علماء المحضرة بالصحراء المغربية وإسهاماتهم في توطيد دعائم الثوابت الدينية المشتركة بين المغرب وعمقه الإفريقي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس-سايس
علماء المحضرة بالصحراء المغربية وإسهاماتهم في توطيد دعائم الثوابت الدينية المشتركة بين المغرب وعمقه الإفريقي.
تقديم
تعرف الهندسة السياسية لتوجه المغرب نحو إفريقيا حاليا تحولات كبيرة، وتعطي إشارات قوية بأن المملكة المغربية أعادت التفكير في أمر إبراز ملامح تموقعها بالمجال الإفريقي معتمدة على إرساء سياسة البعد التضامني، وذلك بإحياء التراث المشترك.
وإذا كان المجال الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي، يترجم هذه الملامح، فالحقل الديني يعد أحد أهم الدعامات التي ظلت تؤسس ماضيا وراهنا لهذا البعد التضامني انطلاقا من ثوابت مشتركة يأتي في صدارتها نشر الدين الإسلامي الحنيف وفق المذهب المالكي في الفقه وطريقة الجنيد في التصوف والمذهب الأشعري في العقيدة.
إن مرحلة ما بعد عودته إلى بيته الإفريقي: الاتحاد الإفريقي، أفصحت بوضوح على أن المغرب بات يسعى اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى ترسيخ هذه الروابط الدينية التي تجمعه بالعديد من الدول الإفريقية الشقيقة نتيجة تركة تاريخية غنية، عنوانها البارز الاعتدال والوسطية وذلك تطبيقا للآيات الجليلة «وكذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا[1]» « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر[2]».
بل إنه يسعى إلى بعث وإحياء التقاطعات التي توحده بها، مما سيعطي لتلك الروابط امتدادات واستمرارية تتماشى وخصوصيات الألفية الثالثة.
هذا وقد شكل المجال الصحراوي ذلك الفضاء المشترك بين المغرب وعمقه الإفريقي، فعبره تم- ولا يزال- هذا الالتحام الروحي الديني. وعليه يتوجب علينا النبش في سجل التاريخ للوقوف على إسهامات علماء هذا الفضاء الإفريقي في دعم الثوابت الدينية للمغرب والتي انعكس إشعاعها على العديد من الدول الإفريقية.
فماذا عن المذهب المالكي كأحد هذه الثوابت؟ وما هي آليات مشاركة المغرب إياه مع أشقائه الأفارقة عبر صحرائه؟ ومن هم أشهر العلماء الذين لعبوا أدوارا طلائعية في ذلك؟ وكيف يمكن تفعيل هذا الإرث التاريخي بعدما صفقت العديد من الدول الإفريقية لنجاح التجربة المغربية في ورش الأمن الروحي، لتلعب الأقاليم الصحراوية هذا الدور من جديد في زمن راهن باتت تهدد فيه من طرف موجات التطرف الديني؟!
إذا كانت الصيغة الاستفهامية توحي بضرورة الاستشراف في هذه المقاربة، لتبيان المعالم المستقبلية في هذا الأمر؛ فإن الإجابة تحتاج إلى التصدي لتوصيف ماضي هذه الأدوار وإبراز معالم تطورها، علما أن الاستشراف ليس مسألة هينة، فهو يتطلب كتلة هائلة من المعطيات للتحكم في صيرورة الظواهر المختلفة، فهي «قفزة في الهواء» كما عبر عن ذلك نابليون. ذلك أن العالم الذي نتفاعل معه لا يخلو من أشياء غير متوقعة.
أولا: المذهب المالكي
أبرز الثوابت المشتركة بين المغرب وعمقه الإفريقي: الرصيد التاريخي
-
عصر الأدارسة
عرف المغرب مع الأدارسة منذ أن وطئت أقدامهم هذا البلد التوجه السني المعتدل الذي توطد أكثر مع دخول المذهب المالكي. فوحدة العقيدة والمذهب شكلت منذ ذلك الحين ثوابت دينية أساسية ارتضاها المغاربة وأجمعوا عليها. ذلك أنه بعد تلقي المولى ادريس بيعة قبائل أوربة ومناصرتها له إماما وأميرا للمسلمين، خطب فيهم خطبة بليغة حدد فيها معالم دولته الفتية القائمة على الكتاب والسنة ووحدة الصف بعيدا عن الخلافات المذهبية ومختلف الانحرافات العقدية[3]
لقد كان المغاربة على وعي كامل بأهمية وحدة المذهب، فاختاروا مذهب إمام المدينة مالك بن أنس وبذلك استطاعوا على يد المولى إدريس أن يقضوا على التفرقة.
