دور علماء السنغال في نشر العقيدة الأشعرية
عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالسنغال
دور علماء سنغال في نشر العقيدة الأشعرية الشيخ إبراهيم جوب عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالسنغال
اختلف الباحثون في تاريخ دخول الإسلام إلى سنغال بروايات كثيرة، فمنهم من ذهب إلى أنه دخل إليه في القرن الهجري الأول دون ذكر تاريخ معين، ومنهم من ذهب إلى أنه دخل إليه خلال القرن الهجري الخامس، وهو خلاف يمتد لأكثر من أربعة قرون، ولعل السبب في ذلك هو قلة المصادر التي تهتم بذلك.
أما بالنسبة لتاريخ انتشاره فيه، فيمكن تحديده في زمن معروف، لأنه حسب ما كُتب بالعربية حول هذه القضية، فإن بداية دخول الإسلام إلى سنغال ترجع إلى أيام بلوغ جنود المجاهد عقبة بن نافع[1] شاطئ نهر سنغال. فكان العرب تحت قيادته قد أخذوا بسط نفوذهم، ولكن قُتِلَ عقبة في الصحراء سنة 683م. ثُمَّ واصل العرب مع البرابر فتحهم شمالي الصحراء، فمروا بسجلماسة، واتجهوا نحو إفريقيا السوداء بوادي سنغال، ونحو أودغست مملكة البرابر الواقعة في شمالي الشرق لنهر السنغال.[2]
وقيل إنه دخل إلى سنغال منذ فتح مصر عام 640م بقيادة الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه، وشرع الجيوش الإسلامية بعده في محاولة فتح إفريقيا تحت قيادات عسكرية بارزة، أمثال عقبة الذي بنى مدينة إسلامية من الأساس وهي القيروان. وقد استطاع جنود عقبة بفضل هذه السياسة أن يعبُروا الصحراء، وأن ينشروا الإسلام بين القبائل الضاربة فيها، وأصبحت القوافل أكثر استعدادا لارتياد الطريق إلى غرب إفريقيا. وقد تمخضت عن هذه الجهود نتائج طيبة، إذ أدت إلى دخول الإسلام إلى غرب إفريقيا عن طرق أخرى غير التي كانت مألوفة من قبل[3]. وهاتان الروايتان تتفقان على أن الإسلام دخل إلى سنغال في القرن الأول الهجري، لكن الناقص فيهما هو تاريخ دخوله، وعلى حدهما فإن سنغال تعاهد الإسلام قبل نهاية قرنه الأول، وليس فيه ضرر تاريخي ما دام لم يتجاوز هذا القرن، إذ المقصود تحقيق زمن دخوله فيه. ونحن نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول: إن وسائل انتشاره كثيرة، ولكل منها دور مهم ومجهود جبار، ونذكر منها: حركة المرابطين، والتجار، وحركة الجهاد والدعاة، والطرق الصوفية.
حركة المرابطين ودورها في نشر الإسلام في السنغال
ظهرت هذه الحركة في مستهل القرن 11م، الموافق للقرن 5هـ. وفي سنة 1040م ذهب زعيم البربر يحيى بن عمر[4] إلى مكة، ثم عاد ومعه رجل من رجال الدين هو عبد الله بن ياسين[5] الذي عاش بين البرابر حينا، ثم انحدر مع بعض أنصاره إلى أرض سنغال حيث نشر الإسلام، وكوّن جماعات المرابطين، وبدأ المرابطون يكوّنون قوة، وخرجوا من سنغال مجاهدين في سبيل الدين. وقبل ذلك بقليل، كان ابن ياسين قد نصب نفسه زعيما لكل قبائل الصحراء في غرب إفريقيا، ويتولى يحيى بن إبراهيم[6] قيادة المرابطين، ويبدأ بهم حربا، ولكنه قُتل في المعركة، فخلفه أبوبكر[7] الذي استمر في القتال مدة. ثم وقع خلاف بين قبائل المرابطين، فترك أبوبكر قيادة الجيش ليوسف بن تاشفين (تـ 500هـ). ولما غزى أبوبكر أرض غانة، انضمت إليه قبائل الفلاّن.ذ
وفي ذلك يقول ابن خلدون (تـ 808هـ)[8]: «إن هذا حدث سنة 1076م الموافقة لسنة 469هـ» على حين يقول ديلافوس في كتابه «السنغال العلوي والنيجر»: إن هذا حدث سنة اثنتين ومائتين وألف ميلادية الموافق لسنة خمسمائة وتسع وتسعين هجرية»، وهو خلاف يمتد لأكثر من قرن وربع، ومات أبوبكر سنة 1087م على أساس تاريخ ابن خلدون. وبعد وفاته قامت القبائل الفلّانية التي كانت معه بمتابعة نشر الدعوة جيلا بعد جيل[9]… حتى وصلت إلى ملك أهل التكرور وَارْجَابِي، فأسلم وأسهم في نشر الإسلام بين أهله، حيث أسلم على يديه عدد كبير من الفلّانيين والسودانيين الذين كانوا في الزمن القديم مجوسيين كسائر أهل بلاد السودان، ويعبدون الدكاكير.[10] وسار الأمر هكذا إلى وَارْجَابِي الذي صار ملكهم، فأسلم وأدخل الشريعة فيهم، وجعلهم قائمين بها بعد أن فتح أعينهم على الحق. ثم توفى وارجابي سنة 432هـ (الموافقة لسنة 1040م) وأهل التكرور على دين الإسلام.
