الصور البديعية في شعر شَاتَا كَشْنا
خريج جامعة ولاية كدونا- نيجيريا
الصور البديعية في شعر شَاتَا كَشْنا كمال عبد الهادي إبراهيم كنكيا – خريج جامعة ولاية كدونا- نيجيريا
توطئة
قليلا ما يرى في كتاباتنا اليومية عنوان “الأدب المقارن” أو “الموازن” اللهم إلا ما كتبه الإفرنج أو بالأحرى الغربيون في مقالاتهم العلمية، لذا قررت أن أعتمده في معظم مقالاتي مبينا ما فيه من أوجه الجمال التصورية والخيالية بين الثقافتين العربية والهوسوية في الشعر والفكر والتصور والخيال وما جرى من التداخل الثقافي والحضاري بينهما منذ مئات السنين الغابرة.
ويهدف هذا البحث إلى بيان التصورية البديعية في شعر شاتا كشنا والتطرق إلى شيء بسيط من تاريخه العجيب منذ صغره إلى مماته مستندا غالبا على ما ذكره الدكتور علي قَنْقَرَا وإبراهيم شِيْمِي وغيرهم، وما كتبته عنه أيام كنت في الجامعة، بالإضافة إلى دراسة صورة بديعية لنماذج مختارة من شعره العطر، وبيان مدى تمكن الشاعر من القريض وتأثيره على السامع مباشرة أو غيره حتى لقبوه بأمير شعراء هوسا فيضرب المثل به في الشعر: “شَاتَنْ مَوَاكَا” لتفوقه على كل أقرانه في الشعر والنسق والزلاقة وهو فريد عصره ووحيد زمانه الفَلاتِي الأصل والهوساوي منطقة مُوْسَاوَا مولدا وفُنْتُوَا مسكنا ومرجعا، وآخر ما نظم هو بمناسبة فوز حاكم كَشْنَا عمر موسى يَرْأَدُوَا ثم بعد ذلك جَرْمَنْ كَنُوْ مَمَنْ دَنْ كَبُوْ.
ترجمة شَاتَا كَشْنَا
هو محمد إبراهيم “يَارُو رَارُمَا” ولقبه “مَنمَلُو وَشَاتَا”، والمراد بكلمة “مَنمَلُو” مشهور في بيع جوزة كولا، ومعنى كلمة “شاتا” الذي يعطي كل ما عنده للناس.
ينحدر أبوه وأمه من قبيلة فلاته، وأجداده من جانب الأب نزحوا من المكان المسمى ب”سَنيِنَّا “’sanyinna‘ بولاية كبي الحالي إلى كشنا واستقروا بمكان غني بالأعشاب وهو الآن “مُوسَاوَا،”
وهم المؤسسون لمدينة “مُوسَاوَا” بقيادة “مَالَمْ موسى” الذي سميت باسمه بعده، وأما أمه” لَارِيَا” فهي من “فَلَّاتَا بَرْنُو” أي قبيلة فلاته من أصل “بَرْنُو” واستقروا بأرض هوسا.
ولدت أمه “بِتُوفَا” بمدينة كانو، والتقت مع إبراهيم “يَارُوا رَارُمَا” لما زارت أقربائها بكشنا وبعد ذلك تزوجها، ولها ابن مع زوجها السابق، وابنان مع إبراهيم وهما:
محمد شاتا وأخته يَلْوَا.
ولد في مدينة مُوسَاوَا ولاية كشنا الآن في سنة 1923م[1].
حياته
نشأ بِمُسَاوَا حيث أكمل دراسته في الكتاتيب وهو ولد صغير كما هي عادة الهوسويين، وكانت مدينة مُوسَاوَا تحت مدينة “كَنْكِيَا” حينذاك، والآن هي المحلية المستقلة بكشنا.
وأبوه لم يرده قط أن يكون شاعرا لما يعتقده من أن الشعر نوع من التسوّل، فأراد لنجله الصغير أن يكون فلاحا أو تاجرا لكن القدر ألم به فكان شاعرا من الدرجة الأولى[2].
حياته الشعرية
لقبه أحد أقربائه “بِشَاتَا”، ومعناه الذي يعطي كل ما عنده للناس، واسم الرجل “بَابَا سَلَامُ”، اشتغل وهو ولد صغير ببيع جوزة كولا فيرجع بلا شيء، قد وزعه على ما كتب الله عليه الحظ من المارين أو في السوق، وإن سئل أجاب: وزعته على الناس، بعبارته المشهورة: “ nayi shata dasu” أي قد وزعته، فسمي بذلك “شَاتَا. ”
وكان أول الأمر يقول الشعر للتسلية في الأسواق ومجمع القوم“dandali” بعد العشاء، وترك التجارة أخيرا لصالح الشعر فخاضه وأجاده، فدخل كل أروقة وأزقة مدينة مُوسَاوَا[3].
ومن ثم استوطن مدينة “بَاكُورِي” رفقة عبد الله “إنْدِى“”indi” أمير مُوسَاوَا الذي كان يعمل هناك بمحلية المدينة كان وكيلا للبيع والشراء لمنتج القطن والفول السوداني، وفي مدينة “بَاكُورِي” تزوج شَاتَا من زوجته الأولى “إِيَا“ “iya” وأنجبت له ابنته المسماة آمنة، وقد توفيت وهي رضيعة في مدينة بَاكُورِي[4].
تجول في كل من كشنا وكانو التي زارها أول الأمر في سنة 1940م وكانت شهرته الباهرة في سنة 1952م بعد دعوة أمير عبد الله “بَايَرُو” “bayero” له في واقعة مشهورة تسمى بالزواج الملكي“ bikin yan sarki” حيث تزوج اثنا عشر أميرا ومن بينهم الأمير الراحل “أَدُو بَايَرُو” “ado bayero” نجل عبد الله بَايَرُو وتِيجَانِي قِرُو “turaki hashim” وغيرهم، قال الدكتور قنقرا صاحب كتاب“ mahdi mai dogon zamani” “مَهْدِي مَيْ دُوغُن زَامَانِي” وكتاب“ shata ikon allah” “شَاتَا ضمان من الله”: وفي هذه السنة شهد الشاعر شاتا مشهدا لم يشهده قط في حياته الشعرية حيث مات أشخاص بسبب الازدحام والشوق لرؤيته، حتى مات الولد وهو في حضن أمه ومات البعض تحت أنقاض المباني.
