واقع التراث الإسلامي الإفريقي: التحديات والآفاق
ألقيت المداخلة في الندوة العلمية الدولية التي نظمتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موضوع “التراث الإسلامي الإفريقي بين الذاكرة والتاريخ” أيام 22-23-24 ربيع الأول 1443 هـ الموافق لـ 29-30-31 أكتوبر 2021 م في العاصمة النيجيرية أبوجا.
ملخص البحث
منذ ظهور الإسلام في إفريقيا الغربية بين القرنين الثامن والحادي عشر حتى أيامنا هذه، وحسب ما ذهب إليه المؤرخون، ما زال يشكل عنصرا من العناصر التي تحدد مسيرة الشعوب، فرديا وجماعيا على حد سواء. ذلك لأن الإسلام قد اندمج، بشكل عميق في هذه المجتمعات، حى أصبح المرجعيةَ الأساسية في جميع مجالات حياتهم. ويحكي لنا التاريخ المعاصر والقديم قصة الشعوب التي تأثرت باحتكاكها بهذا الدين، وتحولت من الروايات الشفهية إلى ثقافة الكتابة.
ولهذا ففي النقطة الأولى من هذه الورقة، سنقوم برسم منحى مختصرا يوضح ملابسات بناء هذه الثقافة الجديدة، التي تولدت منها تلك المخطوطات التي أصبح العلماء والباحثون يتسارعون إليها، لتحقيقها ودراستها ونشرها.
وفي النقطة الثانية، سنتناول بعض جوانب هذه المخطوطات: موضوعاتها ومؤلفيها، وأهميتها في تمكن مفهوم جديد ومعنى جديد للوجود في المجتمعات الإفريقية. كما سنستعرض جانبا من الجهود التي بذلها المسلمون للحفاظ عليها، وإعطاءها القيمة الي تستحقها. وبعدها سنسلط الأضواء، معتمدين على أمثلة ملموسة، على دور هذا التراث في تعزيز الثقافة الإسلامية والإفريقية، في الوقت الذي يدعي البعض أن القارة السمراء تفتقر إلى سجل تاريخي.
وأخيرا، سنناقش في النقطة الثالثة التحديات التي يواجهها المجتمع الإفريقي المسلم في مجال الحفاظ على التراث، أمام هيمنة الثقافة الغربية، من جهة، وخطورة وجهة نظر واحدة سائدة في الدين، من جهة أخرى. قبل التطرق في نهاية المطاف إلى متطلبات هذا الإرث وأهميته في التواصل بين الثقافات الدينية، وخلق محيط اجتماعي وإقليمي متسامح، آمن ومستقر.
نص المداخلة
مقدمة
إن الإسلام منذ ظهوره في إفريقيا الغربية بين قرني الثامن والحادي عشر حتى أيامنا هذه وحسب ما ذهب إليه المؤرخون، ما زال يشكل عنصرا من العناصر التي تحدد مسيرة الشعوب، فرديا وجماعيا على حد سواء. ذلك لأن الإسلام قد اندمج، بشكل عميق في هذه المجتمعات، حتى أصبح المرجعيةَ الأساسية في جميع مجالات حياتهم، لا كدين مستورَد أو مفروض عليهم، كما يدَّعي المستشرقون وورثتُهم، بل كتراث خاص لهم.
وهذا الاعتناق الطوعي، قُل هذا التقبل الصادق هو الذي يفسر اندفاعَ المسلمين إلى اللجوء إليه، في حالة العدوان، وإلى استخدامه كدرع ثقافي ضد الاستعمار. وهذا الرأي، يشاطره الباحث كولون (Coulon) الذي يرى أن الإسلام لا يقتصر على تنظيم المجتمعات واستيعابها فحسب، بل حوّلها إلى مرجع جديد، “لغة يفكر المجتمع من خلالها، ويتصرف، ويتطور “.
و قبل قرون من مجيء الأوروبيين، تم بناءُ هذا المرجع الجديد عبر العصور في صورة بنيات أساسية، ومؤسسات اجتماعية (مثل المدارس القرآنية، والمساجد، والجامعات)، فضلا عن إنتاج حصيلة ثقافية ودينية هامة، لا يزال جزءٌ منها في شكل مخطوطات.
وكيف لا مع هذا الدين الذي يتميز بالكتاب والكتابة؟ ويكفي لإقامة الدليل على ذلك استعراض الآيات الثلاث التالية التي تشير إلى هذه الحقيقة، وهي:” الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين”، “ن والقلم وما يسطرون”، “إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم”.
ويحكي لنا التاريخ المعاصر والقديم قصة الشعوب التى تأثرت باحتكاكها بهذا الدين، وتحولت من الروايات الشفهية إلى ثقافة الكتابة.