فالمذهب المالكي لم يدخل الى المغرب كمذهب فقهي فحسب، بل كمكون لهوية المغرب الدينية والوطنية ذلك أنه عمل على سد أبواب الفتن والحفاظ على الوحدة الوطنية والعمل على إضفاء إشعاعها إلى حدود غانا عبر مدينة تامدولت.
-
عصر المرابطين
بهذه الهوية الدينية التي رسخها الأدارسة، كان قبس إشعاع المغرب على مستوى ما يحاذيه جنوبا من الدول الإفريقية ليتقوى على يد المرابطين.
فمن المسلمات التاريخية أن لإسلام قبائل الملثمين أثر بالغ الأهمية في تاريخ جنوب الصحراء، إذ نجحوا في كسر جزء مهم من الحاجز الوثني بمملكة غانا ليصل سيل الإسلام ويتدفق فيما وراءها بفضل رباط عبد الله بن ياسين وجهود الدعاة والتجار[4].
-
عصر الموحدين
إن الرسالة التي بعث بها والي سجلماسة لملك غانا قائلا: «نحن نتجاور بالإحسان وإن تخالفنا في الأديان، ونتفق على السيرة المرضية، ونتألف على الرفق بالرعية، ومعلوم أن العدل من لوازم الملوك في حكم السياسة الفاضلة ….» بخصوص تيسير أمور التبادل التجاري بين المملكتين، تفيد بأن وظيفة المغرب في اتباع سير كل من الأدارسة والمرابطين في نشر المعاملات التي نادى بها الدين الإسلامي الحنيف ما زالت على قدم وساق.
-
العصر المريني
إذا كان الموحدون قد اهتموا أكثر بتوطيد علاقاتهم التجارية مع المنطقة، فالروابط الروحية الدينية لم تنقطع على عهدهم ولا من بعدهم، بل نمت- وبقوة- في العصر المريني ذلك أن منسى موسى ملك مملكة مالي بات أكبر داعية للدين الاسلامي وللمذهب المالكي[5] .
-
العصر السعدي
مع مجيء السعديين تبلور هذا التواصل الديني بشكل عملي حيث باتت العديد من حواضر المغرب لا سيما مراكش وفاس، قبلة للطلبة والعلماء السودانيين يفدون عليها ليأخذوا من علمائها. هذا وقد عمل سلاطين بلاد السودان على استقدام العلماء والفقهاء المغاربة لتثقيف أهل مملكة سنغاي ولتعريفهم بقواعد الدين الإسلامي[6] ، بل إن المنطقة ارتبطت بالمغرب برابطة البيعة، على اعتبار أن المنصور الذهبي خليفة للمسلمين، يستمد سلطته من نسبه الهاشمي القرشي.
-
العصر العلوي
اتخذت هذه الصلات الدينية بعدا أكبر خلال عصر الشرفاء العلويين خاصة مع الأدوار المتميزة التي لعبتها الزاوية التيجانية والتي أعطتها نفسا جديدا وقويا. فهي لم تكتف بقوة حضورها في السودان الغربي كطريقة صوفية لها كثير من الأتباع، بل إنها بلغت مرتبة تكوين امبراطورية إسلامية تيجانية هناك وذلك على يد الحاج عمر الفوتي[7].
ثانيا: الأقاليم الصحراوية أيقونة توطيد الثوابت الدينية المشتركة بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء
تعد الصحراء أبرز مثال يجسد خصائص البداوة الفكرية في تاريخ المغرب، خصائص استطاعت ان تقيم حياة متميزة في العلاقات المتنوعة التي نسجتها مع المجتمعات الإفريقية.
فكما نعلم جميعا، عرف المجتمع الصحراوي مجموعتين بشريتين متصدرتين للهرم الاجتماعي لتليها باقي المكونات الإثنية (الحراطين/ العبيد/ المعلمين).
فإذا كان عرب بنو حسان عرفوا بحمل السلاح، فإن الزوايا هم مجموعة القبائل المهتمة بالشأن الاقتصادي والتعليمي والديني، فهم «حملة العلم والدين في هذه البلاد قاطبة قديما وحديثا، لا ينازعهم في ذلك طائفة من طوائفها ولا تقاربهم[8]» وقد ذكر بابه بن الشيخ سيديا أنهم «سموا بالزوايا لملازمتهم للزوايا جمع زواية وهي أيضا موضع العبادة.»[9]
فأمام ممارسة هذه الوظيفة على المستوى المحلي، كان من المفروض أن تقوم قبائل الزوايا بهذا الدور في امتداداته الإفريقية، وهنا سنتوقف عند منارة مارس فيها هؤلاء هذه الوظيفة ذلك أنها كانت الحافظ لصنعة العلم والمعرفة والحامي للعقيدة والدين والسبيل لنشره وفق مذهب مرن معتدل يتماشى وطباع كل المغاربة ومنهم الرحل بأقاليمه الصحراوية.