حضرت المشهد جموع لا مثيل لها في تاريخ الشعر الشعبي الهوسا، وفي سنة 1952م ذاع صيته في نيجيريا كلها وفي العالم واشتهر.
استغرق أسبوعا كاملا في كانو يغني الشعر ليلا ونهارا بلا توقف فأهدى إليه الأمير عبد الله بَايَرُو عشرة خيول[5].
مراحل شهرته
ذكر الدكتور علي قَنْقَرَا أهم مراحل شهرة شاتا على النحو التالي:
- – في سنة 1940م عندما دعاه بِلَادَنْ مَغَاجِي“ Baladan Magajin” نجل حاكم مدينة “كِيْ تَرِى”“Garin Ketare” بمدينة “مَلُمْفَاشي“”Malumfashi”.
- – وفي سنة 1941م عندما استدعاه مَمَّادَا دَنْ سَمْبُو“ Mamma dan Sambo” تاجر غني مات في سنة 1994م.
- – وفي سنة 1945م عندما زار مدينة كانو لأول الأمر استضيف بقرية “دُرُمِنْ كُلْكُلُ بمدينة غُرْزُ”.”Durumin Kulkul, Gwarzo“ “
- – وفي سنة 1952م عندما حضر الزواج الملكي بدعوة من الملك عبد الله بَايَرُو، فبها اشتهر كل الشهرة[6].
انتقل إلى مدينة “فُنْتُوَا” الحافلة بالسكان، ليست بعيدة عن “بَاكُورِي”، فمكث بها ما يقارب خمسين سنة تقريبا إلى مماته.
وكان أهم وأفضل شاعر شعبي في شمال نيجيريا في الثمانينات من القرن الماضي، محترما جدا لدى الطبقة العليا والوسطى.
سافر إلى عديد من الدول الإفريقية كما سافر إلى بلدان من الغرب كبريطانيا وفرنسا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه زار المملكة العربية السعودية من أجل الحج والعمرة[7].
نظم في عدة من الأغراض الشعرية الهوسوية من الزراعة والعادات والتقاليد والدين وغيرها[8].
عاداته الخارقة
يذكر علي قَنْقَرَا أنه ولد في ظروف غامضة، إذ سمع أصوات الطبول ليلة ولادته كل من كان بمُوسَاوَا، وكان يختفي أحيانا لمدة أسبوع كامل ثم يظهر فجأة، ذكرت ذلك أمه أيضا وزوجته ورفقاؤه فشاتا كشنا جن الإنس[9].
أسلوبه
قد استخدم شاتا كشنا مفردات سهلة غير معقدة، ومن أمثال ما استخدم من المفردات السهلة غير المعقدة قوله:
Allah me aradu me tarnatsa me kwarankwatsa, allah me gyara miyan kauye tai zakwa-zakwa, allah me gyara mutan kauye su bakwabakwa.
إلى قوله:
Rigama inya wuce su baffanmu kowa ya tabo, rigama inya wuce su yagwalgwal kowa ya tabo[10] .
فإنك إن تأملت جيدا في قوله لرأيت أنه قد استخدم من الألفاظ والمفردات السهلة التي تفهم من القراءة الأولى بلا أي تعقيد أو مصطلحات غامضة.
وكثيرا ما تجد في شعره السهولة مع البعد عن التعقيد الفاحش والإطناب والتكرار منه قوله:
Sardauna bahago dan hasan
إلى قوله:
Gama ranar tafiya lahira rannan babu zama duniya, yan yara ku sha shagalinku kuna duniya don kunsan babu kidi lahira.[11] .
وقوله:
Lafiya zaki manman baban galadima dan musa, sarari me kara gudun doki dan musa, fili me kara gudun doki dan musa,
إلى قوله:
Dan galadima bashari baban galadima dan musa, damo dan mamuda, bashar jikan audu,yana kallo suka cutanshi, yana kallo suka kwareshi, baice komai ba name daki manman yabar su wajen allah sai anje[12] .
وقوله:
Bawan allah manman da, tuwona maina namana amshin naune, manman da gangatace manman da marokana ne, manman da waka tauce, manman da ni kuma naka ne manman,:
إلى قوله:
Sai naje bakin teku naga ruwa na toroko, naga ruwa na tozaye, har nai tsoro na firgita yan yaran bakin teku sunce manman bari tsoro tekun ikon
allah ce kaima ikon allah [13].
يفهم منه كل ما فيه حسن النسق والترتيب مع تجنبه لكل أنواع التعقيد والإطناب والركاكة اللغوية، وأسلوبه جذاب ومتين مسلسل محكم.
وهو شاعر مطبوع، غزير الكلمات فصيح حكيم، فقد قام بعض الباحثين بدراسة قصائده وحصل بعضهم على الدكتوراه والماجستير فيها لا سيما فى ألمانيا وأمريكا.
ومن أفضل قصائده قصيدة مدح بها الجنرال محمد الثاني أَبَاشَى“ Gen. sani abacha” وما رثى به الزعيم الراحل حفيد المجدد أحمد بلو، وكذلك معلقاته المشهورة وما مدح به أيضا الأمير محمد البشير أمير “دَوْرَا” وكذلك الأمير عثمان إدريس. ومن أهم قصائده أيضا مدح كشنا أي القصيدة التي مدح بها كشنا ومطلعها: “ mutai gida” أي: نرجع إلى مسقط رأسنا، وهجاؤه المشهور المسمى بـ “gagara badau” أي: لا أحد مثلك وغيرهم[14].
مرضه ومماته
مرض واستشفي في مدينة كانو، ومن ثم جدة بالمملكة العربية السعودية، فأجريت له عملية في إحليله، وتوفي في يوم الجمعة من شهر يناير 18/1999م. ترك ثلاثة أزواج وبنتاً وتسعة عشر ولداً وثمانية وعشرين من الأحفاد حينذاك، ودفن كما أوصى بمدينة دَوْرَا في ولاية كشنا، رحمه الله تعالى وأدخله فسيح جناته آمين[15].
