كيفية التعامل مع الطوائف المؤالفة والمخالفة في ثوابت وخصوصيات التدين
هذا عنوان طويل لابد من تقسيمه، قبل جمع مؤداه على وجهه كما يؤدي إليه عند تـركيبه:
وهو يشتمل على ثلاث مقولات، ولنبدأ من آخره فإنه منتهى غايته:
فالمقولة المقدَّمة هي: الثوابت والخصوصيات، أي: موضوع التعامل.
والمقولة التاليَّة هي: كيفية التعامل، أي: منهجه.
والمقولة الموالية هي: الطوائف المؤالفة والمخالفة، أي: المخاطَب المتعامَل معه.
وهنالك مقولة رابعة أضمرت فيه يستدل عليها من سياق الدورة التواصلية الحالية وهي في حكم الموجه العام لجميع مقوله ومفهومه، فإن تحديد كل مقول في الثوابت والخصوصيات، وفي المؤالف والمخالف، وفي كيفية التعامل فرع عن تحديد تموقعنا ضمن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بمنظورها وأهدافها، التي تهم مختلف فروعها، ولجان عملها، المنصوص عليها في الظهيـر المؤسس لها.
بما هي عليه من الحيادية تجاه الأوضاع والمؤسسات القائمة في مختلف البلدان المستقبلة لفروعها.
وكما هي عليه من الاحتـرام والانسجام مع القوانيـن والأعراف القائمة في تلك البلدان.
وعلى هذا الأساس فإن ما يأتي من هذه الورقة يشتمل على ثلاثة عناصر:
يتعلق الأول بتحديد مرتكز الموضوع، أي: الثوابت الديـنية، ومعنى النموذج المغربي في تدبيـر الشأن الديـني.
ويهم العنصر الثاني المنهج، أي: المنهج الشرعي في كيفية التعامل، وهو المكتنز في علم المعاملة، وقد يعبـر عنه بعلم السلوك.
ويفصل العنصر الثالث عمليا، على أساس ما تم توضيحه في العنصريـن السابقيـن نظريا، كيفية التعامل بمحاذاة التنويع التفصيلي للطوائف المؤالفة والمخالفة؛ لأن الوقت المتاح لهذه الورقة لا يسمح بإفراد التنويع الطائفي عن كيفية التعامل.
أولا: مرتكز الموضوع متعلق بثوابت وخصوصيات التديـن
لئن كان صدر عنوان العرض الحالي يدل على أن موضوعه محدود في «كيفية التعامل» فإن نقطة الارتكاز فيه – كما هو الشأن في الموضوع العام للدورة الحالية – هي مسألة ثوابت وخصوصيات التديـن التي نكثر الكلام عنها في أيامنا هاته، أو ما صار يعرف بـ«النموذج المغربي في تدبيـر الشأن الديـني».
والذي استثار واستكثر كلامنا عن ثوابتنا وخصوصياتنا الديـنية أننا قد أصبحنا وإذا بالذي نعرفه، ونتعشقه، ونعتقده، ونتشبث به، من ديـننا عرضةٌ لأهواءٍ، ومحدثات، تستهدفه – بمناسبة وبغيـر مناسبة – سهام النقض، ومعاول الهدم، باسم النهضة تارة، وباسم التجديد تارة، وباسم التصحيح تارة، وباسم التحرر والعدالة تارة.
فما أجمل النهضة إلى الخيـرات والمكرمات، وما أحسن التجديد لما تجاوزه العلم من المعلومات، وأما التصحيح فهو من أوجب الواجبات، وأما التحرر والعدالة فهي من القيم الإنسانية العامة المشتـركة التي لا يشكك في لزوم معانقتها إلا من تخلى عن بدائه المعقولات.
ولكن الاعتصام بأدنى طرف من الديـن يأبى أن يمس ذلك الاعتقاداتِ السالمات المسلَّمات، وأن يتجاوز ذلك أحكام النوازل والحادثات إلى الأصول الثابتات المثبِّتات، وأن يمتد ذلك من الظنيات والمتغيـرات إلى القواطع البيِّناتِ المبيِّنات، وأن يهدم بغيـر مبـرر الاختيارات والخصوصيات الراسخة في أرض الواقع، والمميزة لهوية وشخصية ذاتنا بيـن الذوات.
ومن الفرضيات التي يعاملها أصحاب هذه الدعاوى والمحدثات معاملة المسلمات أن ما وجدنا عليه آباءنا هو في غالب أمره من الضلالات، وأن تخلف المسلميـن رهيـن بالتخلص من كل ما ورثناه من هذه الجهالات بزعمهم. والواقع أن لنا في الإسلام بحمد الله أصلا أصيلا، ولنا بفضل الله في علوم الشرع سلفا نبيلا، توالوا على تأسيسها، وتدقيقها، وتحريـرها، وتفصيلها، دهرا طويلا. ومن علم خبـر ذلك وعُجره وبُجره حجة على جهله.
فمن أصحاب تلك الدعاوى من يتلبس بمسوح الديـن، فيكفر، ويبدع عموم المسلميـن، ويدعو إلى التخلص من كل علم موروث، أو مذهب مأثور، تحت مسمى الرجوع إلى ما كان عليه السلف بزعمهم.
ومن أصحاب هذه الدعاوى من هو في الطرف المقابل، بحيث يخلع مسوح الديـن أو يحتفظ منه بتديـن رقيق يشف عما تحته من حقيقة النكران؛ ولكنه يدعو مثل الأول إلى التخلص من كل علم موروث، أو مذهب مأثور، تحت مسمى الحداثة والتحديث، والعدالة والتحرر.
ومما ابتليـنا به كذلك من جعلوا من الديـن ذريعة، كحصان طروادة، لهم مذاهب غريبة عن معهودنا، جديدة على أغلبنا، يعلم المتخصصون خبيئتها، وتخفى عن أكثر الناس حقيقتها، فيقتنصون بحبائلها الجاهل، ويزيـنون له الباطل، ومقصودهم زرع الفتن والقلاقل.
وكل ذلك مما عشش وباض وفرخ، سنيـن عديدة، وفي ظروف معقدة يزيدها الفقر المادي والفكري تعقيدا. والله المستعان.
وقد أسهمت ثورة التواصل، والتبادل السريع للمعلومات – على ما نعتـرف به لها من الإيجابيات – الطيـن بلة، وتسارعت من جرائها وتيـرة تفشي كل صغيـرة وكبيـرة من تلكم الدعاوى.
فكيف نتعامل مع كل شيء من ذلك؟ أم كيف لنا أن نَسْلم وتَسْلم أجيالنا القادمة من مغبّة ذلك؟
ثانيا: صلب الموضوع متعلق بعلم المعاملة
إن صدر عنوان العرض الحالي يدل على أن موضوعه محدود في «كيفية التعامل»، ويحيلنا ذلك على علم من علوم الشرع قائم الذات، واضح السمات، يطلق عليه في تـراثنا:«علم المعاملة والعبودية».
ونظرا لما في العنوان من التحديد بـ«كيفية التعامل مع الطوائف المؤالفة والمخالفة»، فقد أوشكت للحظة، عند ملاحظة العنوان أول مرة، أن أتجاوز القيد الثاني في لقب هذا العلم وهو «العبودية»؛ اعتبارا لكون «العبودية» لا تصْدُق إلا في خصوص المعاملة مع الخالق، بيـنما متعلق موضوعنا هو كيفية المعاملة مع الخلق من المؤالف والمخالف.
ولكنني سرعان ما تـراجعت عن ذلك لاعتبار لا يخفى، بل هو بمثابة اللب اللباب لما يظهر من المعاملة وما يخفى، وذلكم أن معاملة الخلق لا تنفك عن مراعاة ما يتخلق به العبد تجاه الخالق، أحسن الخلق أو أساؤوا، وافقوا أو خالفوا، قربوا أو بعدوا، سالموا أو حاربوا.
وليس مقصود العبد الذي صحت عبوديته في معاملة الخلق طُرّاً مؤالفتهم أو مخالفتهم، بل مقصوده من وراء ذلك كله، هو موافقة مقصود الخالق منه في نفسه وفي جميع الخلق، حتى توافق مقاصد العبد في جميع أفعاله، مقصود الخالق منه في جميع أحواله.
وعلم المعاملة بهذا المعنى، وبما يـندرج فيه من مفهوم العبودية، يطابق المعنى الذي جعله الإمام الشاطبي (تـ 790هـ) في موافقاته الكلي الأسمى للمقاصد الشرعية، وذلكم قوله: «المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدا لله اختيارا، كما هو عبد لله اضطرارا».[1].
ومعناه أنه لابد للمكلف من أجل تحقق كمال عبوديته لله تعالى من موافقة مقاصده وأعماله لمقصود الشارع منه، وتـرتيب أولوياتها على حسب ما ورد به حكم الشرع.
ولا ضيـر حيـنئذ – بناء على قاعدة أن لا مشاحة في الاصطلاح إذا تبيـنت المعاني – أن نقتصر في التعبيـر عن هذا العلم بـ «علم المعاملة»[2]، باعتبارها العبارة الاصطلاحية المستقرة منذ أن وضع أسسه وحرر مباحثه الإمام الغزالي في الإحياء، والتي اقتصر عليها ابن الجوزي في تلخيص الإحياء الموسوم بـ «منهاج القاصديـن» كما اقتصر عليها غيـره من الملخصيـن والشراح، واقتصر عليها كذلك ابن قدامة في اختصار تلخيص ابن الجوزي وهو المعروف بـ «مختصر منهاج القاصديـن». وقد يسمى هذا العلم أيضا بـ «علم السلوك»، كما قد يسمى بـ «علم الأخلاق»، كما قد يذكر مرادفا لـ «علم التصوف»[3].
وكل ذلك مما يقتضي تحليلا تفصيليا يضيق عنه المقام.
وليس ببعيد عن معنى ما نقلناه عن الإمام الشاطبي في لزوم موافقة مقاصد وأعمال المكلفيـن لمقصود الشارع من أجل تحقق العبودية، ما قرره الإمام زروق (تـ 889 هـ) في مفهوم التصوف من كون مداره على «صدق التوجه إلى الله تعالى بما يـرضى وكما يـرضى». يعني بما يُرضي اللهَ عز وجل من شروط كمال الإيمان، وكما يُرضي اللهَ عز وجل من شروط كمال الإسلام، وذلك هو مسمى الإحسان.
وقد بيـن الإمام زروق في نفس السياق بأن علوم التصوف ثلاثة أنماط[4]:
النمط الأول: العلم الذي يفيد حثا على العمل وحضا عليه، وهو علم الوعظ والتذكيـر،
وهو دائر على قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلىَ سَبِيلِ رَبكِّ باِلحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُمْ باِلتِّي هِيَ أحْسَنُ﴾[5]. هذه لقوم، وهذه لقوم، كل على حسب قبوله.
والنمط الثاني: العلم الذي يفيد كيفية العمل ووجهه، وهو علم المعاملات والعبودية، وهو دائر على قوله تعالى: ﴿وَمَا آتاَكمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نهَاكمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾[6].
والنمط الثالث: العلم الذي يفيد أمرا وراء ذلك خبـرياً يهدي إليه. وهو علم المكاشفة، وهو راجع لقوله تعالى: ﴿وَاتقَّوا اللَّه وَيعُلمُّكُمُ اللّه﴾[7].
وهذه أول المعالم التي تقربنا من مفهوم علم المعاملة ومقتضاها أن هذه العلوم الثلاثة مرتبة وجوديا في الواقع بحسب هذا التـرتيب: الحث على العمل، ثم العمل في حد ذاته، ثم ثمرة العمل وعائدته على العامل. وعلم المعاملة هو أوسط الثلاثة، وموضوع التكليف، والعلم به هو مسمى الفقه في أصل وضعه.