في النقطة الأولى من هذه الورقة، سنقوم برسم منحنى مختصرا يوضح ملابسات بناء هذه الثقافة الجديدة، التي تولدت منها تلك المخطوطات التي أصبح العلماء والباحثون يتسارعون إليها، لتحقيقها ودراستها ونشرها. وسوف نبين أيضا كيف شكل الرعيل الأول من المثقفين، انطلاقا من هذه الثقافة الجديدة، هويةً تربط الواقع المحلي بالوعي الشامل العالمي.
وفي النقطة الثانية، سنتناول بعض جوانب هذه المخطوطات: موضوعاتها ومؤلفيها، وأهميتها في تمكين مفهوم جديد ومعنى جديد للوجود في المجتمعات الإفريقية. كما سنستعرض جانبا من الجهود التي بذلها المسلمون للحفاظ عليها، وإعطاءها القيمة التي تستحقها. وبعدها سنسلط الأضواء، معتمدين على أمثلة ملموسة، على دور هذا التراث في تعزيز الثقافة الإسلامية والإفريقية، في الوقت الذي يدعي البعض أن القارة السمراء تفتقر إلى سجل تاريخي.
وأخيرا، سنناقش في النقطة الثالثة التحديات التي يواجهها المجتمع الإفريقي المسلم في مجال الحفاظ على التراث، أمام هيمنة الثقافة الغربية، من جهة، وخطورة وجهة نظر واحدة سائدة في الدين، من جهة أخرى. قبل التطرق في نهاية المطاف إلى متطلبات هذا الإرث وأهميته في التواصل بين الثقافات الدينية، وخلق محيط اجتماعي وإقليمي متسامح، آمن ومستقر.
الإسلام وتطوير الحالة الاجتماعية من القرن الثامن إلى القرن الثامن عشر
إن أفريقيا السودانية الساحلية ( غرب أفريقيا) تقدم اليوم صورة فضاء جغرافي ينعكس فيه التأثير الأوروبي على جميع مؤسسات الدول، سواء الحكومية منها وغير الحكومية. كما تحتل اللغات الأوروبية، مثل الفرنسية، مكانة بارزة في مختلف مجالات الإعلام والتعليم والإنتاج الأدبي وغيرها. وفي هذا الجزء من أفريقيا، أصبحت الفرنسية التي هي اللغةَ الرسمية لمعظم البلدان، بمثابة لغة التواصل بين مختلف الأعراق والقبائل. والأكثر من ذلك أنها كانت من أهم آلياتِ تنسيق ِالسياسية والثقافة والاقتصاد في المنظمة الدولية للفرنكوفونية التي تضم جميع الدول التي احتلتها فرنسا في المنطقة
الإسلام والغرب في إفريقيا: رؤى متضادة
لم تكن الدول الأوربية تنظر – لغاية النصف الأول من القرن الخامس عشر- إلى القارة السمراء بنظرة إيجابية، لأنها حسب رأيهم لا تتوفر فيها ما يستحق الاهتمام. وفي الوقت نفسه، كان الإسلام على صلة مستمرة بالقارة منذ القرن السابع، كما يشير إلى ذلك البروفيسور روحان امباي، رئيسُ فرع ِالسنغال لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ونفذ فيها هذا الدين الجديد زخما جديدا أسهم في خلقِ ثقافة جديدة تشجع على تحرير العقليات من الجهل وآثاره في الحكم.
“لقد ظهر الإسلام في أفريقيا في فترة لم يفكر فيه النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – بعدُ في الهجرة حيث استقبل الشعب القبطي وصول [الإسلام] إلى مصر برحب الصدر واعتبره أداةَ لوضع حد لسيطرة اليونان والتخلص من هيمنتهم، وكذلك اعتبره البرابرة فرصة سانحة للتحرر من أغلال الونداليين. ثم بدأ الإسلام ينتشر تدريجيا من نهر السنغال إلى جميع مناطق جنوب الصحراء الكبرى حتى شمل كافة مناطق السافانا السودانية”.
في ظل هذه الظروف الإيجابية، تطورت الحركة التجارية والفكرية والمعرفية بشكل ملحوظ، الأمر الذي جعل البعض يعتبره من العوامل الأساسية التي ساهمت كثيراً في ترسيخ الإسلام تدريجيا في القارة الأفريقية، وتوسيع نفوذه في المنطقة الواقعة بين الغابات الاستوائية والحدود الجنوبية للصحراء الكبرى، كما رواه المؤرخون العرب. وفي الوقت الذي تحولت فيه العلاقات بين أفريقيا والعالم الغربي إلى مأساة حقيقية، مع بروز ظاهرة تجارة الرقيق والاستعمار، كان احتكاك أفريقيا بالإسلام سلمياً إلى حد ما، ومتميزاً بالتبادل الإيجابي والتفاهم على حد قول الرواة. و لعل ذلك يعود الى اختلاف طريقة تعامل كل من الإسلام و العالم الغربي مع الشعوب الإفريقية، حيث كان الأوربيون ينظرون إلى القارة الإفريقية نظرة ازدراء، فيما كان الإسلام يتعامل معها انطلاقاً من منظور احترام كرامة الإنسان. ولعل ما يؤكد هذا الرأي هو ما سرده الباحث جبريل سامبSAMB، من بعض آراء المفكرين والساسة الأوروبيين والمتمثلة في تصور هيجل (Hegel)، المتسم بالعنصرية للقارة : “أفريقيا هي قارة العجز والنقص التي تقع على هامش التاريخ “. وإن مما يُؤسف له أن الساسة الأوروبيين لا يزالون يتمسكون بتلك الأفكار، لتبرير وإثبات تخلف إفريقيا على غِرارِ ما فعله أحد قادة الدول الاوروبية، في خطاب شهير ألقاه في جامعة شيخ أَنْتَ جُوبْ، دكار السنغال، جاء فيه أن:
“أفريقيا […] بلد الطفولة الذي لا يزال مغطى باللون الأسود، لون الليل. […] وفي هذا الجزء الرئيسي [] لا يمكن أن يكون هناك تاريخ في حد ذاته. وأن ما يحدث عبارة عن سلسلة من الوقائع، وسلسلة من حقائق مفاجئة. [] وأن حالة الشعوب السوداء غير قابلة للتطور أو التعليم؛ فهم لا يزالون حتى الآن في الوضع الذي كانوا عليه دائما.