ويقال: نظم مجموعة من القصائد مدحا ورثاء وهجاء وعتابا ووصفا وغزلا وغيرها من الأغراض المعهودة. وعشرة آلاف بحسب ما قاله الدكتور علي قَنْقَرَا.
مفهوم الصورة البديعية
مفهوم الصورة عموما
عالم الشعر عالم جميل يموج بالحركة والألوان، لغته لا تعترف بالحدود والمنطق، يسعى الشاعر فيه وراء المطلق للتمسك به عبر تجربته الشعرية، متوسلا في ذلك بالكلمة والرمز والإيقاع والصورة، فالشعر صياغة جمالية للإيقاع الفني الخفي الذي يحكم تجربتنا الإنسانية الشاملة، وهو بذلك ممارسة للرؤية في أعماقها، ابتغاء استحضار الغائب من خلال اللغة. وهو ليس كالنثر الذي قوامه العقل والمنطق والوضوح… ويؤدي وظيفة إبلاغية مباشرة، إلا أن الشعر بخلاف ذلك فهو يعتمد على الخيال أو الرؤية التي تحيد بدلالة اللغة الحقيقية عما وضعت لها أصلا لتشحنها بمعان جديدة وإيحاءات غير مألوفة.
ويذكر “أدونيس” في كتابه (مقدمة للشعر العربي) أن الشعر يأتي مفاجئا غريبا عدو المنطق والحكمة والعقل ندخل معه إلى حرم الأسرار ويتحد بالأسطوري العجيب السحري.
والشعر أو الشاعر لا ينقل لنا الدلالات والمعاني بصورة رتيبة كما هي في الواقع ولكنه يروم اكتشاف كنه الأشياء بالشعور والحدس لا بالعقل والفكر؛ لأن الفكر لا يجوز أن يدخل العالم الشعري إلا متقنعا غير سافر متلفعا بالمشاعر والتصورات والظلال ذائبا في وهج الحس والانفعال… ليس له أن يلج هذا العالم ساكنا باردا مجردا، فالشاعر إذًا ليس كالعالم أو المفكر الذي يعبر بالكلمة العارية، إنه يعبر بالصورة والإشارة والرمز[16].
مفهوم الصورة
إنّ تحديد ماهية الصورة تحديدا دقيقا من الصعوبة بمكان؛ لأن الفنون بطبيعتها تكره القيود، ولعل هذا هو السر في تعدد مفاهيم الصورة وتباينها بين النقاد، بتعدد اتجاهاتهم ومنطلقاتهم الفكرية والفلسفية، وبالتالي أضحى للصورة مفهومان:
- مفهوم قديم لا يتعدى حدود التشبيه والمجاز والكناية.
- مفهوم جديد يضيف إلى الصورة البلاغية: الصورة الذهنية والصورة الرمزية بالإضافة إلى الأسطورة لما لها من علاقة بالتصوير.
مفهوم الصورة لغة
جاء في لسان العرب لابن منظور، مادة (ص و ر): الصورة في الشكل، والجمع صور، وقد صوره، فتصور، وتصورت الشيء توهمت صورته، فتصور لي، والتصاوير: التماثيل»[17].
قال “ابن الأثير”: «الصورة ترد في لسان العرب (لغتهم) على ظاهرها، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته، يقال: صورة الفعل كذا وكذا أي هيئته، وصورة كذا وكذا أي صفته»[18].
والتصوير في القرآن الكريم ليس تصويرا شكليا بل هو تصوير شامل تصوير باللون، وتصوير بالحركة وتصوير بالتخييل، كما أنه تصوير بالنغمة تقوم مقام اللون في التمثيل، وكثيرا ما يشترك الوصف والحوار، وجرس الكلمات، ونغم العبارات، وموسيقى السياق في إبراز صورة من الصور[19].
مفهوم الصورة في الاصطلاح
إن الدارس للأدب العربي القديم لا يعثر على تعبير الصورة الشعرية في التراث الأدبي بالمفهوم المتداول الآن، وإن كان شعرنا القديم لا يخلو من ضروب التصوير كما أسلفت؛ لأن الدرس النقدي العربي كان يحصر التصوير في مجالات البلاغة المختلفة كالمجاز والتشبيه والاستعارة، أما الصورة الشعرية كمصطلح نقدي الذي يُعنى بجماليات النص الأدبي قد دخل النقد العربي في العصر الحديث تأثرا بالدراسات الأدبية الغربية، ومسايرة لحركة التأثير والتأثر التي عرفتها الآداب العالمية وهو يتطور في حركية دائبة نحو الكمال، أخذ بقدر ما أعطى، وهذا ليس عيبا بقدر ما هو سعيٌ نحو المعاصرة والمحافظة على الأصالة والتميز[20].
لقد ركزت أكثر التعريفات النقدية للصورة على وظيفتها ومجال عملها في الأدب، ويلاحظ الأستاذ “الدكتور أحمد علي دهمان” أن مفهوم الصورة الشعرية ليس من المفاهيم البسيطة السريعة التحديد، وإنما هناك عدد من العوامل التي تدخل في تحديد طبيعتها: كالتجربة والشعور والفكر والمجاز والإدراك والتشابه والدقة …فهي من القضايا النقدية الصعبة، ولأن دراستها (الصورة) لا بد أن تُوقِع الدارس في مزالق العناية بالشكل أو بدور الخيال أو بدور موسيقى الشعر كما هو في المدارس الأدبية، فالصورة عند “أحمد علي دهمان” مركبة ومعقدة وتستعصي على الدارس. وللوقوف على مفهوم الصورة الشعرية وأهم عناصرها التركيبية، سوف أتتبع تعريفاتها عند القدماء مرورا بالمحدثين الغربيين ثم المحدثين العرب.
لقد ظهر الاهتمام بالصورة في الدرس الأدبي عموما، والشعر خصوصا، منذ حركة الترجمة التي عرفها الفكر العربي عن الفلسفة اليونانية، ومدى الاحتكاك الحادث بين الحضارتين الغربية والعربية[21].
