دكار – كلمة فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالسنغال بمناسبة توزيع جوائز مسابقة المؤسسة القرآنية في دورتها الثانية
بسم اللّه الرحمن الرحيم، الحمد لله القائل في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، (13، الحجرات) والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد،
يسرني ويُسْعِدُني أن أتناول الكلمة، باسم فرع السنغال لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة لأرحب بالضيوف المشاركين في هذا الحفل القرآني المغربي ولأشكر مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، لاستضافة السنغال هذه المناسبة الختامية احتفالا بالطلبة المشاركين في هذه المسابقة التي نظمت، عن بعد، في مدينة فاس المحروسة.
وأتقدم – بادئ ذي بدء– بخالص الشكر والامتنان إلى جلالة الملك محمد السادس؛ ملك المملكة المغربية – حفظه الله ونصره– راجيا من الله– عز وجل– أن يحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم.
أيها السادة الحضور الكرام،
إن القرآن الكريم الذي نحتفل به، اليوم، هو دستور المسلمين وقانونُ السماء لهداية الأرض. إليه يستند الدين الإسلامي في عقائده وعباداته وأحكامه وآدابه وإرشاداته. وهو كتابٌ تلاوتُهُ تَعَبُّدٌ، يُثاب عليها القارئ والمستمع؛ رُوِيَ عن سيدنا علي–كرم الله وجهه–قولُه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنها ستكون فتنة». فقلتُ: ما المَخْرَج منها يا رسول الله؟ قال: «كتابٌ فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، مَنْ تركه مِنْ جبَّار قَصَمَهُ الله، ومَنِ ابتغى الهدى في غيره أَضَلَّه الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا:(إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا به). من قال به صدق، ومن عمل به أُجِرَ، ومن حكم به عدل، ومن دعا به هدى إلى صراط مستقيم».
وقد وردت آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحض الناس وتحثهم على الإقبال على القرآن الكريم تلاوة وحفظا، تدبرا وتطبيقا، قال تعالى ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. (204، الأعراف). وقال أيضا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾. (29، فاطر).
ويكفي دارسي القرآن الكريم شرفا وفضلا أن جعلهم الله أشراف أمة محمد صلى الله عليه وسلم، التي هي خير أمة أخرجت للناس؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». كما قال أيضا:«أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ». وعن عبد الله بن عمرو بن العاص–رضي الله عنهما–عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُهَا»، ولأجل هذا كله، اهتمت المؤسسة بتنظيم هذه المسابقة القرآنية تشجيعا على الاهتمام بالقرآن الكريم تلاوة وتأملا وتدبرا.
هذا، وقد ثبت تاريخيا أنه كان ولا يزال بين ملوك المغرب وبيوت المشايخ في السنغال علاقاتٌ دينية وطيدة وروابطُ اجتماعيةٌ وثيقةٌ وإسهامات ثقافية رفيعة. وذلك انطلاقا من الملك محمد الخامس–طيَّب الله ثراه– إلى صاحب الجلالة، الملك محمد السادس- حفظه الله ونصره– مرورا بالملك الحسن الثاني – تغمده الله برحمته– فقد أسهموا جميعا في نشر الإسلام وثقافته وتوسعة رقعته وتنميتها، مما يدعو إلى ضرورة ترسيخ تلك العلاقات وتوثيقها واستثمارها لصالح الإسلام والمسلمين في كل مكان.
هذا، وقد تمخضت تلك العلاقاتُ الطيبةُ عن روابطِ صداقةٍ قويةٍ – كما قلنا آنفا – في مختلف الجوانب: الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى شراكة إستراتيجية عملية تضامنية، من شأنها الإسهام في دفع عجلة المؤاخاة بين البلدين.
ومن نتائج تلك العلاقة الأخوية الإسلامية، بناء هذا المسجد الكبير بدكار– هذا المسجد الذي نحتفل فيه اليوم بالفائزين في المسابقة القرآنية– فقد ساهم في تمويله جلالة الملك الحسن الثاني وشارك في تصميمه مهندسون مغاربة وأجانب. وتم افتتاحه في 27 من شهر مارس عام 1964، من قبل جلالة الملك الحسن الثاني – طيب الله ثراه – وبحضور رئيس السنغال الأسبق ليووبولد سيدار سنغور.
