كلمة السادة علماء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة خلال افتتاح ندوة الرسالة الخالدة للأديان
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين عليه الصلاة والسلام
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة المتابعين لهذه الجلسة الافتتاحية المباركة؛
السادة العلماء الأفاضل رؤساء فروع المؤسسة؛
السادة العلماء الأجلاء أعضاء فروع المؤسسة؛
السادة العلماء الافاضل والسيدات العالمات الفضليات؛
أيها الحضور الكرام كل باسمه وصفته، نرحب بكم في هذا الحفل العلمي البهيج، ونتمنى لكم مقاما طيبا في ظلال هذه الندوة الكبرى؛
والشكر الجزيل والثناء الأصيل والامتنان الكبير أولا لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الذي يسهر جنابه الشريف على ضمان وحماية الثوابت الدينية في افريقيا وجمع الشعوب الافريقية على الكلمة السواء، عبر مؤسسة سامية تحمل اسمه الشريف: “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”.
مؤسسة شريفة تحرص دوما على الدعوة إلى سبل الوحدة في افريقيا، ونهج الوسطية والاعتدال، ونبذ كل صيغ التشدد والتطرف والغلو.
السادة الأفاضل والسيدات الفضليات،
إن هذه القارة العظيمة، قارة افريقيا، التي تزخر بخصوصيات مميزة وتنوع ثقافي ولغوي متعدد وتاريخ مجيد، تحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى ترسيخ الحوار العلمي البناء، باعتباره مدخلا للتقارب والتعاون ونبذ الخلاف والاختلاف، والاحتكام إلى الينابيع الدينية الصافية التي لم تكدر صفوها الأهواء والآفاق الضيقة وحظوظ النفس.
أيها الحضور الكرام،
يشرفنا أن نهنئكم بهذه الأيام العلمية المباركة التي تدور أشغالها في رحاب عاصمة كوت ديفوار الشقيقة، من أجل مدارسة موضوع علمي ذي أهمية عظمى وراهنية كبرى، تحتاج القارة كلها إن لم نقل العالم برمته الى متابعة مقتضياته والاستفادة من نتائجه. إنه الحوار بين الديانات، والإصغاء إلى الرسالة الخالدة للأديان في هذا الباب.
السادة الأفاضل والسيدات الفضليات،
إن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، تعمل وفق الإرشادات السديدة لرئيسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي ما فتئ يحض على الحفاظ على الثوابت الدينية والانفتاح على الحضارات والأديان، والبحث عن سبل تنزيل روح الرسالة الخالدة للأديان المتجسدة في التواصل والتعارف ونبذ كل طريق تؤدي إلى الفرقة وتوسيع الاختلافات، مهتدين بهدي الوحي الذي ينص على تعزيز الأخوة الإنسانية وتكريم المخلوقات بتنوعها وتعدد مشارب علاقاتها بالوحي الإلهي. قال تعالى “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر”. وقال سبحانه “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة “. الى غير ذلك من التعاليم الدينية التي ينبغي أن نرعاها حق رعايتها، وأن نستوعب رسالتها العميقة، إذ من الواضح أنه بهذا الفهم ذي البعد الديني لمعاني الأخوة الإنسانية والتكريم الإلهي للمخلوقات، سنفتح –بدون شك- سبلا رحبة لتعميق الحوار بين الأديان التي تستنير من مشكاة واحدة وتستهدي بأنوار الوحي الالهي وتنهل من منابع صافية..
إننا اليوم، في ظل هذه التقلبات التي تعرفها افريقيا وباقي ربوع العالم، مدعوون-أكثر من أي وقت مضى- إلى بذل الجهود الحثيثة لتعزيز وتقوية جسور التفاهم والتواصل بين أهل الديانات، مع التركيز على القواسم المشتركة وهي كثيرة تجعلنا نقتنع بقوة بأن ما يوحدنا أكثر مما يفرقنا، ولن يتأتى لنا ذلك إلا إذا قمنا بتفعيل آليات الحوار الديني وتجسيد معطياته ونتائجه، لأنه عبر الحوار الهادئ والهادف، سنتخطى-بدون شك- كل الخلافات التي قد تظهر على السطح لأن الجوهر واحد والأعراض متعددة.