مفهوم الصورة عند القدماء
لقد كانت الصورة الشعرية وما تزال موضوعا مخصوصا بالمدح والثناء، ولها من الحظوة بمكان، والعجيب أن يكون هذا موضع إجماع بين نقاد ينتمون إلى عصور وثقافات متنوعة، فهذا “أرسطو” يميزها عن باقي الأساليب بالتشريف، فيقول:
ولكن أعظم الأساليب حقا هو أسلوب الاستعارة …
ومما تقدم نخلص إلى أن “أرسطو” يربط الصورة بإحدى طرق المحاكاة الثلاث، ويعمِّق الصلة بين الشاعر والرسام، فإذا كان الرسام وهو فنان يستعمل الريشة والألوان، فإن الشاعر يستعمل الألفاظ والمفردات ويصوغها في قالب فني مؤثر يترك أثره في المتلقي.
وحتى تكون الصورة حية في النص الأدبي، لها ما لها من مفعول وتأثير، فلا بد لها من خيال يخرجها من النمطية والتقرير والمباشرة، فالخيال هو الذي يحلِّق بالقارئ في الآفاق الرحبة، ويخلق له دنيا جديدة، وعوامل لا مرئية تخرجه من العزلة والتقوقع.
فالخيال الذي يرى فيه “سقراط” نوعا من الجنون العلوي، والأمر نفسه عند “أفلاطون” الذي كان يعتقد “أن الشعراء مسكونون بالأرواح، وهذه الأرواح من الممكن أن تكون خيِّرة كما يمكن أن تكون أرواحا شرِّيرة، وهذا الاعتقاد بأن الشاعر مهووس وله علاقة بالأرواح والجن، له أثره في الشعر العربي القديم، فقد نسب إلى الشعراء المجيدين أن أرواحهم ممزوجة بالجن، كما نُسبوا إلى الوادي الذي تسكنه الجن حسب اعتقادهم وزعمهم، وكان وراء كل شاعر مجيد جِنٌّ يسنده ويلهمه”[22]. لقد أخذ العرب القدماء مفهوم الصورة من الفلسفة اليونانية، وبالذات الفلسفة الأرسطية، وجرَّهُم فصل “أرسطو” بين الصورة والهيُولى (مادة يصعب الإمساك بها) إلى الفصل بين اللفظ والمعنى في تفسير القرآن الكريم، وسرعان ما انتقل هذا الفصل بين اللفظ والمعنى إلى الشعر الذي يُعَد من الشواهد في تفسير القرآن الكريم على حد تعبير الدكتور “علي البطل” “فأبو هلال العسكري” يعلنها صراحة: » الألفاظ أجساد والمعاني أرواح. «أما “الجاحظ” فيرى أن المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج، وكثرة الماء وفي صحة الطبع وجودة السبك، وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير.
وضمن هذا الجو الذي اختلطت فيه القيم النقدية، وضاعت فيه المفاهيم البلاغية الجوهرية، وضع “عبد القاهر الجرجاني” القواعد الأساسية في البناء النقدي العربي من خلال فهمه لطبيعة الصورة، التي هي عنده مرادفة للنظم أو الصياغة، فنظرية النظم عنده لا تعني رصف الألفاظ بعضها بجانب بعض بقدر ما تعني تَوَخِّي معاني النحو التي تخلق التفاعل والنماء داخل السياق.
فالصورة إذًا حسب نظرية النظم مرتبطة ارتباطا وثيقا بالصياغة، وليس غريبا أن يراوح النقد العربي مكانه ويهتم بالشكليات والتفريعات والتقنين والتقعيد لمختلف العلوم وبخاصة البلاغية منها، “فالجاحظ” يرى أن الشعر ضرب من التصوير بينما نجد “قدامة بن جعفر” قد فتح الباب واسعا أمام المنطق في الشعر وبالتالي صار مفهوم الصورة متأثرا بهذه الثقافة النقدية حيث أصبحت مقصودة لذاتها، أي أنها غاية وليست وسيلة لفهم الشعر وإبراز جمالياته للمتلقي[23].
فكانت الصورة عندهم (القدماء) جزئية لا كاملة، فهي لا تتعدى كونها استعارة وتشبيها وكناية وغيرها من علوم البلاغة التي تهتم بتنميق المعنى ليس إلا.
وفي ظل هذا الموروث بادر “عبد القاهر الجرجاني” إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة ووضع الأصول الصحيحة لتغيير ما هو سائد عند سابقيه، فلم يتعمَّق أحد من النقاد العرب القدماء ما تعمَّقه عبد القاهر الجرجاني في فهم الصورة معتمدا في كل ذلك أساسا على فكرته في عقد الصلة بين الشعر والفنون النفعية وطرق النقش والتصوير.
مفهوم الصورة عند الغربيين
يعرف الشاعر الفرنسي “بيار ريفاردي “(1889 – 1960م)- وهو من المدرسة الرومانتيكية- لفظة صورة IMAGE بأنها: «إبداع ذهني صرف، وهي لا يمكن أن تنبثق من المقارنة وإنما تنبثق من الجمع بين حقيقتين واقعيتين تتفاوتان في البعد قلة وكثرة، ولا يمكن إحداث صورة المقارنة بين حقيقتين واقعيتين بعيدتين لم يدرك ما بينهما من علاقات سوى العقل»[24].
وإذا ما عرَّجنا على المدارس الأدبية الحديثة ونظرتها إلى الصورة، نجد أن (البرناسية) لا تعترف إلا بالصورة المرئية المجسمة أو ما يسمى (بالبلاستيكية) بعيدا عن نطاق الذات الفردية، وأما (الرَّمزية) فهي لا تقف عند حدود الصورة كالبرناسية ولكنها تطلب أن يتجاوزها الفنان إلى أثرها في أعماق النفس أو اللاشعور وبالتالي ابتدعوا وسائلهم الخاصة في التعبير كتصوير المسموعات بالمبصرات، والمبصرات بالمشمومات وهو ما يسمى بتراسل الحواس.
أما (السريالية) فقد اهتمت بالصورة على أساس أنها جوهر الشعر ولبُّه، وجعلت منها فيضا يتلقَّاه الشاعر نابعا من وجدانه، وبذلك تبدو الصورة خيالية وحالمة إلا أن الوجودية نظرت إلى الصورة على أنها عمل تركيبي يقوم الخيال ببنائها.