إنها «المحاضر» (جمع محضرة) الجامعة البدوية المنتقلة والتي عرفها الخليل النحوي قائلا: «مدارس علم، ورباط جهاد ومنارة إشعاع (….) يلتقي حولها الالتزام الفكري والديني ويكون السعي في المجالين، رباطا ونضالا وجهادا وهذا هو قمة العطاء القادر .»[10]
التقرب منها لنقف على مدى إسهامها الكبير في إيصال الثوابت الدينية المغربية[11] للدول الإفريقية الشقيقة لكي يعمل فقهاء وعلماء الطرفين على الدفاع عنها وتزكية انتشارها بين أكبر عدد من مكونات الأسرة الإفريقية.
-
المحضرة: التسمية والنشأة، السمات والوظائف
أ_ التسمية
لم يسم سكان الفضاء الصحراوي مؤسستهم التربوية هذه «كتابا» ولا «خلوة «ولا «زاوية» ولا «مدرسة»… أو غيرها من التسميات المتداولة لمراكز نقل ونشر المعرفة، وإنما اشتقوا لها اسما يكتب بالحسانية بالظاء المعجمة (محظرة) وفي اللغة العربية الفصيحة، يكتب بالضاد المحجمة (محضرة).
فبخصوص معنى هذه التسمية يذكر الخليل النحوي: «(….) وكان الطلبة ينسلون من كل حدب وصوب إلى شيوخ العلم، فيحضرون دروسهم ومجالسهم أو محاضراتهم»
هذا وقد اختلفت الآراء حول أصل اشتقاق الكلمة، فذهب رأي الى أنها مشتقة من الحضور لتواتر حضور طلاب العلم ولزومهم حضرة الشيخ، ومال رأي ثان إلى أنها مشتقة من الحظيرة لتشابه في طبيعة مكونات البناء كالحشيش وأغصان الشجر …. فيما يذهب رأي ثالث الى أن أصل الكلمة مشتقة من الحظر بمعنى المتجسد في أخلاقيات الطالب المحضري مراعاة للمحظور الشرعي واقتضاء لحرمة العلم وأهله.
ب_ النشأة والتطور
يؤرخ الخليل النحوي بداية النشاط المحضري بتأسيس رباط عبد الله بن ياسين حوالي سنة 431هـ/1039م، فقد اعتبر هذا الرباط محضرة وفقت في جعل الفقه بأمور الدين زادا ووقودا وسلاحا للمجاهد إذ قوى الدين بالعلم وقوى العلم بالدين[12]. ويعرفنا أكثر بهذه المؤسسة التي اعتبرها إحدى مؤسسات التربية العربية الإسلامية الأصيلة، فهي جامعة شعبية بدوية متنقلة، فردية التعليم، طوعية الممارسة[13].
ويعرفها المختار محمد موسى وكذا محمد محفوظ بنفس المواصفات مع التركيز على أن الشيخ الذي يتولى التدريس بها يقوم بالسهر على طلابه أخلاقيا وأدبيا وربما ماديا[14].
ج_ السمات
المساواة: تكاد تكون المحضرة الفضاء الوحيد الذي تذوب فيه مختلف أشكال التمايز الطبقي والعرقي، إذ يتحدد الانتساب إليها بالرغبة والاستعداد دون اعتبار المكانة الاجتماعية أو فوارق السن، فالرجل الطاعن في السن قد يدرس مع الشباب كما أن الشباب اليافع قد يتولى تدريس من هم أسن منه[15].
المجانية: أهم ما يميزها عدم اعتبار المستوى المادي إذ لا فرق بين غني وفقير، بل إن المحضرة طورت آليات التكفل بالطالب المغترب أو المعدم وهذا ما يسمى «بالتأبيد» إضافة إلى «الختمة» التي توجب تقديم هدايا للتلاميذ كلما تقدموا مراحل معينة في دراستهم و«شاة التلاميذ» التي تقدم لهم في مناسبات اجتماعية معينة مثل الزواج وكذا العقيقة[16].
