التصوف المغربي
يمكن الحديث عن التصوف المغربي يوم دخول الإسلام أرضه، فكانت التعاليم لا تتجزأ وكان المغاربة مسلمين ومتصوفين في علاقة لا تنفصم، تجلى ذلك في حبهم للدين وللنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين، الذي برز في بيعة قبائل المغرب للمولى إدريس الأكبر رضي الله عنه وزواجه من السيدة كنزة الأَوْرَبِية.
بدايات التصوف المغربي
ولكن يمكن رصد مظاهر التصوف المغربي بما هو سلوك تربوي له تمظهرات وتمثلات في الواقع، من خلال التربية على يد الشيوخ الذين خبروا النفوس وعرفوا مكامن الأدواء منها. مع نهاية القرن السادس ظهرت الدعوة إلى إصلاح القلوب وتغذية الأرواح من معين التربية، مع مجموعة من العارفين والمربين الذين امتدت فروع دوحة تربيتهم إلى أمكنة وأزمنة بعدهم، منهم الشيخ محمد بن عبد الكريم الشهير بابن الكتاني الصوفي، والشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي الحاتمي، الذي استقر بالمغرب مدة، وكذا الشيخ أبو الحسن الحرالي المفسر الصوفي الكبير، والشيخ أبو يعزى يلنور، والشيخ علي بن حرزهم… وغيرهم ممن جعلوا المغرب بلد الأولياء كما كان المشرق بلد الأنبياء، ويمكن القول بأن الأمر استقر بشكله التربوي مع الشيخ عبد السلام بن مشيش وتلامذته، كالشيخ أبي الحسن الشاذلي، ثم نضج واستوى على سوقه مع الشيخ أبي سليمان الجزولي الذي يعد مؤسس أول زاوية وأول طريقة صوفية.
تطور مفهوم الزاوية
ذلك وإن مفهوم الزاوية تحول مع مجموعة من العارفين إلى مشروع روحي جماعي يتربى فيه المريد مع غيره على يد شيخ ليتخرجوا من الزوايا أئمة ومصلحين، بدل العمل الفردي القائم على إصلاح النفس والخلوة وكثرة الذكر والعبادات، فتأسست زوايا ذات بعد إصلاحي روحي وتعليمي واجتماعي وسياسي يمكن أن نصطلح عليها بالزوايا الأمهات، كما تفرعت الطرق الصوفية والزوايا التي يمكن أن نصطلح عليه بالزوايا الفروع، كالزاوية الفاسية التي تأسست على يد الشيخ أبي المحاسن يوسف الفاسي ثم الشيخ عبد الرحمن بن محمد الفاسي أواخر القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر بمدينة فاس، واستقطبت العديد من المريدين والأتباع، وكذلك الزاوية الناصرية بتمكروت التي تأسست على يد الشيخ عمر بن أحمد الأنصاري في القرن العاشر الهجري، بالإضافة إلى الزاوية المعينية التي أسسها الشيخ محمد ماء العينين بالصحراء المغربية، وكان لها إشعاع جهادي إضافة إلى إشعاعها التربوي والروحي والتعليمي، ثم سطع نجم بعض الزوايا في الوقت الحالي كالزاوية البودشيشية ذات المشرب القادري بمداغ شرق المغرب، ولها مريدون وأتباع كثر داخل المغرب وخارجه.
وما تزال هذه الزوايا تجدد من أدوارها الروحية والتعليمية والروحية لتستجيب لاحتياجات الناس إلى التربية والتزكية، وقد حملت في ذاكراتها العلمية والروحية والجمالية ما يشكل معلما مميزا لعمل أهل المغرب في التدين عقيدة وفقها وسلوكا وثقافة، يرعاها أمير المؤمنين بالعناية والرعاية، ويضمن لها إشعاعها المفتوح في الزمان والمكان لتسهمَ في تلبية الخصاص الروحي للمسلم ضمن تحديات السياق المعاصر.