كلمة ختامية للأستاذ محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى بالمملكة المغربية
ألقيت المداخلة في الندوة العلمية الدولية الأولى التي نظمتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع «الظاهرة السلفية: الدلالات والتداعيات» يومي الأربعاء والخميس 28 – 29 صفر 1440هـ، الموافق لـ: 7 – 8 نونبر 2018م بمدينة مراكش.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
سيادة الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، أصحاب الفضيلة العلماء، السيدات العالمات، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كان من المنتظر أن يحضر معنا سيادة الرئيس المنتدب لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد التوفيق، وكان حريصا كل الحرص على أن يحضر في ختام هذه الندوة العلمية الدولية التي نظمت تحت رئاسة مولانا أمير المؤمنين، الملك محمد السادس أعزه الله، لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.
وتعذر عليه أن يحضر بنفسه، وكلفني أن أقدم لكم خالص شكره، وتحيته وتهانيه لهذه الندوة المباركة، بما كللت به أشغالها من نجاح كبير، كما كللت كل أعمالكم في الربا ط وفي فاس وهنا في مراكش.
فباسمه أحييكم وأشكركم، وأتمنى لجمعكم هذا أن يكون فاتحة خير وخطوة أخرى كبيرة عملاقة على الدرب الذي تشقونه وصولا إلى الأهداف الكبرى المنتظر تحقيقها من هذه المؤسسة العلمية العظيمة.
أصحاب الفضيلة العلماء، السيدات العالمات،
إن تنظيم هذه الندوة حول السلفية جاء لا من اجل أن نندد بغيرنا، ولا أن نذكر مثالب الآخرين، أو أن نعلن عن عدائنا لهم؛ لا، ولكنها جاءت في سياق بيان ما يجب بيانه على العلماء لأمتهم، حتى لا تختلط عليها أمور دينها، وحتى يتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. هذه هي الغاية، وهذا هو الهدف الأساسي من تنظيم الندوات التي تنظمها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، وينظمها علماء الأمة في كل وقت وفي كل حين.
أصحاب الفضيلة، السادة العلماء، السيدات العالمات،
إن حضوركم واجتماعكم هذا في هذا الصعيد الطيب من وطنكم الإفريقي، مجرد اجتماعكم، علماء وعالمات من هذه القارة التي تطمح طموحا كبيرًاً في أن تقدم فكرها واجتهاداتها للآخرين، مجرد اجتماعكم هنا، وقد شددتم الرحلة إلى هذا المكان من أوطانكم وبلدانكم في هذه القارة، مجرد اجتماعكم ولقائكم هذا يعتبر مكسبا كبيرًاً لإفريقيا، ومكسبا كبيرًاً للإسلام، إذ يجتمع الناطقون والمعبرون والمبلغون لهذا الدين، في صيغته وشكله الوسطي المعتدل، الذي جاء رحمة للعالمين، مجرد اجتماعكم هذا يعتبر مكسبا وربحا كبيرًاً للإسلام ولثقافة السلام والتسامح والوسطية والاعتدال، فضلا عما أسهمتم به في لقاءاتكم المتنوعة في مدن المغرب، في الرباط، وفي فاس، وفي مراكش، إسهامات غنية دلت على سخاء الفكر الإفريقي، وعلى حيويته وحركيته وقوته واستعداده لنهضة وصحوة إسلامية حقيقية، ستشهدها إن شاء الله تعالى هذه القارة.