هذا المفهوم الهيجلي للتاريخ، قد شكل إلى حد ما، رؤية الأوروبية المركزية (Européocentrisme)ويفسر موقف الغرب نحو الشعوب الإفريقية. وتأسيساً على ما تقدم، لا يمكن تجاهل وقوع بعض الاصطدامات ومظاهر العنف بين العرب والشعوب في بلاد السودان، لأن التاريخ يؤكد أن غزو أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من طرف المسلمين العرب، لم يكن دائما سِلْمِيًّا إلى حد ما. وفي هذا السياق يورد كل من الإدريسي، والبكري، وابن عبد الحكم، صورا من أعمال العنف وسوء المعاملة من طرف العرب أثناء غزواتهم لهذه الأراضي. وعلى الرغم من ذلك، فمن الصحيح المؤكد أن الإسلام لم يُفرض بالسيف. فضلا عن ذلك، يخبرنا هؤلاء الرحالة العرب، في قصص رحلاتهم أن القارة الأفريقية تمتلك تاريخها الخاص بها قبل اتصالها بالإسلام، وهذا يختلف تماما عن دعاوى هيجل في هذا المجال. وفي السياق نفسه نجد في وثائقهم أن المجتمعات الأفريقية قد تحولت إيجابيا وتطورت بفضل اعتناقها هذا الدين دون إجبار عليها. من هذا المنطلق أخذت بعض المدن مثل زويلا، أَوْداغُوسْت وأمثالها، تزدهر بسبب التجارة بين بلاد السودان والمغرب في القرن العاشر، فضلاً عن الحياة الدينية المكثفة والمتمثلة في بناء المساجد والجوامع والمدارس القرآنية. وتجدر الإشارة هنا، إلى العلاقات القائمة بين الأديان التقليدية والإسلام والتعايش بينهما، وفق رواية البكري التي تؤكد بأن غانا (Ghana)كانت تتكون من مدينتين، أحدهما وثنية والأخرى إسلامية. أما الجزء الذي كان يقطنه المسلمون فقد كان واسعاً جدا ويحتوي على اثني عشر مسجدا وجامعاً تُؤدى فيها الصلوات الخمس وصلاة الجمعة. علماً بأن لكل مسجد أئمته ومؤذنيه وقراؤه.
هكذا وصفه المكتشفون والسياح. إنه دين أعطى للشعوب الأفارقة فرصة تطوير ثقافتهم بتبنيهم مبادئه على أساس مرونته وانعدام الحرج فيه كما ذكره الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج. ثم بعد تدفق المرابطين وصعود المذهب المالكي بأصوله في الحكم الشرعي تزايد إقبال الناس عليه حتى أصبح إطارا مرجعيا رائدا يصعب تجاهله أو إهماله. هذه الظاهرة بوصفها تراثا ثقافيا يضع بسمته على جميع شرائح المجتمع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إنما هي وليدة الخلفية التاريخية وتشهد لها مخطوطات الأسلاف العديدة والمتنوعة.
الإسلام في غرب إفريقيا من الإباضية إلى عهد المرابطين
إذا تصفحنا التاريخ وجدناه يحكي لنا قصة تجارة ثقافية بين السكان الأصليين والتجار والمبشرين من الإباضية قبل أن يحل المالكية مقامهم، كما يوضح لنا أن الإسلام بعيد عن الدين المفروض على الشعوب الأفارقة كما يزعمه الأروبييون، بل إنه دين مرغوب فيه، تبناه السكان وتكيفوا بجواره. ومع ذلك فإن من اللازم تعديل الرأي العام في ما يخص انتشار الإسلام في جنوب صحراء لان كثيرا ممن يتناولون الموضوع يميلون إلى الرأي الشائع الذي ينسب هذه الظاهرة إلى حركة المرابطين، وإلى دور قبائل العرب الرحالة من أهل السنة، إضافة إلى إسلام جالية من قبيلة سونينكيsoninke في القرن الحادي عشر. غير أن هذا الرأي لا يأخذ بعين الاعتبار دور الصفرية والإباضية في نشر الإسلام في محيط البرابرة،في فترة ما بين الثامن عشر والحادي عشر[1] مع اهتمامهم ببناء المساجد عبر المدن الرحالة في بلاد السودان[2].