ويتبيـن ذلك بتبييـن موقع علم المعاملة ضمن التقسيم الغائي للعلوم، قال الإمام الغزالي:
«فالسعادة وراء علم المكاشفة، وعلم المكاشفة وراء علم المعاملة التي هي سلوك طريق الآخرة، وقطع عقبات الصفات. وسلوك طريق محو الصفات المذمومة وراء علم الصفات. وعلم طريق المعالجة، وكيفية السلوك في ذلك، وراء علم سلامة البدن. ومساعدة أسباب الصحة، وسلامة البدن بالاجتماع، والتظاهر، والتعاون، الذي يتوصل به إلى الملبس، والمطعم، والمسكن، وهو منوط بالسلطان. وقانونه في ضبط الناس على منهج العدل والسياسة في ناصية الفقيه. وأما أسباب الصحة ففي ناصية الطبيب».[8].
ومع ما في هذا القول من البيان فإن المعالم العامة لعلم المعاملة لا تتبيـن إلا ببيان أقسامه نظريا ثم عمليا:
أما نظريا فإن «علم المعاملة يـنقسم: إلى علم ظاهر أعني العلم بأعمال الجوارح. وإلى علم باطن أعني العلم بأعمال القلوب. والجاري على الجوارح إما عادة وإما عبادة. والوارد على القلوب، التي هي بحكم الاحتجاب عن الحواس من عالم الملكوت، إما محمود وإما مذموم».[9].
وأما عمليا فإن: «المعاملة التي كلف العبد، العاقل، البالغ، العمل بها ثلاثة: اعتقاد، وفعل، وتـرك».[10]. ومن هنا يتبيـن أن علم المعاملة فرض عيـني يهم سلوك العبد ظاهرا وباطنا في سائر لحظات حياته.
وما بيـنه الإمام الغزالي[11] وسائر العلماء الذيـن فصلوا القول فيه من عيـنية معرفة علم المعاملة هو نفسه ما قرره الأئمة المتبعون في موضوعه. فقد سئل الإمام مالك عن طلب العلم أهو فريضة على الناس؟ فقال: «لا، والله ولكن يطلب منه المرء ما يـنتفع به في ديـنه».[12].
ولم يأت السؤال إلا بناء على اشتباه حاصل بيـن النصوص التي توجب التعلم على العموم، والآية التي تجعله لطائفة دون غيـرها، فبيـن الإمام مالك أنه من العلم ما هو فرض عيـن، وما هو فرض على الكفاية.
وذكر الخطيب البغدادي (تـ463هـ) عن الإمام مالك تفصيلا أوضح من هذا فقد روى بسنده عن الإمام مالك، وذكر العلم، فقال: «إن العلم لحسن، ولكن انظر ما يلزمك من حيـن تصبح، إلى حيـن تمضي، ومن حيـن تمضي، إلى حيـن تصبح، فالزمه، ولا تؤثر عليه شيئا».[13].
ومن الملامح الأساسية الهامة لعلم المعاملة كما نص عليه جميع من تصدوا للتصنيف في موضوعه أنه لا يـراد به إلا العمل، وهذا نص ابن قدامة (تـ 689 هـ) «… إن علم المعاملة لا يـراد به إلا العمل، ولولا العمل لم يكن له قدر. قال الله تعالى: ﴿قدَ افْلحَ مَنْ زَكاَّهَا﴾[14]، ولم يقل: قد أفلح من تعلم كيف يزكيها.»[15].
وقد بيـن في ابتداء الكلام عن علم المعاملة هذه الخاصية عمليا فقال: «… فهذا العلم ارتفع به كبار العلماء، وبتحقيقه اشتهرت أذكارهم، كسفيان، وأبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد. وإنما انحطت رتبة المسميـن بالفقهاء والعلماء عن تلك المقامات، لتشاغلهم بصورة العلم من غيـر أخذ على النفس أن تبلغ إلى حقائقه وتعمل بخفاياه».[16].
ولعل في هذا القدر من بيان المعالم العامة لعلم المعاملة كفاية، وما يوجد من تفصيله في عموم المصنفات المتوفرة في موضوعه، مغن عن إبداء القول أو إعادته. وإنما مقصودنا هنا التنبيه على ما تقرر وتحرر في موضوعه، ليجعله المتعامل نصب عيـنيه في كيفية تعامله. وعسى أن يوفقنا الله تعالى فيما يلي من هذه الورقة إلى التنزيل اللائق لمقتضياته، وعسى أن يمتن عليـنا المولى سبحانه بفتح من عنده يبدل به شيْن حالنا بزيْن أمره ونهيه.
ومما يستطرف بيانه في ختام الكلام عن هذا الشأن اعتقاد بعض الناس بأن عبارة «الديـن المعاملة» حديث شريف من كلام رسول الله ﷺ. وليست كذلك؛ ولكنها قاعدة عامة من مفاتيح علم المعاملة[17]، تبيـن أن تجلي أثر الديـن على المرء يظهر في معاملته، وأن مبلغ حسن معاملته يطابق مبلغ ديانته.
ثالثا: الطوائف المؤالفة والمخالفة وكيفية التعامل معها
-
1. تقديم
إن الموافقة والمخالفة في ثوابت وخصوصيات التديـن تحتم عليـنا أن نقوم بتنويع عام لا يهم في بعض أنواعه خصوصيات جميع البلدان الإفريقية، ولكن يهم في مجموع تفريعاته مجموع هاته البلدان؛ وعموم هذا التنويع يتيح تخصيصه بأي مكان، مع مراعاة التفصيلات المتعلقة بتنزيله بحسب اختلاف الأحوال.
وهذا التنويع إلى مؤالف ومخالف يتعلق بالملة، ثم يتنزل مع الموافق في الملة إلى: المؤالفة والمخالفة في الأصول، ثم في الفروع، ثم في التصوف.
أما اعتبار الأعراق والإثنيات فليس له مدخل في تقسيمنا؛ فإن ذلك مما طهر الله تعالى منه بالبعثة المحمدية قلوبنا، وملتنا، وشريعتنا. وما يوجد من ذلك في الواقع يُقدر له قدرُه، ولا يُتجاوز به حدُّه، وقد قال رسول الله ﷺ: «… إلا رحما أبُلُّها بِبَلالِها[18].»[19].
-
2. كيفية التعامل مع المخالف في الملة
أما باعتبار التنويع الملي؛ فإن تعاملنا يكون طبعا مع المخالف في الملة كما يكون مع الموافق.
أما المخالفة في الملة، فقد ودع العالم الحديث ما يتعلق منه باعتبار تقسيم الدار إلى دار حرب ودار سلم، ودار إسلام ودار كفر، وتوافق الناس بحكم المعاهدات الدولية التي انخرط فيها مجموع سكان المعمور على مبدإ المواطنة لأهل الإقامة المستمرة، ومبدإ حرية التنقل بالنسبة لغيـرهم، وحقوق الأقليات، وحق اللجوء في حال الأزمات الخ…
وفي كل شيء من ذلك تفصيل مبيـن في مصادره مع إحصاء مجموع الدول الإسلامية التي وقعته، والتـزمت بموجبه.
وعلى هذا الأساس فإن من يـنتمي إلى الإسلام يبني المعاملة مع المخالف في الملة على أصل الوفاء بالعهود، ويلتـزم بناء على المعاهدات الدولية بالالتـزام المنصوص شرعا في معاملة المعاهَديـن.
ويدبِّر المسلمون معاملاتهم الخاصة والعامة مع المخالفيـن في الملة، فضلا عن ذلك، على القواعد المحررة في علم المعاملة من العدل في الحقوق والواجبات، والإحسان في مختلف المعاملات بالتسامح في الأداء والاستيفاء، والبيع والشراء، وليـن المخاطبة، وإفشاء السلام، ويتـرتب على المسلم فوق ذلك جميع مقتضيات صلة الأرحام، وحقوق الجوار[20]. وجميع العبارات الواردة هنا مبْنيَّة على أصولها الشرعية الـمُبَـيَّنة في مواضعها، ولا أتصور أن المطلعيـن على أدلة الكتاب والسنة يخفى عليهم شيء منها. ويعُمُّ ذلك كله قولُ الله ﴿ لا يَنْه۪يٰكُمُ اُ۬للَّهُ عَنِ اِ۬لذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيٰ۪رِكُمُۥٓ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ اُ۬لْمُقْسِطِينَۖ ﴾ [21]
وإنما أخشى أن يستشكل بعض من يطلع على الكلام المفصل أعلاه عبارة «إفشاء السلام». وذلك وارد من جهة الاستدلال بحديث أبي هريـرة رضي الله عنه المخرج في مسند أحمد[22]، ومسند أبي داود الطيالسي[23]، والأدب المفرد للبخاري[24]، وصحيح ابن حبان[25]، بإسناد رجاله رجال الصحيح، عن النبي ﷺ قال: «أهل الكتاب لا تبدؤوهم بالسلام، واضطروهم إلى أضيق الطريق»..
وهذا الحديث مُعارِضٌ صراحة لفعل رسول الله ﷺ، ففي صحيح مسلم[26] وغيـره عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: «أن النبي ﷺ مر بمجلس فيه أخلاط من المسلميـن، واليهود، والمشركيـن من عبدة الأوثان، فسلم عليهم».. كما أنه مُعارَضٌ بمقتضيات ما في القرآن الكريم[27] والحديث الشريف[28].
وفي معناه إشكال واضح من جهة النهي عن بدء أهل الكتاب بالسلام دون المشركيـن، مع أن أهل الكتاب أقرب إلى المسلميـن من المشركيـن.
ولذلك كله فقد حاول عدد من العلماء جمع معنى هذا الحديث إلى غيـره مما ورد من مناقضه[29].
والحقيقة أن الحديث قد ورد في سياق خاص، ثم روي في حديث أبي هريـرة رضي الله عنه مجردا عن سياقه، فأفهم من المعنى ما ليس فيه. وبيان ذلك:
أن الحديث ورد مُبَيَّنَ السياق بأسانيد صحيحة عن صحابييـن جليليـن هما أبو بصرة الغفاري[30]، وأبو عبد الرحمن الجهني[31] رضي الله عنهما، ونصه في حديثيهما معا: «إني راكب غدا إلى يهود، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم»..
ومن الواضح في قوله عليه الصلاة والسلام «إني راكب غدا» أنه يعني «راكب لقتالهم»، يعني بعدما نقضوا عهده ﷺ المكتوب بيـنه وبيـنهم، والمعروف بصحيفة المديـنة، وارتكبوا الخيانة العظمى بالتحالف مع المشركيـن ضدا على المديـنة وأهلها.
وقد نص الحديث الشريف المذكور في هامش هذا الكلام أن السلام «أمان لأهل ذمتنا»، وهؤلاء لم تعد لهم ذمة بنقضهم لعهدهم، ولا يجتمع أمان وحرب.
فتبيـن من ذلك أن الإشكال الوارد في الموضوع هو من جهة حديث أبي هريـرة رضي الله عنه، وذلك من حيث تعميمه لما هو مخصص بحالة محددة وردت في سياق خاص. وليس حديث أبي هريـرة بناسخ لما تبيـن من محكم آي القرآن ولما اطرد من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، بل يبقى الحكم على ما هو عليه، ويـرجع فيما عدا حالة الحرب إلى ما كان عليه في حالة السلام.
وما كان لي أن أفصل في هذه المسألة الجزئية ضمن هذا العرض العام إلا لما يستتبعه الكلام عنها منهجيا من الكلام عن غيـرها من الموضوعات الداخلة في هذا النطاق.
وإذا رجعنا إلى المقصود الجوهري التنزيلي لهذه الورقة؛ فإن ما سطرناه هنا بعبارته وإشارته، ومع اعتبار ما نشهده في الواقع من مخالفته، خصوصا في البلدان التي تضم أغلبية أو أقلية غيـر مسلمة؛ فإنه يمكننا أن نعتبـر بأن الكلام في هذا الموضوع يعلن افتتاح ورش كبيـر في وجه مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في هذا النطاق.
وقد عبـر أميـر المؤمنيـن سيدي محمد السادس حفظه الله تعالى وأعز أمره في الخطاب الذي ألقاه في جمعها التأسيسي عن ثقته بأن هذه المؤسسة «بمختلف فروعها في البلدان الإفريقية، ستقوم إلى جانب كل الهيآت الديـنية المعنية، بدورها في إشاعة الفكر الديـني المتنور، ومواجهة ما يـروج له بعض أدعياء الديـن، من نزوعات التطرف والانغلاق والإرهاب باسم الإسلام. وهو منها بـراء»..
