طلبة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات بين الالتزام بالحجر الصحي والأمل في فرج قريب
حركة يومية دؤوبة لما يقارب ألف طالب وطالبة من جنسيات متعددة، كانت تملأ إلى عهد قريب جنبات المثلث المكون من معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، ومسجد الأخوة الإسلامية ومقر سكنى الطلبة التابعين لهذه المعلمة الدينية، لكن هذه الحركة توقفت فور الإعلان عن الحجر الصحي بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد ، وابتلعت الغرف أبناءها من الطلبة لتتحول في لحظة من مسكن فقط، إلى قاعة للدرس ومحراب للصلاة.
بعد نداء ادخلوا مساكنكم .. اختفت مواكب الطلبة الأفارقة ذوي الجلابيب والعمائم البيض الذين كانوا يتنقلون بين قاعات الدرس بالمعهد والمسجد التابع له ومقر سكناهم الداخلي، مذكرة ناظرها بمشاهد فيلم الرسالة للمخرج السوري-الأمريكي العالمي الراحل مصطفى العقاد. واختفت معها أيضا صور التنوع الثقافي على مستوى الجنس واللغة واللباس بألوانه الزاهية التي كانت تزين باحات المعهد والمسجد وما بينهما.
توقف كل شيء.. وصمدت المئذنة ، وخرس الجميع إلا صوت المؤذن، بلكنته الخاصة التي تمتح من جذوره الإفريقية أو الأوروبية أو غيرها من البلدان الأصلية لرافعي الآذان. ليخيم بعد ذلك صمت رهيب غير معتاد ، على غرار باقي الفضاءات في العاصمة ، التي كانت تعج بالحركة والنشاط البشري اليومي.
ربضت الحافلة التي كانت تقل الموظفين والعاملين إلى المعهد في مكانها دون حراك ، ولم يعد يرى أثر لحركة دخول وخروج من وإلى مرافق المعهد، ليتساءل المرء عن كيفية تدبير المعهد لشؤون الطلبة بدون موظفين وعمال المطعم والنظافة.. .
سؤال أجاب عنه مدير معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، السيد عبد السلام الأزعر ، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء ، بالقول : “أسكنا بالمعهد العدد الكافي من عمال المطعم والنظافة والحراسة، بالإضافة إلى بعض الإداريين، ومنعناهم من الخروج من المعهد، كما منعت الزيارات “، وذلك منذ الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني للحد من تفشي وباء فيروس كورونا المستجد.
كما اجتمعت إدارة المعهد بممثلي الطلبة عن كل دولة وبحضور الطبيبة المقيمة بالمعهد، يضيف المدير، وشرحت لهم مخاطر الوباء وكيفية الاحتراز منه ، وطلب منهم تبليغ هذه التعليمات والشروحات لزملائهم، فضلا عن توزيع مطويات تحسيسية وتعليق إعلانات توضيحية بأبواب المعهد.
وحول باقي التدابير والإجراءات الاحترازية المتخذة بهذه المؤسسة لمنع تفشي الوباء في صفوف الطلبة ، أوضح السيد الأزعر، أن إدارة المعهد على اتصال مباشر ويومي بالوزارة الوصية التي تتابع الوضع عن كثب، حيث تم تسريح جميع الطلبة والطالبات المغاربة يوم 14 مارس المنصرم ليلتحقوا بأسرهم، وتوصل الجميع بما في ذلك الأجانب المقيمين بالمعهد بنسخ من كراسات المواد المقررة، مشيرا إلى أنه يتم في هذه الظروف الصحية الاستثنائية الراهنة الاكتفاء بالشق النظري في التكوين دون التطبيقات .
تجدر الإشارة إلى أن المسجد التابع للمعهد يشكل بالنسبة لطلابه مجالا للتطبيقات والتدريب العملي على الآذان والإقامة والإمامة، وخطبة الجمعة، ودروس الوعظ والإرشاد، وقراءة الحزب الراتب وغير ذلك ، وفقا لمعايير تحترم ضوابط المذهب المالكي، ولا تخرج عن رواية ورش من طريق الأزرق المعتمدة بالمملكة.
وبخصوص كيفية إجراء امتحانات الطلبة في ظل الحجر الصحي ، أوضح السيد الأزعر ، أن المعهد يعتمد امتحانين فصليين، الأول في شهر يونيو والثاني في شهر دجنبر، وأنه عادة تتكون لجنة خاصة بالامتحانات لتحديد الكيفية.