إن هذه المؤسسة العظيمة التي دعيتم لها يا علماء إفريقيا، ويا عالمات إفريقيا، دعاكم إليها أمير المؤمنين مولانا محمد السادس لتكون إسهاما كبيرًاً في الجهود التي تبذل من أجل نهضة إفريقيا، نهضة علمية روحية دينية ودنيوية. أنتم تمثلون هذا الشق الروحي المعنوي، بما تحملونه من أمانة، حملكم إياها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما جعلكم ورثة هذه الرسالة، واستأمنكم عليها، من أجل أن تبلغوها، كما نزلت عليه، عليه الصلاة السلام. إن هذه المؤسسة العلمية ما أسست عبثا، ولا أظن ولا أتصور ولا يتصور أي واحد، وأي عاقل في الدنيا أن هذه المؤسسة يمكنها أن تعبث، ليس عندها وقت للعبث، هي مؤسسة أحدثت من أجل أن تصنع شيئا في إفريقيا، والذي أسسها ووضعها عنده ثقة كبيرة في علماء إفريقيا، في علماء هذه الأمة قاطبة، يقدرهم ويجلهم وينتظر منهم أن يحققوا أعمال إفريقيا في النهضة والصحوة والخروج من دائرة السكون، إلى أفق الحركة والنشاط والعمل الذي يراه كل ذي عينين، ويسمعه كل ذي أذنين، فأمير المؤمنين حفظه الله، عندما أسس هذه المؤسسة ودعائكم إليها لتكونوا رجالها، علماء وعالمات، ولتكونوا رجالها وقوتها و ضميرها وقلبها، ما أراد بذلك شيئا آخر غير أن يقدمكم هدية لهذه القارة، لا يريد بذلك رياء ولا سمعة ولا تمدداً ولا مصلحة خاصة، ولكنها رسالة من المغرب حملها أمراء المؤمنين في هذا المغرب منذ القديم، فمولانا محمد السادس أمير المؤمنين، يواصل هذه الرسالة بهذه الآلية الجديدة، آلية مؤسسة محمد السادس لعلماء إفريقيا، وصلا بما صنعه الحسن الثاني- رحمه الله- وما صنعه محمد الخامس- رحمه الله- وما صنعه أمراء المغرب، وكأنني بمولانا محمد السادس وهو يؤسس هذه المؤسسة يعيد على مسامعنا ما أسمعنا إياه منذ القديم وأسمع الأمة المغربية إياه مولانا إدريس، أمير المؤمنين، ومؤسس إمارة المؤمنين في هذا البلد الأمين. عندما بنى مدينة فاس، أو شرع في بنائها، توجه إلى الله قائلا: اللهم إني لا أريد ببناء هذه المدينة رياء ولا سمعة ولا مفاخرة، وإنما أحب أن تعبد فيها، ويتلى فيها كتابك، وتقام حدود دينك، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. هذه الدعوة القديمة الجديدة هي التي يمكن أن نكررها هنا بمناسبة تأسيس هذه المؤسسة العظيمة. لإن كانت الآن مبتدئة وهي في الطريق فهي غداً ستكون كبيرة وعظيمة، غداً سيكون لها شأنها ووزنها وكلمتها المسموعة والمؤثرة، وإن غداً لناظره قريب.
أصحاب الفضيلة،
إن انتظارات الأمة الإفريقية المسلمة؛ انتظارات هذا الدين، ثقافة هذا الدين، هي أمانة في عنقكم وفي عنقكن، فأنتم وأنتن قد التزمتم بحمل هذه الأمانة، وأنتم إن شاء الله تعالى بفضل الله وقوته وعونه وتأييده، أنتم قادرون على أداء هذه المهمة الثقيلة، كما أداها من قبلكم الصالحون المصلحون في هذه الأمة، وعبر العصور. دائما نجد في تاريخنا الإسلامي أمة نذرت نفسها للقيام بإصلاح أمتها. فأنتم المجددون المجتهدون المنتظر ثمرة عملهم إن شاء الله تعالى. فعندنا هذه الأمة لا يمكن أن تخلو من مجتهد، لابد أن يستمر الاجتهاد، ويبقى موصولا في هذه الأمة، كلما ذهبت طائفة جاءت طائفة أخرى تحمل مشعل الاجتهاد ومشعل التجديد أيضا كما جاء في الحديث: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها».
