الـبيعة: عقد واقعي بين الأمة وإمامها
يتأسس منصب الإمامة العظمى عمليا على إبرام عقد واقعي بين الأمة وإمامها، تتقابل بموجبه الحقوق والواجبات.
فتلتزم الأمة بالسمع والطاعة والتعاون مع إمامها على تحقيق وظائف الدولة، بينما يلتزم الإمام بحراسة الدين وسياسة الدنيا والقيام بما دعاه الفقه السياسي الإسلامي قواعد بناء الملك، ويتمثل في عمارة المدن وحراسة الرعية وتدبير الجند ومقابلة الدخل بالخرج ورعاية أصول السياسة العادلة. وتتوسع وظائف الدولة أو تضيق حسب الوضع الاقتصادي وقدرة مؤسسات المجتمع على تلبية الحاجات الاجتماعية التي تنشط في حال قوة المجتمع وانتشار الوعي التضامني فيه.
وعقد البيعة الذي تتأسس عليه شرعية الحكم هو عقد واقعي محدد المعالم مارسه المسلمون في كل حالات انتقال السلطة، وهو ليس عقدا افتراضيا لجأ إليه المسلمون.
إن إبرام عقد البيعة هو مظهر مشاركة الأمة في ممارسة السيادة التي ظل الخلاف حولها بارزا في الفكر السياسي، ويستشهد على إلزامية هذه المشاركة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما عزم على خوض معركة بدر، توقف حتى استشار الناس فأعلن الأنصار والمهاجرون عن مواقفهم، ولم يكن ذلك منه عليه السلام إلا لأن عقد البيعة كان لا يتضمن النصرة خارج المدينة المنورة، فكانت الاستشارة من أجل تعديل مقتضى البيعة.
وبيعة الإمام مفيدة باحترام النصوص الشرعية وما تتضمنه من أحكام قطعية، وهو بهذا مظهر سيادة الشريعة وتمثيلها للمرجعية العليا في عقد البيعة، ولهذا فبإعمال أصل الشورى تصير السيادة مشتركة بين الأمة وإمامها، وبموجب احترام أحكام الشريعة تتحقق مرجعية الشريعة وسيادتها، وبتضافر هذه الممارسات السيادية تكون الدولة المسلمة قد استجمعت شروط الاستقرار والانضباط على النحو الذي ينسجم مع خصوصيتها بين الدول الأخرى.