ومن المرجح أن حركة المرابطين قد لعبت دورا هاما عقب سيطرتها على غانا. ويمكن الاعتقاد أنه مع جهود المرابطين، تم نوع من النشاط فيما يتعلق بانتشار الإسلام على نطاق أوسع وبترسيخ عقيدة أهل السنة والمذهب المالكي كمرجع أساسي في العبادات والمعاملات بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر. وأثرت تلك الحركة في الحكم في المنطقة حتى أن التاريخ يقص وجود حكم سياسي معتمد على مبادئ إسلامية في عهد السونغايSonghay، الامر الذي ساهم في بروز طبقة من السلطات الدينية: المشيخة وما يسمى بزعماء الدين والمتمثلة في المشايخ،.chefs religieux. ونرى أنهؤلاء الشخصيات أصبحوا ذوي نفوذ كبير في مجالات العلم والتربية بفضل إنشائهم المدارس الصوفية والزوايا، ودورهم الأساسي في حماية الشعوب ضد طغيان السلطات المحلية والمستعمرة.
في السنغال، على سبيل المثال شهد التاريخ في هذه الفترة الزمنية على حضور الإسلام على نطاق واسع في مناطق فوتا، وكاجُورْ، وجُولُوفْ، وباوُولْ، إلى حد أن العلوم الشرعية عرفت انتشارا واسعا، نتيجة جهود الشيوخ الموريتانيين في أول الأمر. ثم امتدت بفضل أنشطة المثقفين المحليين الذين وسعوا مجال التعليم إلى اللغة والنحو كما بخبرنا البرزفيسور روحان امباي في حديثه عن مَتارْ اندُومبِي، الرائد البارع في مجال تدريس مادة النحو والقواعد.
وبعيدا ًعن أن يكون حضوره رسميا أو رمزياً فقط، تمتع الإسلام بنفوذ كبير وبحضور فعال في النظام المؤسسي للمجتمع السنغالي من خلال دور بعض الشخصيات مثل: القاضًي (خالِ)، والإمام (إلِمانْ) الذي يتولى الصلوات، والشيخ (سَرِينْج) الذي يتولى التدريس وتربية الأولاد. ومن الأدلة التي تؤكد هذا النفوذ، المراسلاتُ التي جرت بين سَريِنْجِ بـِيـرْ Serigne Pire بُوبَكَرْبينداBoubacar Peinda و دَامِيلْكاجُورْ ,Damel Kajoorالموجودة في شكل مخطوطات في الأرشيف الوطني تحت رقم 1 D 48 ANS، وتتناول قضايا التحكيم، والقضاء والمشيخة، والسياسة وآليات توزيع المهام بينهم. ويؤيد شامبونوChambonnaeu هذا الرأي إضافة إلى وصفه مكانة الإسلام في المجالات السياسية والدينية والتعليمية، كما يوضح لنا صورة الاسلام و أبعاده الدينية والقضائية على مدى فترة طويلة، في سانِيُوخُورْSaniakhooor.
ومع تدقيق النظر في مذكرات المستكشفين وفي الأرشيفات، نجد أن المجتمع السنغالي قد تقبل لإسلام تدريجيا ورحب به بفضل مساهمة بيوت التعليم والتربية، دارَا Daara، وجهود الشيوخ الصوفية الذين كوَّنُوا النخبة المسلمة التي قامت بتغيير قيم المجتمع التقليدي بالتعاليم الإسلامية السمحة، وساهمت في الحفاظ على الذاكرة الجماعية التاريخية مع احتفاظها بعلاقتها مع الثقافة الإسلامية الجديدة. وهذه الذاكرة، مع حسن الحظ، محفوظة في شكلها المادية في مخطوطات عديدة ومتنوعة ومنتشرة في مختلف المراكز الدينية وخارجها
المخطوطات: موضوعاتها ومؤلفوها وأهميتها
لا يمكن التحدث عن موضوع المخطوطات دون إلقاء نظرة ولو خاطفة على الاحترام والمكانة المرموقة التي حظيت بها اللغة العربية في بلدان غرب إفريقيا مما حمل الحكومة المستعمرة على اتخاذ إجراءات تعسُفية ترمي الى القضاء على هذه المكانة التي تتمتع بها في قلوب وفي أعين المسلمين[3]. ولعل سبب الاحترام والتقدير الذي حظيت به اللغة العربية يعود إلى كونها لغة القرءان والشعائر الدينية، بل كانت في الوقت نفسه لغة الإنتاج الأدبي والديني فضىلاً عن أنها اللغة المستعملة في المراسلات الإدارية وتدوين مختلف المعاملات. ويكفي دليلا على ذلك تلك الجهود المبذولة في سبيل تدوين اللغات المحلية بحروف عربية، وإبداع ثقافة مرموقة انطلاقا منها. ولا شك أن هذه الحيوية التي نشأت من المواقف الباسلة للأسر الدينية والمراكز العلمية بمبادرة المشايخ وزعماء الطرق الصوفية على وجه الخصوص، تعد من العوامل التي أثارت غيرة المستعمر الفرنسي وجعلته يخطط للتقليل من قيمة هذه اللغة في المجتمع بشتى الوسائل. فلنصغ إلى ما صرح به لَهْ شَتْلِيِيهْLe Chatelier:
“في اليوم الذي تتوقف فيه العربية عن كونها لغة رسمية وتجارية في أفريقيا الغربية، سوف لن يكون الإسلام خطرا بعْدُ في هذه المناطق، لأن مدارسه سوف تُهجَر.”
