كلمة توجيهية لمعالي السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والرئيس المنتدب لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة خلال افتتاح الدورة التواصلية الرابعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته الأكرمين.
السادة العلماء، السيدات العالمات:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
في افتتاح هذه الدورة التواصلية يسعدني أن أجدد الترحيب بضيوف أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، مِنَ العلماء والعالمات من مختلف الأقطار، وأخص بالذكر العلماء والعالمات القادمين والقادمات من البلدان الإفريقية، ولا سيما الرؤساء والأعضاء والعضوات في فروع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.
الحمد لله الذي جمعنا على التذكير وعلى الذكر وعلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر، هذه دوره تواصلية كما سميت، وتأتي في رمضان المعظم وقلوبنا متوجهة إلى الحق سبحانه وتعالى أن يتدارك المسلمين بلطفه وعفوه وغفرانه في شهر الغفران.
أيها السادة، أيتها السيدات:
اختارت هذه المؤسسة أن تجعل لهذه الدورة عنوانا أو موضوعا هو: «المدرسة الأشعرية والمذاهب الفقهية: الانسجام العلمي والمنهجي في خدمه كليات الدين».
والغرض هو التأكيد على الانتماء العقدي المشترك بيننا جميعا ولا سيما بين المغرب وباقي بلدان إفريقيا، ونعلم جميعا أن هذا الأمر- أمر العقيدة – لم يكن واردا ولا مطروحا على عموم الناس، بل كان اهتماما من اهتمامات العلماء الذين يحرصون على حماية الناس. أما الآن فقد صرنا وكأننا مطالبون بأن نؤكد هذا الموضوع ونعود إليه ونتذاكر فيه؛ نظرا لسبب واحد هو أن المرجع في عدم تكفير العاصي أو صاحب المعصية في الإسلام هو هذا المذهب على الخصوص؛ لأن هنالك إرهابا يتهدد المسلمين في أنفسهم وفي مقامهم بين الأمم يستند إلى ادعاءات على الله وعلى كتابه وسنة رسوله ﷺ، فهذا هو الداعي لأن يتوقف الناس عند قضية العقيدة، وهي لا تعني شيئا بالنسبة لعامة الناس؛ لأنهم يعيشونها ويعيشون فيها ولا يتساءل أحد من عامة الناس وأصحاب الفطرة منهم أن أحدا يمكن أن يعتدي على أحد في الإسلام باسم الإسلام، ذلك أننا كنا نعيش هذا الواقع إلى هذه السنوات الأخيرة.
على كل حال الذي يظهر لي هو أن تمر المؤسسة إلى فضاءات أخرى بعدما أكدت وركزت على هذا الأمر لاسيما فيما نشرته من ميثاق العلماء الأفارقة؛ على المؤسسة أن تخطط لعلماء بلدان إفريقيا وعلماء المغرب لما هو أكثر أهمية بالنسبة لعموم الناس، وهو أن يعيشوا دينهم في توافق مع حياتهم ومتطلباتها. والأمر يتعلق بالأخلاق أكثر مما يتعلق بالجدال في العقائد أو المذاهب، وإن كان الناس في كل بلد يواجهون هذه التيارات المشوشة المداهمة المهاجمة المشاغبة في كل مكان، ولكن حماية الناس هي السبيل إلى الوقوف أمام هذا الشغب وهذا التشويش، ولا سيما بتبصير الناس بما يوفره لهم دينهم من الحياة الفضلى في الإخاء والتعاون والنفع المشترك.
عاش أبو الحسن الأشعري كما تعلمون جميعا بين القرنين الثالث والرابع الهجريين، وكان من المتكلمين، حاذقا في الكلام مع المعتزلة من شيوخه ورفاقه إلى أن وقع له ما وقع.. ويحكى أن الذي وقع له كان في شهر رمضان من سنة 300 للهجرة، أراد الله أن يكون الأمر كذلك بهذا التوقيت، بمعنى أن الرجل كان مجددا أراد الله له أن يكون مجددا بداية القرن الرابع، وأن يكون مرجعا في هذا الأمر بالذات، فتكلم وواجه المتكلمين من المعتزلة وغيرهم في أمور تعرفونها، لكنها أمور لا جواب عنها في الحقيقة، إنما هو دفاع في قضية الصفات، ولا أحد يحيط بالصفات، تكلم فيها ما شئت لن يزيد ذلك ولن ينقص من إيمان المؤمن، ولا يحتاج إلى ذلك الإنسان الفطري العادي، فقضية التشبيه والتنزيه وما أدراك ما هي.. لا فائدة فيها بالنسبة لعوام الناس، هذا شغل العلماء الذين يحمون الناس من التشويش من هذه المداخل، وقضية خلق القرآن وعدم خلق القرآن كل هذه الأمور كما تعلمون هي أمور العلماء في حدود العلم والجدال، لا تهم عموم الناس؛ لأن الناس يحميهم العلماء الذين يعرفون هذه المداخل وحظها ومقدارها وحدودها التي تهم الناس، لكن هذه النقطة بين النقاط الأخرى كلها وهي نقطة التكفير، وقضية العاصي والمعصية، هذه كان فيها أبو الحسن مدافعا عن أمر يهم الناس جميعا؛ لأنها مسألة أساسية وهي التي بقيت إلى الآن مع تجدد الشر على فهوم خاطئة في الإسلام في عصرنا هذا؛ سواء كانت من سبل عقدية أو سبل مذهبية وعسى أن ينجلي هذا الظلام عن المسلمين.