ولذلك فإن من واجب المؤسسة بمختلف فروعها أن تنخرط في التوعية بالرؤية السمحة التي تعايَشَ على أساسها المسلمون مع غيـرهم في مختلف هذه الأقطار، وذلك:
أولا: بالتأليف والتـرجمة والنشر لكل ما يخدم هذه الرؤية، ويحافظ من خلالها على الثوابت الإسلامية، والخصوصيات المحلية التي تخدمها، وتدحض ما يخالفها.
ثانيا: الإلحاح الإعلامي الوازن بمختلف وسائله لكل ما من شأنه أن يشيع روح التعايش وما يخدمها.
ثالثا: تنظيم المحاضرات العامة والأيام الدراسية والندوات العلمية التي تلقي الضوء على مختلف هذه الجوانب، وتستحث همم المنتسبيـن للعلوم الشرعية للإسهام في تحقيق أهدافها.
رابعا: إعطاء الأولوية في الاهتمام بالتـراث الإسلامي الإفريقي المعبـر على شيوع قيم التسامح ومظاهر التعايش بيـن أهل الملل المختلفة.
- 2. كيفية التعامل مع الموافق في الملة، المخالف في الأصول
وأما الموافق في الملة فله فوق ما ذكرناه في معاملة المخالف في الملة من الحقوق والواجبات ما تفرضه رابطة الإسلام.
ويتنوع الكلام عنه إلى موافق في المذهب ومخالف في المذهب.
أما المخالف في المذهب فقد يكون خلافه في الأصول أو في الفروع.
والمخالف في الأصول قد يكون مخالفا في أصول الديـن أو في أصول الفقه.
والخلاف الحقيقي في أصول الفقه مواز غالبا للخلاف في أصول الديـن، بحيث يـنسجم الموقف من قواعد أحدهما مع الموقف من قواعد الآخر. وليس وراء هذا النوع من الاختلاف في أصول الفقه إلا الاختلاف المنهجي في مسائل تتعلق بثبوت النقل ونقده، ومسائل في دلالته، ومسائل تتعلق بالاجتهاد في بناء الفرع على أصله، ومسائل أخر ىتفصيلية في تنزيل الأحكام، مع جملة من المسائل هي إلى الاختلاف الاصطلاحي أقرب، ونحو هذا مما وقع من جرائه اختلاف المذاهب الفقهية.
والاختلاف في أصول الديـن لا يكاد يخلو منه باب، حتى لئن قلنا بأن تبويب أصول الديـن إنما وضع موازيا لمجموع الخلافات الواردة في عدد من موضوعاته؛ لكان قريبا من حقيقة الوضع. وقد أشار أبو الحجاج الضريـر إلى هذه الحقيقة التاريخية في مقدمة نظمه التنبيه والإرشاد، فقال:
زادتْ على السبعينَ ضلُّوا وشَقوا | ونشـأتْ بعـد النبـيِّ فـرقُ |
فـكانَ مـا وردَ فـي الأخبـارِ | ورَغِبـوا عـن سُـنَّةِ المختارِ |
بِحُجَـجٍ أمْضـى منَ الأسِنَّةِ | وأيَّـدَ اللـهُ أهـلَ السُّـنَّـةِ |
أسـكنتها قواطـع الدلائـل | فكلمـا هبـت ريـاح البـاطل |
كمـا أتـى فـي الخبـرِ المأثـورِ | ولـنْ يزالَ الحـقُّ فـي ظهـورِ |
وهذا هو جوهر معنى لقب «أهل السنة والجماعة»، فكل ما يتميز به هذا الإطلاق راجع إلى ما لم يكن فيه الخلاف أوَّلا، حتى أتى من بعدهم من بدل.
ويبيـن ذلك قول الإمام عبد الله بن المبارك (تـ 181 هـ) فيما لاحظه من ذلك في عصره، حيث قال: «أصل اثنيـن وسبعيـن هوى: أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة الأهواء انشعبت الاثنان وسبعون هوى: القدرية، والمرجئة، والشيعة، والخوارج:
فمن قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعليا على أصحاب رسول الله ﷺ، ولم يتكلم في الباقيـن إلا بخيـر، ودعا لهم، فقد خرج من التشيع أوله وآخره.
ومن قال: الإيمان قول وعمل، يزيد ويـنقص، فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره. ومن قال: الصلاة خلف كل بـر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم يـر الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره.
ومن قال: المقاديـر كلها من الله خيـرها وشرها، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية، أوله وآخره، وهو صاحب سنة».[32].
ومع ما وقع من الخلاف فإن أهل السنة والجماعة مجمعون على نبذ التكفيـر إلى أقصى طرف.
ويجمل مذهبهم في ذلك على جهة التحقيق قول ابن فورك (تـ 406هـ): «الغلط في إدخال ألف كافر بشبهة في الإسلام، ولا الغلط في إخراج مؤمن واحد من الإسلام بشبهة ظهرت منه».[33].
ويجمل مذهبهم في ذلك على جهة التدقيق أبو عبد الله العبدري (تـ 626هـ) في شرح المستصفى بقوله: «كل من خالف أمرا مقطوعا به في الشريعة، وهو عالم بأنه مقطوع به؛ فهو مبتدع وكافر. وكل من خالف أمرا مقطوعا به، وهو جاهل بأنه مقطوع به؛ فهو مبتدع، وليس بكافر. وأما من خالف في أمر مظنون؛ فليس بمبتدع ولا كافر».[34].
وتفصيل ذلك في خمسة من القواعد حررها بناء على إجماع أهل السنة العلامة عبد الله بن عمر بن يحيى في رسالته الموسومة بـ«نبذة في نبذ التكفيـر»، وهي:
أولا: أن أهل السنة مجمعون على أن من نطق بالشهادتيـن لم يُكشف عن حاله، ولم يُسأل عن معنى ما تلفظ به، ويُحكم بإسلامه، وباطنه إلى الله.
ثانيا: أن أهل السنة مجمعون على أن الإيمان المنجي من الخلود في النار هو التصديق بوحدانية الله تعالى، ورسالة سيدنا محمد ﷺ. فمن مات معتقدا ذلك ولم يشعر بغيـره من تفاصيل الديـن؛ فهو ناج من الخلود، وإن شعر بشيء من تفاصيل الديـن وكان مجمعا عليه، وبلغه بالتواتـر بحيث صار ضروريا عنده لزمه اعتقاده إن قدر على تعقله وإلا فلا.
ثالثا: أجمع أهل السنة على أن من حكم بإيمانه لا يكفر إلا إذا تكلم واعتقد أو فعل ما فيه تكذيب النبي ﷺ في شيء من الديـن مجمع عليه، علمه بالضرورة، وقدر على تعقله، أو ما فيه نفي الاستسلام لله ورسوله، كالاستخفاف به، أو بالقرآن، ونحو ذلك من المجمع عليه المذكور.
رابعا: أجمع أهل السنة على أن الجاهل والمخطئ من هذه الأمة لا يكفر بعد دخوله في الإسلام بما صدر منه من المكفرات كلها حتى تتبيـن له الحجة التي يكفر جاحدها وهي التي لا تبقي له شبهةً يعذر بها.
خامسها: أن المسلم إذا صدر منه مكفر لا يعرف معناه كأن تكلم بكلمة كفر لا يعرف معناها أو يعرفه ودلت القرائن أنه لم يـرده أو شككنا هل أراد الكفر أو غيـره فلا يكفر بذلك.[35]
قال: فمن عرف هذه القواعد كف لسانه عن تكفيـر المسلميـن، وأحسن بهم الظن، وحمل أفعالهم وأقوالهم المحتملة على الفعل الحسن.
وهذه من أهم قواعد علم المعاملة ألا وهي قاعدة حسن الظن، فإن سوء الظن بالمسلميـن من أعظم مداخل الشيطان، وقد جاء التحذيـر منه في محكم القرآن، وذلك قول الله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪جْتَنِبُواْ كَثِيراٗ مِّنَ اَ۬لظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَ۬لظَّنِّ إِثْمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاًۖ ﴾[36] بل إن سوء الظن هو الأصل فيما ذكر بعده من التجسس والغيبة، ولذلك سمي سوء الظن «الاغتياب بالقلب»[37].
ويلحق بهذه القواعد قاعدة أنه لا يـنكَر من المنكر إلا ما أجمع عليه، أو كان مختلفا فيه، وعَلِمَ الـمُنْكِرُ من فاعله أنه حالَ فعله يعتقد حرمته. وقد أفردت هذه القاعدة عن القواعد السابقة؛ لأنها قاعدة عامة للفروع والأصول. ولنا إليها عودة لاحقا بحول الله عند تعلق الكلام بالفروع.
وعلى هذه القاعدة فإن الخلاف في المجمع عليه يقتضي الإنكار من العالم به، المطَّلع على موارده ومصادره. والإنكار يتنوع بتنوع أنواع السلطة القائمة على التغييـر، ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، وتَقابُل المصالحِ والمفاسدِ، وقد يكون باليد، أو باللسان، أو بالقلب.
وأما المخالف في شيء من أصول الديـن متفق على خلافه من أئمة المسلميـن المنتهض بالدعوة إلى بدعته، فإن اللازم على من توفرت فيه شروط الكفاية في هذا المضمار، وتأهَّلَ لذلك معرفيا، ولاسيما بالدربة على الحجاج والمناظرة، أن يتصدى لدعواه، صدا لتفشي بدعته، ودرءا لانتقال آفته بدعوته.
ومن هنا نصل إلى خصوص واجب مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في هذا النطاق، فإنه يقع على عاتقها بحكم التـزامها بالعقيدة الأشعرية، وما يقاربها من مذهب الماتـريدية ونحوها ممن يعتبـر في نطاق أهل السنة والجماعة. أن تتصدى فكريا لما يذاع اليوم ويستشري من هذه البدع:
أولا: بالتأليف والتعريف والنشر لما يدحضها.
وثانيا: ببيان الحقائق المجمع عليها، والاشتغال بتعلمها وتعليمها.
وثالثا: بتنظيم الملتقيات الفكرية الخاصة والعامة في شكل محاضرات أو أيام دراسية أو ندوات علمية تبيـن تهافت هذه المقولات المبتدعة وطرق اقتلاعها.
ورابعا: الاهتمام بالتـراث الإسلامي الإفريقي في هذا المضمار.
وخامسا: الاستنفار الإعلامي الموازي لجميع ما تقدم.
لا سيما وأنه ظهر من أدعياء النسبة إلى السنة والجماعة من يـنوع التوحيد أنواعا: توحيد ربوبية، وتوحيد ألوهية، وتوحيد صفات، ويـنسب من خالف نوعا من هذه الأنواع مشركا.
وهي بدعة ابتدعها ابن تيمية واستتيب منها؛ لأنها بخلاف ما أجمع عليه السلف والخلف. ثم غار هذا القول من بعده، وطوي ذكره، حتى ظهر من انتشله من ركام المنسيات. وزاد إليه القول بأن حرب كل مشرك على الإطلاق هي فريضة الجهاد الواجبة وجوب الفرائض. وما انفكوا إلى اليوم يستحلون الدماء والأعراض والأموال بناء على هذا الاعتقاد الفاسد والبدعة المظلمة.
ولا سيما أنه قد أخذت تستشري من جراء أولئك النابتة أنفسهم عقائد خارجية تجعل تـرتب الكفر على المعصية، وتستحل من المسلم بذلك نفسه وماله وعرضه.