هذه البيئة الدينية والثقافة الإسلامية الإفريقية قد أفرزت بأولى المخطوطات التي تناولت مختلف المجالات الاجتماعية. والدليل على ذلك هو-علاوةً على ما ذكرناه سالفاً- أن جميع المصادر الموثوقة في مجال التاريخ، وكذلك الكتب والمدونات المتوفرة في مختلف ميادين العلم والثقافة، كانت مكتوبة بالحروف العربية. وهي ما يسمى بالعجمية المحلية المدونة بالحروف العربية. وما زالت هذه الوثائق الثمينة والقيمة التي توجد في شكل مخطوطات محفوظة في أكثر الأحيان في ظروف لا تليق بها.
نظرة موجزة عن الـمخطوطات في السنغال
يكون من الموضوعية أن نعترف بالوضع الحرج الذي كانت المخطوطات تعاني منه قبل أن يهتم بها الاستعمار. إنها كانت تحفظ في ظروف صعبة وغير آمنة تجعلها عاجزة عن مقاومة الآثار السلبية للطبيعة، إضافة إلى عدم إعطائها الاهتمام اللائق بها من طرف الورثة الذين لم يتسلحوا بما فيه الكفاية من العلم والهمة للعناية بها. في تلك الظروف بادرت السلطات الاستعمارية بجمع المخطوطات وحفظها لا بهدف الاهتمام بها وإعطائها المكانة اللائقة بها، بل لأنها تشكل وسيلة للتعرف على المجتمعات الأفريقية بثقافتها وقيمها ورجالها، وبالتالي كانت أداة لتحسين سياستها بشكل أدق. ولهذا الغرض تم إنشاء المعهد الفرنسي لإفريقيا السوداء، ,Institut français d’Afrique noireعام ١٩٣٦ والذي تغير اسمه في عام ١٩٦٦ فصار يُعرف بالمعهد الأساسي لإفريقيا السوداء، Institut fondamental d’Afrique. noire وفي عام ١٩٨٦ وعلى إِثرِ وفاةِ الباحثِ الشهير شيخ أَنْتا جوبْ أضافت السلطات السنغالية اسمه الى المعهد تقديراً لجهوده العلمية واعترافاً بأعماله وتخليداً لذكراه، فأصبح يُسمى بالمعهد الأساسي لإفريقيا السوداء شيخ أَنْتا جوبْ.
كما ذكرناه سالفاً لا بد من أن نعترف بدور المستعمر في جمع المخطوطات وحفظها ودراستها، أياً كانت أهدافها في الأصل. إذ بفضل مجهوداته أصبح تتوفر لدينا عدد مهم من المخطوطات المكتوبة بالعربية واللغة الفولانية ولغات إفريقية أخرى. وهي محفوظة في قسم الدراسات الإسلامية التابعة للمعهد الأساسي لإفريقيا السوداء شيخ أنتا جوب، في مجموعات تحمل أسماء الباحثين الذين يقومون بجمعها، منذ عام 1939، بدءً بـِمجموعة فِيِيىلَارد(Villard).
قائمة المجموعات الخاصة بعهد الاستعمار، وقيمتها
- مجموعة فييلارد
لقد تم إنشاء هذه المجموعة خلال الفترة من١٩٢٧و ١٩٣٩بناءً على جهود سميها، وبفضل جهود البروفيسور مونودMonod تم تسليمها إلى المعهد الأساسي لإفريقيا السوداء IFAN. وهي تقع في حوالي ٤٠٠٠ ورقة تبحث في شعوب ومناطق القبائل الفولانية الواقعة بين نهر السنغال ونهر النيجر. كما تدرس المناطق الواقعة في جبال فوتا جالون والكامرون، وتشاد، ونيجيريا وسكانها سواء منهم المقيمين منهم أو الرُحَل. وتوجد في هذه المجموعة وثائق أخرى تتعلق باللغة والأدب والعِرقيات، والتي توجد فيها أيضاً مخطوطات تتعلق بالسحر وبالدين والقصص والأساطير. وعلاوةً على هذه المخطوطات يوجد فيها ملحق خاص بالمغرب يحتوي على وثائق دينية وعرقية.
