المدرسة المالكية الفاسية: النشأة والمميزات (المرحلة الإدريسية)
المدرسة المالكية الفاسية : النشأة والمميزات (المرحلة الإدريسية) – الدكتور حميد لحمر
تقديم
ذهب أغلب الباحثين ممن يهتم بتاريخ المذهب المالكي ومدارسه إلى القول بأنه بعد وفاة الإمام مالك بن أنس- رحمه الله- تكونت في أنحاء البلاد الإسلامية براعم المدرسة المالكية الكبرى، كان من وراءها أولئك الذين تتلمذوا على الإمام مالك والتزموا مذهبه وأصوله الاستنباطية الفقهية، وتطورت هذه البراعم، لتصبح فروعا كبيرة لشجرة المذهب العظيمة، بل ليصبح كل فرع منها مدرسة تحت راية المدرسة المذهبية الكبرى، ولكل مدرسة من هذه المدارس نشاطها العلمي الذي تتميز به، وممن ذهب إلى هذا، الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، ثم عد هذه المدارس فحصرها في خمسة، وهي: المدرسة المدنية الأم، والمدرسة المصرية والمدرسة العراقية والمدرسة المغربية، والمدرسة الأندلسية.
ومعلوم لدى البعض، أن هناك مدرسة أخرى مستقلة، لا تقل أهمية عما سبق، ظلت ولمدة طويلة مهملة، على رغم أهميتها، وحتى إذا ذكرت، جاءت مقرونة بالمدرسة المغربية –الكبرى – [1]التي تعنى أو تشغل حيزا جغرافيا واسعا [2].
هذه المدرسة هي: المدرسة المالكية الفاسية –بالمغرب الأقصى – ولعل التقصير في ذكر أخبار هذه المدرسة وقضاياها وشؤونها عموما بالشكل الكافي، إنما هو من طرف أهلها، فهي لحد الآن لا زالت بعد لم تحظ بالعناية الكافية والدراسة التامة اللازمة كما درست المدارس الأخرى.
وقد نبه على هذا النوع من الإهمال لبعض الجوانب التاريخية المغربية، الدكتور عبد الهادي التازي – رحمه الله -، قال: ” ظلت الشكوى من إهمال المغاربة لتاريخهم لازمة لكل الذين حاولوا أن يقدموا إلى المكتبة المغربية تاريخا مدققا، وخاصة المراحل الأولى التي تقع وراء الظلال “.[3]
وفي حدود اطلاعي، أن أول مؤلف نبه على هذه المدرسة وأهميتها ورتب أعلامها وترجم لهم، هو العلامة الشيخ محمد مخلوف[4] في كتابه: “شجرة النور الزكية في طبقات علماء المالكية ” أثناء الحديث عن فروع المدرسة المالكية الكبرى، حيث ذكر فرع العراق، وفرع مصر، وفرع إفريقية، وفرع الأندلس، وختم بفرع فاس، وفي مكان آخر، عبر بفرع المغربين: الأقصى والأوسط، تحت مسمى فاس.
بل ذهب إلى أبعد من هذا، حيث ذكر طبقات كل فرع بالترتيب، ومنهم طبقة علماء فاس، وبدأ هذا الفرع بالفقيه دراس بن إسماعيل الفاسي المتوفى سنة 357 هـ، واعتبره مؤسس مدرسة فاس المالكية [5]، وقال في مقدمة ترجمته: ومن هنا كان تفريع فاس، وهو جامع لعلماء المغربيين الأقصى والأوسط “، والمغرب الأوسط هو المعروف –بالقطر الجزائري حاليا -، وهو الرأي الذي سوف يتبناه صاحب الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي للشيخ الحجوي الثعالبي.
يقول الشيخ محمد مخلوف في مكان آخر،: ” اعلم أن عقود درر الشجرة –يعني كتابه- انتظم من سبع وعشرين طبقة، والإمام مالك قدس الله روحه من رجال الطبقة الرابعة، ومذهبه ظهر بالمدينة المنورة، ثم انتشر في حياته وبعد وفاته في أقاليم كثيرة وأقطار متعددة، منها الحجاز والعراق ومصر وطرابلس والأندلس وإفريقية، وصقلية والسودان والمغرب الأقصى والأوسط، لكن انتشاره كان طويل المد في خصوص العراق ومصر وإفريقيا والأندلس والمغربين، فحالته في هاته الأقطار جديرة بأن تذكر وتطلب، وحقيقة أن تبسط، إذ هي فروع خمسة في رجال المذهب وترتيب رجال كل فرع على مقتضى الوفيات من أوله إلى منتهاه “[6]
فقد ذهب الشيخ إلى اعتبار فروع المدرسة المالكية الكبيرة خمسة: وهو مخالف لما ذهب إليه آخرون من أنها أربعة فقط، وإهمالهم لفرع فاس.
وقال صاحب مظاهر النهضة الحديثة في عصر يعقوب المنصور الموحدي: ” وقد قامت في رحاب المذهب المالكي أربع مدارس، يختلف بعضها عن بعض، اختلافا يسيرا، حسب اجتهادات فقهائها داخل المذهب، وهي:
- المدرسة المالكية العراقية التي تزعمها الإمام القعنبي تلميذ الإمام مالك، وراوموطأه.
- المدرسة المالكية المصرية التي تزعمها عبد الرحمن بن القاسم العتقي تلميذ الإمام مالك ت 191ه.
- مدرسة القيروان، التي تزعمها علي بن زياد تلميذ الإمام مالك، وراو موطأه، وعبد السلام بن سحنون المتوفى سنة 204 هـ
- مدرسة قرطبة، التي ترأسها يحيى بن يحيى الليثي المصمودي الأندلسي الطنجي تلميذ الإمام مالك بن أنس المتوفى سنة 234 هـ وراو موطأه.
- وهاتان المدرستان الأخيرتان، تحولتا فيما بعد، إلى مدينة فاس “[7]
فتكون مدرسة فاس إذن هي المدرسة الخامسة بعد المدارس الأربع المشهورة.
كما نجد التجيبي في برنامجه، يشير إلى هذه المدرسة، معبرا عنها بقوله: ” فاس دار فقه المغرب “[8]
وكذا قال مؤرخ المذهب، الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: “… وقد ساق –الهدي الإلهي – لجامع القرويين فقيها عمره، فتأسس به المركز التوجيهي الجديد، ونبت به فرع جديد، لم يكن له سابق من فروع المذهب المالكي، وهو فرع المغرب الأقصى…. “[9]
كما أشار إلى هذه المدرسة الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي في كتابه: اصطلاح المذهب، أثناء الحديث عن المدرسة التونسية، حيث قال: “تمخضت مدرسة تونس، عن مدرسة مالكية أخرى، هي: مدرسة فاس والمغرب الأقصى “[10]
هذا الفرع الفاسي، هو الذي أضحى فيما بعد، الممثل للمذهب المالكي في المغرب العربي بعامة، والأندلس بخاصة، بعد استقرار المهاجرين من علمائه في أنحاء المغرب العربي.
فإذا ثبت ومن خلال النصوص التي ذكرناها، بأن هناك مدرسة مالكية خامسة أسست بالمغرب الأقصى إلى جانب المدارس الأربع المشهورة، وأنها عرفت بالمدرسة المالكية الفاسية، فإن الأخبار التي وصلتنا عنها تكاد تكون جد شحيحة، لا تقدم لنا هذه المدرسة بالشكل الذي يليق بها.
ومساهمة مني في بحث هذه المدرسة بأقصى الغرب الإسلامي، ومحاولة إبراز بعض جوانبها التاريخية، وبعض مميزاتها ومعالمها الحضارية، قررت أن أبحث فيها جانب النشأة الأولى، مركزا على المرحلة الإدريسية بالخصوص ودورها في رعايتها والعناية بها، وعنونتها ب:” المدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات، عهد الدولة الإدريسية ”
وقيدت هذه المدرسة بمصطلح الفاسية، تمييزا لها عن المدرسة المغربية الكبرى [11] – ذات الجغرافيا الواسعة الممتدة – والهدف من اختيار هذا الموضوع، هو محاولة إثبات وجود مدرسة مالكية بهذا البلد الأمين – المملكة المغربية -، وكان مركزها مدينة فاس مركز الدولة المغربية الأولى، تكاملت – سابقا – مع باقي المدارس الأخرى، فشكلت إلى جانبها سلسلة ممتدة متماسكة، من المحيط إلى الخليج، وقد وضع حجرها الأساس في إطار نشأتها الأولى في أواخر القرن الثاني الهجري، تميزت عن باقي المدارس، بخصائص ومميزات محلية.
وأريد أن أنبه منذ البداية، أن الحديث عن فاس العالمة ومدرستها المالكية، هو في الواقع حديث عن المغرب الأقصى بكامله [12]، ذلكم لأن أول دولة إسلامية متكاملة الأركان، سوف تتأسس بالمغرب الأقصى، كانت بفاس، وأول مؤسسة جامعية شعبية مفتوحة في وجه جميع الشرائح، سوف تؤسس بالمغرب الأقصى، كانت بفاس، وأول مؤسسة ستحتضن المذهب المالكي كانت بفاس، وهي جامع القرويين، وأول مدينة بعد وليلي تستقبل وتحتضن بعض ساكنة حاضرتي: قرطبة والقيروان المالكيتين، هي فاس.
وفي حقها يقول الشريف الإدريسي ت 560 هـ: ” ومدينة فاس قطب ومدار المغرب الأقصى….. وهي حاضرتها الكبرى، ومقصدها الأشهر، تشد لها الركاب، وإليها تقصد القوافل…. ولها من كل شيء حسن أكبر نصيب وأوفر حظ.”[13].
وقال عنها المراكشي: ” إنها حاضرة المغرب في وقتنا هذا، وموضع العلم منه، اجتمع فيها علم القيروان وعلم قرطبة، إذ كانت قرطبة قاطرة الأندلس لما كانت القيروان حاضرة المغرب، فلما اضطرب أمر القيروان بعبث العرب فيها، واضطرب أمر قرطبة باختلاف بني أمية بعد موت أبي عامر بن محمد بن عامر وابنه، رحل من هذه من كان فيها من العلماء والفقهاء من كل طبقة فرارا من الفتنة، فنزل أكثرهم مدينة فاس، فهي اليوم على غاية الحضارة…. ، وما زلت أسمع المشايخ يدعونها بغداد المغرب، وبحق ما قالوا من ذلك… ، وما أظن في الدنيا مدينة كمدينة فاس.. ” [14].
بهذه الكلمات يقدم المراكشي مدينة فاس، وهي تؤكد القولة المأثورة: العلم كقمح، نتج بالمدينة، وصفي ببغداد، وطحن بالقيروان، وغربل بقرطبة، وأكل بفاس ” [15]
ويختم الدكتور عبد الهادي التازي وهو يتحدث عن فاس كلامه قائلا: ” وهل عرف العالم كله بلاد المغرب إلا إذا قرن باسم فاس “[16].
قلت: وهل عرف العالم كله مدينة فاس، إلا إذا قرن باسم القرويين؟
وإن الحديث عن المدرسة المالكية الفاسية يدفعني –ومن باب الاستحسان- إلى الحديث عن تاريخ دخول الإسلام، والوضع المذهبي الذي كان سائدا بالمغرب الأقصى بعد الفتح إلى حين ظهور المذهب المالكي.
فأقول باختصار شديد: لقد عرف الإسلام طريقه إلى المغرب منذ بداية النصف الثاني من القرن الأول الهجري، فقد تم فتحه على يد عقبة بن نافع –رحمه الله- سنة 62 للهجرة، ثم دخلته مجموعة يقودها الفاتح موسى بن نصير – رضي الله عنه – سنة 87 للهجرة، ثم طارق بن زياد، الشخصية البطولية الجهادية التي لم تقف عند نقطة المغرب الأقصى، بل امتد فتحه حتى وصل الضفة الأخرى، حيث الجزيرة الخضراء، ثم جاء بعد هؤلاء داعية حاول استكمال ما تم إنجازه من قبل، وهو المولى إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. ثم خلفه بعده ابنه المولى إدريس الثاني، فأكمل بناء الدولة، وأسس عاصمتها فاس، وقد كانت الدولة الإدريسية، هي أول دولة مغربية مسلمة مستقلة عن المشرق في المغرب الأقصى.
