كلمة الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في ختام ندوة التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ – أبوجا
ألقيت الكلمة في الندوة العلمية الدولية التي نظمتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع “التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ” أيام 22-23-24 ربيع الأول 1443 هـ الموافق لـ 29-30-31 أكتوبر 2021 م في العاصمة النيجيرية أبوجا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
صاحب الفضيلة سماحة الشيخ إبراهيم صالح الحسيني، مفتي جمهورية نيجيريا الاتحادية ورئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بنيجيريا الاتحادية،
الفاضل المحترم الدكتور إدريس بن الضاوية، نيابة عن العلامة فضيلة الدكتور محمد يسف رئيس المجلس العلمي الأعلى بالرباط بالمملكة المغربية،
معالي سفير صاحب الجلالة بجمهورية نيجيريا الاتحادية المحترم،
السادة العلماء والمشايخ الأفاضل رؤساء فروع المؤسسة ومرافقوهم،
السادة العلماء الأفاضل والسيدات العالمات الفضليات أعضاء فروع المؤسسة،
أصحاب المعالي والسعادة المحترمون،
السادة الأساتذة الفضلاء،
السيدات الأستاذات الفضليات،
أعزائي الباحثين والطلبة الأكارم،
أيها الحضور الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
اسمحوا لي، ونحن في غمرة حفل اختتام هذه الندوة العلمية المباركة، أن أتقدم بالشكر والعرفان الجميل للسلطات العليا النيجيرية، ولسفير صاحب الجلالة بأبوجا وكذا لجميع أعضاء فرع المؤسسة بنيجيريا، وعلى رأسهم صاحب الفضيلة سماحة الشيخ إبراهيم صالح الحسيني، رئيس الفرع، دون أن أنسى السلطات المحلية النيجيرية وأصحاب الفضيلة والمعالي العلماء والسيدات العالمات الجليلات، وأن أثني على الجميع باسم المؤسسة على حفاوة الاستقبال وكريم الضيافة والعناية الفائقة التي أحاطت بنا جميعا، أنا والوفد العلمي المرافق لي، منذ وطئت أقدامنا أرض نيجيريا الشقيقة، أرض الخير، أرض المحبة والإكرام، أرض الحفاوة والشهامة، أرض النبل والقدوة في كل شيء.
وهذا، أيها السادة والسيدات الأكارم، ليس بغريب عنا جميعا، فالعلاقة التي تربط بين المملكة المغربية وجمهورية نيجيريا الاتحادية الشقيقة، هي علاقة تاريخية أصيلة نحتها الأجداد وصار على نهجها أهل العلم والتزكية، إنها إرث حضاري، اختار بلا تردد أن يكون تحت رعاية المؤسسة وأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله للعالم ولكل إفريقيا.
أيها الحضور الكريم،
لقد أكدت نتائج هذه الندوة العلمية المباركة، من خلال المداخلات والنقاشات العلمية الهادفة، ومن خلال التوصيات والاقتراحات كذلك، أن حماية تراثنا الإسلامي الإفريقي، جزء لا يتجزأ من حماية ذاكرتنا وتاريخنا الإفريقي المشترك، بل هو من صلب حماية ديننا الحنيف من كل المظاهر المسيئة إليه، من إهمال وعدم عناية لائقة وما إلى ذلك من السلبيات التي تعيشها المجتمعات الإفريقية.
إنه، إذن، واجب يمليه الدين ومقتضياته، إنه واجب أهل العلم والحكمة والدراية والاختصاص من العلماء والصلحاء الأفارقة.
إن توحيد وتنسيق جهود العلماء والخبراء والمختصين الأفارقة، للصيانة والتعريف بالذاكرة الجماعية لشعوب ومجتمعات إفريقيا، أصبح واجبا يمليه علينا ديننا الحنيف، وأصالتنا وكل ما يميزنا عن العالم. وهذا لن يتحقق إلا بتوطيد العلاقات بين العلماء والخبراء والمختصين الأفارقة والعمل على تطوير وتنسيق وتبادل التجارب فيما بينهم على كل المستويات.
إن المدارسات العلمية التي عشنا أطوارها على مدى ثلاثة أيام، بمشاركة وتأطير السادة العلماء والمختصين من فروع المؤسسة وغيرهم من إخوانهم من الأساتذة والباحثين، ومدى الحضور والمشاركة والتفاعل الايجابي معها، بما في ذلك الورشات التكوينية العلمية العملية، لدليل ساطع على أن الاهتمام بقضايا وحاجيات تراثنا الثقافي الإسلامي الإفريقي، وما يلزم القيام به نحوه لصيانته وحمايته وإنقاذه وتيسير سبل الاستفادة منه، إنما هو في الحقيقة صورة من صور التعريف بديننا الحنيف المحفوظ بتراثنا المخطوط.
وقد جاء المعرض مرآة عاكسة لهذه الغايات، لما احتواه من لوحات فنية شاهدة على كنوز معرفية زاخرة، وعلى تراث علمي رصين تركه علماءنا ومشايخنا في شتى العلوم، ودليل ملموس على الامتدادات الروحية والعلمية بين الشعوب الإفريقية ككل، ووعاء علمي ناطق على رقي حضارة متفوقة في شتى الميادين والفنون، مرورا من المصادر التشريعية إلى العلوم العقلية والتطبيقية.