فجوهر الأديان يحث بني البشر على التآخي والتعارف والتآزر، واستثمار المخزون الروحي في الإرث التشريعي لجميع الديانات والذي يتسامى بالنفس البشرية الى الانعتاق من حظوظ النفس والسعي الى الالتفاف حول كلمة سواء مصداقا لقوله تعالى: “قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”.
أيها الحضور الكرام،
إن الدور المحوري لمهمة نشر ثقافة الحوار بين الديانات منوط بالسادة العلماء والعالمات، فانخراطهم في إطار من المسؤولية وتحمل الأمانة ضروري من أجل إرساء دعائم حوار ديني بناء، فرسالة العلماء مستمدة من ميراث النبوة ، والتوجيه النبوي يقرر أن “العلماء ورثة الأنبياء”، وهو تشريف يحمل تكليفا ثقيلا يستوجب من العلماء بذل مزيد من الجهد لجعل الحوار بين مختلف الطوائف الدينية متاحا بشكل دائم ومنضبطا بقواعده ومقاصده المقررة، وذلك في أفق تعزيز القيم الدينية النبيلة مع التأكيد على أهمية الحفاظ على إنسانية الإنسان وكرامته.
إن من مهام علماء جميع الأطراف المتحاورة العمل على ترسيخ هذه الثقافة وتعميمها داخل نسيج المجتمع بدءا بالأسرة التي تشكل النواة الأولى للتربية الدينية للأطفال، ثم المدرسة بوصفها مجالا تتشكل فيه التوجهات والتمثيلات الدينية والاجتماعية، هدا فضلا عن الأدوار التي ينبغي أن تضطلع بها مختلف مكونات المجتمع المدني في سبيل جعل الحوار ينساب بين المتعايشين من أتباع الديانات ويتم تداوله عمليا وبشكل مستمر أملا في أن تشيع بينهم ثقافة دينية تواصلية تبني وتؤسس قيم الاحترام والاعتراف بالآخر عبر التواصل والإصغاء. وتبقى المسؤولية منوطة بشكل أساس بمختلف المؤطرين الدينيين الذين يتحملون أمانة التحسيس والتبصير بالمعاني النبيلة التي تفرزها وترمي اليها ثقافة الحوار الديني خاصة في جانب نشر قيم الوسطية والاعتدال لمواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة.
ولا شك أن التربية على فضيلة الحوار وأهمية تبادل الأفكار وتلاقحها كفيل بأن يسهم في تجفيف منابع التطرف والغلو المفضية إلى إثارة نزوعات الكراهية والتباغض والعنف. ومن هنا يظهر أن موضوع هذه الندوة المباركة مهم للغاية ويكتسي راهنية كبيرة وينسجم مع متطلبات المرحلة الراهنة المشوبة بالقلق والارتياب بشأن مستقبل العلاقات بين أتباع الديانات.
وفي الختام اسمحوا لي أن أنوه، من هذا المنبر العلمي الكبير الذي تلتقي حول مائدته زعامات دينية وقامات فكرية لها موقعها ومكانتها في مجال الحوار مع الآخر بالمجهودات التي بذلها جميع السادة العلماء الأجلاء والسيدات العالمات الجليلات في الإعداد والتحضير لهذه الندوة العلمية الكبرى التي سوف تبقى معالمها ونتائج أشغالها مدونة في سجل تاريخ الملتقيات الحوارية بين أتباع الديانات.
ولا يفوتني التأكيد مرة أخرى على أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ستظل تحت الرعاية السامية والقيادة النيرة لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، وفية لمبادئها وأهدافها في سبيل خدمة علماء القارة وحماية القيم الدينية والإنسانية النبيلة في بعدها الافريقي.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.