د_ الوظائف
تعتبر «المحضرة» من أعرق معاقل العلم في الصحراء المغربية، فقد أبرزت القدرة على تحقيق نهضة ثقافية نموذجية فوق رمال الصحراء، وكذا في امتداداتها إفريقيا دون أن يكون الترحال عقبة في وجه انتظام الدراسة.[17]
نشأت المحضرة لتكون آداة لنقل المعرفة وإرساء أسس الدين، فهي «مركز إشعاع في مجاهل الصحراء وغياهب الليل الإفريقي (…)، حمل رسالة المحضرة هنا وهناك رجال أشداء، كان منهم تجار دعاة وعلماء عاملون معلمون، أعدتهم المحضرة اعدادا روحيا وجسميا جيدا لآداء الرسالة، فبلغ بهم الأمر أن حج كثير منهم سيرا على الأقدام، يعبر آلاف الأميال، شهورا تلو الشهور، ويؤدي حيثما حل رسالة المحضرة:
دعوة إلى الله تعليما وتعلما[18]».
-
سفراء المحضرة في إفريقيا جنوب الصحراء عبر حقب تاريخية متفاوتة
لقد كان رسل المحضرة دعاة إلى الله مربين، يلتف حولهم العلماء وطلبة العلم إعجابا بما أوتوا من ملكة الحفظ والرواية والدراية، كان لهذه المؤسسة التعليمية الدور الأكبر في نشر الإسلام في إفريقيا الغربية، وقد أشاد بذلك العديد من الباحثين الأجانب.[19]
حقا إن ترسيخ المبادئ الإسلامية وفق مذهب مالك والمحافظة عليها يعتبر من أنبل خصائص التعليم المحضري بالصحراء، فترسيخها يتم من خلال تربية الطلاب بتعاليم الدين الإسلامي عقيدة وشريعة وسلوكا، ومنهجا وحثهم على الالتزام بتعاليم الشريعة.
وسنقف على نماذج تؤكد ذلك من خلال عدة فترات تاريخية.
- العصر الوسيط: لقد عم الاسلام السني بلاد الملثمين في أواخر القرن4ه وبداية القرن 5ه/ الموافق للقرن 10م وبداية القرن 11م مع مجيء عبد الله بن ياسين.
تميزت دعوة هذا الأخير بكونها تطبيق لآراء الفقيه أبي عمران الفاسي، وعليه صوب طموحه لمواجهة واقع التجزئة التي تعاني منها منطقة الغرب الإسلامي ككل بعد انتهاء فترة الزناتيين تحت شعار ديني هو الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،[20] وذلك وفق مذهب مالكي خال من المذاهب الأخرى المناوئة له .[21]
- العصر الحديث: شكلت حركة ناصر الدين في ق 11ه/ ق 17م مبادرة قادتها قبائل «الزوايا» مقتدية بالتجربة المرابطية. ويروى أن هذه الحركة بنيت على أربعة مبادئ أخلاقية هي[22]:
- التمسك بالقرآن والسنة.
- صيانة الكرامة.
- العدل.
- مكارم الأخلاق.
وقد تبعت أسلوبا دعويا قائما على البدء بالدعوة في صفوف المقربين ثم استقطاب الأتباع والمريدين من المناطق المجاورة.
بالفعل، كانت العمليات الأولى لناصر الدين التي سميت بالفتوحات موجهة ضد الإمارات والمماليك الزنجية في الضفة الجنوبية لنهر السينغال تحت قيادة أخيه منير الدين (من تلك المناطق فوتا)، وقد تمت كل تلك العمليات، بسلاسة كبيرة لأنها محط اجماع الأتباع والمريدين القريبين والبعيدين، «ولما بويع اشرأبت الناس إليه كلهم، من مغفري ورزكاني وسوداني وأزناكي وزاوي»[23].
- الفترة المعاصرة: يعتبر الشيخ ماء العينين[24] من أهم علماء الأمة الإسلامية المجددين في ق 19م، استقر أول الأمر بصحراء تيرس تم بعدها بأرض الساقية الحمراء حيث بنى داره الأولى عام 1864 بالقرب من مزار الشيخ سيدي أحمد العروسي، فلما كثر اتباعه بعد أن ذاع صيته فكر في توسيع مكان محضرتة فبنى زاويته في 26 ماي 1898 بمساعدة السلطان المولى عبد العزيز[25]، التف حوله الآلاف من الأتباع والمريدين جاؤوا للتفقه في الدين[26] وقد حدد الشيخ ماء العينين ثلاثة مداخل لتحقيق ذلك.
-
- المدخل التربوي التعليمي: وقد أولاه عناية متميزة لما يختص به أهل العلم والفكر من مكانة رمزية واجتماعية في أوساط الناس، وقد كان يشرف شخصيا على إلقاء الدروس فيشرح ويفسر المتون في العلوم النقلية والعقلية من الفقه وأصوله وقواعده والبلاغة ومصطلح الحديث والمنطق والسيرة النبوية. فاختصاصات التعليم بمحضرته كانت متنوعة اذ تشمل الدراسات التاريخية والأدبية والنحوية إلى جانب العلوم الفقهية والتصوف[27].