أما عن الوضع الديني والمذهبي قبل دخول المولى إدريس، فتذكر كتب التاريخ، أنه في النصف الأخير من القرن الثاني الهجري، كان المغرب يعيش وسط خضم من المذاهب والتيارات والفرق الإسلامية، سواء على صعيد السياسة، أو العقيدة، أو الفقه، وكان بعضها يتسم بالغلو والمبالغة، فهناك من جهة وجود الخوارج [17]هؤلاء الذين رحب بهم المغاربة حين هزموا في المشرق واستقروا في مراكز مختلفة من المغرب، في مدينة طنجة التي سوف يظهر فيها زعيم كبير من زعماء الخوارج الصفرية [18]، وهو ميسرة المدغري، الذي سيقوم من المغرب بحملة ضد الدولة المركزية في المشرق، سوف يتقوى الخوارج، ويكون لهم نفوذ في سجلماسة التي أسست فيها إمارة على رأي الصفرية كذلك، وهي إمارة بني مدرار، ومن سجلماسة التي يبدو أنها كانت مركزا مهما للخوارج، سيذهب إلى طرابلس أبو الخطاب المعافري الذي كانت له الرياسة في ليبيا، وسوف يطارده العباسيون إلى أن يرحل إلى القيروان.
ثم هناك الاعتزال، هذا الاعتزال الذي يقول لنا التاريخ أن قبيلة أوربة التي آوت المولى إدريس، كانت على رأيه، ولابد أن نعيد إلى الذاكرة أن أول درس لقنه إدريس بن عبد الله الكامل لحاكم “وليلي ” كان يتعلق بمذهب المعتزلة.
ويحدثنا التاريخ كذلك، عن جماعة تسمى الواصلية –نسبة إلى واصل بن عطاء – كانت موجودة في المغرب، ووجد إلى جانب هذا، مذهب أبي حنيفة في الفقه، وسوف يستمر إلى عهد المولى إدريس الثاني بعد بناء فاس، وهو الذي أكده القاضي عياض في المدارك، ونقله الناصري في الاستقصا، حيث قال: ” ظهر مذهب أبي حنيفة بإفريقية ظهورا كبيرا إلى قرب أربعمائة سنة فانقطع منها، ودخل منه شيء إلى ما وراءها من المغرب قديما بمدينة فاس وبالأندلس…. “[19]
وفي هذه الفترة أيضا، لا نستبعد أن يكون لمذهب الإمام الأوزاعي وجود في المغرب الأقصى بسبب العلاقة والقرب من الأندلس التي كانت تساس من طرف الدولة الأموية، وكانت تتمذهب بمذهب الإمام الأوزاعي، وهو مذهب أهل الشام والرحلات المتبادلة بين البلدين.
فالمغرب بالرغم من بعد مسافته عن المشرق، ظل مرتبطا به، يتلقف ما يصل إليه من آراء وأفكار بواسطة المبعوثين والرسل والحجاج، والرحالة، وكذلك عن طريق المضطهدين الذين كانوا يجدون في المغرب حماية منيعة لهم من متابعة الحكام في المشرق.
وعلى العموم، هكذا كانت حالة المغرب إلى عهد دخول المولى إدريس المغرب، فلا يوجد فيه ذكر للمذهب المالكي. [20]باستثناء ما ذكره ابن الخطيب، في: “إعمال الأعلام” من أنه كانت بشمال المغرب الأقصى إمارة عربية سنية مالكية، لعبت دورا كبيرا في نشر الإسلام واللغة العربية والفكر السني بين سكان منطقة الريف، كما قاومت في نفس الوقت، التيار الخارجي، والغزوالشيعي، وهو نفس المهمة التي اضطلعت بها إمارة الأمويين بالأندلس والأدارسة في أغلب فترات حكمهم ببلاد المغرب الأقصى، وهذا مايفسر مسالمة الأدارسة، ومؤازرة الأمويين لبني صالح الحميريين – اليمنيي الأصل -، هذه المؤازرة التي خففت من أثر الضربات التي تلقتها هذه الإمارة السنية، وهي تقاوم تيار الخوارج وعدوان الشيعة الروافض.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى اعتبار الإمارة النكورية، ما هي إلا ولاية أندلسية، وليست إمارة مستقلة ببلاد الريف، وهذا ما جعل التواصل العلمي والوجود الأندلسي حاضرا باستمرار في الإمارة النكورية، وعلى جميع المستويات والمجالات، فالنكورية ينجدون إخوانهم الأندلسيين في حروبهم مع النصارى، ولا تقتصر هذه المشاركة في الغزو على العامة، بل يسهم في هذا الإنجاد الأمراء كذلك، كما أن الأندلسيين كانوا يسارعون إلى نجدة إخوانهم النكوريين[21]كلما هددهم عدوان [22].ولذلك ذهب أغلب الباحثين إلى اعتبار الإمارة النكورية، ما هي إلا جزء تابع لإمارة المدرسة المالكية الأندلسية.
فمتى إذن ظهرت بذور هذا المذهب بالمغرب؟
بدايات المدرسة المالكية في المغرب
يجيبنا الباحث محمد أبو العزم عن هذا السؤال قائلا: وأما المغرب –يعني المغرب الأقصى – فيمكن إرجاع تكوين نواة مدرسة مالكية به إلى عصر الدولة الإدريسية الذي بدأ منذ سنة 172 للهجرة [23]. وهو بهذا يرجع ظهور المذهب المالكي بالمغرب إلى عهد إدريس الأول – رضي الله عنه – وهو الذي سوف يتبناه الدكتور عبد الهادي التازي في كتابه جامع القرويين.
وقد أجمعت كتب التاريخ على أنه في الوقت الذي سيفد المولى إدريس على المغرب، سوف يرحب به المغاربة ويبايعونه [24]وانصب اهتمامه منذ البدايةباستكمال الدعوة الإسلامية التي بدأها من جاء قبله، يظهر ذلك جليا في خطبته الشهيرة التي خطب بها المغاربة، وفيها يقول: “……..أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإلى العدل في الرعية، والقسم بالسوية، ورفع المظالم، والأخذ بيد المظلوم، وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد…. -إلى أن يقول -…. فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور وأنصار الكتاب والسنة القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيين…… “.
فيبدو واضحا أن هذه الرسالة تفوح بروح معاني الكتاب والسنة، وهو المنهج السني المطلق، ولا تشم منها أية رائحة يمكن أن يفهم منها أن المولى إدريس كان يريد أن يوحي أو يثير أو يفرض شيئا، فالذي كان يهم المولى إدريس وهو في معركة ضد العباسيين، ومعه أسرته، وكان يكفيه أي يقوي نفسه، وأن يجد له مكانا يستقر فيه وينطلق منه، ويبدو أن العباسيين أدركوا ذلك، ولهذا ما كاد يستقر في المغرب الأقصى حتى طاردوه وأرسلوا له من قتله بالسم، كما هو معروف تاريخيا.
وبناء على هذا الموقف، ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن المولى إدريس كان همه نشر الكتاب والسنة، وهو الذي حمل بذور شجرة المذهب إلى المغرب الأقصى، وأن هذا تم في حياة الإمام مالك – رحمه الله-
وممن تبنى هذا الرأي الدكتور عبد الهادي التازي – رحمه الله -، في كتابه جامع القرويين، حيث قال: ” لقد ورد إدريس يحمل مذهبا غير كل هذه المذاهب فنحن على سابق علم بما ورد عن الإمام مالك من مناصرة بالأمس لمحمد النفس الزكية، تلك المناصرة التي عرفته المحنة والعذاب، فلم لا يدعو الإمام إدريس اليوم إلى الاقتصار على مذهب مالك ” [25]وهكذا جاءهم بالموطأ فنشره بينهم، وكان يؤثر عنه قوله:”نحن أحق باتباع مذهب مالك وقراءة كتابه ” وذلك لرواية الإمام إدريس للموطأ عن والده عبد الله الكامل “[26]
وإذا كان هذا صحيحا، فسوف يكون حينئذ أن الموطأ دخل المغرب في حياة الإمام مالك –كما كان الأمر في الأندلس، وهذا جد مستبعد- في تقديري – لافتقارنا إلى المصادر التي تثبت ذلك، أو تقوي الرأي الأخير.
وهذا هو الذي أكده الكتاني في الأزهار العطرة، فقد جزم بأن الإمام إدريس كان على مذهب مالك، ودعا الناس للأخذ به واتباع منهجه، وجعله مذهبا رسميا للدولة معززا ذلك بقوله: ” نحن أحق باتباع مذهب مالك وقراءة كتابه ” [27]
وفي تقديري، أنه من الصعب جدا أن نسلم بهذا القول الذي يحتاج إلى المزيد من البحث والتوثيق، ثم المصادر التاريخية التي بين أيدينا، لا تساعدنا لكي نتبنى هذا الرأي ونسلم به، فهي نفسها تحتاج إلى توثيق.
لكن الذي يمكن أن نميل إليه في هذا الصدد، ونسجله كنقطة إيجابية نحو هذا المذهب، هو أن هناك تعاطفا كان بين الأدارسة في شخص الإمام إدريس الأب والإمام مالك، وهو تعاطف له مظهران اثنان، يقول الدكتور عباس الجراري:
- الأول: يتمثل في أن الإمام مالك يروي في موطئه عن عبد الله الكامل والد المولى إدريس.
- الثاني: أي المظهر الثاني، يتجلى في أن الإمام مالك، كان له موقف من العباسيين، هذا الموقف الذي كان لصالح أخ المولى إدريس، وهو المسمى بالنفس الزكية، ولهذا بمجرد ظهور هذا الأخير، أعلن الإمام مالك بطلان بيعة أبي جعفر، لماذا؟
لأنها كانت على الإكراه، بل كان قبل ذلك يقول ببطلان طلاق المكره، وسقوط يمين الإكراه على العموم، وقصته في ذلك مشهورة، فقد ضرب في ذلك بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت عن كتفه، كما تحكي كتب التاريخ. [28]
إذن يمكن القول، بأن هناك ما يجعل المولى إدريس يسير على خط أهل السنة، وهو الذي يترجمه نص خطبته السابقة، وربما كان يعمل على التهيئ مستقبلا لنشر المذهب المالكي.
على أن هذا الاختلاف الواقع حول إدريس الأول وعلاقته بالمذهب المالكي، سوف يختفي، ولا نجده مع ابنه إدريس الثاني، الذي تكاد تجمع المصادر، على أنه في وقته دخل أول كتاب حديثي للمغرب الأقصى، وبالضبط لمدينة فاس، وهو موطأ الإمام مالك، وهذا الأخير هو عمدة المذهب، ولبه وأصله، وهذا متفق عليه، كما يقال بأنه ألزم الناس بقراءته وإقراءه.
وهذه الرواية، تنفي ما ذهب إليه الدكتور عبد الهادي التازي- رحمه الله – ومتبوعه الدكتور أبو العزم.