فخلاصة ما سبق أن الإسلام بدأ ينتشر في سنغال على أيدي المرابطين بقيادة الزعيم عبد الله بن ياسن، ثم لما أسلم الملك وارجابي بن ربيس أدخل الشريعة في أهل التكرور، إلا أن هذا التعبير الأخير فيه نظر، إذ إن الإسلام دخل في سنغال منذ القرن الأول الهجري عند التحقيق، ثم إن إسلام هذا الملك كما سبق كان في القرن 5هـ. والسؤال المطروح هنا: كيف يتوغل الإسلام في سنغال في مدة تمتد لأكثر من أربعة قرون ولم يصل إلى أهل التكرور الذين يسكنون تلك المنطقة؟ مع العلم بأن الإسلام منذ ظهر في جزيرة العرب ازداد قوة وانتشارا، وما دخل في قارة إلا واشتهر فيها وآمن به الجميع تقريبا. والذي بدا لي -والله أعلم -أن الملك وارجابي جعل الإسلام دينا رسميا في منطقة أهل التكرور، وألزمهم بالتديّن به، وهذا ما زاده قوة وانتشارا في تلك المنطقة. كما يؤيد هذا الرأي كلام البكري نفسه – كما أورده د. عامر صامب حيث قال: «إن أول حاكم مسلم عمل على نشر الإسلام فيما حول فوت وانديابي – أو وارجابي -المتوفى سنة1041م، فصار الإسلام يتغلغل في غربي بلاد السودان تغلغلا حقيقيا رسميا، فدخل فيه أهل سَرَخُلِّي وتُكُلُورْ وجُلَا وسَنْغَايْ، هذا بسيف المرابطين وأتباعهم المورتانيين، فزادت فُوتَ تُورُو إيمانا بدين الإسلام.[11] فللمرابطين قصب السبق في نشر الإسلام في غرب إفريقيا لا سيما سنغال، غير أن هذا ليس إلا مجرد تمهيد، فهناك وسائل أخرى لا يستغنى عنها ومنها:
حركة التجار ودورها في نشر الإسلام في سنغال
يمكن القول إن الإسلام انتقل وانتشر عبر الصحراء مقتفيا طرق تجارة القوافل التي وجدت قبل دخول الإسلام في المنطقة… [12] نعم من وسائل انتشار الإسلام في غرب إفريقيا طريق التواصل الذي كان يتم بين شمال الصحراء وجنوبها. فقد كانت هناك حركة تبادل تجاري بين المغرب العربي وغرب إفريقيا، وحمل التجار معهم الإسلام إلى غرب إفريقيا، وتميز هؤلاء التجار بالعديد من السمات التي أثارت وأشاعت الفضول والتساؤل عن الإسلام، وبعض هذه السمات تتعلق بمظهر التجار الخارجي، حيث الملابس الفضفاضة وغطاء الرأس المميز، إلى جانب تطهرهم ووضوئهم على مدار اليوم، وبعض السمات تتعلق بأخلاقيات التجار وتصرفاتهم كالأمانة في البيع والشراء، والتيسيرات في البيع، بالإضافة إلى محافظتهم على أداء العبادات من صلاة وصوم ومناجاة.[13]
إذ إنهم كانوا يترددون على الأسواق الرئيسة في غرب إفريقيا، ويحملون معهم تلك السمات والثقافة الإسلامية، وحينذاك كانت الوثنية هي عقيدتهم[14]، فأبدلوها بالعقيدة الإسلامية التي أثرت فيهم بعد تبادل تجاري.
وفي المجمل فقد انتشر الإسلام بشكل عام في القارة بالدعوة الإصلاحية وبالتربية الروحية، والطرق الصوفية على وجه الخصوص، فقد كان لهذه الطرق دور مهم في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، وإن كان من الملاحظ أن نشاطها في نشر الدعوة قد بدا متأخرا ولم يتبلور إلا في القرن التاسع عشر. ومن أهم تلك الطرق: القادرية، والتجانية، والمريدية. وكان منهج كل منها يقوم تعليم الشريعة، والتربية الروحية والسلوكية.
أما الكتب المقررة في تعليمهم للشريعة بعد حفظ القرآن أو بتعهد قراءته، فهي: مختصر الأخضري، والعشماوي، ومتن ابن عاشر، والمقدمة العزية، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، ومختصر خليل، وتحفة الحكام، ثم أمهات هذه الكتب، كالموطأ للإمام مالك، والمدونة الكبرى رواية منه، وسيأتي بالتفصيل إن شاء الله.