ومن محفوظات الناس في الموضوع أبيات الإمام يوسف بن موسى الضريـر الأغماتي:
بما خلا الكفر من الأوزارِ | وكل من مات على الإصرارِ |
لما أتى في سورة النساءِ | فهو بيـن الخوفِ والرجاءِ |
حتى نشا بعدهم من بدَّلا | ولم يكن فيه خلافٌ أوَّلا |
ولا سيما وأنه قد أخذت تستشري بيـن الناس في مناطق من إفريقيا خصوصا مقولات الشيعة الروافض الذيـن دأبوا على إطلاق عقائدهم سرا من غيـر إعلان، حتى إنهم ليتجنبون عمارة المساجد، ويؤسسون مقرات لإطلاق دعوتهم يسمونها بالحسيـنيات، وهي مقرات غيـر مغلقة تماما، وغيـر مفتوحة تماما. ثم إنهم لا يظهرون رفضهم في ابتداء دعوتهم، وإنما يتسربون إلى قلوب الناس من جهة محبة آل البيت وتوقيـرهم وتقديمهم. وهذه الأخطار المحدقة بثوابت المسلميـن الأفارقة لا تستطيع أن تتسرب أو تستوطن إلا في أوساط تجهل ديـنها وتجهل الإسهامات الجليلة والدروع الحصيـنة التي أسسها أسلافها، وليس من سبيل لمحاربة الجهل إلا بالعلم. والله المستعان.
- 3. كيفية التعامل مع الموافق في الملة، المخالف في الفروع:
غني عن تفصيل القول أن الأصل هو اتفاق أقوال العلماء؛ لأن مصدر الشرع واحد لا يختلف، وأن ما يختلف من أقوال الأئمة هو ما اختُلف في ثبوت نسبته إلى الشارع، أو ما اختُلف في مراد الشارع منه، أو ما اختَلف مراد الشارع فيه لاختلاف الواقع، ولاختلاف الأعراف، واختلاف مناهج الأئمة في طرق الاستنباط مداخل في كل شيء من ذلك. وهذا مرجع ما بلغنا من اختلاف علماء الصحابة فمن بعدهم في مجموعة من الموضوعات والمسائل، وكل ذلك عن هدى، وعلم، وتقوى، لا عن ضلال، أو جهل، أو هوى.
وقد ابتلي الناس اليوم بآفة تسمى «اللامذهبية»، ومن مسلماتها: منع تقليد المذاهب اعتبارا لكون تقليدها قولا من غيـر دليل، واعتبارا لكون تقليد النبي عليه الصلاة والسلام وتقليد صحابته أولى من تقليد الأئمة. وقد جرهم ذلك إلى فوضى فقهية لم يشهد لها تاريخ الإسلام نظيـرا.
ولابد هنا من توضيحات لعل الله يـنفع بها:
أحدها: استبعاد تعريف التقليد بأنه «القبول من غيـر حجة»، وقد قال ابن العربي بأن ذلك: «لا يصح لأنه لولا قيام الحجة على الالتـزام لذلك؛ لما لَزِم، ولا قُبِلَ؛ لأن الأقوال مع عدم الحجة سواء».[38].
وقد بيـن الشيخ زروق المراتب الموجودة بيـن إطلاق الاجتهاد وإطلاق التقليد. واستظهر في تـرتيبه بما جاء عند صاحب مفتاح السعادة، ونصه: «التقليد: أخذ القول من غيـر استناد لعلامة في القائل، ولا وجه في المنقول، فهو مذموم مطلقاً، لاستهزاء صاحبه بديـنه.
والاقتداء: الاستناد في أخذ القول لديانة صاحبه وعلمه، وهذه رتبة أصحاب المذاهب مع أئمتها. فإطلاق التقليد عليها مجاز.
والتبصر: أخذ القول بدليله الخاص به من غيـر استبداد بالنظر، ولا إهمال للقول. وهي رتبة مشايخ المذاهب وأجاويد طلبة العلم.
والاجتهاد: اقتـراح الأحكام من أدلتها، دون مبالاة بقائل. ثم إن لم يُعْتَبَرْ أصلٌ متقدمٌ فمطلق، وإلا فمقيد.
والمذهب: ما قوي في النفس، حتى اعتمده صاحبه».[39].
ومن ذلك الحقيقة التي قررها غيـر واحد من الأصولييـن، وهي «أن تقليد المجتهد لغيـره ممن هو أعلم منه، وتـرك رأيه لرأيه ضرب من الاجتهاد في تقوية رأي الآخر في نفسه على رأيه، لفضل علمه وتقدمه، ومعرفته بوجوه النظر والاستدلال».[40].
وهذا معنى تعريف المذهب في الفقه الإسلامي كما قرره الخرشي (تـ 1101هـ) بأنه: «اسم للمسائل التي يقولها المجتهد والتي يستخرجها أتباعه من قواعده».[41].
وقد ضبط الإمام القرافي (تـ684هـ) المسائل المذكورة هنا بقوله: «الأحكام الشرعية، الفروعية، الاجتهادية، وأسبابها، وشروطها، وموانعها، والحجج المثبتة للأسباب والشروط والموانع».[42].
والأمر الثاني: أنه في ضمن تلكم المذاهب مقارنات بما في المذهب، وبما يوجد خارجه، وتـرجيحات بيـن الأقوال والروايات. ومن هنا جاء ضابط آخر لمفهوم المذهب، وهو ما عبـر عنه الخرشي بقوله ضمن تعريف المذهب: «ويطلق المذهب عند المتأخريـن من أئمة المذهب على ما به الفتوى من باب إطلاق الشيء على جزئه الأهم»..
والتدقيق في هذا هو معنى تحريـر الأحكام الفقهية وهو عيـن التفقه، وهو الدرجة الأولى على مرقاة الاجتهاد.
والأمر الثالث: أن المذهب بمثابة مدرسة فقهية توالت على تأسيسها الأجيال ونسبتها إلى أئمتها هي بمعنى استفادتهم ممن قبلهم وإفادتهم لمن بعدهم من المنتميـن إلى تلك المدرسة.
ومما يدل على ذلك قول ابن المديـني بشأن الإمام مالك ومدرسته: «كان ابن مهدي يذهب لقول مالك، ومالك يذهب لقول سليمان بن يسار، وسليمان يذهب لقول عمر بن الخطاب، فمذهب مالك إذاً مذهب عمر رضي الله عنهم أجمعيـن».[43].
ومما يدلك على ذلك أيضا ما كان عليه أبو حنيفة من الاتباع للفقهاء السابقيـن من أهل بلده وصولا إلى علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. قال ولي الله الدهلوي في جملة الكلام عن أسباب اختلاف فقهاء الأمصار: «… وكان أبو حنيفة رحمه الله ألزمهم بمذهب إبـراهيم وأقرانه حتى لا يجاوزه إلا ما شاء الله. وكان عظيم الشأن في التخريج على مذهبه، دقيق النظر في وجوه التخريجات، مقبلاً على الفروع أتم إقبال. وإن شئت أن تعلم حقيقة ما قلنا فلخص أقوال إبـراهيم من كتاب (كتاب الآثار) لمحمد، و(جامع( عبد الرزاق، و(مصنف( أبي بكر بن أبي شيبة، ثم قايسه بمذهبه؛ تجده لا يفارق تلك المحجة إلا في مواضع يسيـرة، وهو في تلك اليسيـرة أيضاً لا يخرج عما ذهب إليه فقهاء الكوفة».[44].
ويمكننا أن نتبيـن من هذيـن النصيـن وغيـرهما أن عصر الأئمة أصحاب المذاهب المتبوعة قد شهد استقرار مجموعة من المراكز العلمية التي نشأت فيها مجمعات فقهية تتداول العلم وتلتف حول أعيان من شيوخه. بل إنني أستطيع أن أزعم أن مذاكرات هذه المجمعات قد صدرت عنها مجموعة من الاجتهادات الجماعية، كما أزعم أن هذه الاجتهادات مما اهتم الفقهاء بالبحث عنه وتوثيقه، ومناقشة إلزاميته وفاقا وخلافا. وما أصل عمل أهل المديـنة المشهور في المذهب المالكي إلا من هذا القبيل.
قال ولي الله الدهلوي في نفس السياق المذكور أعلاه: «إذا اختلفت مذاهب الصحابة والتابعيـن في مسألة، فالمختار عند كل عالم مذهب أهل بلده وشيوخه، لأنه أعرف بصحيح أقاويلهم من السقيم، وأوعى للأصول المناسبة لها، وقلبه أميل إلى فضلهم وتبحرهم. فمذهب عمر، وعثمان، وعائشة، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت؛ وأصحابهم: مثل سعيد بن المسيب فإنه كان أحفظهم لقضايا عمر وحديث أبي هريـرة، ومثل عروة وسالم وعكرمة وعطاء بن يسار وقاسم وعبيد الله بن عبد الله والزهري ويحيى بن سعيد وزيد بن أسلم وربيعة وأمثالهم، أحق بالأخذ من غيـره عند أهل المديـنة؛ لما بيـنه النبي ﷺ في فضائل المديـنة، ولأنها مأوى الفقهاء، ومجمع العلماء في كل عصر. ولذلك تـرى مالكا يلازم محجتهم. وقد اشتهر عن مالك أنه متمسك بإجماع أهل المديـنة. وعقد البخاري بابا في الأخذ بما اتفق عليه الحرمان».[45].
ومن هنا يتبيـن لنا أن من ضابط المذهب أنه مدرسة فقهية متصلة السند توالت على تأسيسها أجيال متعاقبة من العلماء العامليـن المخلصيـن حتى صرنا اليوم إلى ما صرنا إليه من هذا التـراث الزاخر، والكنز المعرفي الفاخر.
والأمر الرابع: أن العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ولا يؤخذ العلم إلا من أهله، المتضلعيـن من علم السابقيـن ومذاهبهم. ولم يوجد علم بالفقه إلا وهو علم بمذهب، ودراسة مذاهب الأئمة المتبوعيـن رضوان الله عليهم، تبيـن مدى ما يزخر به كل مذهب من الأقوال والوجوه والاجتهادات والتخريجات. ومن أرادك على أن تتجرد من تـراث العلماء طرًاً، وتطوي عنهم الذكر صفحاً، فقد دعاك لتتـرك علمه وقوله قبل أن تتـرك علم غيـره وقوله.
والأمر الخامس: أن ما قد يذكر من التـرجيح بيـن المذاهب على أساس التفاضل بيـن الأئمة
مناف للأدب، ولا يليق ولو تلميحا نظرا للمكانة السامية لكل واحد منهم. وقد أحسن ابن المنيـر حيث أجاب فيه بمثل جواب أم الكَمَلَةِ، وقد سئلت أيهم أفضل، فقالت: «ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أيـن طرفاها».[46].
ولكن التفقه الغالب في جهة من الجهات قيد في التمذهب الفقهي، وذلك أن اختلاف البلدان يلازمه غالبا اختلاف الأحوال، والأعراف، وما يغلب في البلد من النوازل. وفيه اعتبار آخر وهو أن استقرار عمل العامة اتباعا لاطراد الفتوى في العبادات، وجريان العمل اتباعا لاطراد الحكم عند القضاة، يتولد من عدم مراعاته بلبلة وتشويش بيـن العوام، واحتمالات الزيغ والمحاباة لدى المفتيـن والقضاة.
ومن المرجحات أيضا غلبة ما يتداول من المدونات، وما يجري التفقه به من المذاهب. قال الشيخ زروق: «ما دُوِّن من كلام الأئمة في كل فن، فهو حجة: لثبوته بتداوله، ومعرفة أصله، وصحة معناه، واتضاح مبناه، وتداوله بيـن أهله، واشتهار مسائله عند أئمته، مع اتصال كلٍّ عمن قبله، فلذلك صح اتباعها ولزم، وإن انقرضت الرواية في أفرادها.
وغيـر المدونة ليست كذلك، فلا يصح الأخذ بها: لانقراض حملتها، واحتمال جملتها، وقد يخص ذلك ويعم، كانقراض مذهب الليث، والسفيانيـن – سفيان بن عييـنة وسفيان الثوري – وسائر المذاهب، سوى المالكي من المغرب، والشافعي بالعجم، والحنفي بالروم، فأما الحنبلي، فلم يوجد إلا مع غيـره، فلزم كل ما تمكن معرفة صحة نقله، لا ما احتمل.
ولهذا أفتى سحنون بأنه لا يفتى بالمغرب بغيـر مذهب مالك، ونحوه لابن الكاتب. وعند أهل مصر أن العامي لا مذهب له، لتوفر المذاهب في حقه عندهم، حتى رأيت لهم على ذلك فروعاً جمة وفتاوى. والله أعلم».[47].
