الإجماع عند الإمام مالك
لعل مالكا رضي الله عنه أكثر الأئمة الأربعة ذكرا للإجماع واحتجاجا به، والموطأ خير شاهد على ذلك. إن مدلول كلمة الإجماع عند الإمام مالك قد حدده في قوله: “وما كان فيه الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه أهل الفقه والعلم ولم يختلفوا فيه(1).
“هذا هو اتفاق أهل الحل والعقد من هذه الأمة في أمر من الأمور ونعني بالإتفاق الإشتراك إما في القول أو في الفعل أو في الإعتقاد. وبأهل الحل والعقد المجتهدين في الأحكام الشرعية”(2).
هذا هو الإجماع عند الإمام مالك رضي الله عنه والذي يحتج به، ونرى الإحتجاج به كثيرا في كتاب “الموطأ” في المسائل التي لا يعتمد فيها على النص، أو يحتاج النص عنده إلى التفسير، أو تكون الآية دلالتها من قبيل الظاهر الذي يقبل الإحتمال و التخصيص. قال ابن القصار: “مذهب مالك رحمه الله وغيره من الفقهاء: أن إجماع الأعصار حجة” (3).
والإجماع عند المالكية غير خاص بالصحابة والتابعين، وإجماع التابعين على أحد أقوال الصحابة يعتبر إجماعا..
بين فكرة الإجماع وإجماع أهل المدينة
بتتبعنا للمصطلحات التي وظفها مالك في موطئه ندرك أنه يجعل نوعا من التفرقة بين الإجماع وإجماع أهل المدينة، يدل على ذلك قوله: “وما كان فيه “الأمر المجتمع عليه” فهو ما اجتمع عليه من قول أهل الفقه والعلم ولم يختلفوا فيه”، وما قلت في “الأمر عندنا” فهو ما عمل الناس به عندنا وجرت به الأحكام وعرفه الجاهل والعالم”(4) .
ولذلك نجد “القرافي” يعد أصول مذهب مالك فيعد الإجماع حجة وحده ويعد ما عليه عمل أهل المدينة حجة أخرى فيقول: “الأدلة هي الكتاب والسنة وإجماع الأمة وإجماع أهل المدينة.”(5)
الهوامش
(1) – الموطأـ مالك بن أنس، ج2 – ص: 34.
(2) – شرح تنقيح الفصول، لشهاب الدين القرافي، ص: 322، تحقيق طه عبد الرؤوف سعيد، دار الفكر، الطبعة الولى: 1393هـ/1973م.
(3) – المقدمة في أصول الفقه، لأبي الحسين بن القصار، ص: 161. قرأها وعلق عليها محمد بن الحسين السليماني. دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 1996م.
(4) – ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض، 2/74. طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.
(5) – شرح تنقيح الفصول لشهاب الدين القرافي، ص: 445.