وإذا سلمنا بأن المذهب المالكي دخل المغرب في عهد الدولة الإدريسية وأن أغلبية المؤرخين ذهبوا إلى أن هذا تم في عهد إدريس الثاني، فهل يمكن تحديد فترته الزمنية، وآلياته المعتبرة في هذا الدخول والانتشار؟
هناك روايتان في تحديد تاريخ المذهب المالكي والآليات المعتبرة في دخوله:
الأولى: تذهب إلى أن دخوله تأخر إلى أواسط القرن الثاني الهجري –تاريخ تأسيس الدولة الإدريسية –
الثانية: تذهب إلى أن دخوله تأخر إلى أواسط القرن الرابع الهجري –يعني أواخر عصر الأدارسة –
ومنشأ الخلاف راجع إلى الخلاف فيما هو المعتبر في دخول المذهب المالكي إلى المغرب الأقصى، هل دخول موطأ الإمام مالك بن أنس؟ أم دخول المدونة السحنونية؟
ومعلوم أن كتاب الموطأ، دخل أواخر القرن الثاني الهجري، أما كتاب المدونة، فقد دخلت المغرب الأقصى في أواسط القرن الرابع الهجري.
والذي أميل إليه، وأختاره وأرحجه في تاريخ دخول المذهب المالكي المغرب الأقصى، هو دخول كتاب الموطأ، فدخول هذا الكتاب، يعتبر نقطة بدء دخول المذهب، وتكوين نواة المدرسة المالكية الفاسية، سيما وأنه أصل المذهب ولبه وأساسه، كما أن أغلب المدارس المالكية كان أول ما دخلها من آثار هذا المذهب كتاب الموطأ، فبدخوله بلاد الأندلس مثلا – رواية وسماعا – تم وضع اللبنات الأولى لقيام المدرسة الفقهية المالكية ببلاد الأندلس، وقد كان ذلك من طرف الغازي بن قيس، أيام عبد الرحمن الداخل، وقيل: إن من أدخل الموطأ هو زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون.
وفي قول ثالث، أنه يحيى بن يحيى الليثي المصمودي [29].كما قامت المدرسة المالكية التونسية في البداية على موطأ الإمام مالك، وعلي بن زياد، هو أول من أدخله تونس [30]
إلى جانب هذا، فإن القواعد الأصولية والحديثية، توجب تقديمه لأمور منها:
- أن الموطأ كتبه الإمام مالك بيده، ونقحه مدة أربعين سنة، والمدونة ليس كذلك، لأنه لم يكتبها ولم ينقحها.
- أن الموطأ رواه عن الإمام، عدد كبير من العلماء، فهو منقول بالتواثر، والمدونة ليست كذلك، بل انفرد بها عبد الرحمن بن القاسم العتقي.
- أن من جملة رواة الموطأ، أصحابه وتلاميذه المدنيين، وهم الذين لازموه إلى وفاته، وابن القاسم الذي بنيت المدونة على روايته فارق مالكا قبل مماته بعشرين سنة، والملازم للشيخ، مقدم على المفارق له.
- أن أقوال الإمام في الموطأ، مصحوبة بدليلها من آية أو حديث أو أثر، أما الأقوال المنسوبة إليه في المدونة، فجلها إن لم نقل كلها عارية عن الدليل.
- الموطأ كتاب يجمع خلاصة ما تلقاه من مشيخة المدينة الحافظين لعلم الصحابة والتابعين، بها ولما نقل عنهم من الآثار يجمعها بعد التحري والنظر والعرض على الأصول التي انبنت عليها الأفكار الشرعية.
وعليه، فيكون دخول المذهب المالكي إلى المغرب في أواخر القرن الثاني الهجري، الذي هو تاريخ دخول كتاب الموطأ في عهد إدريس الثاني، وكان ذلك على يد القاضي عامر بن محمد القيسي الأندلسي.
قال الكتاني: وبدخول الموطأ المغرب تحول المغاربة من المذهب الحنفي إلى المذهب المالكي، إذ لم يكد القرن الرابع يطل، حتى كان المذهب المالكي قد بدأ ينتشر في المغرب الأقصى وتتجدر أصوله وفروعه في سائر مرافق الحياة. “[31]
ومن الروايات التي ذهبت إلى القول بأن هذا الفرع تأسس في النصف الثاني من القرن الرابع ما نص عليه الفاضل بن عاشور، حيث قال: “…. لقد ساق – الهدي الإلهي – لجامع القرويين فقيها عمره، فتأسس به المركز التوجيهي الجديد، ونبت به فرع جديد، لم يكن له سابق من فروع المذهب المالكي، وهو فرع المغرب الأقصى الذي لم يتكون إلا في أوائل القرن الرابع بهذا الفقيه… وهو دراس بن إسماعيل…. “[32]
ولنا أن نتساءل بعد هذا، عن كيفية تعامل الدولة الإدريسية مع هذا المذهب، فإذا كان هذا المذهب قد دخل في عصرهم، فهل تقرر مذهبا رسميا بالمغرب على يد الأدارسة، أم تأخر ذلك إلى ما بعد عصرهم ؟؟
الدولة الإدريسية والمدرسة المالكية
اختلف المؤرخون في الإجابة عن هذا السؤال، فهناك من يذهب إلى أنه لا يوجد أي نص، ولا رواية تاريخية، تثبت أن الأدارسة دعوا إلى مذهب الإمام مالك رسميا، ولا أن مؤسس الدولة الإدريسية أخذ بالمذهب المالكي، وأن عصر الأدارسة عرف مذاهب متعددة: الخارجية والشيعية والمالكية.
في حين هناك من يرى أن إدريس بن إدريس “177-213″” جعل مذهب الإمام مالك مذهبا رسميا للدولة، وأصدر أمره لولاته بذلك، بل جزم البعض أن إدريس بن إدريس كان مالكي المذهب، ويحفظ الموطأ ويستوعبه.
وقد ذهب أحمد بن عبد الحي الحلبي الفاسي المتوفى سنة 1120إلى أن إدريس الثاني كان على مذهب الإمام مالك أو سفيان الثوري “[33]
وقد فسر هذا الرأي، بناء على أن أول قاض سوف يعينه إدريس الثاني كان هو: عامر بن محمد القيسي الأندلسي، وهذا الأخير أخذ عن الإمامين: مالك بن أنس وسفيان الثوري، وروى عنهما. وبالتالي، فهو لا يستبعد أن يكون على مذهب أحدهما، وهذا هو الذي جعل بعض المؤرخين يرجحون أن المولى إدريس كان على مذهب الإمام مالك بن أنس، أو سفيان الثوري، لاعتقادهم أنه تبنى مذهب قاضيه المذكور[34]
والذي أميل إليه وأرجحه، أن القاضي عامر القيسي، كان على مذهب مالك بن أنس، لأسباب ظهرت لي أجملها فيما يلي:
- أنه قدم من بلاد مذهبها الرسمي، هو مذهب الإمام مالك بن أنس.
- أنه من تلامذة الإمام مالك بن أنس، والراجح أنه سمع منه أشياء أخرى غير الموطأ، وبالتالي، فهو متشبع بالتوجه المالكي.
- أتى المغرب يحمل موطأ الإمام مالك، وهو أصل المذهب، وهذا يدل على الاهتمام الذي كان يوليه لهذا الكتاب، وربما إشارة منه إلى المولى إدريس بأهمية الكتاب ومذهب صاحبه.
- كما يغلب على الظن، أنه كان على علم تام بعلاقة الدولة العلوية الإدريسية وموقف الإمام مالك لفائدة عمه محمد النفس الزكية، الذي انتصر له في قضية البيعة، وجده عبد الله الكامل الذي يروي عنه في الموطأ.
أما الفئة التي ذهبت إلى إقرار المذهب المالكي مذهبا رسميا في عصر الدولة الإدريسية، عللوا رأيهم بشيئين اثنين:
أولا: أن مالكا يروي في موطئه عن عبد الله الكامل، وهو والد المولى إدريس الأول.
ثانيا: أن مالكا له موقف ضد العباسيين لصالح العلويين، فقد أفتى هذا الأخير عند قيام محمد النفس الزكية، أخ المولى إدريس الأول، بأن بيعة أبي جعفر المنصور العباسي لا تلزم، لأنها وقعت بالإكراه، وضرب في ذلك كما هو معروف تاريخيا، وبايع محمدا المذكور، وعهد لأخيه إدريس الأكبر بالخلافة بعده [35].
وقد اشتركت هذه الأمور مجتمعة في التعاطف مع مذهب الإمام مالك والدعوة له والتمسك به، وسينضاف إلى هذين السببين عنصر ثالث هو:
هجرة الأندلسيين – القرطبيين – والقيروانيين إلى المغرب في العهد الإدريسي الثاني، وحول هذا الموضوع ذهب بعض المؤرخين إلى أن أول مرحلة من مراحل اتصال المغاربة بالمذهب المالكي في منطقة النفوذ الإدريسي كان عن طريق الدفعة الأولى من العرب الوافدين على المغرب من إفريقية والأندلس[36]، فوافوا إدريس الثاني بمدينة وليلي، وذلك سنة 189 للهجرة، وكان هؤلاء الوافدون في الجملة، نحو خمسمائة فارس من مختلف قبائل العرب، فسر إدريس بمقدمهم، واتخذهم بطانة له، حيث استوزر منهم عمير بن مصعب الأزدي، وكان من فرسان العرب وساداتها، وكان موقع العاصمة الإدريسية الثانية فاس من اكتشافه واختياره، واستقضى منهم: عامر بن محمد القيسي الأندلسي [37]، وكان رجلا صالحا ورعا فقيها، سمع من مالك وسفيان الثوري – كما ذكرنا سابقا – وروى عنهما كثيرا، قدم من المشرق إلى الأندلس مجاهدا ثم وفد على إدريس الثاني في جملة الوافدين عليه من الأندلس.
واستكتب إدريس الثاني من هؤلاء، الفقيه المالكي: أبا الحسن بن مالك الأنصاري الخزرجي، وهو الذي تولى كتابة عقد شراء المولى إدريس الثاني للبقعة التي بنيت عليها العاصمة فاس من أهلها، وكان ذلك سنة 191 للهجرة.
وبإشراك المولى إدريس الثاني لهذه النخبة من رجال العلم والصلاح في مسؤولية الحكم، وتسيير الدولة، يكون قد فتح الباب على مصراعيه لدخول مذهب عالم المدينة إمام الأئمة مالك بن أنس الذي تربطه بالأدارسة أكثر من صلة، ولذلك قال الباحث أبو العزم محمد أثناء الحديث عن تكوين المدارس المالكية: ” أما في المغرب، يمكن إرجاع تكوين نواة مدرسة مالكية به إلى عصر الدولة الإدريسية، الذي بدأ منذ سنة 172 للهجرة – أي في عهد إدريس الأول-…. وسار ابنه إدريس الثاني على نفس النهج، فلم يدخل معركة خاسرة مع فقهاء المذهب المالكي، بل كان متعاطفا معهم، وحسبنا أن مجموعة من الفقهاء المالكيين وفدوا في عهده من الأندلس بعد وقعة الربض سنة 202 للهجرة، سعى إلى استقطابهم جميعا. [38]
وفي هذه الحقبة، تم إدخال كتاب الموطأ إلى المغرب، فكان أثره في تعميم المذهب المالكي وذيوعه في أوساط المغاربة.
ثم توالت الوفود بعد هذا على المولى إدريس الثاني من الحاضرتين المالكيتين: القيروان والأندلس، الأمر الذي جعله ينزل أهل كل بلد في عدوة من عدوتي فاس بعد بنائها، حيث نسب كل عدوة إلى نازليها، فكانت عدوة القرويين، وعددهم نحو ثلاثمائة أسرة، منها آل الفهري الذين أسسوا جامع القرويين، وعدوة الأندلسيين، ويبلغ عددهم نحو أربعة آلاف بيت، وقد هاجرت هذه الأخيرة من قرطبة بعد ثورة الربضيين، وكان ذلك بزعامة رجل أمازيغي، أصله من طنجة من قبيلة نفزة المصمودية، يحيى بن يحيى الليثي المصمودي المتوفى سنة 234 للهجرة وهو الذي سمع الموطأ كاملا من مالك بن أنس.