والأمر السادس: أنه قد تقررت على أساس جميع ما تقدم قاعدة متفق عليها بيـن المذاهب، وهي أن «لا إنكار في الخلافيات»، وقد قدمنا ما يتعلق منها بالأصول آنفا، وأما ما يتعلق منها بالفروع؛ فقد قال الإمام النووي في شرحه لحديث الباب، مُجمِلاً لتفصيلاتها: «إنما يَأمُرُ ويَنهَى من كان عالماً بما يأمرُ به ويـنهَى عنه. وذلك يختلفُ باختلافِ الشيءِ:
فإن كان من الواجباتِ الظاهرةِ، والمحرماتِ؛ كالصلاةِ، والصيامِ، والزِّنى، والخمرِ، ونحوِها؛ فكلُّ المسلميـنَ علماءُ بِها.
وإن كان من دقائقِ الأفعالِ والأقوالِ، مما يتعلقُ بالاجتهادِ؛ لم يكُنْ للعوامِّ مدخلٌ فيه، ولا لـهُم إنكارُهُ، بل ذلكَ للعلماءِ.
ثم العلماءُ إنما يُنكرونَ ما أُجمعَ عليهِ؛ أما المختلفُ فيه، فلا إنْكارَ فيه؛ لأنَّه على أحدِ المذهبيْنِ: كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ؛ وعلى المذهبِ الآخرِ المصيبُ واحدٌ، والمخطئُ غيـرُ مُتَعَيِّنٍ لنا، والإثْمُ مرفوعٌ عنهُ.»[48].
وهي قاعدة معروفة أيضا بصيغة: «من كثر علمه قل اعتـراضه».
والإجماع على أنواع وفيه تفصيلات كما أن للأحكام المبنية عليه تفصيلات وكل ذلك مما يتعذر في هذه الورقة أن نحيط به.
وهذه القاعدة، أي قاعدة لا إنكار في الخلافيات، من الضوابط الجوهرية لخطة الحسبة ومن تفصيلات شروطها[49]. وهي القاعدة التي ارتكز عليها المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في توصيته الإجمالية بخصوص المذاهب الفقهية، وهي أن المذهب الفقهي المعتمد في كل بلد راجع إلى اختيار أهله، وما سبق التديـن على أساسه.
وزيادة على جميع ما تقدم في الموضوع فقد اطردت مجموعة من القواعد المتعلقة بعلم المعاملة في خصوص معاملة المذاهب الفقهية، وتجمعها القاعدة الكلية المتعلقة بالورع بالبعد عن الشبهات في المنهيات، والتمسك بالأكمل في المأمورات، ونذكر منها هنا قواعد ثلاث:
الأولى: هي الإرشاد إلى الخروج من الخلاف، وذلك متوقف على شرطه، قال الإمام النووي بعقب كلامه السابق متصلا به: «… لكن إن نَدَبَهُ على جهةِ النصيحةِ إلى الخروجِ من الخلافِ؛ فهو حسنٌ، محبوبٌ، مندوبٌ إلى فعلِهِ بِرِفْقٍ. فإن العلماءَ متَّفقونَ على الحثِّ على الخروجِ من الخلافِ، إذا لم يَلْزَمْ منهُ إخْلالٌ بسُنَّةٍ، أو وقوعٌ في خلافٍ آخرَ.».
والثانية: تتعلق بتتبع رخص المذاهب، وهو مناف لشرط الانتقال بيـن المذاهب، وأذكرها ملخصة عن الشيخ زروق وهو أن «ما أنكره مذهب فلا يجوز الأخذ به من غيـره، وإن أبيح أو ندب لمن كان عليه إلا من ضرورة تبيحه بنص من أئمته».[50]. وفي هذا الموضوع تفصيلات أيضا لا يتسع المقام لها.
والثالثة: تتعلق بالعمل في المندوبات والرغائب وهي نافعة في القربات عموما، وأذكرها ملخصة مما ذكره سيدي محمد بن عباد، وهو أن «ما لم يـنكره المذهب، يجوز الأخذ به من غيـره، سيما إن اقتضى احتياطاً، أو تحصيل عبادة على مذهب ذلك الغيـر، كاعتكاف جزء من النهار، ]يعني على مذهب الحنفية[ إذ غايته نفي كونه معتكفاً ]يعني على مذهب مالك[ وإلا فهو عبادة. وكذا إحداث نية صوم بعد الفجر، إذ غايته أنه لا يعد صوماً عند المالكية، وقد عده الشافعية صوماً.».
وبناء على ما تم تحريـره في هذا الشأن، فإن الاستـراتيجية المثلى بالنسبة لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في هذا المضمار تقوم على أساسيـن:
أحدهما: الاعتناء بالتفقه بصرف العناية إلى المتون الفقهية المعتمدة، وخصوصا من تـراث كل جهة وقطر من الأقطار الإفريقية.
وثانيهما: القيام بما من شأنه الإفضاء إلى مواكبة القول الفقهي للمستجدات، ومراعاته للأحوال والمآلات.
ويجمل بنا أن نختم الكلام في هذا الموضوع باقتـراح بعض ما يلزم من الإجراءات العملية لتنفيذ ما يقع على عاتق مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في هذا النطاق، بناء على ما ورد في التقريـر الختامي لمجلسها الأعلى من المحافظة على المذاهب الفقهية السائدة في كل بلد، فمن ذلك:
أولا: ضبط المذاهب الفقهية بمتونها المعتبـرة، وأدلتها المفصلة. بالتحقيق والتـرجمة والنشر.
ثانيا: إحياء الكراسي العلمية التي غايتها التفقه على المذهب الأصيل في كل بلد، واستعمال الوسائل الحديثة في تعليم أساسيات الديـن، بما في ذلك وسائل النشر الإلكتـروني:
المكتوب، والمسموع والمرئي.
ثالثا: نشر التـراث المحلي والاعتناء باتصال السند المعرفي، وخصوصا ما تعلق بالتـراث الفقهي المكتوب باللغات الإفريقية الأكثر شيوعا.
رابعا: تنظيم الملتقيات الفكرية الخاصة والعامة في شكل محاضرات أو أيام دراسية أو ندوات علمية للنهضة بالتـراث الفقهي وضمان مواكبته للمستجدات، ومراعاته للأحوال والمآلات.
-
4. كيفية التعامل مع الموافق في الملة، المخالف في التصوف
إن الخلاف في التصوف يتصور من وجهيـن:
أحدهما: المنكر للتصوف عموما الذي يجعله رديفا للابتداع، بل وللشرك عند بعضهم. والثاني: الاختلاف بيـن مسالك التصوف ومشاربه وطرقه وشيوخه، وما يسمع بيـن الفيـنة والأخرى من إنكار بعضهم على بعض.
أما ما يحدث من التناوش بيـن أتباع الطرق، وما يكون بيـن عامة أتباعها، فإنما مرجعه إلى نقص في التـربية، وجهل من أولئك الأتباع بما بيـن السادة المؤسسيـن، وأئمة التصوف المتبعيـن، من المؤاخاة، والمراعاة. وهو مما يـنبغي أن يتصدى علماء كل زاوية لحسم مادته، وقطع دابـره، ويتعاونوا عليه، حتى يوصلوه من المصافاة إلى ما يـنبغي أن يكون عليه الأمر في الواقع، بل ما هو عليه في الأصل.
وأما إنكار المنكريـن على التصوف عموما، فهو وارد من ثلاثة وجوه:
أحدها: أن من المنكريـن على التصوف من يقع إنكاره في دائرة الأصول من التكفيـرييـن، وقد انتهيـنا آنفا مما يتعلق بهم.
وأما من عداهم، فإن إنكارهم على وجهيـن: أحدهما أصلي، والآخر تبعي.
أما أصل الإنكار فقد بيـنا عند تقديمنا لعلم المعاملة بأن علوم التصوف ثلاثة أنماط:
علم الوعظ والتذكيـر، وعلم المعاملة والعبودية، وعلم المكاشفة.
ولا يـنبغي أن يكون بيـن الناس مؤاخذة ولا إنكار على الصرح الكبيـر الذي شيده الصوفية في النمطيـن الأول والثاني، بل إنه لا يمكننا أن نتحدث عن علم الوعظ، ولا علم الأخلاق ولا علم التـربية في الإسلام من غيـر أن نستحضر ما أنجزه في نطاقها الصوفية عبـر التاريخ، كما لا يمكننا في واقعنا أن نبني خطابا وعظيا ولا أخلاقيا ولا تـربويا ولا اجتماعيا صحيحا إلا من خلال ما قدمه ويقدمه الصوفية.
وهو مما يـنبغي تفصيل القول فيه وبيان خطر بنائه على غيـر أصوله، وعدم الاقتداء فيه بأئمته، ولولا ضيق المقام لكان حريا أن يفصل هنا.
وكل ذلك من الممارسات العملية التي صارت لها في دواليب الحياة المعاصرة هيآت ومؤسسات حكومية وغيـر حكومية، تحتاج إلى إمدادها بما يغني عملها ورصيدها من الأسس الديـنية الإسلامية.
وأما علم المكاشفة؛ فليس بمستغرب أن يكون موضع نقاش، بل لقد توارد عليه الإنكار في جميع الأعصار، وقد حكى الله تعالى عن نبيه وكليمه موسى عليه السلام الإنكار في شؤون من جنس علم المكاشفة. قال الشعرَاني (ت 973 هـ): «وفي قصة موسى مع الخضر عليهما السلام (…) إقامة عذر لمن أنْكَرَ ولمن أُنْكِرَ عليه».[51]
ونظرًاً لخصوصيات علم المكاشفة وخفائه؛ فقد اختلط على الناس – في حضارتنا كما في حضارات أخرى، وفي تاريخ أمتنا كما في تاريخ أمم أخرى[52] – بعلوم سرية لا تخفى أخطارها. ولذلك فإنه يتأكد ضبط أمر هذا النمط بضوابطه التي حررها أئمة هذا الشأن وبناء القول فيه على أصولهم التي أصلوها.
وأما الإنكار التبعي وهو إنكار بعض ما يصدر عن بعض المنتسبيـن إلى التصوف من الأقوال والأعمال؛ فإن ذلك على وجهيـن:
أحدهما: راجع إلى اختلاف فقهي مثل مسألة الذكر الجماعي، ومسألة الزيارة النبوية، ومسألة زيارة الأضرحة عموما، فإن لكل شيء منها دليلا يساق عند الحاجة إليه، ويـنبغي على العلماء أن يبيـنوا أمره للناس؛ وأن لا يسأموا من بيانه. ومرجع ذلك كله إلى كيفية التعامل مع المخالفيـن في الفروع، وقد تقدم ما يتعلق به.
وثانيهما: راجع إلى انحراف فعلي في بعض ممارسات قوم يـنتسبون للتصوف وهو منهم بـريء، وليس معناه أن قولهم أو فعلهم دليل على حقيقة التصوف، فإن «… فسادَ الفاسدِ إليه يعود، ولا يَقدحُ في صالح الصالح شيئاً، فغُلاة المتصوفة، كأهل الأهواء من الأصولييـن، وكالمطعون عليهم من المتفقهيـن، يُردُّ قولُهم، ويُتَجَنَّبُ فعلُهم، ولا يُتـرك المذهبُ الحقُّ الثابتُ بِنِسبتِهِم لهُ وظهورِهِم فيه».[53].
وحكم الإنكار في جميع ما يـرجع من ذلك إلى ملحظ علمي من الأصول أو من الفروع أو من المكاشفة، الرجوع إلى الحق عند ظهوره بالبيان والتفهيم والاستدلال، إلا بالنسبة للمعانديـن، فإن داء العناد لا دواء له. قال الإمام زروق: «إنكار الـمُنْكِرِ إما أن يستند لاجتهاد، أو لحسم ذريعة، أو لعدم التحقيق، أو لضعف الفهم، أو لقصور العلم، أو لجهل المناط، أو لانبهام البساط، أو لوجود العناد. فعلامة الكل الرجوع للحق عند تعيُّنه إلا الأخيـر، فإنه لا يقبل ما ظهر، ولا تنضبط دعواه، ولا يصحبه اعتدال في أمره».[54].