هذا المجدد قد يكون مؤسسة، وقد يكون دولة، وقد يكون فريقا من الناس، أو يكون رجلا صالحا مصلحا له مكانته في الأمة، وصوته مسموع، وله مصداقيته وله قوته العلمية، يمكنه أن يغير. العلماء دائما مدعوون لأن يغيروا أوضاع أمتهم من حسن إلى أحسن﴿، إِنَّ اللَّه لاَ يغُيِّرُ مَا بقِوْمٍ حَتَّى يغُيِّرُواْ مَا بأِنَفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11] فإذن علينا أن نغير من أنفسناَ حتى نستطيع أن ندعو الناس إلى ما نحن مقتنعون به. هذه المؤسسة تحتاج إلى رجال أمثالكم، وإلى عالمات أمثالكن، ينخرطون في هذه المؤسسة انخراطا حقيقيا، ويلتزمون بأداء الرسالة التي من أجلها وجدت هذه المؤسسة. هذه المؤسسة مرجوة لأن تغير، ونتمنى أن يكون كل الذين يشتغلون فيها واعون بهذه الأمانة الموضوعة على عاتقهم. نتمنى ألا يكون فينا الصالحون وفينا من هم دون ذلك، ألا يكون فينا المسلمون ومنا القاسطون، أتمنى أن يكون الذين يشتغلون ويحملون هذه الأمانة وندبوا أنفسهم لها أن يكونوا موطنين أنفسهم على أن يحملوها مهما كانت الظروف، ومهما كانت المتاعب، ومهما كانت المشاق. «لولا المشقة ساد الناس كلهم» كما قال القائل قديما.
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
هذه المهمة لا يتلقاها ولا يلقاها إلا الذين صبروا «وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم». حيثما كان العالم وأينما وجد، وأينما وجدت العالمة وحيثما كانت، فهي مسؤولة عن تحقيق الأمن الروحي، والأمن المعنوي، تعميق الإيمان في وجدان الأمة، في قلب الأمة، في قلب الناس، أن يدعو وتدعو إلى الخير، وأن نحقق كمؤسسة تلك الكليات الخمس، التي جاء الإسلام لحفظها، وأوصى العلماء أمثالكم، والأمناء من هذه الأمة، والعقلاء من هذه الأمة، وحكماء هذه الأمة، أن يحافظوا عليها هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ العقل، وحفظ المال. هذه هي الكليات الخمس التي نحن مدعوون لحفظها، ولحراستها، وللذود عنها، وبذل كل مجهود في تثبيتها في مجتمعاتنا، في أوطاننا، وإلا لا يصدق على العلماء أنهم قيمة مضافة في مجتمعهم. العالم في أمته هو قيمة مضافة، وليس كالآخرين الذين لا يتحملون هذه الأمانة الثقيلة. لذلك واجب علينا بعد هذه الجولة، والجولات الأخرى، التي سبقت، والتمهيدات التي مهدت الآن، والاستعدادات التي اتخذت من أجل الخطوة التالية نحو المستقبل، ونحو الوصول نحو الأهداف.
نحن لا نحب أن يكثر سوادنا بالذين لا يؤمنون بالرسالة، الرسالة لا يمكن أن يؤديها إلا المخلصون المؤمنون بها، المنخرطون في حزبها، والقرآن الكريم يحدثنا عما قاله، وما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عندما تردد المترددون، وخاف الخائفون، واختبأ المختبئون، وأظهر المنافقون نفاقهم، فقال سبحانه وتعالى مخاطبا رسوله الكريم بأن لا يأسف على هؤلاء إن هم ترددوا، ولم يستجيبوا للنفير الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل: ﴿وَلَوَ اَرَادُواْ اُ۬لْخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ اَ۬للَّهُ اُ۪نۢبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اَ۟قْعُدُواْ مَعَ اَ۬لْقَٰعِدِينَۖ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمُۥٓ إِلَّا خَبَالاٗ وَلَأَوْضَعُواْ خِلَٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ اُ۬لْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْۖ وَاللَّهُ عَلِيمُۢ بِالظَّٰلِمِينَۖ﴾. [التوبة:47]. لذلك نحرص كل الحرص على أن تكون هذه المؤسسُة من حملة الأمانة الصالحين، الذين تفرغوا لخدمة القيم العليا التي تبقى، والتي تعطي للإنسان معناه وحقيقته. هذه الأمانة هي التي ينبغي أن نحرص عليها، وألا نأسف للذين يترددون، ولا نتأسف عليهم وعلى مشاركتهم، فكم من فئة قليلة حققت الشيء الكثير في الحياة في دنيا الناس. فالقضايا الكبرى إنما تهيأ لها الذين يحملون هذه الأمانة، ويحرصون عليها، ويحبونها، ويرغبون فيها، ويعتبرونها كأنها ملكهم الخاص، ولذلك هم يسعون لتبليغها.