وانطلاقا من هذه الاتجاهات التي ذكرناها نخلص إلى النظرة المتكاملة لمفهوم الصورة الشعرية على حد تعبير “علي البطل” أنها: تشكيل لغوي يكونها خيال الفنان من معطيات متعددة، يقف العالَم المحسوس في مقدِّمتها؛ لأن أغلب الصور مستمَدَّة من الحواس على جانب ما لايمكن إغفاله من الصور النفسية والعقلية.
مفهوم الصورة عند العرب المحدثين
لقد توسع مفهوم الصورة في العصر الحديث إلى حد “أنه أصبح يشمل كل الأدوات التعبيرية مما تَعوَّدنا على دراسته ضمن علم البيان والبديع والمعاني والعَروض والقافية والسَّرد وغيرها من وسائل التعبير الفنِّي”، وهي عند “عبد القادر القط”: “الشكل الفني الذي تتخذه الألفاظ والعبارات يَنظِمها الشاعر في سياق بياني خاص ليُعَبِّر عن جانب من جوانب التجربة الشعرية الكامنة في القصيدة، مستخدما طاقات اللغة وإمكاناتها في الدلالة والتركيب والإيقاع والحقيقة والمجاز والترادف والتضاد والمقابلة والتجانس وغيرها من وسائل التعبير الفني… والألفاظ والعبارات هي مادة الشاعر الأولى التي يَصُوغ منها ذلك الشكل الفني أو يرسم بها صوره الشعرية.”
لم يعد مفهوم الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث ضيِّقًا أو قاصرا على الجانب البلاغي فقط بل اتسع مفهومها وامتد إلى الجانب الشعوري الوجداني، غير أن مصطلح الصورة الشعرية لم يُستعمَل بهذا المعنى إلا حديثا فهو عند “مصطفى ناصف” يستعمل عادة للدلالة على كل ما له صلة بالتعبير الحسي[25].
وتطلق أحيانا مرادفة للاستعمال الاستعاري للكلمات. ويقول في موضع آخر: إن لفظ الاستعارة إذا أُحسِن إدراكه قد يكون أَهْدَى من لفظ الصورة. ويُعَقِّب الأستاذ “أحمد علي دهمان” على تعريف الدكتور “مصطفى ناصف” للصورة قائلا: إنه قَصَرَ الدّلالة على الاستعمال المجازي، مع أن كثيرا من الصور لا نصيب للمجاز فيها، وهي مع ذلك صور رائعة خِصبة الخيال ثَرَّة العاطفة، وتدل على قدرة الأديب على الخلق أيضا. وهي عند الدكتور “نعيم اليافي”:» واسطة الشعر وجوهره وكل قصيدة من القصائد وحدة كاملة تَنْتَظِمُ في داخلها وحدات متعددة هي لَبِنَات بنائها العام، وكل لَبِنَة من هذه اللبنات تشكِّل مع أخواتها الصورة الكلية التي هي العمل الفني نفسه.
البديع وما هو البديع؟
البديع في اللغة هو الشيء الجديد والحديث والغريب، وإيجاد الشيء واختراعه على غير مثال، حيث يقول الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَسَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾[26].
ويُعرف البديع في الاصطلاح بأنَّه فن من فنون القول الحديث، وعلم البديع هو العلم الذي تُعرف به وجوه حسن الكلام؛ وذلك بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة، كما يُعرف بأنَّه النظر في تزيين الكلام وتحسينه بنوع من التنميق من خلال تفصيله بالسجع، أو استخدام الجناس، أو الترصيع، أو تورية المعنى، أو الاستعانة بالطباق، وما إلى ذلك[27].
ومضات تاريخية حول علم البديع
- عبد القاهر الجرجاني وعلم البديع:
وضع عبد القاهر الجرجاني أربعة معايير لبيان دور فن البديع في اللغة، وهي على النحو الآتي: توافق فنّ البديع مع المعنى وانسجامه معه. صدور هذا الفن عن الطبع، وخروجه عن السليقة، والإمساك به عن التكلّف والتصنّع. استخدامه لأغراض الفهم والتوضيح. تجنّب الإكثار من فنّ البديع دون هدف أو فائدة.
- بدر الدين الأندلسي الدمشقي وعلم البديع:
يذهب البلاغيون إلى أنَّ بدرالدين بن مالك الأندلسي الدمشقيّ هو أول من جعل البديع علماً مستقلاً؛ إذ أفرد هذا العلم في كتابه المعروف باسم (المصباح في علوم المعاني والبيان والبديع). ويُذكر أنَّه لخّص القسم الثالث من كتاب مفتاح العلوم للسكاكي، والتزم بتقسيم فنون علم البديع إلى محسنات معنوية، وأخرى لفظية[28].
- الخطيب القزويني وعلم البديع:
أفرد الخطيب القزوينيّ علم البديع في كتاب الإيضاح، وفصل هذا العلم عن علوم البلاغة الأخرى فصلاً تاماً، وبهذا انقسمت البلاغة إلى ثلاثة علوم، وهي: البيان، والمعاني، والبديع، وأصبح علم البيان يُعرف ببلاغة التعبير، بينما عُرف علم المعاني ببلاغة الإقناع والتأثير، أمّا علم البديع فأصبح معروفاً ببلاغة التحسين.
- فنون علم البديع:
وضع ابن المعتز ثمانية عشر فناً لعلم البديع، وتأثّر البلاغيون من بعده بما وضعه، وأخذوا يُطوّرون هذا العلم، فمثلا أولى قدامة بن جعفر علم البديع أهمية خاصة، وزاد على فنونه تسعة أنواع أخرى، ثم جاء أبو هلال العسكري وسار على نهج ابن المعتز وقدامة من فنون البديع، وأضاف إليه، حتّى وصلت فنونه إلى سبعة وثلاثين، وبعد ذلك زاد ابن رشيق القيروانيّ على سابقيه تسعة أنواع جديدة، ما جعل فنون البديع تتطور شيئاً فشيئاً، حتّى وصلت في القرن الثامن الهجري إلى مئة وخمسة وأربعين محسن بديعيّ. والمحسنات البديعية نوعان، وهما: المحسنات البديعية اللفظية: والتي تهدف إلى تحسين لفظ الكلام، تُفيد في تحسين المعنى؛ وذلك لأنَّ حسن المعنى مرتبط بحسن اللفظ. المحسنات البديعية المعنوية: يهدف هذا النوع إلى تحسين المعنى، كما يُفيد في تحسين اللفظ[29].