أيها السادة العلماء الأجلاء والسيدات العالمات الجليلات،
إن ندوتنا العلمية بأبوجا، لتعتبر في الواقع تجسيدا وتفعيلا لأحد بنود مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، الرامي إلى العناية والحفاظ والصيانة للتراث الثقافي الإسلامي الإفريقي بمختلف أصنافه وكذا بجميع فنونه وعلومه.
إن نجاح هذه الندوة العلمية المباركة، ليعتبر في الواقع تنزيلا فِعليا لأهداف المؤسسة الكبرى نحو حماية الذاكرة والتاريخ الإسلامي الإفريقي المشترك. والعناية بهذا الأمر جزء لا يتجزأ من الورشات الكبرى التي تنهض بها المؤسسة ككل.
فالأعمال العلمية التي قدمت تَنِمُ وبكل موضوعية عن كفاءة السادة العلماء والسيدات العالمات الأفارقة من الفروع وغيرهم من الأساتذة الباحثين، وأبانت كذلك على مستويات العلمية المتفردة.
ولهذا، فإن العناية بتوصيات ما أفرزته هذه الندوة العلمية المباركة، ليدعونا جميعا من خلال المؤسسة الى الاستمرارية وبكل دقة واحترافية من أجل المساهمة في الحفاظ على تراثنا وتاريخنا وذاكرتنا الجماعية الإفريقية.
ولا شك كذلك، أن الإدارة الناجحة في تحقيق الأهداف الكبرى لمشاريعنا، ستساهم، وبشكل فعال، في نجاح مهمة الحفاظ على خصوصيات قارتنا الإفريقية التراثية.
والإدارة الناجحة، وكما يعلم الجميع، هو:
أولا: في ضبط وتحديد المفاهيم والمصطلحات المستعملة على مستوى التعاطي مع التراث الإفريقي بكل أصنافه وجزئياته،
ثانيا: في الالتزام بالأهداف العامة للمؤسسة والانطلاق دائما من الثوابت المشتركة التي تجمع الفروع،
ثالثا: في مراعاة خصوصيات البلدان الإفريقية الفروع عند التعاطي مع التراث الإفريقي بكل أصنافه وجزئياته، والمرونة والتدرج في العمل، وفق الأولويات على مستوى تنزيل البرامج.
أيها السادة والسيدات الأفاضل،
إن المخاطر التي تحدق بتراثنا وذاكرتنا وتاريخنا الإفريقي المشترك تتجاوز الأقطار والجغرافية الضيقة، إنها مخاطر تستوجب التنسيق بين العلماء والمختصين الأفارقة من أجل الوقوف كرجل واحد من أجل الحفاظ على الموروث الثقافي الإفريقي، بل للحفاظ أولا وأخيرا على الإنسان الإفريقي.
إن أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه، يريد أعزه الله أن يجعل من هذه المؤسسة، مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، إطارا علميا شامخا يحفظ ذاكرة وتاريخ الشخصية الإفريقية، بما في ذلك خصوصيات المجتمعات الإفريقية وتنوعها وغناها وكل ما تزخر به من مقومات حضارية رائدة.
إنها، أيها السادة والسيدات، مهمة العلماء والمختصين الأفارقة في حفظ تراث وذاكرة وتاريخ الشعوب والمجتمعات الإفريقية.
السادة العلماء الأجلاء والسيدات العالمات الجليلات،
إن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، تحت القيادة الرشيدة لرئيسها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، هو فضاء لأهل العلم والتزكية والصلاح والمختصين من الأفارقة، من أجل إنقاذ تراث ومقومات وذاكرة الشعوب الإفريقية من الضياع، والفرقة والتشرذم.
أيها الحضور الكريم،
إن حضور كل فروع المؤسسة لهذا المجمع العلمي الكبير بنيجيريا الشقيقة لهو دعم كامل لأنشطة الفرع، ولدليل ساطع على مساندتنا له من أجل بلورة برامج تراثية نيجيرية طموحة تستجيب لأهداف المؤسسة السامية التي هي أهدافنا كلنا، أهداف ترسخ بالوعي الديني السليم بأن الحفاظ على الذات من الحفاظ على الموروث الثقافي الإسلامي الإفريقي. إنها رسالة سلم ومحبة لكل أبناء الوطن، مسلمين وغير مسلمين.
أيها السادة والسيدات الأفاضل،
إن رسالة مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، هي رسالة سامية مقدسة، رسالة يفرضها العمق الديني الحنيف في قارتنا، كما أرادها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه، فنسأل الله تعالى أن يحفظ جلالته بما حفظ به الذكر الحكيم، وأن يديم عليه وعلى أسرته الكريمة الصحة والعافية، وطول العمر، كما نسأله تعالى أن يحفظ جمهورية نيجيريا الاتحادية الشقيقة، رئيسا وحكومة وشعبا، وأن يحفظ سائر البلدان الإفريقية، من كل مكروه، كما نسأله تعالى أن يديم النعمة والخير والسلام على مجتمعاتها الإفريقية، وأن يجعلنا كلنا جنودا مجندين من أجل خير ومحبة وسلامة الشعوب الإفريقية، آمين وبالله التوفيق،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.