وأنوه بالجهود العظيمة التي يقوم بها صاحب الجلالة، الملك محمد السادس–حفظه الله ونصره– في سبيل نشر العلم وتربية النشء وتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، مما جعله رمزا للإنسانية في العالم عامة وفي المجتمع الإسلامي خاصة، فضلا عن كونه شخصية إسلامية عظيمة في توسعة وتخليد إسهام بلده العظيم في نشر الإسلام وتقدمه في أفريقيا وفي العالم كله بلا نزاع.
ومن ثمرة تلك العلاقة الأخوية تأسيسُ مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في عام2015م. وهي مؤسسة تضم 34 بلدا إفريقيا وعـددا كبيرا من علماء الإسلام، يلتقون كل سنة، في دورات خاصة لمُدارسة القضايا التي تهم الإسلام والمسلمين. وقبلها تأسست جمعية الصداقة بين علماء المغرب والسنغال، المعروفة بـ”رابطة علماء المغرب والسنغال“، في عهد الملك الحسن الثاني. وكان الأستاذُ إبراهيم محمود جوب؛ أحـدُ أعلام البلاد -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- أول أمين عام لها، فقد أدى الأمانة وقاد الرابطة ولعب دورا بناء في توثيق العلاقات الأخوية المغربية السنغالية وتطويرها في إطار تلك الرابطة؛ حيث خدم العلم والثقافة الإسلامية العربية من خلالها؛ فجزاه الله عن الأخوة الإسلامية والثقافة العربية خيرا كبيرا.
ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، مؤسسة دينية إسلامية، تُعْنَى بالتعاون بين علماء المغرب وعلماء باقي البلدان الإفريقية من جهة، وبين هؤلاء بعضهم ببعض، من جهة أخرى، تُعْنَى بما يحفظ الدين من التشويه والتطرف، وبما يجعل قِيَمَهُ السمحةَ في خدمة الاستقرار والسلام والتنمية في هذه البلدان الأفريقية.
كما تسعى المؤسسة، بصفة عامة وفرع السنغال، بصفة خاصة، برئاسة البروفيسور روحان امباي، الذي نتمنى له شفاء عاجلا غير آجل، تسعى المؤسسة – كما قلنا – إلى تحقيق أهداف سامية، مثل العمل على توحيد جهود العلماء المسلمين في المغرب وباقي البلدان الإفريقية، والإسهام في تفعيل وترسيخ قيم التسامح والعيش المشترك والاعتدال في المجتمعات الإفريقية من أجل تنمية شاملة دائمة في القارة، هذا بجانب الاشتغال بإحياء التراث الثقافي الأفريقي الإسلامي وإقامة الأنشطة الفكرية والثقافية التي من شأنها ربط صلات التعاون مع الجمعيات والهيئات ذات الاهتمام المشترك وإعطاء ديناميكية وحيوية جديدة في المجال الإسلامي.
وأشكر، قبل الختام، فخامة رئيس الجمهورية/ محمد مَاكِي صَالْ الذى أصدر توجيهاته النيرة إلى السيد وزير الداخلية لتسهيل دخول وفود المؤسسة إلى دكار لحضور الاحتفال القرآني – فجزاه الله كل الخير – كما أؤكد له أن السيد الوزير، قد قام بالواجب ونفذ جميع توجيهات السيد الرئيس.
هذا، ويسعدني أن أهنئ جميع الفائزين في قارتنا الأفريقية، وأخص ابننا الطالب محمد الماحى تورِي، الفائز بالمرتبة الأولى في الحفظ الكامل برواية حفص عن عاصم. وهو من الزاوية الإبراهيمية بكولخ. وأجدد دعاء الشيخ إبراهيم نياس- رضي الله عنه – حيث يقول:
فلتجعلن حفظ كتابك الكريم *** كرامتي إلى لقائك العظيم
راجيا من الله – جل وعلا – أن يبقي هذا الدعاء إلى يوم لا ينفع المال ولا البنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وفي الختام، أتضرع إلى الله أن ينصر قائدينا: صاحب الجلالة الملك محمد السادس –حفظه الله ونصره– وأخاه فخامة رئيس جمهورية السنغال، السيد ماكى صال، ويوفقهما وينصر بلديهما. كما أرجو من الله – تبارك وتعالى – أن يقر عين جلالة الملك بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن وجميع أفراد الأسرة الملكية المجيدة. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.