ثقافة التصوف في المغرب
تشكل ثقافة التصوف في المغرب محورا عريقا وجليا في خياراته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد بلور المغرب هذه الخيارات باتساق مع مرجعيته الدينية والأخلاقية، ليكون أرضا للعيش الآمن والاستسقاء الروحي.
إن التصوف كسبيل أخلاقي لإدراك الكينونة الذاتية والجماعية في الإسلام مدعو أكثر من أي وقت مضى، في عالم يتطلع إلى حياة روحانية مشرقة ونشيطة، إلى إذكاء زخم جديد في ثقافة السلام والمحبة والحكامة الرشيدة.
ومافتئ الصوفي يعمل كي تتبوأ الأخلاق صدارة انشغالات الإنسانية، وكي تكون تطورات العالم الحديث في تناغم مع القيم الكونية للعدالة والمساواة والاحترام والعيش المشترك.
إن تمثل المتصوف الذي يدعو إلى الانزواء عن الحياة الدنيوية الفانية لينبري للب الأشياء، يمثل تعبيرا عن الانفصال عن كلّ ما يكبل الإنسان ويجعله ظالما وطائفيا وغير آبه بالحياة في بعدها الأخلاقي كما نفخت في خلق الله. هذه المقاربة تشكل مصدر الهداية لأنها تسمو بالروح وتهذب النفس وتشحذ روح المسؤولية والالتزام لمصلحة الإنسانية، كما تحث على تطوير الإحساس واستكشاف الرموز المتجلية في الكون.
الحكامة الرشيدة، واحترام التنوع الإنساني، وحماية فضاءات حياتنا من التهالك، هي جملة من القضايا التي تجد لها صدى عميقا في الرسالة الأخلاقية للصوفية.
إن الارتباط بالمفهوم المركزي للمحاسبة الدائمة والمراقبة لتحقيق الواجب إزاء الله وخلقه، هو مصدر للعمل والالتزام الأخلاقي. ومن تم تنتفي عن المتصوف صفة الخمول والتقوقع على الذات ليتبتل بالأحرى فاعلا ينخرط في درب الإحسان والسمو والارتقاء، ويكابد في خضم معركته من أجل الصراط المستقيم كلّ تداعيات العيش في المجتمع.
إنّ لحظات الابتهال والخلوة الروحية هي لحظات إيمانية تساعد المقاربة السليمة للتغييرات الدارجة في الحياة اليومية والتي تستوجب الجهد والصبر.
لقد واكب التصوف المغربي بزوغ الدولة المغربية إذ يمثل أحد دعائم المجتمع. وهذا ما حدا به على مدى تاريخه الممتد على أكثر من ألف سنة، أن يتحرى منظورا يشدّد على الاعتدال الواقعي مع السعي الحثيث نحو الكمال والتكيّف مع المستجدات.
إن المغرب يمثل بالنسبة لكبار المتصوفين ذلك المعين الفوار الذي يروي العطشان ويغتبط له التقي وتنبلج معه مزايا الوحدانية.