- المدخل الفكري الصوفي: حرص الشيخ ماء العينين على تدوين عدة مؤلفات ذات المحتويات الغزيرة في العقيدة والفقه،[28] كلها تفصح عن إصراره على إحياء السنة وإماتة البدعة ونبذ التفرقة والطائفية بين أتباع المذهب الواحد. فقد سعى إلى توطيد التصوف السني المبني على التآخي بين الطرق إذ كان يروم توحيد المنطقة وجدانيا لمواجهة الضغوط الاستعمارية وهذا ما عرفه البعض «بمشروع الأخوة» والذي لا ينحصر في الصحراء المغربية فقط، وإنما يطال ما وراءها جنوبا.
- المدخل الجهادي: تمكنت المحضرة المعينية من إنشاء تكتل قوي ومتضامن بالزاوية المعينية في السمارة وهي تتطلع للقيام بأدوار كبرى تتلاءم وحجم تحديات الأطماع الامبريالية التي استهدفت آنذاك الأقاليم الصحراوية المغربية والعديد من الدول الإفريقية جنوبها. فقد استنجدت به العديد من القبائل الموريتانية من أجل التدخل لدى السلطان المولى عبد العزيز طلبا للدعم والسلاح لمواجهة الحشود الفرنسية الزاحفة من قواعدها قرب نهر السنغال والمتجهة شمالا، وكونت ركبا من أعيان القبائل لملاقاة السلطان في مراكش، فكان ذلك سنة 1906، فحصلوا على مبتغاهم وبعث معهم السلطان ابن عمه الأمير مولاي ادريس بن عبد الرحمان بن هشام لقيادة العمليات الجهادية.
وفي محضرة الشيخ ماء العينين درس الأمير سيد أحمد بن سيدي أحمد ولد عيدة لمدة خمس سنوات وبعد عودته إلى أهله ببلاد شنقيط قاد عمليات الجهاد ضد الفرنسيين[29] ، مما يبرز مساهمة المحضرة المعينية في الدفاع عن حوزة بلاد الاسلام والجهاد هناك. فقد أسس الشيخ ماء العينين زوايا بكل من مراكش وفاس وتزنيت وطرفاية والسمارة بالمغرب إضافة إلى زاوية في أطار بأدرار من بلاد شنقيط[30]
-
آثار دور المحضرة الصحراوية في التقعيد للثوابت الدينية في إفريقيا جنوب الصحراء
يعتبر ترسيخ المبادئ الإسلامية والمحافظة عليها من أنبل خصائص التعليم المحضري بالصحراء المغربية. فقد تم ذلك من خلال تربية الطلاب بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف عقيدة وشريعة وسلوكا وحثهم على الالتزام بتعاليمها، استنادا إلى مذهب مالكي عريق تمتد جذوره من زمن الدولة المرابطية إلى يومنا هذا مع نبذ كل تشدد. ولعل هذا ما جنب المملكة المغربية الشريفة الفتنة الطائفية أو المذهبية، وجعل منها نبراسا يهتدى به من طرف الأشقاء الأفارقة.
بالفعل، فقد تجلى ذلك من خلال صيانة الأفارقة للشريعة الإسلامية بالعديد من الدول وذلك بالحفاظ على الصلاة، وأداء فريضة الصوم واخراج الزكاة والسفر إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، رغم بعد المسافة وعناء السفر والمجاهدة في طلب العلم.[31]
ويزكي هذا الطرح ما قاله الرحالة الأجانب (مثلا: (Camille Dols الذين زاروا هذه البقاع ومنهم الرحالة الذين أشادوا بوضوح بكلامهم وفصاحتهم الناتجة عن قراءتهم للقرآن الكريم وتوظيفهم له في حديثهم اليومي حيث غالبا ما يستشهدون بآيات كريمة[32].
وكان لمشايخ العلويين: الشيخ محمد الحافظ ومحمدي بن سيدنا الملقب بدى وسيدي مولود فال ومحمد المختار بن أحمد فال وأحفادهم نصيب وافر من العمل الإسلامي في المناطق ال إفريقية المجاورة، فيكفي أن نعلم أن أكبر الطوائف التيجانية في مطلع القرن العشرين اتباع الشيخ عمر الفوتي وأتباع الحاج مالك سي يدينون بالتلمذة لمشايخ العلويين لأخذهم عنهم مباشرة أو لتتلمذ مشايخهم وآبائهم عليهم، وتنتشر هاتان الطائفتان في السينغال ومالي وعموم إفريقيا الغربية.[33]
خاتمة
لم تكن المحضرة بالأقاليم الصحراوية المغربية مجرد مركز تعليمي، بل إنها استثناء مغربي بكل المقاربات. نشأت في بيئة مفتوحة على فضاء إفريقي واسع.