إن إفريقيا، يا علماء إفريقيا، ويا عالمات إفريقيا، في حاجة ماسة إليكم لتطهيرها من هذه اللوثات التي خالطتها. إن ما سمعناه في محاضراتكم، وفي تدخلاتكم شيء مهم جداً، ولكن لابد أن نبحث عن كيف نتخلص من تلك الخلافات، ومن تلك المشاكسات. لا، نحن أمامنا تحد كبير؛ تحد أمني، أمتنا وأهلنا ونساؤنا وصبياننا معرضون للخطر، فمن يدافع عنهم، ويبين لهم الطريق الصحيح إن لم تكونوا أنتم يا علماء هذه القارة. هذه القارة فيها الآن شيء يقلق راحتها وراحة أهلها وأبنائها، وأجيالها يتربون على هذه الصورة المزعجة للإنسان الإفريقي، فمن يخفف هذه الوطأة عن هذا الإنسان؟ من الذي يفتح أمامه باب الآمال وباب الأمن إن لم تكونوا أنتم حملة هذه الأمانة، فما نحن في هذه المؤسسة سوى جنود من جنود الله، ينبغي أن نستعد للنضال من أجل أن نصلح أوضاعنا وقارتنا على الأقل، وسيسمع التاريخ صوتكم، وسيراه بعينيه، وسيتحدث عنكم، وعن أعمالكم، فإنكم الآن تصنعون تاريخا جديداً لإفريقيا، تصنعون لها أمنا، تضربون حولها نطاقا من الحراسة، ألا يتسلل إليها مرة أخرى من يقلق راحتها، من يَعوق مسيرتها ويُعوق حركتها، من يمنعها من البناء، من يبطئ خطوها في اتجاه الرقي والتقدم. الإنسان الإفريقي الآن أمامه أشواط من أجل أن يتألق في دنيا الناس اليوم، حتى يراه الناس بأعينهم، يرون عمله ونشاطه وعبقريته. وللإنسان الإفريقي عبقريته، وله أيضا دهاؤه، وله ذكاؤه، وله قدرته على أن يسهم في العالم بإيجابية، ويدفع الأمن في هذه الدنيا إلى الأمام. نحن نشاهد ما يجري في عالم الناس اليوم، وما نراه من رعب، ومن قتل الإنسان للإنسان، لا لشيء، لا لجريمة اقترفها، ولكنه الهوى، وحب السيطرة، وحب التسلط، لأن هذا الإنسان ليس له زمام، وليس له حاجز، وليس له وازع يزعه عن ارتكاب مثل هذه الأخطاء. فأنتم يا علماء إفريقيا، و يا عالمات إفريقيا، وقد جمع الله شملكم في هذه المؤسسة، فلا تبخلوا على أمتكم بما آتاكم الله من علم ومن فضل، قدموا هذا الفضل، قدموا علمكم، قدموا فضلكم، كونوا قدوة للناس في بلدكم حتى يلتفوا حولكم، وحتى يكونوا قوة أخرى، عبئوا أمتكم لمواجهة الشر، لمواجهة الأخطار، لمواجهة الإرهاب، عبئوا أمتكم لهذه المهمة الكبيرة. هذا هو السياق الذي جاءت فيه المؤسسة، وهذه هي الغاية التي من أجلها أسس أمير المؤمنين محمد السادس أعزه الله هذه المؤسسة، وهو يعتز بها ويواكب حركتها، ويتتبع خطاها، ويدعمها بكل ما يستطيع أن يقدمه لها من دعم. هذه المؤسسة هي أمانة الآن، ينبغي أن نرقى بأدائها، ينبغي أن تخطُوَ بنا، يا علماء إفريقيا، ينبغي أن تخطوا بنا خطاكم العملاقة، في أن نسرع خطانا من أجل الوصول إلى الهدف. فعندما نرحل، وعندما ترحلون إلى بلدانكم، وقد قطعتم مئات الأميال، وصولا إلى هذا المكان الذي يعتز بكم، ويرفع رأسه شامخا بحضوركم، نحن هنا في المغرب كلنا نساء ورجالا وأطفالا يعرفون أن علماء إفريقيا، وأن عقلاء إفريقيا، وحكماء إفريقيا، هم الآن هذا الوطن، وفي وطنهم هذا ضيوفا على إمارة المؤمنين وهم معتزون بكم.