وكان من جملة ما حملته هذه الوفود إلى المغرب الأقصى كتاب الموطأ، وقد سر المولى إدريس الثاني بقدوم هذه الوفود وقربهم إليه، وأسكنهم معه في مدينة فاس [39] وأقطع كلا من الوافدين مكانا يحمل إلى اليوم اسمه – وهو الذي أشرنا إليه – عدوة القرويين، وعدوة الأندلسيين [40]، ومن الجالية العربية استقضى على فاس – كما ذكرنا سابقا – عامرا القيسي الأندلسي. [41]
يقول الباحث التونسي نجم الدين الهنتاتي نقلا عن عبد العزيز الفيلالي: ” ومن الممكن أن التقارب الذي برز في مرحلة أولى بين الأدارسة والأمويين والموجه ضد العباسيين، قد ساهم في تسرب الاتجاه السني إلى المغرب الأقصى إلا أن ذلك التقارب سرعان ما ينقلب إلى عداوة نتيجة لاستقبال إدريس الثاني للثوار العرب الأندلسيين [42]
على هذا الأساس تكون الدولة الإدريسية في شخص إدريس الثاني – على الخصوص- هي التي وضعت الحجر الأساس في تأسيس هذه المدرسة بعد اختيارها للخط السني الذي يقوم على الدعوة إلى الكتاب والسنة [43]-وهو بمثابة غرس بذرة المذهب – وبعد فتحها الباب لدخول أول كتاب حديثي، وهو موطأ الأمام مالك بن أنس والدعوة له، ثم تطعيم هذه المبادرة باستقبال طائفتين تنتميان لمركزين كبيرين من مراكز المذهب المالكي، هما: قرطبة والقيروان وقد حدث هذا في عهد إدريس الثاني.
فالدولة كما يقول المرحوم المكي الناصري: لا تستطيع أن ترسم مذهبا إذا لم تكن لديها الأطر الكافية لذلك المذهب، فالمذهب المالكي لا في الأندلس، ولا في المغرب، لم يصبح رسميا إلا بعد أن اختارته النخبة المثقفة عن طواعية وبينة… فوجدت الدولة الأطر الكافية للقضاء والفتوى من تلك النخبة الممتازة، وبعد ذلك، أخذت على عاتقها مساندته وتشجيعه، ولقد جاء الفاطميون وحاولوا أن يفرضوا مذهبهم الشيعي بدلا من مذهب الإمام مالك، وجاء الموحدون فحاولوا في بداية أمرهم أن يفرضوا مذهبهم المهدوي بدلا من مذهب الإمام مالك بن أنس، ولكن باءت محاولاتهم أخيرا بالفشل. “[44]
فالمذهب المالكي – كما ذكرنا – أصبح رسميا، لأن أرضية استنباته، كانت مهيأة ومستعدة لتقبله رسميا.
مرحلة بناء المدرسة المالكية في المغرب
على أننا إذا تخطينا الجهد الذي قام به إدريس بن إدريس في دعم المذهب المالكي ونشره كخطوة أولى من خطوات التأسيس للمدرسة المالكية، والدور الذي كان لقاضيه عامر القيسي الأندلسي في ذلك، واتجهنا لبحث المرحلة الموالية لمرحلة النشأة، وهي مرحلة البناء، أمكننا حصر بناتها الأساسيين في دور ثلاثة أمور نرتبها في الفقرات التالية:
- الفقرة الأولى: دور كبار علماء المالكية – البناة- في الفترة الإدريسية.
- الفقرة الثانية: الأصول العلمية المالكية المعتمدة في نقل المذهب المالكي.
- الفقرة الثالثة: بناء جامع القرويين، والأندلس.
الفقرة الأولى: الأعلام البناة للمدرسة المالكية الفاسية بعد نشأتها الأولى
لعب بعض علماء المذهب المالكي الأوائل دورا مهما في ترسيخ المذهب المالكي بالمغرب الأقصى، فإلى جانب ما ذكرناه سابقا من الأعلام الذين وافوا المولى إدريس، فاستقضى واستوزر واستكتب منهم، أنجبت البيئة المغربية – الفاسية- طائفة من العلماء تتلمذ أغلبهم على القرطبيين والقيروانيين، ثم رحلوا بعد ذلك لاستكمال ثقافتهم وتكوينهم في المذهب المالكي، اشتهر منهم أسماء أربعة ممن كان لهم أثر بارز في مسيرة هذه المدرسة في عهد الدولة الإدريسية – عهد النشأة والبناء- وعملوا على توطيد المذهب المالكي في المغرب الأقصى انطلاقا من فاس، وهم حسب ترتيب تاريخ وفاتهم:
- الشيخ أبو هارون العمري ت سنة 313 للهجرة.
البصري[45] من بصرة المغرب، قرب مدينة فاس، اسمه عمران بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن عبد الله بن علي بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –
قال القاضي عياض: قال بعضهم عن سلمة بن فضل بن سلمة: طرأ إلينا إلى بجانة، وهو من أهل بصرة المغرب، فسمع أبي منه كتب ابن المواز ثم رجع إلى بلده.
قال غيره: وهو أول من أدخل كتاب محمد بن المواز الأندلس، وسمع منه فضل كتاب ابن المواز.
كما خرج حاجا مع جماعة من أهل بلده، فوصلوا إلى المدينة فقصد دار جده عمر، فاجتمع بأهله، فأنسب لهم، فقبلوه وصححوا نسبه، وأخرجوا إليه درع عمر وسيفه، فلبي الدرع وتقلد السيف.
وسمع بالإسكندرية من ابن ميسر، وابن أبي مطر، وبالقيروان من ابن اللباد.
وقال: كان هارون فقيها، وقرأت بخط الحكم أنه كان ببجانة يطلب عند فضل بن سلمة، وأخذ عنه فضل كتاب إجازة عن ابن ميسر، واختصر فضل بعض الكتاب.
وكانت وفاة أبي هارون الفقيه بالبصرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة [313ه][46]
- الشيخ جبر الله بن القاسم الفاسي المتوفى سنة: 350 للهجرة.
من المتقدمين الذين كانوا يلازمون بصفة خاصة جامع الأندلس في الجانب الغربي منها، وهو ممن أدخل علم مالك بن أنس إلى فاس، وساعد على نشره بالعدوتين، ولذلك يعد من مشاهير علماء فاس وفقهائها، لقي الإمام أصبغ بن الفرج المصري، وسمع منه، وهو ممن لحقوا دراس بن إسماعيل الفاسي.
ويروى أن دراسا لما قدم بكتاب محمد بن المواز، قال له جبر الله: ما الذي جئت به؟ فأخبره بالكتاب المذكور، فقال له: أذكر منه، فجعل دراس يذكر المسائل، وجبر الله يجيبه بما حفظ، وما لم يحفظ قاسه على أصول مذهب مالك. [47]
- الشيخ ابن سعادة المتوفى سنة 355 للهجرة:
هو الفقيه أبو موسى عيسى بن سعادة، من فقهاء فاس الأولين، الذين أخذوا عن جبر الله بن القاسم، وقد طلب العلم أيضا بالقيروان ومصر والأندلس، كان صاحب أبي الحسن القابسي، وسمع من أبي الحسن بن الإمام والدباغ والأبياني، وصحب الأصيلي أيضا، وحمزة بن محمد وغيرهما. ذكره ابن سهل في مختصر المدارك، أدركه أجله بمصر سنة 355 للهجرة، ولما توفي تنازعه الفقهاء والمحدثون، كلهم يدعيه ويقول: أنا أحق بالصلاة عليه. [48]
وأرجح أن يكون ابن سعادة هذا، هو أول من أدخل المدونة لفاس، يدل على ذلك قطع المدونة السحنونية الرقية التي بخزانة القرويين بفاس بعضها، تحمل اسم تملك ابن سعادة لها، قبل دراس بن إسماعيل.
- الشيخ دراس بن إسماعيل الفاسي المتوفى سنة: 357 للهجرة
يقول الدكتور عبد الهادي التازي – رحمه الله -: وهذا علم عظيم من أعلام فاس، أستاذ بالأندلس والقيروان وسبتة، أخذ العلم عن شيوخ بلده، ورحل إلى الأندلس، واستقر بها طالبا ومجاهدا.
قال القاضي: وله رحلة حج فيها، وسمع من علي بن أبي مطر[49] بالإسكندرية كتاب ابن المواز، وحدث به بالقيروان، وأخذ عنه بها أبو محمد بن عبد الله بن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة والنوادر والزيادات، وأبو الحسن القابسي المحدث الفقيه صاحب الملخص والممهد، وغيرهما. ثم رجع إلى فاس، فكان أو من أدخل إليها مدونة سحنون، وممن أخذ عنه أو المطرف عبد الرحمن بن خلف التجيبي الإقليشي[50]، وأبو عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن أحمد بن العجوز الكتامي، عالم سبتة، الذي روى عنه جماعة من سبتة وفاس.
وكانت إليه الرحلة بالمغرب في وقته، وعليه مدار الفتيا. وذكر عن بعض أصحاب أبي بكر بن اللباد، قال: كنت يوما جالسا في مجلس أبي بكر بن اللباد وأبو ميمونة يقرأ عليه الموطأ، فتوافقا في حديث، فخالفه فيه شيخنا، وقال أبو ميمونة: كتابي هذا قرأته بالأندلس وبفاس. فأمر أبو بكر بإخراج موطأ ابن وهب وكتب كثيرة، حتى تقرر عددهم حقيقة الحرف الذي اختلفوا فيه، فلما نظر أبو بكر إلى الكتب والرزم قد حلت ضاق، وقال لابن ميمونة، يا هذا فيك استقصاء، وما أظنك تريد إلا أن تكون ديكا في بلدك.
فقال أبو ميمونة: أكرمك الله، ولو شئت أن أكون ديكا في غير بلدي كنت…… ” والقصة بكاملها في ترتيب المدارك.
وتوفي بفاس –رحمه الله- في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة [357 هـ] فيما قاله ابن الفرضي، ودفن بالموضع المعروف بمطرح الأجلة، الموقوف على دفن الغرباء خارج باب الجيزيين من مدينة عدوة فاس الأندلس، وتعرف حاليا بباب الحمراء.
وكان له -رحمه الله- بفاس مسجد يعرف به بحومة مصمودة، من عدوة فاس الأندلس، ويقال: إن قبلته أقوم قبلة بفاس، وبه كان يدرس الفقه، بعد رجوعه من المشرق.
وقال صاحب السلوة: ويحكى أن أبا محمد بن أبا زيد القيرواني قدم فاس لزيارته، فوجده قد توفي في ذلك اليوم، فحضر جنازته وأقام بقبره ثلاثة أيام، وكان ذلك سبب زيارة القبور بفاس تلك الأيام إلى الآن. ولما أراد الرحيل من تم إلى بلده أنشد:
قف بالمقابر للتوديع يا حادي “” فإن في جوفها قلبي وأكبادي [51]
وقد اعتمد هؤلاء الفقهاء في بناء هذه المدرسة على أصول علمية في غاية الأهمية [52]، هي محور النقطة الموالية التالية:
الفقرة الثانية: الأصول العلمية المالكية المعتمدة في بناء المدرسة المالكية الفاسية
هذه الفقرة مرتبطة بالتي قبلها، فمن خلال تراجم العلماء السالفي الذكر، يمكننا الوقوف على أهم الأصول العلمية التي دخلت المغرب الأقصى، واعتمدتها المدرسة المالكية الفاسية أساسا في ترسيخ المذهب المالكي، واعتبارها قاعدة صالحة للبناء- إلى حدود النصف الأول من القرن الرابع الهجري، فترة بداية اضمحلال وضعف الدولة الإدريسية – وهي على العموم:
أ/ كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس الأصبحي المتوفى سنة 179ه.
ب/ كتاب مدونة سحنون المتوفى سنة 204ه عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس.
ج/كتاب الموازية لمحمد بن المواز المتوفى سنة 269 هـ.
د/ أسمعة أصبغ بن الفرج المتوفى سنة 255 هـ.