أنواع المحسنات البديعية
المحسنات المعنوية:
المحسنات المعنوية هي التي يكون التحسين فيها راجعاً للمعنى، وهناك أنواع كثيرة من المحسنات المعنوية منها:
الطباق: والذي يقسم بشكلٍ أساسي إلى طباق سلبي، وآخر إيجابي، وَالذي يعني الجمع بين الشيء وضدّه، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: ﴿وَتَحْسَبُهُمْ أيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ﴾[30]، فالطباق بين كل من ﴿أيقاظاً﴾ و ﴿رقود﴾.
المقابلة: تعني الإتيان بمعنيين غير متقابلين أو أكثر بحيث تتم مقابلتهما مع بعضهما البعض على الترتيب.
التورية: تعني ذكر لفظين لهما معنيين؛ بحيث يكون المعنى الأول هو المعنى القريب والظاهر، أما المعنى الثاني فهو المعنى البعيد وغير الظاهر، والذي يخفيه الشاعر.
حسن التعليل: هي إنكار القائل الشيء المعروف بشكلٍ صريح أو ضمني.
المشاكلة: هي أن يذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الشيء.
التوجيه أو الإيهام: هو أن يؤتى بكلام يحتمل على السواء معنيين متباينين، أو متضادين؛ كهجاء ومديح ليصل القائل إلى غرضه بما لا يؤخذ عليه.
المبالغة: هو وصف الشيء وصفاً مستبعداً أو مستحيلاً.
التبليغ: هو وصف الشيء بما هو ممكن عقلاً وعادةً.
الإغراق: هو وصف الشيء بما هو ممكن عقلاً لا عادةً.
الغلو: هو وصف الشيء بما هو مستحيل من ناحية عقلية[31].
المحسنات اللفظية
المحسنات اللفظية هي الكلمات التي يكون فيها التحسين راجعاً إلى اللفظ، والتي يحسن فيها المعنى نتيجة حدوث تحسين في اللفظ، ومن الأمثلة على هذا النوع من المحسنات:
الجناس: هو عبارة عن حدوث تشابه في اللفظ وفي النطق مع اختلاف في النطق والمعنى، أو أن يتشابه اللفظان في النطق ويختلفا في المعنى.
السجع: هو حدوث توافق في الفاصلتين من ناحية النثر؛ أي حدوث تشابه في الحرف الأخير، مما يضفي جمالاً عاماً على النص.
رد العجز على الصدر: يحدث من خلال جعل أحد اللفظين المكررين متجانسين من ناحية اللفظ[32].
نكتفي بهذا القدر إذ الغرض ليس المطالعة في الكلام كما قلنا سابقا وإنما ذكر بعض ما ورد من الصورة البديعية في شعر شاتا كشنا.
دراسة صور بديعية لنماذج مختارة في شعر شاتا كشنا
إذا تأمل القارئ في شعر شاتا كشنا فسيجده يميل إلى السهولة في الألفاظ والتركيب والبناء، كأن شعره مرآة حياته وثقافته وحضارته، فتجده يذكر من الطبيعة والبيئة ما لا يذكره غيره، وتارة يتحدث بلغة الحيوان والطيور ذاكرا مشاعرهم، فكأن لسان حاله يقول: ها أنا أسجل لكم كل شيء من الطبيعة والبيئة. ذكر في شعره البحر والأشجار والجبال والوديان وغيرها.
الثقافة
امتدت ثقافة الشاعر من تراث الأدب القديم لشعب هوسا، إلا أنه انفلت من القديم شبه الكلي فجاء بالجديد تابعا لمذهب الشعر الحر فخاض فيه وأجاده. كان شعب هوسا قديما ممن تأثروا بالعرب في القول والشعر وولد بذلك الوزن والقافية وكل ما يتمحور أو يندرج تحته من العيوب والعلل والزحفات المعهودة في الشعر العربي. وقد نظم بلغة هوسا القدامى بالوزن والقافية على غرار العرب وعلى رأسهم الشيخ المجاهد عثمان بن فودي وأقرانه وممن جاؤوا بعدهم..
كان شاتا كشنا ممن تأثروا بالقدامى في القريض من حيث النظم والترتيب فكان أميرهم ووريثهم الفذ في مستوي الأداء والتأثير على غيره، وأخذ من الطبيعة والبيئة مصدر الإلهام والخيال والفكر معا وكذلك قدرته الفائقة على استيعاب الأفكار بسرعة بحيث يقول الشعر كله مرتجلا بلا أي نوع من استعداد مسبق أو أدنى معرفة، فظهرت الطبيعة جليا في شعره، ومما قاله الشاعر في الطبيعة والبيئة في قصيدته قوله:
[33]Sarari me kara gudun doki dan musa, fili me kara gudun doki dan musa.
وقوله:
gwaron giwa me ban tsoro dan shehu, toron giwa ba fasawa dan usamanu, baba kan kada me kwari kan giwa me rangwan-gwan…..me sankwan nera dan usman.[34] : وقوله
Allah me aradu me tarnatsa me kwarankwatsa, allah me maida miyan kauye tai zakwa-zakwa, allah me maida mutan kauye su bakwa-bakwa, Allah bamu lafiya me sama bamu lafiya gobe muje cikin gari dan muce zogala da kule, ko kuma muce kusai da dumi, allah jeramana allah jeramana ruga, allah maisheni riga, shanun dan Fulani sun kare sai zuwa gari, mu tara ne gidan su baffamu shanunmu biyu, mu shanunmu dayake sun kare nakai ga wasu, allah turo rigima me sama turo rigama shanun kowa su bace bamuda komai a ruga, amma banda su baffa na ruga, kai rigima inyawuce su baffanmu kowa ya tabo, rigima inyawuce su yagwalgwal kowa ya tabo, rigima inyawuce su yafindo kowa ya tabo, amma banda tumakanmu biyu, banda awakanmu biyu, allah gyaramana, [35]allah gyramana, allah gyaraman.
