كلمة صاحب السمو السلطان محمد سعد أبو بكر، رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية نيجيريا الاتحادية
بداية نحمد الله سبحانه وتعالى على أن يسر لنا هذه الفرصة لعقد هذه الندوة التاريخية في عاصمة نيجيريا أبوجا.
كما نشكر أيضًا مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة لاختيارها عقد هذه الندوة في نيجيريا.
في الواقع، لدى نيجيريا الكثير من المقومات لهذا الاختيار. فهي لديها أكبر عدد من السكان في أفريقيا، أكثر من مائتي مليون في الوقت الحالي؛ كما أنها أكبر بلد في القارة من حيث عدد المسلمين. وهي تضم واحدة من أقدم الإمبراطوريات الإسلامية في إفريقيا، إمبراطورية بورنو، وتحتضن جزءًا كبيرًا من خلافة صكتو التي يعتبرها بعض العلماء حركة علمية كبيرة أحدثت تغييراً سياسياً في إفريقيا أدى إلى خلافة “حمد الله” لأحمد لبو في ماسينا وخلافة الشيخ عمر الفوتي في سيغو.
من أهم مميزات التراث الإسلامي في إفريقيا -كما يعرف ذلك العلماء المجتمعون هنا بشكل أفضل-، هي غناه وعمقه.
توجد مجموعة ضخمة من المخطوطات عند مجموعة من الخواص بالإضافة إلى الجامعات والمكتبات العامة ومراكز البحث. هناك ثلاثة من كبار علماء صكتو لهم لوحدهم ما مجموعه حوالي 300 مخطوط، وهذا لا يشمل ما يقرب من 86 مخطوطا مختلفًا لنانا أسماو، ابنة الشيخ عثمان دانفوديو.
لقد تم إعداد العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جميع أنحاء العالم حول هذه المخطوطات وتم نشر العديد من الدراسات والكتب حولها.
وقد يكون من المهم أن يعرف الحضور أن “مؤسسة السلطان” كانت تقوم بتحرير وترجمة العديد من هذه المخطوطات إلى كتب بلغة الهوسا والإنجليزية والعربية الأصلية.
هذه الندوة ذات أهمية خاصة لأنها ستوسع وتشحذ الهمم للبحث عن المزيد من المخطوطات في أفريقيا. وسيساعد هذا في توثيق وتصحيح المنظور الأوروبي لتاريخنا، ويساعدنا كذلك على تقدير تاريخنا ومساهمتنا وقيمتنا في ركب الإنسانية.
في الواقع، يعطي التاريخ كل مجتمع قيمته، ويخبرنا بجذورنا، ويوثق إنجازات أجدادنا ويضع لنا معايير للحفاظ عليها وتحسينها كما يوجه طريقنا للمستقبل.
ستساهم هذه الندوة أيضا في تنوير وتطوير الكثير من النقاشات الفكرية والاجتماعية وحتى السياسية في إفريقيا والتي تبدو أن سمة الجهل طاغية عليها.
لن يقدر الكثير من الناس اليوم أن الإسلام ساهم في محو الأمية في إفريقيا قبل ألف عام من قدوم المستعمرين الأوروبيين إليها. ويجهل الكثير أنه عندما جاء المستكشفون والمبشرون الأوروبيون إلى إفريقيا، فإنهم وجدوا واقعا يتسم بمستوى جيد من القراءة والكتابة ليس أقل من الأوروبيين وعلمائهم، والمناظرة التي حدثت بين هيو كلابيرتون والسلطان محمد بيلو، عندما زار سوكوتو في عام 1824، تبين ذلك بشكل واضح.
تمثل هذه الندوة علامة فارقة في سعينا لاكتشاف ماضينا واستعادة قيمتنا ورسم مسار يليق بإرثنا. لقد كان الإسلام نعمة ليس فقط لإفريقيا ولكن أيضًا لأوروبا كما أظهرت ذلك بعض المخطوطات.
في الوقت الذي تحتاج فيه إفريقيا إلى أفكار جديدة لتجديد عنفوانها، نحتاج نحن إلى النظر إلى أنفسنا، وفي كنوز الحكمة المخفية في ماضينا مما سيحفزنا لرسم مسار جديد من شأنه معالجة المشاكل العديدة التي تواجهنا اليوم والتخلص منها.
أنا واثق من أننا سنجد في هذا التراث الغني ما وجده أجدادنا مما جعلهم يبنون إمبراطوريات عظيمة في الماضي ساهمت، مثل جميع الحضارات الأخرى، في التطور الإنساني.
في الأخير لابد من تقديم الشكر مرة أخرى لملك المغرب ولمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، كما نحث منظمي هذا الحدث العظيم على بذل أقصى جهد ممكن لتحقيق الآمال الكبيرة للمسلمين في إفريقيا.
وليبارك الله في هذا الجهد كي يؤتي ثماره في القريب العاجل، آمين.
شكرا على استماعكم.