نبذة عن دخول الأشعرية إلى سنغال
ثبت في التاريخ أن المغاربة الذين وصلوا إلى الصحراء، ثم إلى نهر سنغال، هم أول من أدخلوا العقيدة الأشعرية إلى بلادنا، لكونهم مالكيين مذهبا وأشعريين عقيدة. وعبد الله بن ياسين (تـ 451هـ) الذي يعد من أوائل من أدخلوا الإسلام إلى المنطقة كان مالكيا أشعريا، فكان يدرّس ويمارس الدعوة طبقا لهذين المذهبين. كما كان الملك السنغالي «وارجابي» قد أسلم على أيدي المرابطين، وتحالف معهم، وقدّم لهم ابنه «لبيب» (تـ 470هـ، الموافق 1077م)، يحارب معهم لنشر الإسلام. وقد لعب علماء القرويين دورا بارزا في هذه الدعوة الإسلامية، وقد قال في ذلك الدكتور أحمد شلبي (تـ 2000م): «لم تكتف جامعة القرويين بالاتجاه للشمال، بل اتجهت للجنوب ترسل وفود العلماء، وتستقبل جماعات الطلاب، حتى أصبح لجامعة القرويين مكانة عظمى في نشر الإسلام خلف الصحراء، وعندما أنشئت مراكز علمية إسلامية جنوب الصحراء، كانت جامعة القرويين تُمدّها بالمعلمين والأساتذة والكتب…[15] أضف إلى ذلك أن جُلَّ علماء سنغال كالقاضي عمر فال(تـ 1048هـ، الموافق 1638م)، والشيخ مختار اندومبي جوب (1197هـ، الموافق 1783م)، والشيخ سليمان بال(تـ 1183ه، الموافق 1769م)، والأمير عبد القادر كَنْ (تـ 1230هـ، الموافق 1815م)، والشيخ ماجور سيسي (تـ 1325ه، الموافق 1907م)، والشيخ موسى كمارا (تـ 1364ه، الموافق 1945م)، قد ذهبوا إلى المغاربة لطلب العلم، فدرسوا على أيدي علماء صحراويين في سين لوي. ثم إن بعض علماء القرنين التاسع عشر والعشرين مثل الشيخ مابا جاخو باه (تـ 1284هـ، الموافق 1867م)، والقاضي مجخت كَلَ (تـ 1320هـ، الموافق 1902م)، والشيخ العلامة الحاج مالك ضي (تـ 1341هـ، الموافق 1922م)، والشيخ أحمد المختار الكبير امباي (تـ 1365هـ، الموافق 1946م) وأمثالهم قد تعلموا من الصحراويين، كما تعلموا من علماء سنغاليين قبل أن يتصدروا للتعليم. وكان للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية مكانة كبيرة في مجالسهم العلمية. فمن خلال ما سبق يتبين لنا أن دخول المذهب الأشعري إلى سنغال هو في حد ذاته دخول الإسلام فيه، وكان نتيجة الجهود التي قام بها المغاربة الصحراويون.
مؤلفات علماء سنغال في الأشعرية
لم يكتف علماء سنغال بتعلم العقيدة الأشعرية من إخوتهم المغاربة فقط، بل وضعوا بين أيدي الطلاب مؤلفات ذات قيمة عالية في المستوى، وهي عبارة عن شروحات ومختصرات وأنظام اعتمدوا فيها بالدرجة الأولى على مؤلفات أعلام العقيدة الأشعرية الأوائل مثل «الإبانة عن أصول الديانة» لمؤسس المذهب الإمام أبي الحسن الأشعري(تـ 324هـ)، وكتاب «التقريب والإرشاد» لأبي بكر الباقلاني(تـ 403ه)، و»العقيدة الصغرى» للسنوسي(تـ 895هـ)، و»المرشد المعين» لابن عاشر المغربي(تـ 1040 هـ)، و»جوهرة التوحيد» لإبراهيم اللقاني(تـ 1041هـ)، و»إضاءة الدُّجُنَّة في اعتقاد أهل السنة» لأحمد المقري (تـ 1041هـ) وغيرها.
ففي القرن السابع عشر الميلادي قام القاضي عمر فَالْ بشرح كتاب «الإبانة» كتابةً، وكان قصده الأول أن يكون تأليفه مقدِّمةً في العقيدة يعتمد عليها السنغاليون وقتئذ، لدراسة العقيدة الأشعرية، ولذلك لم يكتف بالتأليف، وإنما كان يشرحه في حلقات لفائدة طلبته باللغات المحلية كالبولارية أثناء إقامته بمدينة «فوتا»، أو بالولوفية بعد انتقاله إلى إقليم كجور. وكان يراعي في شرحه المنهجية والتسلسل المنطقي في إثبات الصفات وما يضادها لتسهيله على الطلبة. فكثير من السنغاليين وقتئذ قد دخلوا التوحيد من باب شرح هذا العالم.
وفي القرن الثامن عشر تفضل الشيخ مختار اندومب جوب (تـ 1783م) بنص عقدي مُهِمٍّ، تطرق فيه إلى صفات الله الواجبة والجائزة والمستحيلة، والكتب السماوية، والرسل، والملائكة، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، والصحابة ومناقبهم، وغيرها من المسائل العقدية المهمة، وما يتعلق بالمتصوفين ومناقبهم.
وفي نفس الفترة ظهر العلامة سليمان راسين بال (تـ 1769م)، وأتحف السنغاليين بنص مهم في الإمامة وبنودها، حدَّد فيه شروط الإمامة ومواصفاتها، وهو أول من قام بمشروع إقامة خلافة إسلامية في سنغال يسمى أميرها بالإمام، ولذلك اشتهرت دولته بالإمامية[16].
ومما يجلي أهمية النص العقدي الذي وضعه سليمان بال، وتمسكه بالعقيدة الأشعرية، ما أتى به عند تحديد شروط تولي الإمامة قائلا:
ولتكن هذه الشروط التي سأذكرها سببا لتولي الإمامة في الدولة
أولها: أن يكون الأمير ذا عقيدة صحيحة، عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي الأشعرية.
ثانيها: أن يكون حافظا للقرآن الكريم حفظا جيدا.
ثالثها: أن يكون ذا باع طويل في علوم التوحيد والحديث والفقه، أي الشريعة.
رابعها: أن يكون مُتْقِنًا لكتاب «الإبانة عن أصول الديانة» للإمام الأشعري.
خامسها: أن يكون فاهما لرسالة ابن أبي زيد القيرواني، وجواهر الإكليل شرح مختصر خليل، وتحفة الحكام لابن عاصم الأندلسي المالكي[17]. إلى غيرها من الشروط.