- مجموعة فيكارت
وهي محفوظة في المعهد المذكور منذ عام ١٩٤٣ وتتألف من دراسات في اللغة الفولانية المستعملة في مآسينا.
- مجموعة غادن
تشمل وثائق تخص كلاً من النيجر وساحل العاج وماسنا وفوتا جالُون وفوتا تُورُو. وتضم وثائق في التاريخ، واللغة، فضلاً عن كراسات في الأدب والأنتولوجيا، والمسائل الدينية وفي السحر.
- مجموعة برِيفِيه
فيها نفس المسائل الموجودة في المجموعات الأخرى غير أنها تتميز بوجود ١٥٩ قصيدة باللغة الفولانية ضمن الوثائق الدينية.
- مجموعة شيخ موسى كامار
وهي من أكثر المجموعات شهرة وقيمة إذا اعتُبرت الموضوعات التي تناولتها في التاريخ والعلاقات بين الأديان ومسائل فقهية واجتماعية أخرى. نذكر منها:
- زهور البساتين في تاريخ السود
- أشهى العلوم وأطيب الخبر في سيرة الحاج عمر
- أكثر الراغبين في الجهاد بعد النبيين
- شرح الصدر في الكلام على السحر
- مجموعة فيسانتمونتيل
وهي أيضا من أهم المجموعات لما تتضمنها من وثائق في تاريخ الملوك وفي الطرق الصوفية، وبالأخص الطريقة المريدية والإلهية. ونذكر بعضا من المخطوطات المهمة:
- سيرة الملك ألبوريانجاي باللغة العربية.
- ديوان طريقة الإلهية
- قائمة مخطوطات العربية المريتانية.
- وتجدر الإشارة الى وجود تخميس بردة الإمام البوصيري بلغة الماندينكا.
قائمة المجموعات بعد الاستقلال وقيمتها
- مجموعة الباحث عامر صمب وهو أول مدير سنغالي للمعهد الأساسي الأفريقي شيخ أنت جوب.
هذه المجموعة تضم وثائق متعددة ومتنوعة تتوزع على علوم الإسلام، وعلوم اللسان من لغة ونحو وصرف وعروض، وعلوم الانسان والتاريخ والجغرافيا، وحتى علوم الفلك والحساب. ومن مميزات هذه المجموعة المنجزة خلال المدة من ١٩٦٦ و ١٩٧٤، أنها لا تحتوي إلا على وثائق لمؤلفين سنغاليين. منها ما يخص القرءان:مثل تفسير القرءان بلغة وولوف المحلية. ومنها ما يتعلق بالتوحيد:مثل مواهب القدوس للشيخ أحمد بمبا، شرح الباجوري للشيخ أحمد دِم. وفيها مؤلفات مهمة في الفقه المالكي: مثل كفاية الراغبين للشيخ الحاج مالكسي، وكفاية السائل لأحمد باه.
أما التصوف فهو الحاصل على نصيب الأسد منها:
- إفحام المنكر الجاني للشيخ الحاج مالك سي
- روض شمائل أهل الحقيقة في معرفة أكابر الطريقة للشيخ أحمد ابن محمد الشنقيطي،
- تنبيه الناس على شقاوة ناقضي بيعة أبي العباس للشيخ الحاج عبد الله انياس،
- أسئلة الشيخ أحمد دِيم وأجوبة الشيخ الحاج مالك سي عن الطريقة التجانية
- مسالك الجنان للشيخ أحمد بمبا،
وتحتوي أيضا هذه المجموعة على عدد كبير من المخطوطات المتعلقة بالنحو وعلم الفلك، والحساب والشعر، والأمداح النبوية وكذلك وثائق في التربية، والتاريخ والجغرافيا، وقصص الرحلات، الخ.
استمرت أنشطة جمع المخطوطات في السنغال والحصيلة مهمة جدا على اتساع الأقاليم. لكن هذه الحصيلة تتكون بأكثرها من الشعر والمدح.
- فهرست جديدة
في عام ١٩٩٤ قامت إدارة المعهد الأساسي بإنشاء فهرست جديدة مرتبة حسب الأقاليم العشرة تبلغ حصيلتها النهائية ٥١٩ مخطوطة تشمل جميع مجالات العلم والبحث. وتتضمن تلك المخطوطات معلومات هامة في تاريخ المناطق وفي المسائل الخلافية التي كانت تهم الناس في هذه الفترة الزمنية. ونذكر على سبيل المثال تاريخ باماكو، أو تاريخ أحمد بكاي في فهرست زيغينشور. وكذلك توجد مخطوطة دليل الرحمة وهي كتاب يرفض بعض العادات المنسوبة إلى الإسلام مثل الهدايا إلى الشرفاء.