إنها جزء من التركيبة المجتمعية المغربية، قامت منذ لحظة إنشائها خلال العصر الوسيط على يد عبد الله بن ياسين ثم العصر الحديث على يد ناصر الدين وكذا الفترة المعاصرة على يد الشيخ ماء العينين بأدوار رئيسية في نشر العديد من الثوابت الدينية على المستوى الإفريقي تأتي في صدارتها الإسلام الوسطي المعتدل وفق مذهب مالك…
لقد حاولنا في هذا المقال أن نقدم ومضات تبرز ذلك الحضور لهذه المؤسسة في جانبه التعليمي والديني، ولا نبالغ في القول إذا ما سلمنا بكونها- كجامعة متنقلة- لم يشهد لوظائفها نظير، فقد تحدت كل المعيقات لتقوم بأدوار جليلة ومتميزة ساهمت وبقوة في نشر، بل والدفاع عن الإسلام السمح.
والحق أنه على الرغم من وفرة ما كتب عن تسامح المسلمين بشكل عام وعن اعتدال إسلام المغرب بشكل خاص وإسهاماته القوية في بثه بين أرجاء الأسرة الإفريقية، فإن إثارته تبدو ملحة وضرورية في الظرف الراهن الذي تأزمت فيه الأوضاع بعد ظهور آفة الإرهاب. فللأسف استقبل العالم العشرية الأولى من هذا القرن بأحداث مثيرة ومواجهات غير محمودة وعنف غير مسبوق، إذ وقف المجتمع الدولي حائرا مترددا.
فالإسلام الذي يتبناه المغرب هو إسلام الفضيلة الذي يحض على الاعتدال والتسامح ورفع شعار الكرامة لكل الأفراد والشعوب ولا يفرق بين أسود وأبيض في التفاضل الإنساني.
والدين بالنسبة للمغرب- كان ولا يزال- رسالة مقدسة وتوجيه وتكوين ووعي بكرامة الإنسان وحريته ولهذا اتخذ التواصل والحوار أهم آلية لتحقيق ذلك بحكم أنه يشكل أداة التفاعل بين الإنسان والآخر، هذا واتخذ الأسرة الإفريقية قبلة لتحقيق هذه المبتغى.
فكيف يمكن- ونحن نستحضر ما قاله الخليل النحوي: «إذا نجحت المحضرة في بلوغ الهدف الذي ابتغته داخل البلاد، فقد طمحت إلى أن تنقل عطاءها وإشعاعها الروحي إلى الخارج، فكان لها أثر كبير في نشر الإسلام في ربوع القارة الإفريقية»[34] – إعادة الدور التاريخي الذي لعبته الأقاليم الصحراوية المغربية في تحقيق إشعاع ديني ومذهبي في إفريقيا؟
الهوامش
[1] –سورة البقرة، الآية: 142.
[2] -سورة البقرة، الآية: 184.
[3] من جملة ما قال في خطبته: «أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإلى العدل في الرعية والقسم بالسوية ورفع المظالم والأخذ بيد المظلوم وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وانفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد»؛ الحسن السائح، «الحضارة المغربية عبر التاريخ، « دار الثقافة، الدرا البيضاء، ط: 1 1975، ج: 1، ص: 118؛ عباس نصر الله سعدون، «دولة الأدارسة (العصر الذهبي 172-223 هـ /788-835 م)»، دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت، ط:1 1987، ص ص: 169-170
[4] أبو عبيد الله البكري، «المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب»، جزء من «المسالك والممالك، نشر مكتبة المثنى ببغداد،
د.ت: 353؛ أحمد بن محمد المراكشي ابن عذاري، «البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب»، تحقيق احسان عباس،
دار الثقافة ط:، بيروت 1983 ، ج: 4 ، ص: 9.
– أحمد المقري، « نفح الطيب «، مجلد: 3 ، بيروت 1968 ، ص: 105
[5] -ابن خلدون عبد الرحمان، « كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»، ط: 1، بيروت 1992، ج: 6، ص: 287.
[6] -ولد حامد المختار، «حياة موريتانا، الجغرافيا»، منشورات معهد الدراسات الافريقية ، جامعة محمد الخامس ،الرباط ، طبعة دار الغرب الإسلامي ، بيروت لبنان ، 1994، ص: 6.
[7] -أحمد الازمي، «الطريقة التيجانية في المغرب والسودان الغربي خلال القرن التاسع عشر»، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ج: 3 ، مطبعةفضالة المحمدية ، 2000ص:349.