وحول إمكانية قيام المعهد ما بعد كورونا ببلورة استراتيجية جديدة تقوم على التكوين عن بُعد لتوسيع قاعدة المستفيدين بكلفة أقل، قال المسؤول إن “المعهد يكون طلبة وطالبات على مستوى محدد من المعرفة العلمية الإسلاميه والإنسانية ليصبحوا أئمة ومرشدين ومرشدات؛ بمعنى أنه شبيه بتكوين مهني، ولذلك فالحضور ضروري وخاصة في الجانب التطبيقي”.
وبالنسبة لكيفية تدبير المطعمة، أوضح السيد الأزعر ، أنه تم تقسيم الطلبة إلى أفواج لا يتعدى عددهم خمسين شخصا في كل مطعم، يأكلون منفردين ومتباعدين، وكذلك الشأن بالنسبة للإداريين والعمال القاطنين بالمعهد .
وأوضح في هذا السياق، أنه يجري تعقيم سيارات الممونين التي تزود المطعم بالحاجيات من السلع الغذائية، خارج باب المعهد فور وصولها، وقبل إنزال أي سلعة، ليتسلمها العمال بعد ذلك معقمة ، ويدخلونها للمطعم، مشيرا إلى أن عملية التعقيم تشمل أيضا وبشكل يومي جميع مرافق المعهد بما في ذلك الغرف، فضلا عن التدابير الصحية الأخرى حيث “تقاس درجة حرارة كل العمال يوميا وكذلك الطلبة الذين يشعرون ربما بحرارة أو بعياء”.
ولتسليط الضوء على يوميات طلبة المعهد في ظل الحجر الصحى ، أجرت وكالة المغرب العربي للأنباء حديثا مع بعضهم حيث أكدت طالبتان من غينيا السيدة آمنة يوسف توري (أم لأربعة أبناء)، والسيدة إمباليا سيلا، أنهما تعيشان بالمعهد في ظروف جيدة، وتقضيان يومهما في متابعة الدروس عن بعد، وقراءة القرآن وحفظه، والصلاة والدعاء “بأن يرفع الله هذا الوباء ويحفظ المغرب وملكه ، وبلادنا وسائر بلاد المسلمين”.
وحول قلقهما على أسرهما ، قالت الطالبتان اللتان تشتغلان مدرستين لمادة التربية الإسلامية في بلديهما “نحن ندرء هذا الشعور بالدعاء والصبر” ونوصي أهلنا في بلدنا بالالتزام بالحجر الصحي والقواعد والاحترازات الوقائية كما فعلنا نحن، من أجل حماية أنفسهم من الإصابة بالفيروس الوبائي.
أما بخصوص كيفية حصول الطلبة على احتياجاتهم الخاصة من السوق، أوضحتا أن ذلك يتم عبر وضع لائحة خاصة بذلك تتولى إدارة المعهد اقتناءها.
وبدوره قال الطالب أحمد حمد سلمان من النيجر، وهو أب لأربعة أبناء ، في حديث مماثل، حول يومياته في ظل الحجر الصحي بالمعهد إن “الطلبة والأئمة تعقد عليهم آمال جمة، وعلى عاتقهم مسؤولية وأمانة، وبالتالي فأنا أقضي وقتي في تلاوة القرآن وتحصين المحفوظ منه، وكذا بقية المتون العلمية مثل بن عاشر وغيرها”.
وتابع “نحن في المعهد سالمون وآمنون ولله الحمد، وملتزمون بالحجر الصحي وبالاحترازات الوقائية الضرورية لمنع تفشي فيروس كورونا؛ من نظافة واحترام لمسافة الأمان وعدم الاجتماع حيث أصبح عدد الأشخاص في الغرفة الواحدة لا يتجاوز شخصين” .
وعن وضعه النفسي بسبب الظروف الصحية الاستثنائية وغربته وبعده عن أسرته وعائلته في ظل الجائحة، أجاب السيد حمد سلمان مبتسما “نحن المسلمون نؤمن بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا “، ثم أردف قائلا : ” لا أشعر بأنني في أرض الغربة بالمغرب، لأن كرامة هذا البلد ، لا تترك مجالا للوحشة والغربة بحمد الله “، مشيرا إلى أن أهله في النيجر اتصلوا به للاطمئنان عليه عند ظهور الوباء بالمملكة ، “فلما أطلعتهم على وضعي المريح زال قلقهم”.
كما عبر، من جهة أخرى ، عن حنينه للمسجد على غرار زميلتيه ، واشتياقه للعودة إلى أحضانه وملء جنباته بتلاوة القرآن والصلاة “خصوصا ونحن على أبواب شهر رمضان” ثم استدرك قائلا “لكن في ظل هذا الوباء الذي اجتاح العالم ، فإن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة كما يقول علماؤنا ، ونسأل الله أن يرفع عنا هذا البلاء في أقرب الآجال” .
الرباط (و.م.ع) – حسنى أفاينو