التراث الإفريقي المسلم في القرن الواحد والعشرين: التحديات والآفاق
ثقافة جديدة وتركة قيمة
هذه المخطوطات تناولت تطور الشعوب الإفريقية في فترة احتكاكها بالدين الإسلامي وهي ليست مجرد كتب ومؤلفات بل كانت تعطي صورة لثقافة جديدة تعكس عقلية جديدة تشمل الجوانب المادية والفكرية والروحية وتعبر عن اختيارات سياسية ومعنوية في ظروف لا تزال عواملها تؤثر في حاضرنا وتهدد مستقبلنا. إنها تحمل موروث الأجداد الذي يعكس تخوفاتهم ورغبتهم في المحافظة على قيمهم ومُقاوماتِ مجتمعهم.
هذه هي تراثنا وعلينا واجب الوفاء له والاهتمام به والمحافظة عليها من الضياع، مع اعتمادنا إحدى الخيارين: الأول أن نكون من الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وفي هذه الحالة يتحتم علينا تحمل ما يترتب على ذلك من العواقب. والثاني وهو الخيار الأفضل أن نكون من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولم يبدلوا تبديلا حيث يقومون بتوظيف الموارد المادية والبشرية المتوفرة لديهم في مواجهة التحديات التي تهددهم.
تحديات ومسؤوليات
أستعير من سجل الأمثال الشعبية الموروثة من الأجداد هذه العبارة المليئة بالمعاني: ما لم يفن بذره ليس منعدما. فالمقصود بهذه العبارة في سياق موضوع بحثنا أن الغرب لا يزال يستهدف اللغة العربية ويسعى إلى القضاء على آثار الثقافة الإسلامية في المجتمعات الإفريقية، حيث بدأ بفرض استخدام الحروف اللاتينية محل الحروف العربية المستخدمة في كتابة اللغات المحلية العجمية، واتخذت سلسلة من القرارات الرسمية وغير الرسمية لغرض طمس الثقافة الإسلامية. وقد استمر في تنفيذ هذه البرامج من خلال دعم التربية العلمانية وتهميش التربية الدينية. ومن السذاجة الاعتقاد، مع التعاون الثقافي والاقتصادي القائم بينه وبين مستعمراته السابقة، أنه نسي هدفه الأساسي أو تنازل عن أغراضه.
ولا يكون من الإنصاف والعدالة في هذا الصدد توجيه أصابع الاتهام إلى الغرب وغض الطرف عن مسؤولية المثقفين ورجال السياسة والمشايخ في بلداننا. ذلك أنه على الرغم من الثروة الثقافية الكبيرة التي تتضمنها المخطوطات، لا توجد هناك دراسات وتحقيقات رفيع المستوى، كما أن عدد الأطروحات والرسائل الجامعية حول تلك المخطوطات قليل ولا يكاد يُذكر. وفي رأيي لا توجد ثمة سوى أطروحة الباحث خديم امباكي حول تاريخ الحج في السنغال، وأطروحة البروفيسور روحان امباي حول حياة الشيخ الحاج مالك سي وأطروحة ثالثة للدكتور تشيرْنُو كاهْ الحبيب حول مدرسة بِير سانٍياخُور. وندرة الرسائل والأطروحات حول هذا الموضوع إن دلت على شيء فإنما تدل على عدم وجود برامج تُعنى برفع المخطوطات إلى مستوى شعبي وتسمح بالتعريف بها لدى غالبية السكان سيما النخبة المثقفة. وفي هذا المعنى يقول أحد زعماء الدينيين من أتباع الطريقة الصوفية التجانية السنغالية، الحاج منصور نجل الشيخ الحاج مالك سي: الموجود المجهول يكون في حكم الشيء المعدوم أصلاً.
والواقع أن التحديات في هذا المجال لا تُحدق بنا من جهة الغرب فحسب وإنما تأتي أيضاً من تصرفاتنا المتمثلة بعدم الاكتراث بهذا التراث الثمين الذي يبقى متروكاً في الصناديق والخزانات التي لا تضمن حفظها بشكل سليم. فهناك العديد من المخطوطات الموجودة لدى المشايخ وزعماء الطرق الصوفية الذين بذلوا جهود جبارة ومشكورة للحفاظ على الكتب والمؤلفات والدواوين الشعرية وتعزيز وجود الثقافة الإسلامية في محيطهم، حيث ألفوا الكتب وشرحوا المتون وفكوا الألغاز لإفهام الناس قبل أن يرحلوا إلى جوار ربهم. لكن لا تزال كتبهم ومؤلفاتهم في الشكل الذي ودعوه فيه دون علم الناس والجهات المعنية بالعلم والثقافة.
نذكر هنا على سبيل المثال مدرسة انجاسان القادرية التي تتوفر على مخطوطات لم تُطبع بعدُ في الفقه المالكي وفي علم التصوف وتتمثل في الآتي:
- أوضح المسالك للسائرين سير الإمام مالك
- كاشف الغمامة والغمة لمن يستحق الإمامة في الأمة.