هذه الكتب، هي أشهر ما ألف في المذهب المالكي عموما في مرحلة التأسيس، بعد كتاب الموطأ، الأصل الأول لهذا المذهب، وهي التي تشكل الأسس التي قام عليها المذهب المالكي على العموم إلى جانب بعضها الآخر – كالعتبية والواضحة – كما نالت منزلتها عند أهل المذهب لأسباب زمنية وموضوعية، باعتبارها من أوائل المصنفات الجامعة للروايات والأقوال في المذهب المالكي، حيث تمت على يد المتقدمين من كبار العلماء حتى أصبحت بمنزلة الأم بالنسبة للمؤلفات التي جاءت بعدها.
ولقد وصل منها إلى المغرب الأقصى إلى حدود الفترة التي ندرسها، وحسب ما توصلت إليه، الأربعة المشار إليها أعلاه، وهي التالية:
الأصل الأول: كتاب الموطأ
دخل موطأ الإمام مالك بن أنس مدينة فاس، مع القاضي عامر القيسي الأندلسي أيام إدريس الثاني، وهو كتاب فقه وحديث معا، ويعد كتاب الموطأ، أول مؤلف في تاريخ الإسلام، تناقلته الأجيال منذ تأليفه، ثبتت نسبته إلى صاحبه.
قال القاضي عياض في كتابه القبس: ” الموطأ، هو أول كتاب ألف في شرائع الإسلام وهو آخره، لأنه لم يؤلف مثله، إذ بناه مالك على تمهيد الأصول للفروع، ونبه فيه على معظم أصول الفقه التي ترجع إليها مسائله “.
وقال ولي الله الدهلوي: كتاب الموطأ، أصح كتب الفقه وأشهرها وأقدمها، وأجمعها، وقد اتفق السواد الأعظم من الملة المرحومة على العمل به، والاجتهاد في روايته”[53].
كما بوبه على أبواب الفقه، فأحسن ترتيبه وتبويبه، فكان كتابا حديثيا فقهيا، جمع بين الأصل والفرع، فهو أول تدوين يعتبر في الحديث والفقه [54] إذ لم يختلف أهل النظر إلى معاني الأمور وغايتها في أن الموطأ أول كتاب قصد منه إثبات الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم [55].
وقد وصفه الإمام الشافعي، قال: ” ما كتاب أكثر صوابا بعد كتاب الله من كتاب مالك. ” وقال: ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك بن أنس ” وقال: ما كتاب بعد كتاب الله عز وجل أنفع من موطأ مالك بن أنس “[56]
ومن اليقين، أنه ليس بيد أحد اليوم، كتاب في الفقه أقوى من الموطأ، لأن فضل كتاب: إما باعتبار المؤلف، أو من جهة التزام الصحة، أو باعتبار الشهرة، أو من جهة القبول، أو باعتبار حسن الترتيب واستيعاب المقاصد، ونحو ذلك، وكل ذلك يوجد في الموطأ [57].
وقد اعتمدت المدرسة المالكية الفاسية على الموطأ، وأصول المذهب هي المدونة والموطأ، إلا أن الموطأ مقدم في الفقه على المدونة، فالموطأ عدة مذهب مالك وأساسه.
الأصل الثاني: كتاب المدونة
أجمع العلماء على أن أول من أدخلها مدينة فاس هو الفقيه دراس بن إسماعيل الفاسي [ت 375ه]. وهي للإمام عبد السلام سحنون المتوفى سنة 240 للهجرة، ويعتبر أقدم كتاب وصل المغرب الأقصى بعد كتاب الموطأ، وهو في مجمله عبارة عن أسئلة، سئل عنها عبد الرحمن بن القاسم، تلميذ مالك، فأجاب عنها بما كان سمعه من شيخه مالك بن أنس، وكان إذا لم يجد في المسألة جوابا لمالك، يجيب عنها باجتهاده، كما تحتوي على آراء فقهية وأجوبة لبعض تلامذة الإمام مالك: كعبد الله بن وهب، وأشهب بن عبد العزيز، وغيرهم.
والمدونة، هي أصل المذهب المالكي وعمدة الفقهاء في القضاء والإفتاء المرجح روايتها على سائر الأمهات، وهي الأصل الثاني بعد الموطأ في الفقه المالكي، إذ بها كانوا يتناظرون ويتذاكرون، وإليها كانوا يرجعون فيما أشكل عليهم من هذا المذهب [58]
ولعل أي كتاب من كتب المذهب لم يحظ بما حظيت به المدونة، إذ تعلق الناس بها، وحفظوها عن ظهر قلب على كبر حجمها، وأكثروا من الشروح لها، ومن التعليق عليها، والتنبيه على غريبها ومشكلاتها، وقد روى ابن رشد عن بعضهم قوله: ” ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك رحمه الله، ولا بعد الموطأ ديوان في الفقه أفيد من المدونة “[59]
وعلى العموم، المدونة دستور المالكية الذي يحتكمون إليه، أيا كانت مدارسهم وعصورهم، حتى قال قائلهم: ” ما من حكم نزل من السماء، إلا وهو في المدونة “فهي أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين، وهي أصل المذهب وعمدته، حتى صار يطلق عليها: ” الأم ” وكذلك إذا أطلق الكتاب فإنما يريدونها لصيرورته عندهم علما بالغلبة عليها [60]. ولقيمتها العلمية وأهميتها بين كتب المذهب، ذهب بعض المؤرخين للمذهب إلى اعتبار دراس بن إسماعيل – الذي يعتبر أول من أدخلها فاس – بأنه أول من أدخل المذهب المالكي المغرب الأقصى.
وفي تقديري، أن هذا كلام جانب الصواب، وأن أول من أدخل المدونة، هو: ابن سعادة.
الأصل الثالث: كتاب الموازية
دخل هذا الكتاب المغرب الأقصى عن طريق ثلاثة من الأعلام، والراجح أن يكون أول من أدخله، هو أبو هارون البصري ت 313 للهجرة، كما كان هو السباقفي إدخاله إلى الأندلس، وسمعه منه، فضل بن سلمة.
أما الثاني ممن أدخله المغرب الأقصى، فهو: جبر الله بن القاسم الفاسي ت 350 للهجرة، وهو الراجح المتأكد من خلال الحوار الذي دار بينه وبين دراس بن إسماعيل.
أما الثالث: فهو دراس بن إسماعيل، وهو الذي اشتهر على ألسنة الناس، بأنه أدخل الموازية، ومعلوم أنه هو الذي يقال أنه أدخل المدونة أيضا [61].
وقد صارت الموازية في القرن الرابع الهجري، أحد أشهر كتب الفقه في شمال أفريقيا، حيث ضمت كتب المسائل العويصة في الفقه المالكي، فضلا عن الاهتمام بفروع المالكية[62].
وقد بلغ من تقدير المالكية لهذا الكتاب، أن رجحه أبو الحسن القابسي على سائر الأمهات، وتعد سماعات ابن المواز وآراؤه التي ضمنها كتابه، قمة ترجيحات المدرسة المالكية المصرية، فعلى قول ابن المواز المعول في مصر [63]
الأصل الرابع: أسمعة أصبغ بن الفرج
هذه أسمعة أصبغ عن ابن القاسم تلميذ الإمام مالك بن أنس، وهي عشرون كتابا، سمعها الشيخ جبر الله بن القاسم الفاسي، الذي كانت له رحلة إلى المشرق، تمكن خلالها من حضور مجلس أصبغ فسمعها منه، ويغلب على الظن، أن يكون هو أول من أدخلها المغرب الأقصى.
والذي يغلب على هذه الكتب، أنها في عمومها عبارة عن مسموعات عن الإمام مالك، وإن البنية الأساسية لمذهب مالك، تتكون من الموطأ، ومن السماعات، أي الآراء الفقهية التي يرويها تلامذته، وينقلونها عنه. والكتب التي تجمع السماعات، كتب لا شك في اعتمادها، إذ هي منقولة نقل الثقة عن الإمام مالك بن أنس، وقد تضم هذه الكتب اجتهاد الناقل الشخصية تكتسب الاعتماد من الثقة لقائلها، ومدى معرفته بمذهب مالك وأصوله.
تلكم هي أهم كتب هذه المرحلة من تاريخ المدرسة المالكية الفاسية، وأكثرها اعتمادا، وهي من الكتب التي اصطلح على تسميتها، بالكتب الأمهات.
وغني عن التنبيه، أن الأمهات، كانت تمثل الكتب الأساس لجميع فروع المدارس الفقهية المالكية، ومنها المدرسة الفاسية، فهذه الأخيرة، تسير والاتجاه التي سلكته باقي المدارس في بداية نشأتها، وما يميزها أنها إنتاجات مدارس، أسسها تلاميذ الإمام مالك، خصوصا المصريين والقيروانيين.
فالمدونة مثلا، إنتاج مدرسة قيروانية مصرية، مؤلفوها تلاميذ مالك.
والموازية، إنتاج مدرسة مصرية أغلبها مرويات تلاميذ الإمام مالك.
وأسمعة أصبغ بن الفرج مصرية المواد، بنيت أساسا على مرويات التلاميذ عن إمام المذهب.
الفقرة الثالثة: بناء جامع القرويين والأندلس
أ – جامع القرويين
جرت العادة أنه عندما يتحدث التاريخ عن حضارة مدينة ما من المدن، فإنه يقصد إلى عدد من الكيانات، وطائفة من المقومات، والخصائص والمميزات، جعلت من تلك المدينة حاضرة، وفيما يخص فاس بالذات، فهي على الرغم من أنها العاصمة الأولى للدولة الإدريسية في المغرب الأقصى، وكونها مدينة شكلت أساسا من ساكنة عدوتين مالكيتين: أندلسية وقيروانية، وكونها الأولى التي احتضنت المذهب المالكي بشكل رسمي، ورحبت بموطأ الإمام مالك بن أنس، أول كتاب حديثي يحل بها، وبمدونة سحنون – ولعله- أول كتاب فقهي يدخلها مع دراس بن إسماعيل الفاسي – كما تحكي الروايات.[64] فيها شيء آخر تولد عن هذه الحركات المتطورة المتلاحقة، وكان وراء نهضة كبيرة، انعكست على جوانب مختلفة، هو قلبها وهو عصبها، وهو روحها وبصرها، هو كل شيء فيها، ولم يكن هذا الشيء غير جامع القرويين، هذا الجامع الذي تميز بأنه شيد في مدينة وضع حجرها الأساس لا برسم أن تكون معبرا أو متجرا، أو مصنعا، لكن لتكون أولا وبالذات: ” دار فقه وعلم ” [65] وكذلك كان، فقد فتح جامع القرويين عيونه على مذهب الإمام مالك بن أنس وبعض المذاهب، بيد أن سائر تلك المذاهب أخذت تختفي شيئا فشيئا على مر الأيام، إلى أن انقرضت نهائيا من المغرب الأقصى، وسيبقى المذهب المالكي هو السائد، والمذهب الرسمي للمغاربة. [66]
وإن الفضل في انتشار المذهب المالكي، يرجع إلى هذا الجامع، لأنه منذ تأسيسه سنة 245 هـ [67] وهو يقوم بخدمة هذا المذهب، وذلك بما خرجه من علماء كان لهم الأثر الحاسم في نشر مبادئه بين المغاربة، ثم سيتعزز ذلك بوفود نخبة من العلماء الذين وصلوا إلى المشرق، وعادوا يحملون أصولا علمية في غاية الأهمية عليها المعول في الشرق.
