خصائص ومزايا العقيدة الأشعرية

خصائص ومزايا العقيدة الأشعرية

خصائص ومزايا العقيدة الأشعرية الشيخ أحمد النور محمد الحلو عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية تشاد
خصائص ومزايا العقيدة الأشعرية الشيخ أحمد النور محمد الحلو عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية تشاد

[نسخة المداخلة الأصلية PDF]

الشيء الواجب على الناس أن يفهموه كلمة العقيدة الأشعرية، هذه النسبة لا تعني أن العقيدة الأشعرية عقيدة منفصلة عن الهدي النبوي أو عن منهج الصحابة رضي الله عنهم أو عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، كثير من أبناء اليوم يفهمون هذه النسبة عندما نقول العقيدة الأشعرية أو العقيدة الماتردية تعني أن هذه العقيدة هي خاصة بأبي الحسن الأشعري وبأبي منصور الماتريدي وعقيدة النبي عليه الصلاة والسلام عقيدة أخرى وعقيدة الصحابة عقيدة أخرى وعقيدة التابعين عقيدة أخرى.

لذلك تجدون في وسائل الإعلام ضجة من هذا القبيل فيقولون لماذا تقولون عقيدة الأشعري؟

لا إنما جاءت هذه النسبة من جهة أن الإمام أبا الحسن الأشعري ناضل عن هذه العقيدة ووضح الملابسات ورد على أهل الشبه، لذلك نسبت إليه من هذا الباب فقط وإلا هي نفس العقيدة التي جاء بها سيدنا رسول الله ﷺ وبلغها لأمته وحملها عنه صحابته رضي الله عنهم والتابعون من بعدهم.

هذه حقيقة يجب أن نخبر بها الشباب ونخبر بها الناس ليفهموها، فأنتم علماء تفهمون هذا بدون شك، لكن كثيراً من أبنائكم الذين يشاهدون الإعلام لا يعرفون هذا، لذلك يستطيع الواحد من الناس أن يضلهم في بضع كلمات، فهذه أمور مهمة لا بد من تأصيل هذه الكلمة، العقيدة الأشعرية إنما نسبت إلى الإمام من ناحية أنه ناضل عنها ودافع عنها كما يقول السبكي في طبقاته الكبرى.

ومن المعلوم أن العقيدة الأشعرية تعتمد الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة كمصادر للتلقي كما تعتمد فهم السلف الذين تلقوا تلك العقيدة من منابعها الأولى، هذه هي الخصيصة الأولى.

الكتاب والسنة هما المصدران للعقيدة الأشعرية، أي أن العقيدة لا تتلقى إلا من هذا الباب وكذلك الإجماع الذي انعقد من مجتمعي هذه الأمة أيضا هو من مصادر هذه العقيدة، لكن هذا كلام مجمل، فالكتاب فيه آيات محكمة وفيه آيات متشابهة، فالعقيدة دائما تنبني على الآيات المحكمة من الكتاب، أما المتشابه منها فيفهم من وراء المحكم بعد أن تقرر العقيدة بالنص الواضح في دلالته والبين في سيره، بعد ذلك تأتي الآيات المتشابهات فيكون التوفيق بينها وبين المحكمات ولا يفعل ذلك إلا العلماء.

فالعقيدة الأشعرية بنيت على المحكمات من الآيات الكريمة وبعد ذلك جاءت بالآيات المتشابهات وجعلتها وراء الآيات المحكمات، إما من باب التفويض أو من باب التأويل يعني التعامل مع المتشابه بعد البناء على المحكم يكون إما بالتأويل وإما بالتفويض، لذلك اشتهر مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري بكونه مذهب تفويض تارة ومذهب تأويل تارة أخرى، هذا فيما يخص المتشابه فقط أما المحكمات فلا تحتاج لتأويل أبدا ولا تحتاج لتفويض لأن معانيها واضحة وبينة، لأنها أم الكتاب كما نطق بذلك كتاب الله ﴿مِنْهُ ءَايَٰتٞ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ اُ۬لْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞ﴾ أم الكتاب يعني أصله ومرجعه في الاستدلال، أما المتشابهات فلا يذهب إليها إلا وهو ينظر إلى المحكمات من الأدلة، ولذلك عندنا في هذا الباب شيء يسمى بالتفويض بمعنى أن نكل أمر المتشابه إلى الله سبحانه وتعالى لكن بعد تنزيهه سبحانه وتعالى فنحن عندنا آيات محكمة كقوله تعالـى﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَےْءٞ﴾ وقوله تعالى ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُؤاً اَحَدٞ﴾ وهناك آيات كثيرة من هذا الباب، فعندما تبنى العقيدة على هذا نأتي بالآيات الأخرى التي ظاهرها قد يؤدي إلى التشابه ونقول ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ معناها كذا وكذا نفسر لمن لم يعلم معناها، أو نقول لمن يحسن التفويض بعد أن تنزه مولاك سبحانه وتعالى عما لا يليق به بعد ذلك قل الله أعلم بالمراد من الآية، فحينئذ نكون نحن تعاملنا بالمحكم كأصل وتعاملنا بالمتشابه كملحق بالمحكم

إذن العقيدة الأشعرية تعتمد الكتاب في الاستدلال، أما السنة منها ما هو متواتر، ومنها ما ليس بمتواتر، فالعقيدة تبنى على المتواتر؛ لأن المتواتر هو القطعي في الثبوت والعقيدة لا تبنى إلا على القطعيات، لذلك يقول ناظم الكبرى السنوسية: «لا ينفع العلم به والوهم».