والإنكار على الصوفية قديم جديد، لا يبلى قديمه، ولا يـنقطع جديده، ومردُّ ذلك على ما بيـنه الإمام زروق نفسه إلى خمسة أسباب:
«أولها: النظر لكمال طريقهم، فإذا تعلقوا بـرخصة، أو أتوا بإساءة أدب، أو تساهلوا في أمر، أو بدر منهم نقص، أُسْرعِ للإنكار عليهم، لأن النظيف يظهر فيه أقل عيب، ولا يخلو العبد من عيب، ما لم تكن له من الله عصمة أو حفظ.
الثاني: دقة المدرك، ومنه وقع الطعن على علومهم في أحوالهم، إذ النفس مسرعة لإنكار ما لم يتقدم لها علمه.
الثالث: كثرة المبطليـن في الدعاوي والطالبيـن للأغراض بالديانة، وذلك سبب إنكار حال من ظهر منهم بدعوى، وإن أقام عليها الدليل؛ لاشتباهه.
الرابع: خوف الضلال على العامة باتباع الباطن دون اعتناء بظاهر الشريعة، كما اتفق لكثيـر من الجاهليـن.
الخامس: شحة النفوس بمراتبها، إذ ظهور الحقيقة مبطل لكل حقيقة، ومن ثم أولع الناس بالصوفية أكثر من غيـرهم، وتسلط عليهم أصحاب المراتب أكثر من سواهم.
وكل الوجوه المذكورة صاحبها مأجور أو معذور إلا الأخيـر، والله سبحانه أعلم».[55].
وما ذكره رحمه الله في السبب الخامس من شحة النفوس بمراتبها هو داء الحسد، وهو شقيق العناد كما وصف أعلاه، وهما معا من أقبح أمراض القلوب، كما هو منصوص في علم المعاملة[56]. نسأل الله العافية.
وإذا عدنا كعادتنا فيما تقدم من مباحث هذه الورقة إلى التوصيات الخاصة بمسؤولية الانتماء إلى مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، وذلك بخصوص التصوف؛ فإنه يمكننا من خلال ما تقدم أن نوصي بما يلي:
- أولا: العناية بالتـراث الصوفي عموما تحقيقا وطبعا ونشرا نظرا لحالة الإهمال التي يوجد عليها.
- ثانيا: العناية بالتـراث الصوفي الإفريقي تعريفا بمعالمه وتعرفا على أعلامه.
- ثالثا: تشجيع الكتابة في المسائل الخلافية المتعلقة بالممارسة الصوفية.
- رابعا: السعي للتعاون بيـن مختلف الزوايا للنهضة بإسهاماتها التـربوية والعلمية.
- خامسا: تنظيم المحاضرات العامة والأيام الدراسية والندوات العلمية في جميع المناحي المتقدمة.
خاتمة
يمكننا أن نخلص من جميع ما تقدم في كيفية التعامل مع الطوائف المؤالفة والمخالفة في الثوابت والخصوصيات، بالنسبة للعلماء المنضويـن في مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحديدا من غيـر تخصيص:
أولا: إلى أن هذه الثوابت والخصوصيات مهددة فعلا بطريقة ممنهجة، وأن الداء قديم، وأن العلاج يستدعي تضافر الجهود، بل التفاني في المجهود حتى يُستدرَك ما فات، ويُقوَّم ما اعْوجّ.
ثانيا: أن الأساس المنهجي لكيفية التعامل التي يمكن أن نرجع إليها، وننضبط بضابطها محررة في العلم المختص بها، والمؤصل لمفاهيمها، وقواعدها تأسيسا على معطيات شريعتنا الإسلامية نفسها، بل هو من فرائض الأعيان على أهلها، ألا وهو ما يسمى في تـراثنا بـ«علم المعاملة».
ثالثا: حتَّمَ عليـنا تحليل وتنزيل كيفية التعامل في موضوع الثوابت والخصوصيات تنويعا عاما للطوائف المؤالفة والمخالفة لا يهم في جميع تنويعاته جميع البلدان الإفريقية، ولكن جميع هذه البلدان معتبـرة في تفصيلاته، وذلك:
ابتداء بتنويع الطوائف المتعامل معها إلى مؤالف ومخالف في الملة. وذلك لنتطرق إلى التعليمات العامة للشريعة الإسلامية في كيفية معاملة المخالف في الملة على ضوء المعاهدات والمواثيق الدولية التي يـنخرط فيها حاليا جميع سكان المعمور، والتي أسست لمفاهيم ومبادئ لم تكن واردة في اعتبار العلماء السابقيـن. والتي يحتـرمها عموم المسلميـن
لمكان الوفاء بالعهود من الديـن، قال الله تعالى: ﴿ياَ أيَهُّا الذِيـنَ آمَنُوا أوْفُوا باِلعُقُودِ﴾[57].
مع ما يضاف إلى ذلك من الأصول الشرعية التي تضمن حسن التعايش والجوار.
ولذلك فإن من واجب مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بمختلف فروعها ولجانها-كما وقع عليه التنصيص عند تأسيسها – أن تنخرط في التوعية بالرؤية السمحة التي تعايَشَ على أساسها المسلمون مع غيـرهم في مختلف هذه الأقطار، والتي تعاني اليوم من مغبة غيابها. وقد بيـنا نماذج مفصلة للوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك على أرض الواقع بعون من الله تعالى.
ثم تنزلنا لأنواع من المخالفة بيـن المؤالفيـن في الملة:
أولها: المؤالفة أو المخالفة في الأصول، وبيـنا ما يتعلق من ذلك بأصول الفقه وأصول الديـن:
وأرجعنا عموم الاختلافات الحقيقية في أصول الفقه إلى ما تبنى عليه من الخلاف في أصول الديـن، وأن ما عدا ذلك يـرجع إلى اختلاف المجتهديـن في الفروع.
وتوقفنا طويلا عند الاختلافات الواردة في أصول الديـن، وبيـنا حكمها بناء على ما وقع الاتفاق عليه بيـن أهل السنة والجماعة ولاسيما فيما يتعلق بنبذ التكفيـر.
كما توقفنا عند الخطر الذي يتهدد تديـن عموم المسلميـن في عموم الأقطار، ويتهدد من ضمنهم مجموع الأفارقة، ويوقعهم في أقبح الفرقة، وأعني به خطر التكفيـرييـن، والمتسلليـن بالدعوة إلى بدعتهم في أوساط لا علاقة لهم بها من الرافضة.
ووضحنا أن ما يتعلق بالرؤية الاستـراتيجية في ذلك قائم على دعامتيـن: أولاهما: تلقيـن العقائد الصحيحة. والثانية: صد ما عداها، وإقامة الحجة على بطلانها.
وقدمنا – كما هو الحال بالنسبة لسابقه – مقتـرحات للوسائل العملية التي تفشي إلى هذه الغاية.
وثاني أنواع المخالفة بيـن أهل ملة الإسلام، هو المخالفة في الفروع، وقد بيـنا من خلالها مستند ما أقره المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة من اعتبار المذهب الفقهي المعتمد في كل بلد راجع إلى اختيار أهله، وما سبق التديـن على أساسه. ولكننا توقفنا عند مقولة اللامذهبية التي تنقض الفقه من أساسه، وتجعله عرضة للأهواء، وبيـنا تهافت هذا القول وما يؤدي إليه.
وتصورنا في المقابل أن الاستـراتيجية المثلى في هذا المضمار تقوم على أساس الاعتناء بالتفقه بصرف العناية إلى المتون الفقهية المعتمدة، وخصوصا من تـراث كل جهة وقطر من الأقطار الإفريقية. والقيام بما من شأنه الإفضاء إلى مواكبة القول الفقهي للمستجدات، ومراعاته للأحوال والمآلات.
ومن ضمن هذه الاستـراتيجية الإرشاد إلى التورع بالخروج من الخلاف، والتوسع في معرفة مآخذ الفقهاء؛ لأن مواجهة دعاوى اللامذهبية تضطر إلى التشبع والتضلع من التأصيل والاستدلال.
كما بيـنا جملة من الوسائل المقتـرحة في هذه السبيل ولاسيما وسائل التعلم والتعليم والبحث.
وثالث أنواع المخالفة بيـن أهل ملة الإسلام، هو المخالفة في التصوف، وبيـنا فيه أن المخالفة فيما يتعلق به تـرجع إلى أمريـن: أحدهما: مخالفة الإنكار، والأخرى مخالفة الشجار والنفار بيـن مختلف المدارس الصوفية.
أما بالنسبة لما ذكر أخيـرا من المخالفة في المسالك الصوفية؛ فإن مجموعها في الحقيقة يؤدي إلى مطلوب واحد، والطرق إلى الله تعالى متعددة بتعدد أنفاس الخلق، ولا يـنبغي أن يكون بيـن أهلها اختلاف ولا تجاحد، وإنما مرجع ذلك إذا وجد إلى نقص في التـربية، أو نقص في التعليم، وكلاهما بالنسبة للتصوف متفرع عن الجهل بحقيقته.
وأما بالنسبة لمنكري التصوف أساسا، فإن إنكارهم متنوع:
فمنه ما يـرجع إلى علوم القوم، وليس فيما يتعلق بعلم الوعظ والمعاملة منها موجب لإنكار المنكريـن، ولكن قد يفهم الإنكار على ما تعلق منها بالمكاشفة، لما قد يقع فيه من الالتباس. ولا ضيـر في ذلك، فكلٌّ يُسلَّم له حاله، ويلزمه في نفسه مقاله.
ومنه ما يـرجع إلى اختلاف شرعي في الأصول أو في الفروع، ومرد ذلك إلى ما تقدم فيموضوعهما.
ومنه ما يـرجع إلى فسادٍ أو غلوٍّ، وهذا وارد على جميع المعارف والمناهل، وهو بالنسبة إلى التصوف كحاله بالنسبة لغيـره، مما يـنبغي أن يُرَدَّ قولُه، وأن يُتجنَّبَ فعلُه، ومما لا يـنبغي أن يُتـرك المذهب الحق بدعوى نسبة مثل هؤلاء إليه.
وذكرنا كذلك هنا مجموعة من الوسائل العملية في هذه السبيل، ولعل أهمها اثنان: أولهما: اجتماع كلمة المنتسبيـن للتصوف للنهوض بمهمتهم في الدعوة إلى الله تعالى يدا واحدة، وثانيهما: الاعتناء بالتـراث الصوفي الذي يعاني من الإهمال ما لا يعانيه فرع من الفروع المعرفية التي تحدثنا عنها.
ولا يـنبغي أن أضع نقطة الختام من هذا العرض من غيـر أن أبيـن بأن التصور الذي كان حاضرا لدي عند تسطيـر كل شيء من الوسائل المذكورة ضمن هذه الورقة هو توزع العمل على اللجان الأربع المنصوص عليها في الظهيـر المؤطر لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة باعتبار تكامل العمل فيما بيـن مهامها، وتوقف أنشطة كل منها على أنشطة غيـره من اللجان.
فلئن صح العزم، وصدق التوجه، وبذل الجهد؛ فإنني أرجو أن نصل من هذا الذي سطر أعلاه إلى خيـر النتائج في أقرب الأوقات.
وعلى الله التكلان، وهو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما في أول القصد والقول والفعل وفي آخره.
والحمد لله رب العالميـن.
*نائب رئيس جامعة القرويين
الهوامش
[1] الموافقات: 2/ 289.
[2] الألـف والـلام فـي هـذه العبـارة جنسـية؛ نظـرا لـورود لفـظ «المعاملـة» فـي هـذا اللقـب بالإفـراد، مـع تفرعهـا إلـى مـا يذكـر فيمـا يلـي مـن الأنـواع والأفـراد. وقـد اقتضـت إضافـةَ لفـظ العبوديـة مـع الجمـع للفـظ «المعامـلات» عنـد أئمـة الشـاذلية، المقتضيـات الاصطلاحيـة الموضوعيـة لمنظومـة المفاهيـم التـي ارتكـز عليهـا الصـرح الصوفـي، والتـي جعلـت مـن العبوديـة مفهومـا مركزيـا تـدور عليـه، وتتفـرع عنـه، جميـع المفاهيـم الصوفيـة كمـا تـدور الدائـرة علـى قطبهـا، وكمـا تتفـرع أشـعتها عـن مركزهـا.
