ميثاق العلماء الأفارقة – تقديم
ميثاق العلماء الأفارقة – تقديم
في إطار الحفاظ على الثوابت الدينية المشتركة التي تجمع المملكة المغربية بباقي بلدان القارة الإفريقية، والتي أُوكِلَت إلى أصحاب الفضيلة، السادة العلماء الأجلاء حمايتُها والذودُ عنها، في ظل مهامهم المتجددة على الدوام من حيث هم ورثةُ الأنبياء ومبلغون عن الله عز وجل، ومقتفون آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مضى عليه عمل سلف هذه الأمة، فإن واجب الوقت يقتضي تظافرَ الجهود، وتنسيقَ العمل، وتوحيدَ الرؤية لمواجهة كافة التحديات والمستجدات التي تواجهها القارة الإفريقية.
من هنا، ووفق رؤية متبصرة وحكيمة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله وأيده، جاءت المبادرة الملكية السامية بإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بمثابة إطار يجمع ويوحد جهود هؤلاء العلماء على ما يحفظ الدين من التشويه والتطرف، وما يجعل قيمَه السمحةَ في خدمة الاستقرار والتنمية في هذه البلدان.
إن حجم المسؤولية الملقاة على عاتق علماء القارة في مواجهة هذه التحديات يفرض عليهم الاشتغالَ وفق منهج واضحِ المعالم، جليٍ في أهدافه، مَعينٍ في وسائله، وهو ما يتجلى فيما أقره المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في دورته العادية الثالثة المنعقدة بمدينة فاس من توصيات تتعلق بإعداد وثيقةٍ مذهبيةٍ بمثابة ميثاقٍ للعلماء الأفارقة المنضوين في إطار المؤسسة من أجل تحقيق الأهداف العلمية السامية على صعيد القارة الإفريقية، على أساس احترام سيادة بلدانها، ووحدتها الوطنية والترابية.
وتفعيلا لهذه التوصيات، كُلفت لجنة علمية بصياغة مسودة الميثاق عَقَدت عدة اجتماعاتٍ متتالية لتناول هذا الموضوع على الشكل الآتي:
الاجتماع الأول: انعقد بالرباط بتاريخ فاتح أكتوبر 2020م للتداول في مشروع ميثاق العلماء الأفارقة.
الاجتماع الثاني: انعقد بفاس بتاريخ 22 أكتوبر 2020م للنظر فيما تم التداول فيه في الاجتماع الأول، وتقديم لاصيغة الأولية لمشروع الميثاق.
الاجتماع الثالث: انعقد بالرباط بتاريخ 11 فبراير 2021م، لمتابعة أعمال اللجنة والنظر في الصياغة المنقحة للميثاق، وقد حضره علماء من المغرب وعلماء من باقي البلدان الإفريقية بحضور منسق اللجنة العلمية الدكتور أبو بكر دوكوري والمرحوم الدكتور محمدالمختار ولد اباه الرئيس السابق لفرع المؤسسة بموريتانيا.
كما اقترحت هذه اللجنة توسعة النقاش بعرض مُسَوَّدَةِ المشروع على ثلة من الخبراء والعلماء من مختلف فروع المؤسسة، وذلك لترسيخ العمل المشترك والمنفتح مع باقي فروع المؤسسة.
وهكذا تمت بمدينه نواكشوط بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، مداولةُ ومناقشةُ المواد العلمية المتضمنة في ميثاق العلماء ضمن جلساتٍ علميةٍ متتاليةٍ وذلك خلال يومي السبت والأحد السابع والثامن من شعبان 1442 للهجرة الموافق لـ 20 و21 من شهر مارس 2021 للميلاد.
يرتكز هذا الميثاق على خمسة محاور، يُكمل بعضُها بعضا، قِوامُها الأساس ترسيخُ المشترك الديني عقيدة ومذهبا وسلوكا على صعيد القارة الإفريقية، من أجل حماية الأمن الروحي لشعوبها، وضمانِ إسعاد أبنائها بالتدين الراشد معاشا ومَعادا:
- المحور الأول: علماء الأمة: مواصفات ومهام؛
- المحور الثاني: حفظ الثوابت الدينية الإفريقية المشتركة؛
- المحور الثالث: القيم الإسلامية وحماية المشترك الديني؛
- المحور الرابع: حماية الأمن الروحي بإفريقيا؛
- المحور الخامس: إفريقيا: الآفاق والتطلعات.
وبعد لقاء نواكشوط، وبعد ما تم تحيينُ مواد ومحتوى الميثاق، نظمت الأمانة العامة للمؤسسة على هامش اجتماع الدورة الرابعة للمجلس الأعلى للمؤسسة بفاس، لقاءً علميا موسعا لمدراسة ومناقشة مواد الميثاق، حيث شكل اللقاء فرصة لشرح وعرض مضامينه على علماء وأعضاء الفروع.
وفي ختام هذه الجلسات تمت المصادقة على مشروع وثيقة ميثاق العلماء الأفارقة مع تفويض الصياغة النهائية للجنة متخصصة من علماء المؤسسة.
وبتاريخ الجمعة 08 ديسمبر 2023، احتضنت خزانة جامع القرويين، حفل الإعلان الرسمي عن إطلاق “ميثاق العلماء الأفارقة” في نسخته النهائية، وذلك على هامش أشغال الدورة السنوية العادية الخامسة لاجتماع المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي يومي 6 و7 ديسمبر 2023.
إفريقيا تحيا بعلمائها، ونهضتُها هي نهضةُ علمائها، وقدرتُها على تحدي الصعاب وضمانِ الأمنِ الروحي لها مرهونٌ بقوة علمائها في نبذِ التطرف والغلو وتشجيعِ الوسطية والاعتدال وأخلاق التصوف والتضحيةِ والبذلِ والعطاءِ، ولعل ميثاقَ العلماء الأفارقة سيكون آلية ناجعة لجمع العلماء على كلمة سواء حتى تحيا إفريقيا قويةً شامخةً بعلمائها وأهلها.