الزاوية المختارية: خلفاء الشيخ المختار الكنتي
توارث أبناء كنتة الصلاح مثلما توارثوا الزعامة الروحية على الطريقة القادرية أبا عن جد، وكانت لهم طريقة خاصة في تناولها، حيث كان يعهد الشيخ بسبحته أو سجادته أو عكازه إلى خليفته على حد قول الشيخ محمد بن المختار الكنتي: “… بل المعهود المتعارف بين مشايخ طريقتنا (الزاوية المختارية) وأعيان طائفتنا، مناولة الشيخ لخليفته عندما يعهد إليه سبحة أو سجادة أو عكازا ونحو ذلك مما يختص به”[1].
وبناء عليه، نسجل خلو تاريخ الزاوية المختارية من التنافس حول المشيخة، وبالتالي استمرار وراثة الزاوية في البيت الكنتي. وفيما يلي خلفاء الزاوية الذين ذاع صيتهم وانتشر خبرهم، وكان لهم دور في نشر التصوف المختاري الكنتي وامتداد الطريقة المختارية:
الشيخ محمد بن المختار
ولد محمد بن المختار الكنتي سنة 1178 ه/ 1765م بمنطقة أزواد[2] شمال مدينة تمبوكتو، نشأ في ظل رعاية والده، ودرس عليه العلم الظاهر والباطن. وأخذ عنه المقروءات نفسها التي أخذها عن والده عن شيوخه وهي الفقه والنحو وعلوم المعاني والأصول والحديث والسيرة والتفسير وكتب التصوف. وقرأ عليه رسالة ابن أبي زيد القيرواني وهو لم يبلغ الحلم بعد، حوالي تسع سنوات[3]. كما ساهمت والدته بدورها في تكوينه، ذلك ما يستشف من جواب والده حينما طلب منه الابن الإذن له للتغرب في طلب العلم: ” … فلا عليك أن تقيم مع والدتك طلبا للعلم مشتغلا في تحصيله، فعسى إن وجدت علما في غير هذا الموضع أن لا تجده إلا مكشوف الأنوار”[4]. ويفهم من هذا القول أن الشيخ كان لا يلازم ابنه كثيرا نظرا لانشغاله بأمور القبيلة والطريقة، بل كان يقيم في السفرة العام وشيعه. ولذلك كانت والدته في الغالب هي المعين له في مرحلة تعليمه الأولي.
تولى الشيخ محمد بن المختار شؤون الزاوية المختارية بعد وفاة والده، وصار منذئذ أحد علماء إفريقيا الغربية، وتزعم الطريقة المختارية الكنتية ما بين 1227-1242 ه/1811-1826م، وتخرج على يده مجموعة من الصوفية والعلماء، منهم الشيخ سيديا[5] الذي أخذ عن والده قبله حتى أنه لقب بالقطب[6]. وعلاوة على ذلك اشتهر بعلمه وتآليفه، ومن أبرز مؤلفاته[7]:
– الطرائف والتلائد من كرامات الشيخين الوالدة والوالد؛
– جنة المريد دون المديد؛
– أوثق عرى الاعتصام؛
– أجوبة فقهية؛
– رسالة إلى الأمير الغلاني أمير ماسينة؛
– رسالة في اسم الله الأعظم؛
– الروض الخصيب في شرح نفح الطيب؛
– النبذة الصافية؛
– الفتوحات اللدنية بشرح التصلية الناصرية؛
– الفوائد النورانية في اسم الله الأعظم؛
– وصية بالتقوى.
توفي الشيخ محمد بن المختار سنة 1241 ه/1826م عن عمر 61 سنة، ودفن بأبي الأنوار إلى جانب والده قرب الزاوية[8].
الشيخ المختار الصغير أو الحفيد
هو المختار الصغير ابن محمد بن المختار الكنتي، ولد سنة 1204 ه/1790م[9]، نشأ وترعرع في زاوية جده ثم والده، وغدا من بين أهم شيوخ الزاوية، وتصدر للتدريس بالزاوية إلى جانب والده مدة من الزمن، الأمر الذي أهله لقيادة الزاوية، وقصده العديد من المريدين المتشوفين لدروس التصوف والصلاح، تخرج على يده عدد من الشيوخ ساهموا في نشر الطريقة. توفي سنة 1263 ه/1847م[10] وخلفه أخوه أحمد البكاي في تسيير شؤون الزاوية المختارية.
أحمد البكاي
لقب بالبكاي تيمنا بالشيخ أحمد البكاي الأكبر[11]، رابع شيوخ الزاوية المختارية، ولد سنة 1219ه/1803م، وتوفي 1284ه/1868م، تلقى تعليمه الأولي إلى جانب جده الشيخ المختار الكبير، وكذا والده الشيخ محمد[12]. كان نائبا لأخيه المختار الصغير في تسيير الزاوية ثم حل محله على رأس الزاوية المختارية، وأصبح بالتالي الزعيم الروحي لكنتة وأكبر شيوخ القادرية في غرب إفريقيا[13]. وقد كرس حياته في الدعوة إلى إحياء السنة وإماتة البدعة وتصحيح إسلام القبائل الحديثة العهد بالإسلام، وخلف مجموعة من المؤلفات[14] منها:
– رسالة إلى أهل مراكش وجوابهم له؛
– مراسلة إلى أهل المغرب عموما وخصوصا؛
– فتح القدوس في الرد على أكنسوس؛
قصائد في المديح والرثاء.
* محمد نعايم والسعدية أوتبعزيت
(مجلة دعوة الحق، العدد 415، ربيع الثاني 1437 ه/ فبراير 2016م)
الهوامش
[1] محمد بن المختار الكنتي، الطرائف والتلائد، ج 1، ص 180
[2] Paul MARTY, Etude sur l’Islam et les tribus du Soudan, les Kunta de l’est et les Birabish, collection de la revue du monde musulman, Editions Ernest le Roux, Paris, 1920, p :63.
[3] محمد بن المختار الكنتي، الطرائف والتلائد، ج 1، ص 398.
[4] محمد بن المختار الكنتي، الطرائف والتلائد، مقدمة المحقق، ص 18.
[5] أحمد بن الأمين الشنقيطي، الوسيط، ص 240.
[6] العباس بن إبراهيم المراكشي، الإعلام، ج 6، 1977، ص 318.
[7] محمد المنوني، المدرسة الكنتية، ملحق رقم 1، ص 102-103.
[8] Paul MARTY, Etude sur l’Islam, p :68
Fatima BIBED, Les Kunta à travers quelques extraits, p :272.
[9] Paul MARTY, Etude sur l’Islam, p :75
[10] Ibid.
[11] Ibid.
[12] Ibid. p: 93
[13] Paul MARTY, Etude sur l’Islam, p :93
[14] محمد المنوني، المدرسة الكنتية، ص 103.