ومما تميز به هذا الجامع، استمرار الدراسة به بصفة مطردة منذ الفترات الأولى، ولم تتفكك حلقاته الدراسية، وحتى عندما اتخذ المرابطون مراكش عاصمتهم عام 462للهجرة، وبناء جامع ابن يوسف، ظلت القرويين مركز إشعاع علمي، وظل قضاة ” مقر الخلافة ” مراكش من أمثال عيسى بن عمران ت 578 للهجرة، يبعثون أبنائهم للزود من معينها، وكان يتم مثل هذا في الأصقاع الجنوبية، ومدن الساحل الشمالي[68]
ويرجع الفضل في تأسيس هذا الجامع، –إلى جانب السيدة الفاضلة فاطمة الفهرية المتبرعة بالمال – إلى حفيد المولى إدريس الثاني، وهو: يحيى الأول بن محمد بن إدريس الثاني بن إدريس الأول المتوفى سنة 249 للهجرة، فهو الذي أشرف على بناء جامع القرويين. [69]
ب – بناء جامع الأندلس
إلى جانب جامع القرويين، وجد جامع آخر، بنته امرأة قروية، يقال لها: مريم بنت محمد بن عبد الله الفهري القروي، -أخت فاطمة الفهرية بانية جامع القرويين- وابتدأ البناء فيه سنة خمس وأربعين ومائتين، بعد أن اشترت أرضه بوجه صحيح، وأنفقت فيه من مالها الموروث من أبيها، ونقلت إليه خطبة جامع الأشياخ، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. [70]. وقد كان بناؤه في عهد السلطان يحيى بن محمد بن إدريس بن إدريس المتوفى سنة 249للهجرة.
وقد لعب هذا المسجد الجامع دورا كبيرا في نشر المذهب المالكي وخدمته خصوصا خلال فترة بناء المدرسة المالكية، وقد وصف الجزنائي الدراسة أواسط القرن الرابع بجامع الأندلس، توأم جامع القرويين، قال: وكان جملة من الفقهاء يدرسون العلم في مواضع من هذا الجامع، وكانوا أهل الشورى ممن يقتدى بهم يقصدهم الناس من أقطار البلاد، فمن مدرس، ومن طالب مما شاء من صنوف العلم في مجالس شتى يقصدهم الناس للفتوى، وطلب العلم، كالفقيه جبر الله بن القاسم الفاسي….. “[71] نزيل عدوة الأندلسيين. [72].
قال الجزنائي: ” وهو ممن أدخل علم مالك إليها، وهو من مشاهير فقهائها ومتقدميهم، لقي أصبغ بن الفرج، وسمع منه، وهو ممن لحق دراس بن إسماعيل –رحمه الله- كان جبر الله هذا مطلعا على الفقه المالكي اطلاعا متينا حتى أنه استطاع أن يجيب دراسا عن كل ما تضمنه ابن المواز.
وشاء القدر لهاته النهضة العلمية أن يكبح جماحها، ولهذا المسجد الجامع أن يفقد نشاطه العلمي حين أرسل العبيديون جيشا عظيما سنة 349 للهجرة، بقيادة قائدهم جوهر، فدخل فاسا عنوة، وقتل عددا من أبنائها وعلمائها وأسر أميرها أحمد بن أبي بكر الزناتي وخمسة عشر من أعيان البلاد وحملهم إلى القيروان، وهم في أقفاص من خشب. [73]
خاتمة ونتائج
في خاتمة هذه الدراسة، أسجل بعض ما توصلت إليه من نتائج:
- إن المدرسة المالكية الفاسية ، آخر مدرسة مالكية سوف تظهر بالغرب الإسلامي، وقد استفادت من المدارس المجاورة لها: الأندلسية والقيروانية.
- كل المدارس التي تأسست قبل مدرسة فاس، قامت على جهود التلاميذ الذين أخذوا عن الإمام مالك بن أنس، وأول ما أدخلوه إلى بلادهم موطأ الإمام مالك، كذلك الشأن بالنسبة للمدرسة الفاسية، دخلها تلميذ مالك عامر القيسي، وهو أول من أدخل الموطأ.
- كان لرحلات الحج والعمرة، أثر كبير في نقل المذهب المالكي إلى المغرب الأقصى، وتطعيم بذوره الأولى التي غرست في الفترة الإدريسية الأولى.
- كان لسلاطين المغرب الأقصى، دورا فاعلا في ترسيخ المذهب المالكي، حيث كان بعضهم من علماء المذهب كإدريس الثاني وحفيده يحيى بن محمد بن إدريس، كما حملوا الأمة عليه، وألزموا القضاة بالعمل به منذ إدريس الثاني.
- اجتمعت في المدرسة المالكية الفاسية بالمغرب الأقصى أثار مجموعة من المدارس المالكية سبقتها في النشأة، استفادت من آثارها الأولى التي تمتاز بكثرة السماع عن إمام المذهب.
- كان لتبادل الوفود والبعثات بين الأقطار الثلاثة: تونس، والأندلس والمغرب الأقصى، أثر في ترسيخ المذهب المالكي خاصة، بعد أن تأسس جامع القرويين في فاس سنة 245 للهجرة، وغدا مركز إشعاع في المنطقة بكاملها، وكان إلى جواره جامع الأندلس.
- تعاقب على النهوض بتأسيس المدرسة المالكية الفاسية في بناء صرحها الشامخ أعلام أفاضل، وفقهاء فطاحل، من مختلف ربوع المغرب الأقصى، بل من أقطار أخرى وذلك منذ المولى إدريس، ومن تم فإن القول بأن دراس بن إسماعيل المتوفى سنة 357 للهجرة، هو مؤسس هذا الفرع كما ذكر البعض غير صحيح، فقد وجد قبل هذا العلم أئمة كبار، أسهموا جميعا وبنسب متفاوتة، في وضع الحجر الأساس، لبناء هذه المدرسة كما ذكرنا.
وقد امتازت هذه المدرسة بـ:
- اعتمد علماؤها البناة، على أسمعة أغلب تلاميذ الإمام مالك، من خلال الكتب التي أدخلوها فاس واعتمدوها في نقل أقوال الإمام مالك ومنهجه، في استنباط الأحكام، والأصول المعتمدة لديه.
- امتاز شيوخها بالعلو في الإسناد في رواية المذهب، ورسوخ أقدامهم في فروع المذهب وأصوله.
- كذا من مميزات أعلام هذه المدرسة، أن أغلبهم كان يجمع بين الفقه والحديث، فكان محدثا وفقيها في آن واحد، وهذه ميزة جيدة، تأثرا بتكوين الإمام ومنهجه في كتاب الموطأ، فأبو عمران الفاسي، كان حافظا للمذهب المالكي، ومتمكنا من علم الحديث رواية ودراية، ألف كتاب التعاليق على المدونة، وخرج عوالي حديثه في مائة ورقة.
ودراس بن إسماعيل، كان محدثا حافظا، حتى كان يقال، ليس في وقته أحفظ منه. وعيسى بن سعادة كان محدثا وفقيها.
- وصل بعض فقهاء المدرسة الفاسية إلى مراتب متفوقة في علم الفقه، وأخذوا بألباب جماهير واسعة، خارج فاس نذكر منهم: الشيخ عيسى بن سعادة الفاسي المتوفى سنة 355 للهجرة، لما توفي في مصر تنازعه الفقهاء والمحدثون كلهم يدعيه، ويقول أنا أحق بالصلاة عليه، وهذا يدل على شهرته بالمشرق، ومقامه السامي بين علماء مصر، هؤلاء الذين كانوا يعتبرون في تلك الحقبة أقطاب العلم وفطاحله الكبار، ومع درجتهم هذه، يتسابقون في الحصول على شرف الصلاة على هذا العالم المغربي الفاسي.
- تميزت المدرسة بأنها أسست على أحاديث وفقه كتاب الموطأ المدعم بما صح من الأحاديث والآثار، وما عليه العمل، كما تميزت بأنها بنيت كذلك على فقه وآثار المدونة، التي ضمت أقوال الإمام مالك وتلامذته الكبار، كسحنون وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد الله بن وهب، وأشهب بن عبد العزيز، وغيرهم من الصحابة والتابعين.
الدكتور حميد لحمر أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
الهوامش
[1]– انظر كتابه مصطلحات المذهب عند المالكية لمحمد إبراهيم أحمد علي صفحة 7.
[2]– قال صاحب مفاخر البربر، في باب ذكر حدود بلاد المغرب: فصل: ذكر ذووا العناية بعلم الجغرافيا أن المغرب جزيرة أحاطت بها البحار من كل جهة، بحر القلزم من المشرق و هو الهابط من بحر اليمن، من موضع يقال له المندب، يهبط منه إلى عدن إلى القلزم، فبينه و بين مصر ثلاثة أيام، و بينه و بين بحر الروم مسيرة يومين على الاستقامة، و هذا البحر، أعني بحر القلزم يأتي قبلة و شرقا من مصر، و حد المغرب من الشمال البحر الرومي و هو بحر الإسكندرية، و هو المتفرع من الزقاق من جزيرة جزيرة طريف، و قادس، و حد المغرب من الغرب البحر المحيط بداية، فصار المغرب كالجزيرة دخل فيها مصر و القيروان، و المغرب الأوسط و الزاب و السوس الأقصى، و حد مساكن البربر آخر عمل مصر شمالي الإسكندرية، إلى البحر المحيط إلى بلاد السودان ” ص 185.
[3]– انظر كتاب جامع القرويين: 1/108.
[4]-سبقه في هذا الترتيب القاضي عياض في ترتيب المدارك.
[5]-ينسب إلى دراس أسبقيته في نشر المذهب المالكي بفاس والمغرب الأقصى، لما ناله من شهرة واسعة بإقامته في إفريقيا والأندلس، وأخيرا المغرب الأقصى، ولنبوغ العديد من تلامذته الذين أخذوا عنه بهذه الأقطار المغربية، وفي مقدمتهم الإمام الشيخ أبو محمد بن أبي زيد القيرواني الملقب بمالك الصغير، والشيخ أبو الحسن القابسي.
[6]– انظر كتاب: شجرة النور الزكية: 449.
[7]– انظر مظاهر النهضة: 1/132.
[8]-البرنـامـج: 233.
[9]– أعلام الفكر الإسلامي: صفحة 36.
[10]انظره في الصفحة: 74.
[11]-قال الناصري في الاستقصا: ” اعلم أن لفظ المغرب يطلق في عرف أهله على ناحية من الأرض معروفة بعينها، حدها من جعة مغرب الشمس البحر المحيط المعروف بالكبير، ومن جهة مشرق الشمس بلاد برقة، وما خلفها إلى الإسكندرية ومصر، فبرقة خارجة عن بلاد المغرب بهذا الاعتبار وبلاد طرابلس وما دونها إلى جهة البحر المحيط داخلة فيه، وحدها من جهة الشمال البحر الرومي المفرع على المحيط ويعرف هذا الرومي بالصغير، ومن جهة الجنوب جبال الرمل الفاصلة بين بلاد السودان وبلاد البربر، وتعرف عند العرب الرحالة هناك بالعراق.
ثم هذا المغرب يشتمل على ثلاث مماليك: مملكة إفريقية، وهي المغرب الأدنى، وقاعدتها في صدر الإسلام مدينة القيروان…. ثم مملكة المغرب الأوسط، وقاعدتها تلمسان وجزائر بني مزغنة، ثم بعد ذلك مملكة المغرب الأقصى، وسمي الأقصى لأنه أبعد الممالك الثلاث عن دار الخلافة في صدر الإسلام…. ” 1/127.
[12]-وقد امتد المغرب الأقصى في وقت الأدارسة من فاس إلى وهران بالمغرب الأوسط. قال الناصري في الاستقصا نقلا عن ابن أبي زرع: كانت مدة ملك الأدارسة بالمغرب من يوم بويع إدريس بن عبد الله الكامل، وذلك يوم الخميس السابع من ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين ومائة إلى أن قتل الحسن بن كنون، وذلك في جمادى الأولى سنة خمس وسبعين وثلاثمائة سوى شهرين تقريبا.
