افتتاحية العدد الثالث
مدير تحرير المجلة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.
وبعد، فإن أمر عقد المعاقد، وشرف ضبط المقاصد، موكول لذي السواعد، العاضين على الدين بالنواجذ، وهذا مقام لا يدركه إلا المتحققون بالشواهد الدالة على صدق العبادة وصفاء الوجادة من الذين شغلوا أنفسهم بالأذكار وملؤوا أوقاتهم بالاستغفار في الآصال والأسحار.
ووفاء بما تم به الوعد من تخصيص العدد الثالث من مجلة العلماء الأفارقة لموضوع: «التصوف السني بإفريقيا: معالم وأعلام»، فقد عملت إدارة المجلة على تحقيقه، نظرا لما له من أهمية كبيرة على مستوى الفكر والسلوك في الإسلام ،ذلك أن التصوف يمثل الجانب القيمي والأخلاقي للدين الإسلامي الحنيف، وهو من معالم الإيمان، ومقاصد الإسلام، وغاية بعثة سيد الأنام، القائل في صحيح الأثر: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فالتصوف يمثل مقام الإحسان الذي هو أسمى مقامات الدين الثلاث التي هي الإيمان والإسلام والإحسان، وهي المدارج التي يترقى المكلف من خلالها في عبادة الله وذكره وشكره باللسان والجنان، في كل وقت وآن، فيصفو قلبه من الأمراض والأضغان، كما تصفو جوارحه من الخروج عن أخلاق القرآن.
علم به تصفية البواطن من كدرات النفس في المواطن
إن الأهمية التي يحظى بها التصوف في الإسلام هي التي جعلته مكونا من مكونات الفكر الإسلامي ومجالا خصبا من مجالات الممارسة العملية والدراسات العلمية في البلدان الإفريقية مع العقيدة الأشعرية والمذاهب السنية، وهي الثوابت الثلاثة التي يختزلها الإمام ابن عاشر في المرشد المعين حين يقول في تحديد موضوع منظومته:
وبعد فالعون من الله المجيد *** في نظم أبيات للأمي تفيد
في عقد الأشعري وفقه مالك *** و في طريقة الجنيد السالك
لذا كان التصوف في إفريقيا وما زال المنهج الأمثل لنشر الإسلام والاهتداء بهديه والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من الصالحين والمصلحين، ومن هؤلاء الإمام الشهير أبو القاسم الجنيد بن محمد المتوفى سنة 197 هـ سيد الصوفية علماً وعملا الذي يعد منهجه المنهج الصوفي السني المعتبر في البلدان الإفريقية، وهو أحد القواسم المشتركة بينها، والنموذج الغالب في التدين لدى معظم البلدان الإفريقية، كما أنه يمثل أهم الروابط التي تجمع المغرب بهذه البلدان عبر التاريخ من خلال الشيوخ والرموز الصوفية المغربية والطرق الصوفية المنتشرة بالمغرب وإفريقيا والتي كان لها الفضل في نشر الإسلام وتعاليمه في هذه القارة، كما أنه يمثل المنهج السلوكي البعيد عن الغلو والتطرف والتشدد في الدين الذي ابتلي به الكثير من شباب المسلمين في الشرق والغرب وهو ما سلمت منه البلدان الإفريقية إلى حد كبير.
وسيسهم السادة العلماء الأفارقة ونظراؤهم من المملكة المغربية في تسليط الضوء على المعالم الكبرى للتصوف السني في إفريقيا والتعريف بأهم الأعلام الصوفية الذين كانت لهم بصمات واضحة فكريا وروحيا في مختلف الأقطار الإفريقية وفي مختلف الطرق الصوفية بما يعود بالنفع على المسلمين والحمد لله رب العالمين.