وبعد ذلك بمدة قصيرة، جاء دور الأمير عبد القادر كَنْ (تـ 1815م)، فكتب وألقى خطبة في العقيدة لرعايا إمارته، لتحديد معالم العقيدة الأشعرية، واتخاذها العقيدة الرسمية لدولته، ووضع لها بنودا أهمها:
- أن تكون العقيدة الأشعرية مذهبها.
- وأن يكون رعاياها عارفين ودارسين لها ومتبنين إياها.
وكان يقدم العقيدة على الدولة من حيث الأهمية فيما يخص الدين والدنيا.
وفي القرن التاسع عشر أَبَى المجاهد القطب الشيخ عمر الفوتي (تـ 1865م) إلا أن يسلك نهج السلف في نشر الأشعرية، فألّف كتبا يبرز فيها أشعريته وتصوفه، ويدعو الناس إليها، ولا يخفي كونه تجاني المشرب، مالكي المذهب، فكان يجمع بين العقيدة والفقه والتصوف في كتبه، ويغوص في أعماقها أحيانا بحيث لا يقوى على متابعتها إلا أولو الألباب. فمن مؤلفاته العقدية، منظومة رجزية قرر فيها أشعريته وتصوفه، وهذا مطلعها:
الحـمـد لله الـذي توحـدا *** فـي مـلكه كَفَرَ من قـد جحدا
الحمـد لله الـعـظـيـم الأمـر*** يقـول: لا مـعبود غير الـقـادر
فإن هذه الأرجوزة قد أسهمت كثيرا في انتشار المذهب الأشعري في إفريقيا الغربية عموما، والسنغال خصوصا، لأن السنغاليين وغيرهم قد تنافسوا في حفظها ودراستها، إلى جانب مؤلفات أخرى له في التوحيد مثل كتاب «سيوف السعيد» وكتاب «سفينة السعادة.»
وقد سلك نفسَ الطريق البطلُ المغوار، المجاهدُ العلامة القاضي مَابَا جَاخُو بَاهْ (تـ 1867م)، فقام بشرح منظومة «إضاءة الُّدجُنة في عقائد أهل السنة» لأهميتها في العقيدة الأشعرية.
فقد شرحها في حلقات خاصة بطلبته، وكان يحضرها أيضا عامة الناس للاستفادة، فدروسه أسهمت كثيرا في نشر العقيدة في سِينْ سَالُومْ خصوصا.
وقدم الشيخ العلامة ألفا هاشم (1282هـ الموافق 1865م – 1349هـ الموافق 1930م) خدمة جليلة لكافة المسلمين في نفس المجال، فأتحفنا بمصنفات علمية مفيدة.
وهذه بعض عناوين مؤلفاته العقدية:
«رقية المتهم إلى الدليل الأخفى الأتم.»
«القواعد والعقائد اليقينية ومهمات الفوائد الدينية.»
«تسهيل المرام في بيان أركان الإسلام» على نسق السؤال والجواب، كما في حديث سؤال جبريل وجواب المصطفى عليه أكمل الصلاة والسلام.
- جواب عن مسألة التشبيه والتمثيل في نحو اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم الخليل.
- رسالة «تفسير ما ظهر ودق من معاني حديث «من رآني فقد رأى الحق.»
- جواب من أنكر وجود الجنة والنار وحشر الأجساد يوم المعاد.
وجاء بعده بزمن يسير، العلامة القاضي مَجَخَتِ كَالَا (تـ 1902) بنونية رائعة في العقيدة الأشعرية، تكلم فيها عن صفات الله الواجبة والجائزة والمستحيلة بأسلوب بسيط يسهل للطالب تناوله فيوقت كانت الديانة الوثنية منتشرة في سنغال بشكل كبير، فاستطاع أن يبث فيهم عقيدة أهل السنة والجماعة بحكمة.
ثم إن مِن أبرزِ مَن نشر التوحيد الأشعري في نهاية القرن التاسع عشر في سنغال، العلامة مَاجُورْ كُمْبَ سِيسِي الأول (تـ 1907)، والذي بدوره قام بشرح «العقيدة البرهانية» للإمام الشيخ أبي عمرو عثمان بن عبد الله السلالجي المغربي (تـ 574هـ)، فالحلقات التي عقدها هذا الشيخ لشرح العقيدة المذكورة، كان يقصدها الطلاب بعدد كبير. كما أن المؤلف ينفي فيه التجسيم والتفويض، ويحاول إثبات التسليم في حق الذات العلية. وقد شرحه أولا كتابةً، قبل تدريسه فيما بعد. وإن محاوره تدور على الواجبات، والجائزات، والسمعيات.
ومن أبرز علماء الأشاعرة في سنغال في نهاية القرن 19م وبداية القرن 20م، العالم العامل، المجدد الشيخ الحاج مالك ضي (تـ 1922م)، فقد جاهد بقلمه ولسانه، طول حياته لنشر العقيدة الأشعرية، فتحدث في جوانب كثيرة من كتبه عن العقيدة، إلا أن لكتابه المشهور «كفاية الراغبين فيما يهدي إلى حضرة رب العالمين، وإقماع المحدثين في الشريعة ما ليس له أصل في الدين»، نصيبا كبيرا منها. هذا الكتاب وما جاء فيه من جوانب تتعلق بالعقيدة، أسهم إسهاما كبيرا في تصحيح عقائد كثير من السنغاليين، لأن العلماء تناولوه بالدرس والتحليل في حلقات لفائدة طلبة العلم. فالكتاب يعالج – من بين ما عالج-العقيدة على منهج الأشاعرة. ثم إن العلامة الحاج مالك ضي قد أفرد للعقيدة الأشعرية مؤلفا خاصا بعنوان «هداية الولدان»، عالج فيه أهم المسائل العقدية، كالحكم العقلي، ومذاهب الأفعال، وأنواع الشرك، وأصول الكفر والبدع، والموجودات، والجائزات المتقابلات، وغيرها.