[8] -الخليل النحوي، «بلاد شنقيط، المنارة والرباط»، تونس 1987، ص ص: 34_53.
[9] – «إمارتا إدوعيش ومشظوف» دراسة وتحقيق: ازيد بيه ولد محمد محمود، ط: 1، 1995، ص: 173. لا تتميز هذه القبائل بانتساب عرقي أو سلالي خاص يجمعها، فكل مجموعة بشرية تعنى بالعلم والدين تعلما وتعليما هي من فئة الزوايا.
[10] – «بلاد شنقيط المنارة والرباط» مرجع سابق، ص: 35.
[11] إمارة المؤمنين، المذهب المالكي، العقيدة الأشعرية، التصوف السني
[12] نفسه، ص.65 مما يدل على صلة المرابطين بالمحاضر أنه لا يزال يطلق اسم «المرابط» على شيخ المحضرة حتى اليوم.
[13] بلاد شنقيط، المنارة والرباط «، ص ص: 53_66. فهي:
جامعة: لأنها تقدم الطالب معارف موسوعية في مختلف فنون المعرفة الموروثة وهي: _ القرآن: حفظه ورسمه وتجويده وتفسيره وبقية علومه. – الحديث: متنه ومصطلحه ورجاله. – العقيدة وعلم الكلام والتصوف. – الفقه: أصوله وقواعده وفروعه. – السير والتاريخ والأنساب. – الأخلاق وآداب السلوك. – اللغة والآداب: دواوين الشعر، المتون النثرية (مثل المقامات). – النحو.
شعبية: إذ تستقبل كل من يرد عليها من جميع المستويات الثقافية والفئات العمرية والجنسية والاجتماعية. تستقبل المبتدئ كما تستقبل العالم فتجدد له معارفه وتوسعها وتعمقها، ويرتادها الطفل والشيخ والمرأة والفقير والموسر.
متنقلة: إذ تبلورت وازدهرت شخصيتها في رحاب البادية لا في المدن، وهي مترحلة تقلب البدو في منتجعاتهم ومسارح إبلهم وأبقارهم دون أن يكون ترحالها عقبة في وجه انتظام الدراسة.
فردية التعليم: فطرفي العملية التربوية هما: الأستاذ والطالب. الطرف الأول: يدير حلقات الدراسة ومجالسها «المرابط» شيخ المحضرة فإليه تنسب المحضرة عادة فتعرف به أو بأسرته، وإن كان قد يكون للمحضرة عدة أساتذة. وبالنسبة للطرف الثاني، لا بد من الإشارة إلى أن للطلبة أنفسهم دور في نقل المعرفة، وتشرع هذه العملية وتنظم أحيانا من قبل الشيخ الذي يلجأ إلى طلبته المتقدمين كمساعدين. والقاعدة العامة في المحضرة أن يكون لكل طالب درس خاص به يختاره لنفسه في ضوء رصيده العلمي وهوايته ومؤهلاته… وبهذا النظام يتحرر الطالب من كل القيود التي تعوقه عن تحصيل دراسته في الأجل الذي تؤهله له طاقته الذهنية.
[14] المختار محمد موسى، «لمحة موجزة من المحاضر الاسلامية في موريتانيا «مجلة تعليم الجماهير، العدد: 32، السنة 14، دجنبر/ يناير 1987، ص:41؛ محمد محفوظ بن أحمد، «مكانة أصول الفقه في الثقافة المحظرية الموريتانية»، المكتب العربي للخدمات الثقافية، الطبعة: 2، 2001، ص: 65.
[15] محمد بن محمذن، «المحضرة ومواجهة التوغل الفرنسي في حوض نهر السنغال» ضمن كتاب «التصوف والتقريب الطائفي بين مصادر الحق وتضارب الأولويات»، أعمال ندوة تيكماطين للفكر الإسلامي، الدورة الخامسة -8 10 يوليوز 2005-تيكماطين موريتانيا، ص: 164.
[16] نفسه
[17] -الطلبة وشيوخهم كانوا يجمعون إلى جانب متعة العلم، متعة السياحة.
[18] -الخليل النحوي، مرجع سابق، ص: 228.
[19] . Vincent Monteil, « l’islam noir «, Editions du Seuil , 1980-
[20] وخلف قبيلة لمتونة قبيلة من صنهاجة تسمى جدالة وهم يجاورون البحر ليس بينهم وبينه أحد وهذه القبائل هي التي قامت بعد الأربعين والأربع مائة بدعوة الحق ورد المظالم وقطع جميع المغارم، وهم على السنة متمسكون بمذهب مالك بن أنس رضي الله عنه…. البكري، «المغرب في ذلك بلاد افريقية والمغرب»، تحقيق حماه الله ولد سالم، دار الكتاب العلمية، بيروت 2012، ص: 164.