فالعقيدة لا تبنى إلا على العلم أما الوهم والظن لا ينفع في العقيدة.

لذلك فإن الحديث الضعيف لا مجال له هنا ولا ننظر إليه بل يرد من أول الأمر، أما الذي صح سنده سواء في البخاري سواء في مسلم سواء في أي مصدر من مصادر الكتب الحديثية طالما أنه لم يصل إلى حد التواتر القطعي، وإنما هو آحاد حمل إلينا عقيدة يخالف ظاهرها المحكم من كتاب الله تعالى أو المحكم من السنة النبوية القطعية فلنا في هذا المقام طريقان، إذا أمكن التأويل لنوفق بين هذا الآحاد وبين المتواتر من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ قلنا بهذا، فنؤول الحديث وفق ما دل عليه المحكم من القطع، أما إن لم نستطع نترك هذا الحديث كليا؛ لأن العقيدة لا تقبل إلا القطع من الأدلة، الظن ينفع في الفقهيات ينفع في المعاملات أما المعتقد الثابت الذي ينبغي للإنسان أن لا يثبت في قلبه إلا هذا الأمر لا يجوز أبدا أن نستدل بحديث لا نستطيع أن نقطع به.

فالسنة إن كانت متواترة فأمرها واضح وإن كانت من قبيل الآحاد فلا بد من تفصيل في المسألة لذلك الإمام الحافظ البيهقي رحمه الله في الأسماء والصفات بعد أن ذكر بعض الأحاديث قال: «لذلك ترك أصحابنا الاستدلال بأحاديث الآحاد واشتغلوا بتأويله»، وأغلب الأحاديث المتشابهة التي وردت عن رسول الله ﷺ هي من قبيل الآحاد وضع العلماء لها قانونا في التأويل فإما أن تؤول وإما أن تفوض والتفويض ما هو إلا نوع من التأويل.

أيها السادة العلماء؛ كلمة تفويض لها معنيان: إما أن تفوض المعنى أو تفوض الكيف، تفويض الكيف عند الأشاعرة غير وارد أصلا لأن الله لا كيف له، وإنما المقصود تفويض المعنى، فأنا مثلا إذا قرأت «بل يداه مبسوطتان» أو «لما خلقت بيدي» أو ما إلى ذلك من الآيات والأحاديث كحديث النزول كيف أتعامل مع هذا عندي آيات محكمات ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَےْءٞ﴾ و﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ وما إلى ذلك من الأحاديث والآيات المحكمة الواضحة في دلالتها، هذه النصوص في ظاهرها خالفت إذن أنا أتعامل معها بما يلي، بعد أن أنزه الله عما يليق أقول: اليد في الآية ليست الجارحة التي تشتمل على العظم واللحم والدم والقصر والطول وغير ذلك، قطعا الآية لا تعني هذا أصلا، فما المقصود إذن؟ أقول لك لا أعين ولا أدخل في التفصيل، بعد أن نزهت مولانا عن الجارحة أقول الله أعلم بالمراد، هذا هو التفويض عند الأشاعرة بعد أن تنزه الله عن المستحيل، أما الآخرون يقولون اليد حقيقية يجب إثباتها كما جاءت في اللغة العربية، فهل في اللغة العربية يد حقيقية غير اليد المعلومة التي تشتمل على العظم والدم واللحم والقصر والطول وغير ذلك؟ هل هناك يد غير هذه في المعنى الحقيقي؟ إذن إذا قال أحد أنا أقصد اليد الحقيقية في اللغة العربية، هو يقصد هذه فقط لأنه لا يستطيع أن يأتي بيد أخرى حقيقية في اللغة العربية غير هذه، لذلك قولهم بعد أن يقولوا نثبت أنها يد حقيقية ثم يقولون لا كما نعقل هذا كلام باطل، إذن التفويض أن نقول بعد أن ننزه الله اليد المقصودة في الآية الله أعلم بمرادها فلا نقول نعمة ولا نقول قدرة ولا نقول قوة ولا نقول كذا لكن وظيفتنا أن ننزه الله عما لا يليق ثم نفوض الأمر لله تعالى.

[نسخة المداخلة الأصلية PDF]

كلمات مفتاحية : ,