لو تأملت فيه بالإمعان لرأيت أنه أبدع فيه بشتى الأنواع من البديع، فعلى سبيل المثال قوله: Sarari me kara gudun doki dan musa, fili me kara gudun doki dan musa.
فيه نوع من التورية؛ لأن المعنى هنا: أنت الذي تسهل الأمور للناس وتلبي كافة مطالبهم وتشفق عليهم. وقوله:
gwaron giwa me ban tsoro dan shehu, toron giwa ba fasawa dan usamanu, baba kan kada me kwari kan giwa me rangwan-gwan…..me [36]sankwan nera dan usman.
فيه نوع من الغلو، إذ الممدوح ما بلغ كل هذه الصفات، إلا أن الشاعر أقر عليه بها فكان بذلك شبه الذم عليه كما قال ابن الرومي في قصيدته المشهورة: سألتك في شيء فجدت ببذله..
وفيه من التشبيهات والاستعارات وغير ذلك مما ليس مجاله هنا للذكر، وهذه
شهادة على كمال قدرة شاتا كشنا في الشعر والنسق والبيان.
وقوله:
allah me aradu me tarnatsa me kwarankwatsa.
وهو المشاكلة، ذكر كل هذه لصحبة قوله في بدء الأمر كلمة الرعد فشاكل بعده بهذه الكلمات. ولو أمعنت النظر فيه لخرجت منه الاقتباس من قوله تعالى: ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾[37].
صور فيه الطبيعة والبيئة- أعني بيئة هوسا- جليا في بيانه وصور المجتمع مع سرده دأب الزراعة والفلاحة ورعاية الأبقار والأغنام والمواشي وحياة المجتمع ككل.
لجأ الشاعر إلى تصور الرعد بعدة من السمات وقرب إلى السامع قوة الله تعالى وقدرته وكيف يسير الأمور طبقا لقدرته العظيمة، وانتقل إلى تصور البادية وحياتها مع الميل إلى التسلية أحيانا وإلى التهديد تارة أخرى فكان موضع قوله التصور البديع مائلا إلى الذم مع قليل المدح والتسلية، يذكر الأسماء ليقرب إلى السامع ما يجول في خاطره ويذكر المواضع والأماكن التي في العادة بمجرد ذكرها تأتي إليك الذكريات والخيال، فكان الاستماع إليه مدرسة من المدارس الخيالية للبيئة والطبيعة والحياة يفهمه الصغير لسهولته والكبير لبلاغته والعالم لحكمته وكلماته .
الحضارة
كانت الحضارة على مر الزمان والعصور من أهم العناصر لدى الشعراء فكثيرا ما تجد في أقوالهم وأشعارهم أثر الحضارة التي عاشوا فيها، وكانت الحضارة مصدر إلهام وعلم وذوق لدى الشعراء، حتى إنك تستطيع أن تميز بين من عاش في زمن كذا ومن عاش في زمن كذا بسبب اختلاف الحضارة والزمان، فتجد الشاعر يذكر من الأشياء المنقرضة والأخرى الغريبة تماما، فكانت الحضارة مصدرا مهما من المصادر الفنية والتاريخية. والحضارة هي عدّة إنجازات ذات طبيعة ملموسة يساهم في ظهورها مجتمع معين، عن طريق تأثيره في أغلب مجالات الحياة سواء الدينيّة أو الاجتماعيّة أو العمرانيّة أو السياسيّة، بسبب ظهور تفاعل بين الشعوب والبيئة التي يولدون فيها.
وتُعرَّف الحضارة بأنّها الثمرة الناتجة عن الجهود الإنسانيّة التي تُساهم في تحسّن ظروف الحياة، سواء كانت هذه الجهود مقصودةً أم غير مقصودة للوصول إلى ثمرة الحضارة.
ومن التعريفات الأُخرى للحضارة أنها كلمة مشتقة من الجذر الثلاثيّ العربيّ “حضر”، وتُمثّل مجموعة من المنازل والقُرى المأهولة بالسُكّان، كما استخدمت كلمة الحضارة للإشارة إلى المجتمعات المعقدة التي يسكن فيها أكثر من شخص، ويعملون في الزراعة أو الصناعة[38].
والمظاهر الحضارية التي عاش فيها شاتا كشنا في نيجيرية كانت مصدرا مهما في تصوره البيئة والطبيعة على حد سواء، إذ صاغ منها صورة بديعية فنية تدل على مدى التقدم الحضاري الذي بلغته مدينة كشنا خاصة وفي نيجيرية عامة. وكثر في أشعار شاتا كشنا ذكر أسماء الطيور والحيوان والمباني ومكونات الطبخ وأسماء أبطال الجهاد وأسماء بعض الكتب الدينية وغير ذلك، ومثال ذلك عند قوله:
To bismil Ilahi jalla Ubangiji,
Kaji karatu masu bugun ruwa wa’inda ke zikiri a kulubiya,
Anan muke sallar mu ta juma’a,
Mutattaro kayamu mukai ”niger“,
Kasha ruwannan ba tsanani bane,ruwa na kwalba
Ba lefi bane ai kaga alhaji shata sha yake,
Dawa da wane yasha ya mutu, Dan killi arne yasha ya mutu, asha ruwa
Ba lefi bane ai kaga alhaji shata sha yake,
Dawa da wane yasha ya mutu,
Dan killi arne yasha ya mutu, Mai dari yazo ya shaya mutu,
[39]Alu na bagaran ya sha ya mutu,
Kaji wanda yasha tun ran juma’a dashi da tashi sai wata juma’a,
Dashi da mata nadaka saifada,
Mata suna giyarnan bata hatsi bace, Inta hatsice waya siya masa,
Shehu na sabo mai tsanin sani shi ya fadi mana
Duk masu hauka masu wauta basu da hankula dame ganin kwalba ba tashi ba ya mika hannu yayi aikin kawai damai zaman…!!!, Bismill llehi jalla ubangiji, bane
Da mai shiga ”Hotel“ba kokwabo yafi su wauta wawan duniya,
Kaga mai barin farkasaa taibiri ya sake tibirwawan duniya, Ya daura ya… !!!wannanya daura yaki shiga duniya,
Yara mukama wasan kulubiya mutashi kanan mu koma daga nan ne muka zikirin mu na juma’a[40],
Kasha musha ruwa ai ba lefi bane gataka ga tau kowa ya aje,
Ga takaga tau gaude alhaji,
Ni dan ruwana yakare mani [41].