وكان عملهم بالمغرب من السوس الأقصى إلى مدينة وهران، وقاعدة ملكهم مدينة فاس ثم البصرة، وكانوا يكابدون دولتين عظيمتين: دولة العبيديين بإفريقية، ودولة بني أمية بالأندلس، وكانوا يزاحمون الخلفاء إلى ذروة الخلافة، ويقعد بهم عنها ضعف سلطانهم وقلة مالهم، فكان سلطانهم إذا امتد وقوي، ينتهي إلى مدينة تلمسان….. ” 1/261.
[13]-نقلا عن جامع القرويين: 1/108.
[14]-انظر كتاب المعجب: 221.
[15]– انظره في: 1/109.
[16]-انظره في كتاب جامع القرويين: 1/111.
[17]– هم فرقة من المسلمين، خرجت عن علي بعد قبوله التحكيم، وقالوا لا حكم إلا لله، بمعنى أنهم أنكروا الخلافة، وكذبوا كثيرا في أحاديث الرسول، وكثيرا من أحكام السنن والقرآن وتمردوا على الخلافة الإسلامية، ولم تعد تعترف بها، وهكذا تنكرت لعلي ولمعاوية، ونادت بأنه لا حكم إلا لله، أي المسلمون ليسوا في حاجة إلى حاكم يحكمهم، وينظم شؤونهم الدينية والدنيوية.
[18]-الصفرية: فرقة من فرق الخوارج تنتسب إلى عبد الله الصفار، وتقول بعض كتب الفرق، أنها تنسب ‘لى زياد بن الأصفر، وقال بعضهم ترجع تسميتهم لصفرة وجوههم من كثرة العبادة، أو لأنهم خرجوا من الذين صفرا حسب زعم أعدائهم من فقهاء الإباضية، ولا صحة للقول الذي نسبهم إلى المهلب بن أبي صفرة أعدى أعداء الخوارج.
[19]-انظر كتاب: جامع القرويين: 1/193.
[20]-و قد طالعنا أبو العلاء العلوي في كتابه الدرر البهية و الجواهر النبوية برأي يخالف ما ذهب إليه جمهور المؤرخين مفاده أن سجلماسة كانت حاضرة علم قبل فاس بكثير، و أن من أعلام سجلماسة من أخذ عن الإمام مالك بالمدينة و رجع إليها و درس العلوم بها و بقيت مأوى الصالحين و العلماء و الأمراء، و يقول بعد هذا: أن سجلماسة قاعدة المغرب قبل فاس، ودار الملك منذ عمرت قبل حلول الأدارسة الحسنيين بهذا النقطر المغربي بقريب من أربعين سنة، و ذلك عام أربعين و مائة “140” و لم يتقدم لأهلها كفر، و لم تزل من ذلك الوقت آهلة بالعلماء و الصلحاء، و هي أول بلاد يدرس العلم بها في المغرب ” 1/63 طبعة حجرية.
[21]-النكور: مدينة مندرسة في شمال شرق المغرب بمنطقة الريف، وتوجد خرائبها على الضفة الغربية لوادي النكور الذي سميت باسمه، وتعرف عند أهل تلك الناحية إلى اليوم باسم المدينة، وتبعد عن شاطئ البحر المتوسط بنحو خمسة أميال، وكان من أعمالها ” الحسيمة ” بعد تحوير في اللفظ، وقد صارت مزارع لبني ورياغل إحدى القبائل الريفية، وإليها ينتمي المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي –رحمه الله- انظر أعمال الأعمال /171.
[22]-انظر: تطور المذهب المالكي في الغرب الإسلامي: 73-74.
[23]-انظر الأندلس السياسي والحضاري لمالكية الأندلس: 246.
[24]-لما استقر إدريس بن عبد الله بمدينة وليلي عند كبيرها إسحاق بن محمد بن عبد الحميد الأوربي أقام عنده ستة أشهر، فلما دخل شهر رمضان من السنة جمع ابن عبد الحميد عشيرته من أوربة وعرفهم بنسب إدريس وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر لهم فضله ودينه وعلمه واجتماع خصال الخير فيه، فقالوا الحمد لله الذي أكرمنا به وشرفنا بجواره وهو سيدنا ونحن العبيد، فما تريد منا؟ قال: تبايعونه، قالوا: ما منا من يتوقف من بيعته؟ فبايعوه بمدينة وليلي يوم الجمعة رابع رمضان المعظم سنة اثنتين وسبعين ومائة.
وكان أول من بايعه قبيلة أوربة على السمع والطاعة والقيام بأمره، والاقتداء به في صلواتهم وغزواتهم وسائر أحكامهم، وكانت أوربة يومئذ من أعظم قبائل البربر بالمغرب الأقصى وأكثرها عددا وتلتها في نصرة إدريس والقيام بأمره مغيلة وصدينة، وهما معا من ولد تامزيت بن ضرى. انظر: الاستقصا: 1/211.
[25]-وقد ذهب إلى هذا بعض الباحثين أثناء الحديث عن المذاهب التي فرضت من طرف السلاطين، قال: “…. فإن الأمر ينطبق على سلاطين المغرب الأقصى، حيث حملوا الناس على الأخذ بمذهب الإمام مالك، وقد علم هذا منذ دخول المذهب إلى تلك الديار، وأكثر من هذا فقد كان عدد من السلاطين يحسبون في عداد علماء الفقه المالكي بدءا من الإمام إدريس الأول مؤسس الدولة الإدريسية، ثم ابنها الإمام إدريس الثاني، واستمر الأمر في مختلف العصور….. ” الدكتور مصطفى علي القضاة ندوة القاضي عبد الوهاب البغدادي: 1/359.
[26]-انظر: جامع القرويين 1/118، وهو نقله عن تاريخ الجزائر العام: 1/219. و يضيف: ” و كما كان موقفه مع المعتزلة عند مقدمه، فقد ناهض مذاهب الخوارج هنا و هناك في محاولة ناجحة لجمع المغرب على كلمة واحدة، و إنه إذا كان هناك من فضل للدين سعوا من أجل مغرب موحد المذهب، موحدالعقيدة، موحد المحراب، موحد الحرف و التلاوة، فإن الفضل الأكبر يرجع إلى إدريس الذي استطاع أن يحمل الناس على أن يتخذوا مذهب عالم المدينة قاعدة لعقيدتهم، و لم يكن عمل إدريس شاقا في المغاربة بقبول مذهب مالك، لأن كل الخصائص التي تنسجم مع طبائعهم تتوفر فيه، فهم ميالون إلى الأشياء الواضحة التي لا يكتنفها غموض ” 1/118.
[27]-انـظر كتاب الأزهـار العـطرة للكتاني: 1.
وإذا كان هناك اختلاف بين المؤرخين والباحثين في اعتماد الأدارسة المذهب المالكي مذهبا رسميا بالمغرب، فلا جدال في كون المرابطين أقروا هذا المذهب بصفة رسمية، مثل أسلافهم الزناتيين، وغـدا محور حركتهم الإصـلاحـية فعكف الفقهاء على دراسـة وتـدريس كتب الـمذهب، وأبـدعوا في ذلك.
[28]– انظره في 2/377.
[29]– انظره في: ترتيب المدارك: 3/117.
وقد اعتبر الأستاذ إحسان عباس المسألة صعبة التحديد، فقال: ” ومن الصعب أن تحدد من هو أول من أدخل مذهب مالك بن أنس إلى الأندلس، فمن قائل: إنه زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون، لأنه أول من أدخل الموطأ إلى بلده، ومن قائل إن الغازي بن قيس دخل الأندلس بالموطأ في أيام عبد الرحمن. ” تاريخ الأدب الأندلسي عصر سيادة قرطبة ص 28
فكما نلاحظ، أن دخول الموطأ هو الأساس المعتبر في دخول المذهب المالكي إلى الأندلس.
[30]-انظر مقدمة الشاذلي النيفر لتحقيق موطأ مالك رواية علي بن زياد: 39/40.
[31]– انظره في الأزهار العطرة: 130.
[32]-انظره في: من أعلام الفكر الإسلامي: 36.
[33]-انظره في: الدر النفيس 248 وجدوة الاقتباس: 3/25 والاستقصا: 1/163.
[34]-انظر: الأنيس المطرب بروض القرطاس: 35-38، والأزهار العطرة: 136.
[35]-انظره في: الترتيب الإداريــة: 1/8.
[36]– قال الباحث الدكتور نجم الدين الهنتاتي: ومن الأندلس على الأرجح تسرب المذهب المالكي إلى المغرب الأقصى أيام الأدارسـة.
[37]-انظر: نفح الطيب: 1/339، والنبوغ المغربي: 1/114.
[38]– قامت ثورة الربض أيام الحكم بن هشام المتوفى سنة 206 هـ، لأنه في صدر ولايته كان قد انهمك في ملذاته، فاجتمع أهل العلم والورع بقرطبة مثل يحيى بن يحيى الليثي صاحب الإمام مالك وأحد رواة الموطأ عنه، وطالوت الفقيه وغيرهما، فثأروا به وخلعوه وبايعوا بعض قرابته، وكانوا بالربض الغربي من قرطبة، وكان محلة متصلة بقصره، فقاتلهم الحكم فغلبهم وافترقوا، وهدم دورهم ومساجدهم ولحقوا بفاس….. ” انظر: نفح الطيب: 1/339.
[39]– وإن مقدم الوافدين من القيروان والأندلس بالإضافة إلى كونه عاملا قويا في دعم دولته، وترجيح كفته على خصومه، فإن استخدام بعض ذوي الكفاءات منهم في المناصب السامية للدولة، يعد تدبيرا سياسيا رشيدا وخطة رائدة في تقوية جهاز الدولة وتطويره وتعريبه، بتطعيمه بمثل تلك العناصر من ذوي العلم والكفاءة والإخلاص والنجدة، ممن لا يقلون كفاءة عن رجال دولة بني الأغلب بإفريقية، أو بني مروان ببلاد الأندلس.
ولا يعد ذلك بتاتا تعصبا من إدريس الثاني للعرب، واستبعادا لأخواله الأمازيغ، بل هو نصح لهم وسعي فيما يصلح معاشهم ومعادهم ” انظر تطور المذهب المالكي ص: 86.
ثم إن هذه الهجرة التي قام بها القيروانيون والأندلسيون إلى مدينة فاس كانت سببا في نهضتها العلمية والاقتصادية وسببا في ازدهارها وترقيتها، وعاملا فعالا في نشر اللغة العربية بين أرجائها وتعميم هاته اللغة من بعد في بلاد المغرب، كما أن هذا الاهتمام الذي أولاه المولى إدريس الثاني لهؤلاء المهاجرين جعل الهجرة إلى هاته المدينة يعلو رقمها بعد يوم، وجعلها تستمر ولو بعد وفاته حتى بلغ رقما قياسيا أيام حفيده يحيى بن محمد الذي تـولى الملك سـنة 234 للهجرة.
[40]– انظر الاستقصـا: 1/222-223.
[41]– انظر: نفح الطيب: 1/339، والنبوغ المغربي: 1/114.
[42]– انتظر المذهب المالكي في الغرب الإسلامي: 130.
وأضاف موضحا: ” وفي هذا الإطار برزت ظاهرتان ساهمتا في تثبيت المذهب المالكي بالغرب الإسلامي، الأولى تخص الأندلس، والثانية تهم المغرب الأقصى، بهدف احتواء الخطر الشيعي، ومنعه من التسرب إلى الأندلس، دعم الأمراء الأمويون قرارات من سبقهم في سبيل وحدة الأندلس المذهبية، نعني جعل المالكية مذهبا رسميا للدولة.
الظاهرة الثانية: تهم سعي الأمراء الأمويين إلى التعاون مع الإمارات المجاورة للأدارسة بهدف التضبيق على هؤلاء، فقد تعاونوا مثلا مع إمارة برغواطة، وإمارة بني مدرار الصفرية بسجلماسة، ومن الممكن أن هذا الأمر ساهم في توسيع انتشار المذهب المالكي في تلك الإمارات، ولتأكيد ذلك يكفي أن نذكر بأن أمير سجلماسة محمد بن الفتح بن ميمون الملقب بالشاكر لله، انتهى بنبذ المذهب الصفري، واتباع المذهب المالكي في منتصف القرن الرابع ” صفحة 130.