وفي نفس الفترة تقريبا جاء دور العلامة السنغالي المشهور بالخديم، الشيخ أحمد بمب (تـ 1927م)، مؤسس الطريقة المريدية الذي يعتبر بلا شك أبرز المهتمين بعلوم العقائد في سنغال في مجال التأليف. ورغم أن هذا الشيخ أفنى ثلاثا وثلاثين سنة من حياته على أيدي المستعمرين؛ إلا أن عناية الله قد لاحظته عيونها، فوُفِّقَ توفيقا في القيام بتآليف مهمة في معظم العلوم الإسلامية، كان للعقيدة والفقه والتصوف منها حظ وفير.
ولأهمية مؤلفاته التوحيدية وكثرتها، يتحتم علينا التعريف ببعضها باختصار، وهو ما يلي:
- 1 مَوَاهِبُ القُدُّوس فِي نَظْمِ نَثْرِ شَيْخِنَا السَّنُوسِي
وهي أرجوزة طويلة تقع في 650 بيتا، نظم فيها كتاب «أم البراهين» في العقيدة لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، نظما رائعا، أُعجبَ به شيخه الوالد، وتلقَّاه بالقبول، بل صار عمدتَه في التدريس بدلَ الأصل المنثور، فدرَّسه بعض تلاميذه وأبنائِه.
- 2 فَيْضُ الغَنِيِّ المُغْنِي في نَظْمِ مَا عَنِ السُّلَوكِ يُغْنِي
وهي أرجوزة نظم بها مقدمة رسالة بن أبي زيد القيرواني العقدية، وتقع في 210 بيتا.
- 3- 4 «تَزَوُّدُ الصِّغَار إِلَى جِنَانِ الله ذي الأَنْهَارِ»، و«تَزَوُّدُ الشُّبَّانِ إِلَى اتِّبَاعِ المَلِكِ الدَّيَّانِ»:
وهما منظومتان في العقيدة والفقه والتصوف؛ فالأولى يبلغ عدد أبياتها 308، والثانية 701، ولا فرق بينهما إلا أنه توسع في هذه واختصر في تلك.[18] وقد قامت دائرة «فتح الغفار بالمغرب»[19] بجمع الكتابين في واحد، وطبعه سنة 2015م.
ومن كبار العلماء السنغاليين الذين قاموا بإسهامات كبيرة في نفس الإطار في القرن العشرين، سماحة شيخ الإسلام العلامة المجدد الحاج إبراهيم نياس الكولخي (تـ 1975م)، فقد قام بتوجيه رسائل كثيرة إلى تلامذته يوضح فيها عقيدته (الأشعرية) ويبصرهم بأهمية دراستها خصوصا قبل سلوك طريق القوم، وأخرى إلى غير المسلمين يبين لهم العقيدة الإسلامية الصحيحة، كرسالته الجامعة إلى رئيس أساقفة مدينة تييس السنغالية بداية سبعينات القرن العشرين، ردّا على رسالة منه، وتهنئة له بمناسبة عيد ميلاد المسيح، ومما جاء في تلك الرسالة ما يلي: «والمسلمون يعتقدون جزما وقطعا أن هذا الإله الواحد الذي خلقنا جميعا هو أحد، وهو الصمد الذي {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد}. {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وكل شيء في الوجود، وكل ذرة في الكون بحاجة وافتقار إليه، وهو تعالى الغني عن العالمين. ومن رحمته الواسعة ولطفه بالناس أن بعث فيهم ومنهم رسلا مبشرين ومنذرين: أولهم آدم عليه السلام، وآخرهم سيدنا محمد بن عبد الله العربي القرشي الذي بعثه الله للناس كافة وإلى الأبد صلى الله عليه وسلم. ونظرةٌ فاحصة في كتب التوحيد عند المسلمين كفيلة بإعطاء من يهتم بهذه القضايا فكرة صحيحة عن الإيمان والمؤمنين في الإطار الإسلامي، وسوف يتبين له بوضوح أن أساس الأمر عندنا هو توحيد الله تعالى، توحيدا كاملا في ذاته، وصفاته، وأسمائه، وأفعاله، توحيدا لا شائبة شرك فيه أبدا. وبمقدار قرب الإنسان من هذا الاعتقاد الأصيل يكون التقارب بينه وبين المسلمين أسهل منالا. ونحن المسلمين نعلم أن مصدر جميع الأديان السماوية واحد، وهو الله الواحد الأحد الدائم القديم الباقي الحي القيوم لا إله إلا هو…إلخ»[20]
لكن جهود هذا الشيخ الجليل لم تنحصر على مثل هذه الرسائل فقط، بل ألف كتيبا نفيسا مركزا دسم المادة في العقيدة للرد على رسالة عالم موريتاني يسمى ابن أحمذي (تـ 1968م)، كان ينكر على العلماء القائلين بمعية الله ذاتا، وعنوانه «صارم الأحمدي في قطع تلبيسات ابن أحمدي»، وفيها مسائل عميقة حول تأويل المعية بالعلم والذات، والعلم بالمتشابه وغيرها. ثم إن شيخ الإسلام الحاج إبراهيم نياس قد عالج جميع مسائل التوحيد الأشعري معلّما، في تفسيره القيم المعنون «في رياض التفسير للقرآن الكريم»، والذي جمعه مريده، العلامة محمد ولد الشيخ عبد الله الجيجبي الموريتاني حفظه الله.