[21] -في لقاء زعيم جداله يحي بن ابراهيم للفقيه أبي عمران الفاسي بالقيروان وجه الفقيه له العديد من الأسئلة تخص مذاهب الملثمين. «فرأه أبو عمران محبا للخير فأعجبه حاله فسأله عن اسمه ونسبه وبلده، وأخبره بذلك وأعلمه بسعة بلاده وما فيها من الخلق فقال له ومن ينتحلون من المذاهب، فقال له إنهم غلب عليهم الجهل وليس لهم كثير علم _» …ابن أبي زرع الفاسي، «الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس»، دار المنصور للطباعة والنشر الرباط 1972، ص: 122
[22] اليدالي محمد، «شيم الزوايا، نصوص من التاريخ الموريتاني «، تحقيق: محمدن ولد باباه، بيت الحكمة قرطاج،1990، ص: 57 .
[23] نفسه ص: 165
[24] للتعرف على سيرته الذاتية انظر: الخليل النحوي، «بلاد شنيقط، المنارة والرباط»، ص ص: -179 182؛ الطالب أخيار بن الشيخ مامينا، «الشيخ ماء العينين، علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الاوروبي «، ج: 1، مؤسسة مربية ربه لاحياء التراث والتبادل الثقافي ط 1، مطبعة بني يزناسن، سلا ،2005.
[25] بنيت على النمط المغربي الأصيل حيث بعث له مواد البناء من جبس وزجاج وخشب وعدد من المهندسين والبنائيين عبر سفينة ضخمة حطت في ميناء طرفاية. _ الخليل النحوي، مرجع سابق، ص: 181 .
[26] أحمد بن الأمين الشنقيطي، «الوسيط في ترجم أدباء شنقيط»، ص ص: 365_366.
[27] عبد الوهاب التازي سعود، «الشيخ ماء العينين، فصل من فصول اشعاعات الصحراء»، مجلة جامعة القرويين، ع: 2000، ص 18.
[28] -نذكر منها: «دليل الرفاق على شمس الاتفاق»؛ «هداية من حارى في أمر النصارى»؛ «مفيد الراوي على أني مخاوي».
– الخليل النحوي، «بلاد شنقيط، المنارة والرباط»، ص ص: 334_340؛ عبد الرحمان بن زيدان، «اتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس»، تحقيق: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، ط 1، القاهرة 2008، ص: 447.
[29] -الخليل النحوي، «بلاد شنقيط، المنارة والرباط»، ص: 336.
[30] — نفسه، ص: 281.
[31] -أمر الإسلام المسلمين بالقراءة والعلم والتعلم وقد أولى طلبة المحاضر عناية فائقة للعلم، فكثيرة هي القصائد التي نظمها بعض العلماء في حب العلم والانشغال به عما سواه من زخرف الدنيا وحطامها. للتوسع انظر: حديدي الحسين، «الحياة الفكرية والروحية بالمجال البيظاني خلال القرنين 18و19م»، منشورات مركز الدراسات الصحراوية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط 2014؛ محمد المختار ولد السعد، «إمارة الترارزة وعلاقاتها التجارية والسياسية مع الفرنسيين من 1703 إلى 1860»، جزءان منشورات معهد الدراسات الإفريقية، جامعة محمد الخامس الرباط 2002؛ محمد بن أحمد بن المحبوب، «المنهج التربوي للمحضرة الموريتانية: نظرة تقويمية ووضع في الميزان»، مجلة التاريخ العربي، العدد: 47، 2009.
[32] -الخليل النحوي، مرجع سابق، ص ص: 264_265. لقد كانت حركة الاتصال، جيئة وذهابا نشيطة عبر نهر السينغال وكان من أقدم المجموعات هجرة أدولحاج/ الترا رزة/ البراكانة/ أدوعيش/ اكمليلن/ طوائف من أولاد السباع/ ادوعلي …وغيرهم. والحق أن حالة التواصل ووشائج القربى التي ربطت سكان الصحراء بجيرانهم الأفارقة نتيجة الجوار الجغرافي خلق خيوط الألفة بين الطرفين حتى لأن هذه الألفة تطورت الى علاقة عائلية في بعض الأحيان نذكر منها تزوج أمير الترارزة محمد الحبيب بن أعمرابن المختار وريثة عرش براك (ملك) والوا الأميرة جمبت diombott وولدت له الأمير علي.
[33] -نفسه ص: 268.
[34] »بلاد شنقيط المنارة والرباط »، ص: 284 .