فالذي يظهر لي هو أن تحرص مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في هذه السنة أي بين رمضان هذا وبين رمضان القادم إن شاء الله، وبعد أن استغرقت عدة سنوات، وهي تهيئ ميثاق العلماء الأفارقة، أرى أن تعد وثيقة أخرى بمثل هذا العنوان المقترح:
«مرشد العالم والإمام في البلدان الإفريقية في التذكير ونفع الناس»،
وتذكير الناس ونفعهم مصطلحان قرآنيان.
أرى أن تشتغل المؤسسة مع علمائها من البلدان الإفريقية ومن المغرب في إنجاز هذه الوثيقة لتكون في أيدي الناس، في أيدي العلماء في إفريقيا وتكون بلغاتها، وَتكون في أيدي الأئمة على الخصوص، وَيوضع هذا رهن إشارة الأئمة؛ لأن فروع المؤسسة ليست هيئات رسمية في البلدان، والأئمة هم تابعون لهيئاتهم الرسمية، ولكن أن يصلهم الخبر ومن أراد فليفعل وليعمل بذلك الإرشاد. وهذا كله يدخل في التذكير وفي إتاحة العلم لمن يريد والنفع لمن يسعى.
ثم أقترح أن تنجز المؤسسة دليلا آخر يكون دليل السلوك وأن يتعاون فيه أهل السلوك الصوفي في البلدان الإفريقية شيوخا وعلماء مع المؤسسة، والحمد لله بكيفية عضوية هنالك انسجام بين هذين الأمرين (الطرق الصوفية والعلماء)؛ وكثير من أبناء هذه الزوايا هم أعضاء في المؤسسة وليس هنالك أي تفاوت بين الأمرين وهنالك حاجة ماسة إلى هذا الدليل. إنكم تعلمون أن الصوفية بعد أن وقع عليهم نوع من العدوان منذ القرن الخامس للهجرة أخذوا يكتبون كتابات للدفاع عن أنفسهم والتعريف بأمرهم، والآن الأجيال الجديدة تحتاج إلى هذا من أين أتى هذا إذ لا إراثة وَ وراثة عن الأب والجد والأخ، سواء فيما يتعلق بالمشيخة أو ما يتعلق بالإرادة، فأبناء المريدين من الجيل الجديد يحتاجون أن يفهموا ما معنى هذا، وكذلك ورثة الشيوخ وأولادهم ينبغي أن يبلوروا هذا الأمر بكيفية اصطلاحية بعبارات مناسبة للمقام تبين للناس وتشرح لهم؛ لأن الامر لن يستمر سالما على هذه العفوية التي كان عليها.
وقد كنت تذاكرت في هذا الأمر مع الشيخ إبراهيم الحسيني مفتي نيجيريا، وقال لي إنه سيعمل لاسيما مع الإخوان في السنغال والكوت ديفوار ومالي ونيجيريا لإجراء لقاء في المملكة المغربية أو في السنغال في دكار أو غيره، للتذاكر داخليا في هذا الموضوع، أي في ضمان مستقبل الطرق الصوفية؛ لأن المغرب يشعر بشيء من المسؤولية والأمانة في هذا الموضوع. لتقع المذاكرة: هل هناك ما يستدعي شيئا ما للقيام به أو أن الأمر لا يحتاج إلى شيء؟
على كل حال لابد من التأكد من هذا الأمر، وهذا هو الدليل الثاني الذي أقترح أن يقع فيه الاشتغال بعد أن يقع هذا اللقاء الذي تذاكرت فيه مع الشيخ ابراهيم الحسيني حفظه الله.
ثم أذكر بأمر اجتمعنا حوله منذ أقل من شهرين هنا مع بعض العلماء من بلدان إفريقيا، يعني ثلة محدودة ويتعلق ببرنامج تعتزم إطلاقه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون في المملكة المغربية، في خدمة مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة وخدمة إفريقيا، برنامج إعلامي يبدأ بثلاث ساعات تكون فيه العربية وتكون فيه اللغات، وبرنامج شق منه موجه إلى أوروبا وشق موجه إلى إفريقيا.
الشق الموجه إلى إفريقيا يبدأ بثلاث ساعات كذلك، تكون فيه العربية، والإنجليزية والفرنسية، ثم أربع لغات محلية أخرى.
وقد وقعت المذاكرة في ملامحه الأولى وبعد رمضان مباشرة إن شاء الله سنستعد له، ليشارك فيه الناس من هذه البلدان، وليكون علماء المغرب أفرادا من بين العلماء الآخرين للمشاركة فيه بمواد مطلوبة في الضروريات، وفي الضروري من علوم الدين، ثم في الأخلاق وفيما ينفع الناس هذا هو البرنامج الثالث.
ثم برنامج إعلامي لتأهيل الأئمة كذلك، إما أن يكون ضمن هذا البرنامج، أو أن يكون مستقلا.
إذا إن شاء الله القصد هو أننا بعد أن تكلمنا عن الثوابت والعقيدة ينبغي أن نمر إلى أمور أخرى نراها ونجربها في الميدان.
و﴿إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم﴾.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.