[3] أبجد العلوم، ص: 419.
[4] قواعد التصوف: القاعدة 78.
[5] سورة النحل: 125.
[6] سورة الحشر /7.
[7] سورة البقرة /282.
[8] إحياء علوم الدين: 1/ 54.
[9] إحياء علوم الدين: 1/ 4.
[10] إحياء علوم الدين: 1/ 14.
[11] ينظر نصه بطوله في إحياء علوم الدين: 1/ 20 – 21.
[12] جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البـر: 1/ 53، بـرقم 32.
[13] الفقيه والمتفقه: 1/ 184.
[14] سورة الشمس /9.
[15] مختصر منهاج القاصدين: ص. 238.
[16] مختصر منهاج القاصدين: ص. 18.
[17] قال الغزالي (إحياء علوم الدين: 4/ 427): «ونعنى بالدين المعاملة التي بين العبد وبين الرب تعالى.»
[18] قـال ابـن بطـال فـي شـرح صحيـح البخـاري: (9/ 207): «وقولـه: (ولكـن لهـم رحـم إبلهـا ببلالهـا) يعنـى: أصِلُهـا بمعروفهـا. والبَـلُّ: هـو التَّرطيـب والتَّنْدِيَّـة بالمعـروف. وشـبَّه عليـه السـلام صلـة الرحـم بالمعـروف بالشـيء اليابـس يَنْـدى فيَرْطُـبُ. وذلـك أن العـرب تصـف الرجـل إذا وصفتـه باللـؤم بجمـود الكـف فتقـول: «مـا تنـدى كفُّـه بخيـر»، و»إنـه لحجَـر صلْـد»، يعنـي: لا يُرجـى نائِلُـه، ولا يُطْمـع فـي معروفـه، كمـا لا يُرجـى مـن الحجـر الصَّلـد مـا يُشـرب. فـإذا وصـل الرجـل رحمـه بمعروفـه قالـوا: بَـلَّ رحمَـه بَـلًّا، وبَـلالاً.».
[19] متفـق عليـه: رواه البخـاري عـن عمـرو بـن العـاص: كتـاب الأدب، بـاب تُبـل الرحـم ببلالهـا، ولفظـه: عـن قيـس بـن أبـي حـازم، أن عمـرو بـن العـاص، قـال: سـمعت النبـي صلـى الله عليـه وسـلم جهـارا غيـر سـر يقـول: «إن آل أبـي – قـال عمـرو: فـي كتـاب محمـد بـن جعفـر بيـاض – ليسـوا بأوليائـي، إنمـا وليـي الله وصالـح المؤمنيـن.».زاد عنبسـة بـن عبـد الواحـد، عـن بيـان، عـن قيـس، عـن عمـرو بـن العـاص، قـال: سـمعت النبـي صلـى الله عليـه وسـلم: «ولكـن لهـم رحـم أبلهـا ببلاهـا.». ورواه مسـلم عـن أبـي هريـرة: كتـاب الإيمـان، بـاب فـي قولـه تعالـى: ﴿ وأنـذر عشـيرتك الأقربين﴾، ولفظـه: لمـا أنزلـت هـذه الآيـة ﴿وأنـذر عشـيرك الأقربين﴾ [الشـعراء: 214]، دعـا رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم قريشـا، فاجتمعـوا فعـم وخـص، فقـال: «يـا بنـي كعـب بـن لـؤي، أنقـذوا أنفسـكم مـن النـار، يـا بنـي مـرة بـن كعـب، أنقـذوا أنفسـكم مـن النـار، يـا بنـي عبـد شـمس، أنقـذوا أنفسـكم مـن النـار، يـا بنـي عبـد منـاف، أنقـذوا أنفسـكم مـن النـار، يـا بنـي هاشـم، أنقـذوا أنفسـكم مـن النـار، يـا بنـي عبـد المطلـب، أنقـذوا أنفسـكم مـن النـار، يـا فاطمـة، أنقـذي نفسـك مـن النـار، فإنـي لا أملـك لكـم مـن الله شـيئا، غيـر أن لكـم رحمـا سـأبلها ببلالهـا.».
[20] ينظر بعض التفصيل لهذا الموضوع بأخصر لفظ في مختصر منهاج القاصدين: ص. 84 – 85، ويمكن الرجوع في تفصيله إلـى كتـاب آداب الكسـب والمعـاش وهـو الكتـاب الثالـث مـن ربـع العـادات مـن كتـاب إحيـاء علـوم الديـن: 2/ 60 ومـا بعدهـا.
[21] سورة الممتحنة /8.
[22] مسند أحمد: مسند أبي هريرة بـرقم 9919.
[23] مسند أبي داود الطيالسي: مسند أبي هريرة بـرقم 2546.
[24] الأدب المفرد للبخاري: باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام، الحديث رقم: 1103.
[25] صحيح ابن حبان: ذكر الزجر عن مبادرة أهل الكتاب بالسلام، الحديث رقم: 500، و501
[26] كتـاب الجهـاد والسـير، بـاب فـي دعـاء النبـي صلـى الله عليـه وسـلم إلـى الله، وصبـره علـى أذى المنافقيـن. والحديـث ضمـن قصـة طويلـة، ولفظـه هنـا مختصـر كمـا أورده أبـو جعفـر الطحـاوي فـي شـرح معانـي الآثـار: كتـاب الكراهـة، بـاب السـلام علـى أهـل الكفـر.
[27] قـال الراغـب الأصفهانـي فـي معجـم مفـردات غريـب القـرآن (مـادة سـلم، ص. 245) بشـأن الآيـات الـواردة فـي تحيـة السـلام: . .. «كل ذلـك مـن النـاس بالقـول، ومـن الله تعالـى بالفعـل، وهـو إعطـاء مـا تقـدم ذكـره ممـا يكـون فـي الجنـة مـن السـلامة.». وقـد بيـن الله تعالـى فـي كتابـه أنـه لا يمنـع مـن إفشـاء السـلام فسـق الفاسـق، فقـد قـال سـبحانه: ﴿وَإِذَا سَـمِعُوا اللَّغْـوَ أَعْرَضُـوا عَنْـهُ وَقَالُـوا لَنَـا أَعْمَالُنَـا وَلَكُـمْ أَعْمَالُكُـمْ سَـلَامٌ عَلَيْكُـمْ لَا نَبْتَغِـي الْجَاهِلِيـنَ﴾ [القصـص /55]. بـل لا يمنـع منـه كفـر الكافـر فقـد قـال الله تعالـى حكايـة عـن إبـراهيم مخاطبـاً قريبـه الكافـر: ﴿قَـالَ سَـلَامٌ عَلَيْـكَ سَأَسْـتَغْفِرُ لَـكَ رَبِّـي إِنَّـهُ كَانَ بِـي حَفِيًّـا﴾ [مريـم /47]. ومـع ذلـك فالسـلام مـن الله بالفعـل لا يكـون إلا لمـن اتبـع الهـدى، وذلـك هـو المبيـن فيمـا أمـر الله بـه موسـى وهـارون عليهمـا وعلـى نبينـا الصـلاة والسـلام مـن خطـاب فرعـون: ﴿فَأْتِيَـاهُ فَقُـولَا إِنَّـا رَسُـولَا رَبِّـكَ فَأَرْسِـلْ مَعَنَـا بَنِـي إِسْـرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُـمْ قَـدْ جِئْنَـاكَ بِآيَـةٍ مِـنْ رَبِّـكَ وَالسَّـلَامُ عَلَـى مَـنْ اتَّبَـعَ الْهُـدَى﴾ [طـه /47].
[28] بيَّـن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم أن تحيـة السـلام لا تتقيـد ضـرورة بسـابق المعرفـة بيـن النـاس فقـد سـئل صلـى الله عليـه وسـلم: «أي الإسـلام خيـر؟» فقـال: «تطعـم الطعـام وتقـرأ السـلام علـى مـن عرفـت ومـن لـم تعـرف.»، ومقتضى ذلـك أنـه يدخـل فيهـا جميـع النـاس. الحديـث متفـق عليـه عـن عبـد الله بـن عمـرو بـن العـاص رضـي الله عنهمـا: البخـاري فـي كتـاب الإيمـان، بـاب إطعـام الطعـام مـن الإسـلام. ومسـلم فـي كتـاب الإيمـان، بـاب بيـان تفاضـل الإسـلام وأي أمـوره أفضـل.(. وبيـن صلـى الله عليـه وسـلم معنـى السـلام بقولـه: «إن السـلام اسـم مـن أسـماء الله تعالـى وضعـه فـي الأرض تحيـةً لأهـل ديننـا وأمانـاً لأهـل ذمتنـا.». ومقتضـاه واضـح صريـح الارتبـاط بحالـة الذمـة والعهـد. (أخرجـه الطبـراني فـي المعجـم الكبيـر: بـرقم: 7518. والبيهقـي فـي شـعب الإيمـان بـرقم: 8798، مـن حديـث أبـي أمامـة الباهلـي رضـي الله عنـه يرفعـه، وقـال الهيثمـي عـن إسـناده فـي مجمـع الزوائـد بـرقم: 12747، 8/ 69: «رواه الطبـراني عـن شـيخه بكـر بـن سـهل الدمياطـي ضعفـه النسـائي وقـال غيـره مقـارب الحديـث.»
[29] مـن أهـم النصـوص فـي هـذا الشـأن قـول أبـي جعفـر الطحـاوي بعقـب ذكـر حديـث أسـامة رضـي الله عنـه (شـرح معانـي الآثـار: 4/ 341): «فذهـب قـوم إلـى أنـه لا بـأس أن يبتـدأ أهـل الكفـر بالسـلام، واحتجـوا فـي ذلـك بهـذا الحديـث. وخالفهـم فـي ذلـك آخـرون، فكرهـوا أن يبتـدؤوا بالسـلام، وقالـوا لا بـأس بـأن يـرد عليهـم إذا سـلموا.». ثـم قـال بعقـب ذكـر الأحاديـث الـواردة هنـا (شـرح معانـي الآثـار: 4/ 342): «فقـد يجـوز أن يكـون النبـي صلـى الله عليـه وسـلم أراد بسـلامه مـن كان فيهـم مـن المسـلمين، ولـم يـرد اليهـود ولا النصـارى ولا عبـدة الأوثـان، حتـى لا تتضـاد هـذه الآثـار. وهـذا الـذي وصفنـا جائـز، فقـد يجـوز أن يسـلم رجـل علـى جماعـة وهـو يريـد بعضهـم. وقـد يحتمـل أن يكـون النبـي صلـى الله عليـه وسـلم سـلم عليهـم أجمعيـن؛ لأن ذلـك كان فـي وقـت قد أمر فيه أن لا يجادلهم إلا بالتي هي أحسـن، فكان السـلام من ذلك، ثم أمر بقتالهم ومنابذتهم، فنسـخ ذلك ما كان تقدم مـن سـلامه عليهـم» …
[30] الأدب المفرد للبخاري باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام، الحديث رقم: 1102، والطبـراني في الجامع الكبير: حديث أبي بصرة الغفـاري: بـرقم: 2164.
[31] مسـند ابـن أبـي شـيبة: مسـند أبـي عبـد الرحمـن الجهنـي، بـرقم: 729، وفـي مصنفـه: كتـاب الأدب، بـاب فـي رد السـلام علـى أهـل الذمة، بـرقم: 25761، ومسند أحمد: مسند عقبة بن عامر الجهني: بـرقم: 17295، وابن ماجة في سننه: كتاب الأدب، باب رد السـلام علـى أهـل الذمـة، وابـن أبـي عاصـم فـي الآحـاد والمثانـي: حديـث أبـي عبـد الرحمـن الجهنـي: بـرقم: 2577، والطبـراني فـي الجامـع الكبيـر: حديـث أبـي عبـد الرحمـن الجهنـي: بـرقم: 743، ومسـند أبـي يعلـى الموصلـي، حديـث أبـي عبـد الرحمـن الجهنـي، بـرقم: 936.
[32] شرح السنة للبـربهاري: ص. 132.