أضف إلى ذلك أدوارا أخرى في مجال التأليف في العقيدة ونشرها، قام بها علماء القرن العشرين في سنغال منها على سبيل المثال:
كتاب «أمان البليد من خطر التقليد» للعلامة الشيخ محمد امباكي بوصو (تـ 1946م).
كتاب «شرح متن ابن عاشر» للعلامة الشيخ موسى كمارا القادري (تـ 1945م).
كتاب «ضياء النيرين الجامع بين علوم الطائفتين» للعلامة المفسر الحاج أحمد دم السوكوني (تـ 1975م)، فهذا الكتاب تفسير يقع في عشرين مجلدا، إلا أنه بسط في كثير من جوانبه العقيدة الأشعرية.
كتب العقيدة المقررة في المجالس العلمية في سنغال
وقد تبين من خلال ما سبق، أن عقيدة علماء سنغال وطلابهم هي عقيدة أهل السنة والجماعة، تَلقّنوها، ودرسوها، وتولّوا تدريسها منذ القدم، وتحققوها التحقق الكامل، قادة وأئمة عاكفين على القرآن والحديث في كتبه المعتبرة، فنجاهم الله بذلك من جميع أنواع الشرك إلا قليلا منهم. ووفقهم الله لنشر التوحيد في أتباعهم المخلصين، وتلامذتهم الأوفياء، حتى نشأوا جميعا على الإيمان الصحيح، والتوحيد الخالص لله في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وإن التعليم الديني الذي يشرف عليه علماء سنغال في القرون الأخيرة ذو شقين:
- – المدارس الإسلامية الحديثة، فبرامجها هي برامج القرويين والأزهر والقيروان وغيرها.
- – ثم الدروس التي تعطى في الحلقات العلمية على غرار ما هو معلوم في البلاد الإسلامية قبل تحديث المدارس والمعاهد، وما زال النظام متبعا في بعض الأقطار في العالم الإسلامي.
ونظرة سريعة في الكتب المقررة عادة في تلك الحلقات تكشف لكم جلية الأمر.
فإن التلامذة في المجالس المذكورة يبدؤون دراساتهم الفقهية بكُتَيِّبٍ مشهور، هي
مختصر الشيخ عبد الرحمان الأخضري[21] الذي افتتح بهذه الجمل البالغة الأهمية، (أول ما يجب على المكلف تصحيح إيمانه، ثم معرفة ما يصلح به فرض عينه، كأحكام الصلاة والطهارة والصيام) …
ومعنى ذلك أن التلميذ المسلم في المجالس العلمية في سنغال عموما، إنما يبدأ دراسته بالعقيدة، أو بعبارة الشيخ الأخضري الجميلة: «بتصحيح إيمانه»، وكلنا يعرف أن تصحيح الإيمان مستوى آخر غير الجدل في علم الكلام، وغير التيه في مباحث ومقولات بعيدة عن التحقيق، كثيرا ما يخرج منها الإنسان حائرا مضطربا يتمنى إيمان العجائز، أو ينشد مع الفخر الرازي:
فلم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ومن المقررات أيضا في الفقه والعقيدة لرواد المجالس منظومة نفيسة للشيخ عبد الواحد بن عاشر المغربي، عقد فيها بتركيز واف العقيدة الأشعرية، وأبوابا من الفقه المالكي، ولمحة عن آداب السلوك.[22]
وفي الكتاب المذكور فصل واسع في العقيدة الأشعرية، يُلزم العلماءُ طلابَهم بحفظه وفهم جميع مسائله فهما صحيحا.
ومن تلك المقررات كتاب جليل متعدد الشروح، هو «رسالة ابن أبي زيد القيرواني»، وهو معروف في المغرب العربي، وفي أكثر البلدان الإفريقية، فإن الاطلاع على هذا الكتاب المفيد في بابه العقدي كفيل بإعطائكم فكرة صحيحة عن مواد الدراسة التي تكون الثقافة الدينية لتلامذة علماء سنغال، بل ولأغلبية مسلمي غرب إفريقيا وشمالها. ففي الكتاب المذكور باب مستقل في العقيدة بعنوان: «باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات» يقول فيه المؤلف بالحرف الواحد: «من ذلك الإيمان بالقلب، والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له، ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء، لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيه السماوات والأرض.. إلى أن قال: «وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه، خلق الإنسان، ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وله الأسماء الحسنى، والصفات العلى، إلى أن قال: «وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد، والإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وكل ذلك قد قدره الله ربنا، ومقادير الأمور بيده، ومصدرها من قضائه، علم كل ضيء قبل كونه، فجرى على قدره. لا يكون من عباده قول ولا علم إلا وقد قضاه
وسبق علمه به: ﴿ألَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهَوَ اللطِّيفُ الْخَبِيرُ﴾[23]، يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحد عنه غنى، أو يكون خالق لشيء إلا هو ربّ العباد وربّ أعمالهم، والمقدّر لحركاتهم وآجالهم، الباعث الرسلِ إليهم لإقامة الحجة عليهم.
ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم…
وأنزل عليه كتابه الحكيم، وشرح به دينه القويم، وهدى به الصراط المستقيم، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من يموت، كما بدأهم يعودون، وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات، وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر، وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا إلى مشيئته:
﴿إِنَّ اللهَّ لَا يَغْفِرُ أنَ يُشْركَ بِهِ ويََغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾[24]. ومن عاقبه بناره أخرجه منها بإيمانه، فأدخله به جنته، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ويخرج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من يشفع له من أهل الكبائر من أمته، وأن الله سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه، وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وهي التي أَهْبَطَ منها آدمَ نَبِيَّهُ وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه. وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله، وجعلهم محجوبين عن رؤيته. وأن الله تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة والملك صفّا صفّا لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها…[25]
وبعد أن ذكر صاحبُ الرسالة عقيدةَ السلف في الميزان والصحائف، والصراط والحوض، قال: «وأن الإيمان قول باللسان، وإخلاص بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بزيادة الأعمال، وينقص بنقصها، فيكون فيها النقص وبها الزيادة. ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل إلا بموافقة السنة، وأنه لا يَكْفُرُ أحد بذنب من أهل القبلة.»[26]
وبعد أن ذكر عقيدتهم في حياة الشهداء عند ربهم، وفي أرواح كل من أهل السعادة أو الشقاوة بقاء ونعمة، أو شقاء وتعذيبا إلى يوم الدين، وفي فتنة القبر، والحفظة وملك الموت الذي يقبض الأرواح بإذن ربه، وأفضلية القرون الثلاثة الأولى، والخلفاء الراشدين، قال: «والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم، واتباعُ السلف الصالح، واقتفاءُ آثارهم، والاستغفارُ لهم، وتركُ المراء والجدل في الدين، وتركُ كُلِّ ما أحدثه المحدِثون».[27]
ثم إن علماءنا وهم يدرّسون الطلاب هذه العقائد يتناولون هذا الباب المهم بعقول تكوّنت وتهذبت، في ظلال كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيناقشون ما يرون ضرورة مناقشته، موقنين أن كل كلام يؤخذ منه ويردّ إلا كلام سيد الكونين كما كان مالك يقول وهو يقرر هذه الحقيقة. وهكذا ناقشوا مؤلف الرسالة في موضوع معية الحق تعالى للخلق: أهي بالعلم أم بالذات؟ مع إيمان قطعي بأن الله تعالى منزه كل التنزيه عن الحلول أو الاتحاد، وكلما فيه رائجة من خصائص الأجسام والأجرام، أو التشبيه أو التعطيل. كما ناقشوه في قوله: «وهو فوق عرشه بذاته» إذ لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة ما يؤيد هذا التقرير، فوجب كما قال المحققون أن يقول المؤلف «وأنه فوق عرشه «، ولا يزيد قوله «بذاته» لما في ذلك من الإيهام بالجهة والتحيز والمكان والخروج عن العالم والانفصال عنه.[28]
ثم يتعلم الطالب في الفقه المالكي أيضا مختصر الشيخ خليل في الفقه. ولا يزال المجدّون يواصلون سعيهم وتحصيلهم حتى يدرسوا موطأ مالك، ويخوضوا في شروحه.
ملخص المقال
إن للإسلام وجودا قديما في سنغال، حيث أثبت التاريخ كما تقدم – أنه وصل إليها قبل نهاية القرن الهجري الأول بواسطة عقبة بن نافع، أو عن طريق الصحراويين المغاربة والتجار أو غيرهم، على أن الانتشار الكبير لم يتحقق إلا بعد ذلك بقرون. ومن نظر إلى مجريات الأمور منذ البداية يدرك أن دخول الإسلام في سنغال يعني كذلك دخول العقيدة الأشعرية فيها، لأن الذين جاهدوا في الله وشمروا عن ساق حتى دخل الإسلام واستقر في سنغال، كانوا كلهم مالكيين فقها، وأشعريين عقيدة، وهذا ما جعل السنغاليين أشاعرة بُعيد دخولهم في الإسلام. وبعد ذلك سافر كثير من الطلبة إلى الصحراء قصد تعلم الإسلام وعقيدته الأشعرية، ثم عادوا لنشرها بين إخوانهم، فاستمر الحال هكذا إلى القرن السابع عشر حيث بدأ علماء سنغال يؤلفون في العقيدة، ويدرّسونها لطلابهم.
وخلاصة القول إن المغاربة أدخلوا الأشعرية في سنغال عندما جاءوا بالإسلام، فقام علماء سنغال بعد ذلك بنشرها عبر حلقات علمية ومؤلفات قيمة، فانتشرت انتشارا يكاد يكون تاما في البلاد. ومن المهم في هذا العصر الذي اختلط فيه الحابل بالنابل أن يقوم العلماء بتكثيف الجهود –زيادة على ما سبق للتعريف بدور علماء إفريقيا في خدمة الثوابت المشتركة بين المغرب وإفريقيا، حتى يتيقن شباب القارة أن مسلميها هم بحق أهل السنة والجماعة، خلافا لما يدعي السلفية المعاصرة التي احتكرها بغير حق. وما أرى «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» التي أسسها لنا ملك العلماء أمير المؤمنين نصره الله إلا إطارا ملائما لهذه المهمة الكبرى.
الهوامش
[1] – هو عقبة بن نافع القرشي، ولد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل الهجرة بعام واحد، فتربى في أسرة مسلمة، ونشأ على تعاليم الإسلام. شارك في الجيش الذي وجّهه سيدنا عمر لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، وقاد دورية استطلاعية للبحث في إمكانية فتح شمال إفريقيا، عمل على دعوة قبائل البربر للدخول في الإسلام. قتل عام 63 هجرية.