[43]– يحكى أن سجلماسة كانت حاضرة علم قبل فاس بكثير، ففي كتاب الدرر البهية لأبي العلاء العلوي عن القاضي عياض في المدارك أنه قال: ” أن أعلام سجلماسة من أخذ عن الإمام مالك بالمدينة، ورجع إليها، ودرس العلوم بها وبقيت مأوى الصالحين والعلماء والأمراء.
ويقول بعد هذا: أن سجلماسة قاعدة بلاد المغرب قبل فاس، ودار الملك منذ عمرت قبل حلول الأدارسة الحسنيين بهذا القطر المغربي بقريب من أربعين سنة، وذلك عام أربعين ومائة [140] ولم يتقدم لأهلها كفر، ولم تزل من ذلك الوقت آهلة بالعلماء والصلحاء، وهي أول بلاد درس العلم بها في المغرب ” ص 63
[44]-ندوة الإمام مالك: 1/361.
[45]-البصـرة: مـدينة أسسها الأدارسة قرب القصر الكبير، أو قرب فاس كما في المدارك، وكان تأسيسها في القرن الثالث الهجري، حيث اتخذها القاسم بن إدريس مقر حكمه، وكانت لها شهرة كبيرة في الازدهار والعمران، وقد خربها الشيعة في حملاتهم على المغرب خلال القرن الرابع. انظر أعمال الأعلام ص: 163.
[46]-انظر: المدارك: 5/148-149، ومختصر المدارك لابن رشيق: 122 وجمهرة تراجم فقهاء المالكية: 2/896.
ولتعدد رحلاته في أقطار الغرب الإسلامي، ووفرة من روى عنه من الأعلام اشتهر به مذهب مالك بفاس بالمغرب الأقصى، كما اشتهر هو أيضا بمذهب مالك.
[47]-انظر: ترتيب المدارك: 6/85. وجني زهرة الآس: 95 والجدوة: 109، وسلوة الأنفاس: 356، وجمهرة تراجم فقهاء المالكية: 1/374.
[48]-انظر: ترتيب المدارك: 6/85، والجدوة ص 280، وجمهرة تراجم فقهاء المالكية: 2/908.
[49]-هو علي بن عبد الله بن أبي مطر المعافري الإسكندري الفقيه العالم قاضي الإسكندرية، روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد بن مسلم وغيره، توفي سنة ثلاثين وثلاثمائة [330] عن مائة سنة.
انظر: الديباج المذهب: 307، وشجرة النور الزكية: 1/88، والعبر للذهبي: 2/250، وحسن المحاضرة لجلال الدين السيوطي: 1/449.
[50]– أقليـش: مـدينة بالأنـدلس.
[51]-انظر ترجمته في: سلوة الأنفاس: 2/197-200، وجني زهرة الآس: 21-22، وترتيب المدارك: 6/81، وشجرة النور الزكية: 130، وبغية الملتمس: 738، والفكر السامي: 3/111.
[52]-وقـد سجل التاريخ علماء آخرين لعبوا دورا كبير ا في نشر المذهب المالكي بالمغرب الأقصى إلى جانب ما ذكرنا في المتن منهم: إبراهيم بن عثمان أبي القاسم الوزاني المتوفى سنة 346للهجرة، انظر ترجمته في الديباج 92.
وذكر ابن الفرضي طائفة أخرى منها: أحمد بن الفتح الميلي المعروف بابن الحراز، وإبراهيم بن عثمان أبو القاسم الوزان المتوفى سنة 362 للهجرة. كما كان من علماء هذه الحقبة أبو عمران الفاسي المتوفى سنة 430 للهجرة. ومن أعلامها أيضا عبد الله بن محمد بن إبراهيم الأصيلي المنسوب إلى أصيلة، وهو أحـد أفـراد عائلة مشهورة بالعلم له كتاب اختلاف الأئمة، ركز على الشافعي وأبي حنيفة ومالك، وسماه: الدلائل على أمهات المسائل توفي سنة 392. وانظر ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس: 1/208، وهؤلاء كلهم تقريبا كانوا في أواخر عصر الدولة الإدريسية.
[53]انظر: كتاب المسوى من أحاديث الموطأ: 4-5
[54]– انظر الفـكر السامي: ” 1/335.
[55]-انظر: كشف المغطى: 27.
[56]-انظر: ترتيب المدارك: 2/70. والتهميد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: 1/76.
قال الدكتور فاروق النبهان: لقد أثبت مالك رضي الله عنه من خلال تألايفه الموطأ أن منهج التأليف الفقهي يجب أن يعتمد أولا على النصوص من قرآن وسنة، وأن السنة النبوية قادرة على إمداد الفقهاء بجميع الأدلة التي يحتاجون إليها لاستنباط الأحكام الفقهية ” ندوة الإمام مالك: 2/172.
[57]-انظر: أوجـز المساللك: 1/30
[58]-انظر: ترتيب المدارك: 3/272.
[59]-انظر: المقدمات الممهـدات: 1/44
[60]– انظر: مـواهب الجـليـل: 1/34، وحاشية العـدوي على الخـرشي: 1/38.
[61]– انظر تراجمهم بالمتن.
[62]-انظر: دراسات في مصادر الفقه المالكي: 152.
وتوجد بخزانة القرويين قطعة من هذا الكتاب يعود تاريخ نسخها إلى عهد قديم جدا، وهي عبارة عن كتاب النكاح مبتور الأول، يغلب على ظني أنها من النسخ التي دخلت المغرب الأقصى مع هؤلاء، خصوصا دراس بن إسماعيل الفاسي –
[63]–انظر ترتيب المدارك: 4/167.
[64]— يحكى أن سجلماسة كانت حاضرة علم قبل فاس بكثير، ففي كتاب الدرر البهية لأبي العلاء العلوي عن القاضي عياض في المدارك أنه قال: ” أن أعلام سجلماسة من أخذ عن الإمام مالك بالمدينة، ورجع إليها، ودرس العلوم بها وبقيت مأوى الصالحين والعلماء والأمراء.
ويقول بعد هذا: أن سجلماسة قاعدة بلاد المغرب قبل فاس، ودار الملك منذ عمرت قبل حلول الأدارسة الحسنيين بهذا القطر المغربي بقريب من أربعين سنة، وذلك عام أربعين ومائة [140] ولم يتقدم لأهلها كفر، ولم تزل من ذلك الوقت آهلة بالعلماء والصلحاء، وهي أول بلاد درس العلم بها في المغرب ” ص 63
[65]-انـظر: جـامع القـرويين: 1/111.
[66]– من مقالة للأستاذ عبد الهادي احسيسن /مجلة دار الحديث الحسنية، العدد 3/ص 521.
[67]-بنته السيدة فاطمة بنت محمد الفهري القيرواني، وتكنى بأم القاسم، وقد وردت من إفريقية مع أفراد أسرتها على المدينة حيث سكنت عدوة القرويين على مقربة من مكان الجامع الذي كتب لها شرف تشييده.
[68]– انظر جامع القرويين: 1/113.
[69] انظر جامع القرويين: 1/152، والأنيس لابن أبي زرع: 32 ويذكر ابن خلدون أن الدولة المغربية عظمت في أيامه الفاسية، وأن العمران استجد في مدينة فاس العاصمة على عهده، فاستدعى بناء المزيد من فنادق التجار والحمامات، وامتدت معه العمارة إلى خارج أسوارها لاستيعاب الذين قصدوا المدينة من الأندلس وإفريقية والثغور.
[70]– سـلوة الأنـفاس: 1/91.
[71]-انظر الأزهار العطرة: 139.
[72]-أنظر ترتيب المدارك: 6/85.
[73]-انظر: سلوة الأنفاس: 1/356
المصادر والمراجع
- الأزهار العاطرة الأنفاس في ذكر بعض محاسن قطب المغرب وتاج فاس لمحمد بن جعفر الكتاني المطبعة الجديدة.
- الاستقصأ في أخبار دول المغرب الأقصى لأحمد بن خالد الناصري دار الكتاب البيضاء 1997.
- الأنيس المطرب بروض القرطاس فيمن لقيته من أدباء المغرب لأبي عبد الله محمد بن الطيب بن أحمد العلمي الفاسي.
- برنامج التجيبي القاسم بن يوسف السبتي تحقيق عبد الحفيظ منصور طبع الدار العربية للكتاب 1981.
- جامع القرويين المسجد والجامعة بمدينة فاس موسوعة لتاريخها المعماري والفكري للدكتور عبد الهادي التازي طبع دار الكتاب اللبناني بيروت لبنان 1973م.
- تطور المذهب المالكي بالغرب الإسلامي حتى نهاية العصر المرابطي محمد بن حسن شرحبيلي طبغ وزارة الأقافو الشؤون الإسلامية المغربية 2000م.
- ترتيب المدارك وتقريب المسالك طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الرباط المملكة المغربية.
- نظام الحكومة النبوية المسمى بالتراتيب الإدارية دار الحديث العلمية 2001.
- تاريخ علماء الأندلس عبد الله بن محمد ابن الفرضي أبو الوليد تحقيق بشار عواد معروف طبع دار الغرب الإسلامي 2008.
- جدوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام بمدينة فاس لأحمد بن القاضي المكناسي طبع دار المنصور للطباعة والوراقة الرباط.
- جمهرة تراجم فقهاء المالكية الدكتور قاسم علي سعد الطبعة الأولى 2002 دار البحوث دبي الإمارات.
- جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس لعلي الجزنائي تحقيق عبد الوهاب بن منصور طبع المطبعة الملكية الرباط الثانية 1991.
- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة لجلال الدين السيوطي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم طبع دار إحياء الكتب العربية الطبعة الأولى 1967.
- حاشية العدوي على الخرشي بهامش الخرشي على خليل المطبعة الأميرية الكبرى سنة 1317 هـ.
- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس فيمن أقبر من العلماء الصلحاء بفاس محمد بن جعفر الكتاني دار الثقافة البيضاء 2004.
- شجرة النور الزكية في تراجم علماء المالكى للشيخ محمد مخلوف دار الفكر مصر.
- اصطلاح المذهب عند علماء المالكية، للدكتور إبراهيم أحمد علي طبع دار البحوث للدراسات وإحياء التراث 2000 الإمارات العربية المتحدة.
- دراسات في مصادر الفقه المالكي للدكتور ميكلوش موراني طبع دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان.
- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المغرب للقاضي إبن فرحون دار الكتب العلمية 1990.
- تاريخ ابن خلدون المسمى: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر طبع دار الكتاب اللبناني 1983م.
- الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي للشيخ الحجوي الثعالبي مراجعة الدكتور عبد العزيز القارئ مكتبة دار التراث 1396 هـ
- المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي اعتنى به صلاح الدين الهواري طبع المكتبة العصرية بيروت لبنان 2006.
- مظاهر النهضة الحديثية في عهد يعقوب المنصور الموحدي 554/595 تأليف عبد الهادي أحمد الحسيسن الطبعة الأولى 1982.
- مفاخر البربر، لمؤلف جهول دراسة وتحقيق عبد القادر بوباية طبع دار أبي رقراق 2005 الرباط المغرب.
- المقدمات الممهدات لما تضمنته رسوم المدونة تحقيق محمد حجي دار الغرب الإسلامي 1988.
- مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل محمد بن محمد عبد الرحمن المالكي المغربي الحطاب أبو عبد الله تحقيق محمد يحيى بن محمد الأمين الموسوي اليعقوبي الشنقيطي دار الرضوان 2010.
- من أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي الحركة الأدبية والفكرية في تونس. لمحمد الفاضل بن عاشور، طبع دار النجاح 2010.
- ندوة الإمام مالك بن أنس طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية 1992.