لا أحب أن أطيل أكثر من هذا، ولكن أحب أن أقول نسأل الله ألا يخيب رجاء قارتنا وأمتنا في علمائها وفي عالماتها، أن يجعل هؤلاء العلماء في هذه المؤسسة يرفعون رأس إفريقيا ورأس أمتهم، ليس فقط في إفريقيا، أمتكم الكبيرة أيضا تتطلع إلى عملكم، وتنظر إليكم ماذا ستقدمون لها، الناس في كل مكان محتاجون إليكم يا أطباء أمتكم، لا ينبغي أن تنسوا هذا. نحن عندما تقطعون هذه الآلاف من الأميال للوصول على هذا المكان، هل تقطعون ذلك عبثا؟ سياحة؟ لكنكم تبحثون عن المعنى الذي يجعلنا قادرين على أن نبصر بعقلنا وببصيرتنا، أن نبصر مهمتنا وأن نبحث عن الطريق الأسلم لتبليغ هذه الأمانة إلى قومنا، إلى أهلنا، إلى إخواننا، هي رسالتكم، ليس إلى المسلمين فقط، بل إلى الإنسانية كلها. لابد أن نعقد العزم على أن نظهر صورة الإسلام صافية نقية كما جاءت ونزلت، وجاء بها سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نزيل التشوهات التي أدخلها بعض الذين أساؤوا إلى نفوسهم قبل أن يسيئوا إلى هذا الدين. إن هذا الدين له رجال، إن لم يدركه هؤلاء فإن الله سيكلف من يقوم بالذود عنه،
﴿فَإِنْ يَّكْفُرْ بِهَا هَٰٓؤُلَآءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماٗ لَّيْسُواْ بِهَا بِكٰ۪فِرِينَۖ﴾ [الأنعام: 89].
يا علماء إفريقيا، يا عالمات إفريقيا، نعاهد الله ونعاهد الصالحين والمصلحين، ونعاهد رئيس هذه المؤسسة، الذي يعلق عليها آمالا كبيرة، نعاهده على ألا نخذل أمتنا، لن نخذل ثقافتنا، لن نخذل ديننا، لن نترك العابثين يعبثون بنا ونحن ننظر إليهم ونتفرج عليهم، نسأل الله أن يوفقنا.
لقد قلت سابقا إننا معتزون بكم، ونتمنى أن يطال مقامكم هنا بين أظهرنا، فحلولكم في أي مكان هو أمن وهو شرف، في أي مكان تكونون يكون الخير، ويكون الفضل، ويكون الأمن، ويكون الازدهار، أنتم عنوان أمتكم، رموز أمتكم، ولكن لا بد من أن نتوزع في الميدان لنؤدي هذه الرسالة، وأكرر ما قاله الذين سبقونا:
ولو نعطى الخيار لما افترقنا ولكن لا خيار مع الزمان
أسأل الله لكم السلامة في عودتكم، وفي إقامتكم، وفي سفركم، وفي كل حركاتكم إن شاء الله تعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.