أنفاس المغاربة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
اعتنق المغاربة الإسلام الحنيف، فاختلط بأنفاسهم حب النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وامتزج بدمائهم حتى عُرفوا واشتهروا، بين الشعوب الإسلامية، بتعلقهم الفارضيّ بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وبآل بيته الكرام.
وكان من بين علامات هذا التعلق دأبُهم -ولا سيما منذ القرن السابع الهجري- على الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم؛ مولين لهذه المناسبة ما يليق بها من بهجة وغبطة وبهيِّ احتفاء واحتفال. وقد جمعوا في الإفصاح عن مشاعرهم الدينية الصادقة حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العناية بمصنفات السيرة النبوية وشمائل وخصائص ودلائل نبوة النبي الكريم؛ وبين دراسة وتدريس السيرة والإسهام في الـتأليف فيها والتعريف بمكارم وكمالات صاحبها؛ وبين إكرام الأشراف والعلماء وشعراء المديح النبوي والذاكرين والصبيان؛ وبين الإنشاد والتغني بشمائل وحب المصطفى عليه أزكى الصلاة والسلام.
وقد جاءت عنايتهم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتغني بشمائله ومكارمه استجابة وتلبية لنداء إلهي عظيم بالصلاة على ذي الخُلُق العظيم، لقوله تعالى: “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” (الأحزاب: 56)، كما جاءت تعبيرا عن صدق محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بما هو عنوان على صدق الإيمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ” لا يُؤْمِنُ أحدكم حتى أكون أحَبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”[1]، بل حتى يكون المحبوب الأكرم عليه الصلاة والسلام أحبَّ للمؤمن من نفسه، فقد ورد أن سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خاطب نبينا الكريم: ” أنت أحبُّ إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك، فقال عمر: فإنه الآن، لأنت أحب إلي من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر”[2].
هكذا، وفي ظل إسلام سني وتدين وسطي معتدل، كفلتهما أشعرية العقيدة ومالكية الفقه وسنية السلوك الجنيدي، وإمارة المؤمنين، انتعشت الصلاة على النبي الكريم في حياة المغاربة الدينية والثقافية، وتنوعت أساليب تعبيرهم الفني عن مشاعر تعلقهم وحبهم للجناب النبوي الكريم، حيث فاضت قرائحهم برقيق الأشعار ولطيف الأذكار، وأطلقوا لمواهبهم حرية التغني والتحبير والابتكار، وتنافسوا في إظهار شغفهم بالنبي المختار وآل بيته الأطهار، حتى صارت ذخيرة أهل المغرب زاخرة وفاخرة بتآليف الصلاة على النبي ومتون المديح النبوي؛ سواء فيي المنثور أو المنظوم، وسواء كان القريض فصيحا موزونا أم موشحا أم ملحونا. كما تنوعت المتون بتنوع اللغات واللهجات التي تزخر بها ثقافتهم، فأبدعوا متونا مديحية بالعربية والأمازيغية والحسانية؛ مع تعدد في أساليب التنغيم وطرائق التوقيع وطقوس الأداء، وتَوَحدٍ في المنطلق والقصد والوجدان.
وبذلك أصبح المديح النبوي من المظاهر الثقافية والحضارية للهوية الدينية المغربية الأصيلة، حيث تحضر الصلاة على النبي الكريم في حياة المغاربة، من مختلف الفئات والشرائح والمناطق، من المهد إلى اللحد، وفي مختلف أعرافهم وطقوسهم من أفراح وأتراح، وفي مختلف أنشطتهم الفلاحية والتجارية والصناعية، بل وتشكل عاملا رئيسا من عوامل تحقيق التماسك الروحي للمجتمع المغربي، وصياغة هويته الإسلامية وأصالته الثقافية المتميزة.
هوامش
[1] أخرجه مسلم في “صحيحه”
[2] أخرجه البخاري في “صحيحه”