[2] – انظر «آثار الثقافة العربية الإسلامية في المجتمع السنغالي من أواخر القرن الثامن عشر إلى أواسط القرن العشرين،» رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة، إعداد الباحث : علي جنك صمب.
[3] – المرجع الأصلي السنغال في مصيدة التغريب، مجلة العرب، العدد 272، يناير 1982 ص: 83، بواسطة آثار الثقافة الإسلامية في المجتمع السنغالي.
[4] – هو يحيى بن عمر اللمتوني، (ت 447 هجرية / 1055م)، وكان أمير المرابطين بالمغرب الأقصى بعد الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي زعيم صنهاجة.
[5] – هو المجاهد الكبير عبد الله بن ياسين المالكي (تـ 24 جمادى الأولى 451هـ)، مجدد الإسلام بإفريقية في القرن الخامس الهجري، ومن زعماء الإصلاح الذين خلدوا صفحات مشرقة في تاريخ الإسلام. ولد بتامانارت عن بلاد جزولة في تخوم صحراء سوس وتجهل كل ضيء عن حياته الأولى وكل ما نعرف أنه رحل أوائل القرن الخامس الهجري إلى بلاد الأندلس لطلب العلم، وأقام بقرطبة سبع سنوات أو تزيد يكرع من مناهل العرفان ويجني من ثمار العلم. ومن أهم ما قام به داعيا إلى الله أنه اتجه أول ما اتجه الى تصحيح العقيدة ونبذ العادات الفاسدة والتخلق بآداب الإسلام ومعرفة الحلال والحرام والسير على النهج القويم في كثير من ربوع إفريقيا. (مجلة دعوة الحق المغربية، العدد 119 مختصرا وبتصرف بسيط).
[6] – لقب بالزعيم السياسي، كان أميرا وسيدا مطاعا في قومه، لما عرف عنه من شجاعة، وهو أول من بنى أسس الدولة المرابطية، رفقة الزعيم عبد الله بن ياسين وأبي عمران الفاضي، كما أنه أول أمير مرابطي حكم الدولة المرابطية. انظر ترجمته في كتاب «الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين» للدكتور علي محمد الصلابي، ص: 17 – 19، ط 1، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
[7] هو أبوبكر بن عمر اللمتوني، أمير جماعة المرابطين في المغرب بعد أخيه يحيى بن عمر اللمتوني، استشهد عام 480 من الهجرة. انظر الأعلام للزركلي، والجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين، والبداية والنهاية لابن كثير
[8] انظر ترجمته في «تاريخ ابن خلدون»، ص: 2043، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية.
[9] الإسلام والثقافة في الجمهورية السنغالية»، الأستاذ مصطفى ءان
[10] وهو جمع دكور بمعنى الصنم
[11] – الأدب السنغالي _ عامر صمب، ج 1، ص: 11.
[12] – تاريخ انتشار الإسلام في إفريقيا – الأبعاد والوسائل، أ د حورية مجاهد ص: 23.
[13] – المصدر نفسه.
[14] الدعوة الإسلامية وإنجازاتها في السنغال، محمد صو، ص: 1، غير مطبوع.
[15] – «موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية» للدكتور أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة، 1983م.
[16] -جهود علماء السينغال في خدمة المذهب الأشعري، من القرن السابع عشر إلى القرن العشرين، تأليف الأستاذ بشرى عيسى جيي، ص: 214، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية 2016م.
[17] -الكتاب مخطوط في المعهد الأساسي (IFAN)، قسم الدراسات الإسلامية، خزانة عامر صامب، الكراسة رقم 8، ص: 14، جامعة شيخ أنت جوب، دكار السنغال.
[18] – منظومتان في العقيدة والفقه والتصوف: « تزود الصغار إلى جنان الله ذي الأنهار» و «تزود الشبان إلى اتباع الملك الديان» للعالم العلامة والعارف الفهامة الشيخ الخديم امباكي. عناية وتعليق: دائرة فتح الغفار بالمغرب، طبعة 2015م / 1436هـ.
[19] – هي جمعية تجمع أتباع وتلامذة مؤلف هذه الكتب العلامة الشيخ أجمد بمب امباكي بالمغرب.
[20] – الرسالة موجودة عندي بخط يد أمين سر صاحبها العلامة الراحل الأستاذ إبراهيم محمود جوب (1932 – 2014م).
[21] – هو الشيخ عبد الرحمان بن الشيخ محمد الصغير الأخضري، ولد سنة 920هـ، وتوفي 953هـ، كان من أهل العلم والصلاح، ومن المشاركين في مختلف العلوم، له مؤلفات منها: الجوهر المكنون في علم البلاغة، والسلم المنورق في المنطق، والمنظومة القدسية في التصوف، ومختصر مشهور في الفقه المالكي. (انظر معجم المؤلفين، ج 5، ص: 187، وشجرة النور الزكية، ج 1، ص: 412).
[22] – «رسالة إلى الكويت لرد شبهات ودحض مفتريات» للأستاذ إبراهيم محمود جوب، مخطوط.
[23] الملك، الآية:13.
[24] النساء، الآية: 116.
[25] – متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، ص: 7 9، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء المغرب.
[26] – المصدر نفسه.
[27] – المصدر نفسه، ص: 10.
[28] – يراجع أحمد بن مبارك السجلماسي اللمطي (تـ 1156هـ) في إزالة اللبس عن المسائل الخمس، مكتبة الخزانة الحسنية، المغرب، مخطوط.