- كتاب المنة في اعتقاد أهل السنة
- جنة المُريد دون المَريد.
هذه الحالة ليست خاصة بالطريقة القادرية فقط ولكنها حالة كافة الطرق الصوفية التي لا يزال زعماؤها يؤلفون وينتجون، لكن مع الأسف الشديد، يكتفي أولادهم وأتباعهم وأحفادهم بالنظر إلى تلك المخطوطات نظرة التقديس والتبرك فقط تندثر شيئاً فشيئاً بفعل الطبيعة قبل أن تلتهمها الفئران والحشرات. وبهذا تذهب جهود الآباء والأجداد العلمية المساهمة في النهوض بالعلم والثقافة العربية الإسلامية، هباء منثورا مما تعني خسارة كبيرة للدول الأفريقية. جزى الله خيرا البروفيسور روحان امباي، رئيس فرع السنغال لمؤسسة محمد الخامس للعلماء الأفارقة، بجهوده المشكورة ومثابرته في سبيل جمع وتحقيق مخطوطات الشيخ الحاج مالك سي التجاني، رضي الله عنه، في الفقه والتصوف. كما تجدر الإشارة هنا الى أن المرحوم سيدي لمين نياس قد قام من جانبه بإثراء المكتبة السنغالية من خلال تحقيق وطبع ونشر مؤلفات والده الحاج محمد خليفة نياس رضي الله عنه. ونتصور أن المجهودات ستبذل في جميع البيوت الدينية من طوبى إلى كولاخ وغيرهما. لكن ذلك لا يعفينا من الاعتراف بأن الطريق لا زال طويلاً إن أردنا الوفاء للتراث.
وبناء على ما تقدم، نقترح على الفروع التابعة لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التحضير لعقد أيام ثقافية حول المخطوطات ودعوة المثقفين ورجال الإعلام إلى التعرف على هذا التراث الثمين واستغلالها وتوظيفها في سبيل المحافظة على القيم التي تتضمنها. ومن الأعمال التي من شأنها أن تساهم أيضاً في الاستفادة من المخطوطات وتعزيزها، تأسيس منح تخصص للطلبة والباحثين لغرض تشجعيهم على البحث في هذا المجال.
اليوم نلاحظ في مختلف أنحاء العالم، أن كل الشعوب قد عادت إلى التمسك بأصالتها ومقوماتها الثقافية قبل الانفتاح على العالم. ونلاحظ بأن المجتمعات المسلمة في إفريقيا أخذت بالاهتمام بتراثها المبني على القيم والمبادئ الإسلامية وتوظيفها في بيئتها. وهذا التصرف الايجابي الناجح قد ترك بصماته في جميع مجالات الحياة سواء منها الروحية أو الثقافية أو الاجتماعية. ذلك أن الشعوب الأفريقية أصبحت مقتنعة من أنه لا يمكن تحقيق التقدم المنشود بدون الأخذ بعين الاعتبار هذا التراث القيم المجهول والمودع في المخطوطات التي تقص علينا تاريخنا ومشاركة الأجداد في تسجيل معاني حياتهم. أما نحن فلا نزال نواكب سير التاريخ الحثيث، إما بالاستمرار في استعمال الموارد الروحية والمادية التي نمتلكها في علاقاتنا مع العالم، وإما بقطع أي صلة مع التراث مما يعني هلاكنا ونهايتنا.
وفي الختام أتقدم بأسمى معاني التوقير والتبجيل إلى أمير المؤمنين، صاحب الجلالة محمد السادس أيده الله ونصره وكلل كل مبادراته بالنجاح والبركة. ونؤكد تقديرنا وولاءنا واستعدادنا الكامل للعمل من أجل تعزيز وإنجاح مهمة المؤسسة التي تشكل معقلا للحفاظ على تراثنا وثوابتنا، ومنطلقا نحو آفاق مضيئة ومستقبل مزدهر..
كما أتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى قادة المؤسسة الشريفة سواء منهم المغاربة أو الأعضاء من مختلف البلدان الإفريقية وأخص بالذكر الإخوة الأفاضل أعضاءَ فرع السنغال وعلى رأسهم البروفسور روحان امباي أمده الله بالعمر المديد وبموفور الصحة والعافية. والشكر موصول كذلك إلى مساعديه، والوفد الممثل لوطننا العزيز السنغال.
هذا وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش
[1] Voir CORBIN (Henri): Les schismes dans l’Islam
[2] LEVTZION, (Nehemia.) & POUWELS, (Rogier.) (dir.), [2000], The History of Islam in Africa, Oxford, James Currey.
[3]راجع كيبي عبد العزيز: المسلمون والمسيحيون في السنغال، مودة اجتماعية وتأثيرهم في مجال التربية. الأمين للنشر Al-Amine Éditions بالتعاون مع لارْمَـــتَّـانْ السنغال،.
Musulmans et Chrétiens au Sénégal. Cordialité sociale et influence sur l’éducation, coédition Al-Amine Éditions et L’Harmattan Sénégal, 2021