كلمة السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بمناسبة زيارة قداسة البابا
كلمة السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بمناسبة زيارة قداسة البابا يوم 30 مارس 2019
بسم الله الرحمان الرحيم
مولاي أمير المؤمنين
قداسة البابا فرانسيس
في القرن الثالث عشر قام البابا ڭريڭوار التاسع (Grégoire IX) بتكليف السيد طوماس دي تشيلانو (Thomas de Celano) بأن يكتب أول ترجمة للقديس فرانسيس الأسيزي.
ورد في هذا النص أن القديس فرانسوا الأسيزي، وقبل سفره الشهير إلى مصر، كان يتمنى أن يزور المغرب ويلتقي بملكه بصفته أميرا للمؤمنين، لكن المرض منعه ورجع من الأندلس.
وهذا يعني أن الحضرة البابوية كانت قبل ثمانية قرون من الآن، على علم بالنظام المغربي في مقامه، مقام إمارة المؤمنين.
والواقع أن المغرب قد حافظ وحده على هذا النظام الأصلي للإسلام، وهو مؤسسة قائمة على عقد سياسي اجتماعي مكتوب، يتولى فيه متقلد المشروعية حماية دين الأمة وأمنها ونظامها العام القائم على العقل وحماية عدلها وكرامتها.
إن تكوين الأئمة والمرشدات، وهي المهمة التي من أجلها أنشأ أمير المؤمنين هذا المعهد، يقع في صميم ما هو منوط به من حماية الدين.
ولهذه الغاية، حماية الدين، أمر أمير المؤمنين، منذ اعتلاء العرش، بسلسلة من الإصلاحات المهيكلة لتدبير هذا الشأن، وبإدخال حيوية قائمة على التوافق بين الصيغ المؤسساتية الحديثة في التدبير وبين مقاصد الدين في مختلف الجوانب.
في هذا السياق، سياق إمارة المؤمنين، تجد حلها كثير من الإشكاليات التي قد يشكو منها تدبير الدين في جهات أخرى، ومنها إشكالية حضور الدين في الدولة، وحمايته، وعلاقته بالسياسة، وبالحركات المسماة بالإسلامية، وبتطبيق الشريعة، وبالتيارات المتشددة، وبالحريات، وبالقيم الكونية، وبالتعليم الديني، وأخيرا مسألة العلاقة بالعلماء.
1. فحضور الدين في الحياة، ضرورة فلسفية وعملية مرتبطة بالجواب عن سؤال المعنى، كما أنه حاجة أخلاقية ومعين للقوة المعنوية في حياة الأمة؛
2. أما حماية الدين، بمعناه الخاص، فتتم بتوفير تأطير ديني بشري، مكون من علماء وأئمة، وبتوفير خدمات مناسبة في مجال العبادات والتعليم؛
3. ذلك أن الدين في نظام إمارة المؤمنين يقع في مستوى الأمة، في حين يتم اقتراح البرامج السياسة في مستوى المجتمع، وهو الفضاء البشري المناسب لكل أنواع التفاوض والحوار؛
4. إن التوجهات المتشددة التي تنكر للدين بعده الروحي التزكوي توجهات مُنكرة بالمغرب، فأمير المؤمنين يرعى الطرق الصوفية، ولاسيما قيمها الاجتماعية الداعمة للعطاء ومواساة الفقراء، وذلك على مثال القيم التي تكرس لها أعلام من أمثال أحد صلحاء مراكش، سيدي بالعباس، معاصر القديس فوانسوا الأسيزي، فقد كان مذهبه يقوم على أن العطاء دواء كل داء، وأن الوجود ينفعل بالجود؛
5. يعمل المغرب بالمبدإ القرآني أن لا إكراه في الدين، وهكذا فممارسة الحريات في الفضاء العمومي يضبطها القانون، أما على الصعيد الفردي، وهو صعيد يهم الدين كذلك، فلا هادي للسلوك فيه ولا عاصم من الهلاك إلا بشعور يحاسب النفس وتغمره الأخلاق الروحانية؛
6. إن قيم الإسلام، بمقتضى ثوابت المغرب، في توافق مع القيم في المرجعية الكونية، فلقد أسهم المغرب في بناء الأنسنة بحكمته وروحانيته وأعماله الثقافية والفنية؛ ولا يتحفظ إلا على جزئيات تتعلق بتراثه الخصوصي؛
7. إن اختيار بعض الناس المدارس القرآنية لأبنائهم حق مشروع، وقد جاء قانون التعليم العتيق عام 2001 لينظم إطار هذه المدارس وينمي برامجها بالمواد العلمية الأساسية ويخلق الجسور بينها وبين التعليم العمومي؛
8. يقوم العلماء بمساعدة إمارة المؤمنين، وهم على حياد بالنسبة للتيارات السياسية في المجتمع، يصدرون الفتاوى في الشأن العام، وقد نشروا عام 2007 عملا علميا فريدا من نوعه يدحض، بالحجة الشرعية، ادعاءات المتطرفين.
إن تأسيس هذا المعهد بأمر صاحب الجلالة حفظه الله، يشكل أحد الرموز البليغة لتقليد راق ذكي، يستمد وحيه من ثوابت دينية عريقة في التاريخ، ولها القوة والفطنة التي تؤهلها للتكييف مع مطامح الناس ومقاصد الشريعة.
إن عناصر هذا التقليد الذي يرعاه أمير المؤمنين أعزه الله تتضمن إمكانيات دعم نموذج مندمج للتنمية كامل الوعي بذاته، يتحمل فيه الإنسان مسئولية نفسه ومسئولية التعايش مع غيره، وهو يشعر في أحوال قوته وضعفه، أن الله معه، الله الغالب على أمره، الرحمان الرحيم، ذو القوة المتين.