[33] قواعد التصوف: ص. 148.
[34] نقـلا عـن كتـاب إزالـة اللبـس عـن المسـائل الخمـس، مخطـوط خزانـة القروييـن: بـرقم 1375/ 2، اللوحـة رقـم 50، وقـد قـام بتحقيـق الكتـاب الأسـتاذ عبـد العلـي بلاميـن فـي رسـالته لنيـل الدكتـوراه.
[35] نبـذة فـي نبـذ التكفيـر، السـيد العلامـة عبـد الله بـن عمـر بـن يحيـى: (نسـخة خطيـة مصـورة مـن مكتبـة تـريم بحضرمـوت)، ص: 11 – 12.
[36] الحجرات /12.
[37]. ينظر في تفصيل ذلك إحياء علوم الدين: 3/ 36، و3/ 322، ومختصر منهاج القاصدين: ص. 149، وص. 172.
[38] المحصول لابن العربي: ص. 154.
[39] القاعدة الثانية والأربعون من قواعد التصوف.
[40] الفصول في الأصول للجصاص: 4/ 284. وبنحوه ما في الضروري في أصول الفقه: ص. 144.
[41]. شرح خليل للخرشي: 1/ 150.
[42]. الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام: من ص. 97 إلى ص. 99.
[43] حكاه عنه الشيخ زروق في قواعده: ضمن القاعدة 47.
[44] الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف: ص. 42.
[45] الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف: ص. 38.
[46] حكاه عنه الزركشي في البحر المحيط: 4/ 574.
[47] القاعدة الخامسة والأربعون من قواعد التصوف.
[48] شرح النووي على مسلم: 2/ 23.
[49] الأحـكام السـلطانية للمـاوردي: ص.356، ونصـه: «فأمـا الأذان والقنـوت فـي الصلـوات إذا خالـف فيـه رأي المحتسـب فـلا اعتـراض لـه فيـه بأمـر ولا نهـي، وإن كان يـرى إذا كان مـا يفعـل مسـوغا فـي الاجتهـاد لخروجـه عـن معنـى مـا قدمنـاه.». وحكـى عنـه النـووي )شـرح النـووي علـى مسـلم: 2/ 23 – 24( قولـه: «وذكـر أقصـى القضـاة أبـو الحسـن المـاوردي البصـري الشـافعي فـي كتابـه الأحـكام السـلطانية خلافـا بيـن العلمـاء فـي أن مـن قلـده السـلطان الحسـبة هـل لـه أن يحمـل النـاس علـى مذهبـه فيمـا اختلـف فيـه الفقهـاء إذا كان المحتسـب مـن أهـل الاجتهـاد أم لا يغيـر مـا كان علـى مذهـب غيـره والأصـح أنـه لا يغيـر لمـا ذكرنـاه ولـم يـزل الخـلاف فـي الفـروع بيـن الصحابـة والتابعيـن فمـن بعدهـم رضـي الله عنهـم أجمعيـن ولا ينكـر محتسـب ولا غيـره علـى غيـره وكذلـك قالـوا ليـس للمفتـي ولا للقاضـي أن يعتـرض علـى مـن خالفـه إذا لـم يخالـف نصـا أو اجماعـا أو قياسـا جليـا والله أعلـم.»
[50] قواعد التصوف: القاعدة الثامنة والأربعون.
[51] اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابـر: 1/ 20.
[52] مـا يهـم الأمـم الأخـرى مـن ذلـك معلـوم فـي تواريخهـم، ويوجـد فـي أصولنـا مـا يـدل عليـه أيضـا كمـا فـي قصـة نبـي الله موسـى عليـه السـلام فـي سـورة الكهـف. ووردت بذلـك الأحاديـث، ومـن أشـهرها مـا فـي مناقـب عمـر بـن الخطـاب رضـي الله عنـه، وقـد ورد فـي صحيـح البخـاري بصيغتيـن همـا معـا عـن أبـي هريـرة رضي الله عنـه: نـص الأولـى (كتـاب أحاديـث الأنبيـاء بـاب ( عَـنِ النبي صلـى الله عليـه وسـلم قَـالَ إِنَّـهُ قَـدْ كَانَ فِيمَـا مَشَـى قَبْلَكُـمْ مِـنَ الأمَُـمِ مُحَدَّثُـونَ وَإِنَّـهُ إِنْ كَانَ في أُمَّتِـى هَـذِهِ مِنْهُـمْ فَإِنَّـهُ عُمَـرُ بْـنُ الْخَطَّـابِ. ونـص الأخـرى (كتـاب الفضائـل، بـاب فضائـل عمـر بـن الخطـاب أبـي حفـص القرشي العـدوي رضي الله عنـه(قَـالَ النَّبِـىُّ صلـى الله عليـه وسـلم لَقَـدْ كَانَ فِيمَـنْ كَانَ قَبْلَكُـمْ مِـنْ بَنِـى إِسْـرَائِيلَ رِجَـالٌ يُكَلَّمُـونَ مِـنْ غَيْـرِ أَنْ يَكُونُـوا أَنْبِيَـاءَ فَـإِنْ يَكُـنْ مِـنْ أُمَّتِـى مِنْهُـمْ أَحَـدٌ فَعُمَـرُ. وقـد كـرر ذكـر الأولـى فـي هـذا البـاب أيضـا.
[53] قواعد التصوف: القاعدة 35.
[54] قواعد التصوف: القاعدة 212.
[55] قواعد التصوف: القاعدة 216.
[56] ينظر ما ورد من تفصيل ذلك في إحياء علوم الدين: 3/ 186 وما بعدها. ومختصر منهاج القاصدين: ص. 186 وما بعدها.
[57] سورة المائدة /1.
المصادر والمراجع
- المصحف الشريف بـرواية ورش عن نافع.
- أبجد العلوم، أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيـني البخاري القِنَّوجي (تـ 1307هـ)، ط. 1، 1423 هـ- 2002 م، دار ابن حزم.
- الآحاد والمثاني، أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (تـ 287هـ)، تح: د. باسم فيصل أحمد الجوابـرة، ط. 1، 1411هـ – 1991م، دار الراية – الرياض.
- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، أبو حاتم، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، الدارمي، البُستي (تـ 354هـ)، تـرتيب: الأميـر علاء الديـن علي بن بلبان الفارسي (تـ 739هـ) تح: شعيب الأرنؤوط، ط. 1، 1408 هـ – 1988 م، مؤسسة الرسالة، بيـروت.
- الأحكام السلطانية، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الشهيـر بالماوردي، (تـ 450هـ)، دار الحديث، القاهرة.
- الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، شهاب الديـن، أبو العباس أحمد الصنهاجي البهنسي القرافي، (تـ 684هــ)، تح: أبو بكر عبد الرازق، ط.1، 1990م، المكتب الثقافي، القاهرة.
- إحياء علوم الديـن، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (تـ 505 هـ)، دار المعرفة، بيـروت.
- الأدب المفرد، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبـراهيم بن المغيـرة البخاري (تـ 256هـ)، تح: سميـر بن أميـن الزهيـري، ط. 1، 1419 هـ – 1998 م، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.
- إزالة اللبس عن المسائل الخمس، مخطوط خزانة القروييـن: بـرقم 1375/ 2، وقد قام بتحقيق الكتاب الأستاذ عبد العلي بلاميـن في رسالته لنيل الدكتوراه، وهي رهن المناقشة.
- الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، أحمد بن عبد الرحيم بن الشهيد وجيه الديـن بن معظم بن منصور المعروف بـ «الشاه ولي الله الدهلوي» (ت1176هـ)، تح: عبد الفتاح أبو غدة، ط. 2، 1404هـ، دار النفائس، بيـروت.
- البحر المحيط في أصول الفقه، أبو عبد الله بدر الديـن محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (تـ 794هـ)، ط. 1، 1414هـ – 1994م، دار الكتبي.
- التنبيه والإرشاد، أبو الحجاج يوسف بن موسى الضريـر السرقسطي المراكشي (تـ 520هـ)، مجموعة نسخ مخطوطة.
- جامع بيان العلم وفضله، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البـر بن عاصم النمري القرطبي (تـ 463هـ) تح: أبي الأشبال الزهيـري، ط. 1، 1414 هـ – 1994م، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية.
- الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه / صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي (تـ 256هـ)، تح: محمد زهيـر بن ناصر الناصر، ط. 1، 1422هـ، دار طوق النجاة، مصورة عن السلطانية بإضافة تـرقيم محمد فؤاد عبد الباقي.
- سنن ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويـني (تـ273هـ)، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي.
- سنن التـرمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، التـرمذي (تـ279هـ)، تح: أحمد محمد شاكر (جـ 1، 2)، ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3)، وإبـراهيم عطوة عوض (جـ 4، 5)، ط. 2، 1395هـ – 1975م، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر.
- شرح السنة أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البـربهاري، تحقيق أبو ياسر خالدبن قاسم الردادي، مكتبة الغرباء الأثرية. ط. 1، 1414 هـ / 1993 م.
- شرح صحيح البخارى لابن بطال، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (تـ449هـ)، تح: أبو تميم ياسر بن إبـراهيم، ط. 2، 1423هـ – 2003م، مكتبة الرشد – السعودية، الرياض.
- شرح مختصر خليل للخرشي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي المالكي (المتوفى: 1101هـ)، دار الفكر للطباعة – بيـروت.
- شرح معاني الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (المتوفى: 321هـ)، تح: محمد زهري النجار، تقديم: محمد سيد جاد الحق، مراجعة وتـرقيم: د يوسف عبد الرحمن المرعشلي، ط. 1، 1414 هـ، 1994م، عالم الكتب.
- شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسيـن بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، البيهقي (ت458هـ)،تح: د. عبد العلي عبد الحميد حامد، ط. 1، 1423 هـ – 2003 م، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند.
- الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهيـر بابن رشد الحفيد (تـ 595هـ)، تح: د. جمال الديـن العلوي، ط. 1، 1994 م، دار الغرب الإسلامي، بيـروت، لبنان.
- الفصول في الأصول، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي (تـ 370هـ)، ط.2، 1414هـ – 1994م، وزارة الأوقاف الكويتية.
- الفقيه والمتفقه، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (تـ463هـ)، تح: أبو عبد الرحمن عادل بن يوسف الغرازي، ط. 2، 1421هـ، دار ابن الجوزي، السعودية.
- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبـراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (المتوفى: 235هـ)، كمال يوسف الحوت، ط.1، 1409 هـ، مكتبة الرشد – الرياض.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور الديـن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (تـ807هـ)، تح: حسام الديـن القدسي، 1414 هـ، 1994 م، مكتبة القدسي، القاهرة.
- المحصول في أصول الفقه، محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (تـ 543هـ)، تح: حسيـن علي اليدري وسعيد فودة، ط. 1، 1420هـ – 1999م، دار البيارق، عمان.
- مختصر منهاج القاصديـن، نجم الديـن، أبو العباس، أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي (تـ689هـ)، 1398 هـ – 1978 م، الأستاذ محمد أحمد دهمان، مكتبة دار البيان، دمشق.
- مسند ابن أبي شيبة، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبـراهيم بن عثمان بن خواستي العسي (تـ 235هـ)، تح: عادل بن يوسف العزازي و أحمد بن فريد المزيدي، ط. 1، 1997م، دار الوطن، الرياض.
- مسند أبي داود الطيالسي، أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصرى (تـ 204هـ)، تح: الدكتور محمد بن عبد المحسن التـركي، ط. 1، 1419 هـ – 1999 م، دار هجر، مصر.
- مسند أبي يعلى، أبو يعلى أحمد بن علي بن المثُنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي، الموصلي (تـ307هـ)، تح: حسيـن سليم أسد، ط. 1، 1404هـ – 1984م، دار المأمون للتـراث، دمشق.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (تـ 241هـ) تح: أحمد محمد شاكر، ط. 1، 1416 هـ – 1995 م، دار الحديث، القاهرة.
- المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله ﷺ، مسلم بنالحجاج أبو الحسن القشيـري النيسابوري (تـ261هـ)، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التـراث العربي، بيـروت.