموصلة إلى مقام الإحسان القاضي بضرورة تحقيق الانسجام بين المظهر والمخبر.
ويتميز التصوف السني -وفق رؤية العلماء الأفارقة- بمجموعة من المميزات والخصائص، من أبرزها ما يكون محققا لثمرات مفيدة، وآثار إيجابية على المجتمعات؛ من وسطية واعتدال وتسامح وسلام وتعايش ومحبة وغيرها. وهي تجليات تحضر بقوة في طبيعة التصوف الذي يسلكه المغاربة والأفارقة على السواء، من خلال ممارسات صوفية رائدة أطرها شيوخ التصوف في مختلف الطوائف والمدارس الروحية، وأسست بدون شك لمدارس رائدة في السلم الاجتماعي والتعارف الإنساني.