يجد المتأمل فيه أسماء الأبطال والشخصيات المجونية والخمرية والتسلية والأسماء والأماكن وغير ذلك، وفيه الطباق فقوله: من شرب ولقي حتفه؟ كأنه ينكر أن الخمر ضارة بالصحة. ثم سرد علتها بقوله: “شربها فلان ومات وهكذا فلان”. وفي أشعاره كذلك التوجيه والإيهام والإغراق في مدح الخمر وكذلك حسن التقسيم والسجع ورد العجز على الصدر، وكل هذا يدل على قوة الفكر والتقدم الحضاري في نيجيرية.
برع شاتا في السجع والغلو الفائق في المدح والذم واشتهرت قصيدته المسماة ب”غَاْغَرَبَدَوا” لما فيها من الذم العنيف، واشتهرت أيضا قصيدته في مدح أمير مدينة “زَكْزَكْ” لما فيها من المدح الفاحش، فبيئة أرض كشنا ساعدته معنويا وفكريا في تكوين المفردات والألفاظ إذ لهجتهم لهجة متوسطة بين لهجة أهل “صُوْكُتُو” ولهجة أهل “كَاْنُو” وبعيدة كل البعد عن لهجة أهل “زَكْزَكْ”، وهؤلاء الأربعة هم المسمون بالهوسويين، فشاتا وإن كان فَلاتيِ الأصل فهو هوساوي منطقا وهو لا يجيد شيئا من لغته الأم كباقي أهل كشنا الذين انحدر معظمهم من قبيلة فَلاتة وبعضهم من قبيلة كَاْنُوْرِية واستهوسوا بعد ذلك.
مساهمة شَاْتَا كَشْنَا في تقدم لغة هوسا
ومما لا شك فيه أن شاتا كشنا ساهم في تقدم لغة هوسا في العالم وفي القارة الأفريقية خاصة، إذ انتشرت قصائده في بريطانية وألمانيا وأمريكا، فكان شاتا موضع بحث في الجامعات والمعاهد العالمية، وحصل على الدكتوراه والماجستير باحثون ودارسون لقصائد شاتا كشنا في الغرب وأفريقيا بشتى الجامعات منذ الخمسينات من القرن الماضي، وحتى الآن لا يزال موضع الاهتمام لدى دارسي لغة هوسا والأدب عامة، وما من جامعة في العالم تدرس هذه اللغة إلا ويكون شاتا حاضرا فيها فكان بمثابة البركة والكرامة التي كتب الله تعالى عليه أيام حياته وبعد مماته. واهتم به الغربيون اهتماما خاصا حتى استقبلته جامعة بأمريكا فكرمته، وسافر إلى عديد من الدول العالمية أيام حياته، فمنحته جامعة أحمد بلو زاريا الدكتوراه الفخرية لمساهمته في تقدم لغة هوسا في العالم، فكان اسم شاتا رمزا من الرموز لدى طلاب لغة هوسا والأدب، أنشد للملوك والرؤساء وكبار الشخصيات والمشاهير وأنشد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وأنشد للفقراء والمساكين وفي كل شيء تقريبا. كان شعره وعاء لتاريخ هوسا ومصدرا فكريّاً وإلهاميّاً نازع أقرانه وافتخر بنفسه وموهبته الفذة، فكان الجواب عليه السكوت، وحسد على ذلك ورمي بشتى أنواع من الضغينة فكان الله تعالى في عونه دائما.
الهوامش
[1] – الدكتور علي قَنْقَرَ، تاريخ مقابلته: 18 / 2 /2018م.
[2] -المرجع نفسه.
[3] -الدكتور علي قَنْقَرَ، تاريخ مقابلته: 18 / 2 /2018م.
[4] -المرجع نفسه.
[5] -كمال عبد الهادي إبراهيم، خمريات أبي نواس وخمرية شاتا كشنا دراسة موازنة، جامعة ولاية كدونا، 2018م.
[6] -كمال عبد الهادي إبراهيم، خمريات أبي نواس وخمرية شاتا كشنا دراسة موازنة، جامعة ولاية كدونا، 2018م.
[7] -المرجع نفسه.
[8] – كمال عبد الهادي إبراهيم، خمريات أبي نواس وخمرية شاتا كشنا دراسة موازنة، جامعة ولاية كدونا، 2018م.
[9] -المرجع نفسه.
[10] -القصائد المسجلة بالشريط (1980م)، وبعض التطبيقات.
[11] -القصائد المسجلة بالشريط (1980م)، وبعض التطبيقات.
[12] -المرجع نفسه.
[13] -القصائد المسجلة بالشريط (1980م)، وبعض التطبيقات.
[14] -الدكتور علي قَنْقَرَ، تاريخ مقابلته: 18 / 2 /2018م.
[15] -الدكتور علي قَنْقَرَ، تاريخ مقابلته: 18 / 2 /2018م.
[16] -الأستاذ عبد الحميد قبايلي، الصورة الشعرية بين إبداع القدامى وابتداع المحدثين.
[17] -المرجع نفسه.
[18] -المرجع نفسه
[19] -الأستاذ عبد الحميد قبايلي، الصورة الشعرية بين إبداع القدامى وابتداع المحدثين.
[20] -المرجع نفسه
[21] -الأستاذ عبد الحميد قبايلي، الصورة الشعرية بين إبداع القدامى وابتداع المحدثين.
[22] -المرجع نفسه
[23] الأستاذ عبد الحميد قبايلي، الصورة الشعرية بين إبداع القدامي وابتداع المحدثين
[24] الأستاذ عبد الحميد قبايلي، الصورة الشعرية بين إبداع القدامي وابتداع المحدثين
[25] الأستاذ عبد الحميد قبايلي، الصورة الشعرية بين إبداع القدامي وابتداع المحدثين
[26] -سورة البقرة: 117.
[27] -إيمان الحياري، قواعد اللغة العربية، باب تعريف علم البديع.
[28] -المرجع نفسه
[29] -إيمان الحياري، قواعد اللغة العربية، باب تعريف علم البديع.
[30] – سورة الكهف: 18.
[31] -قواعد اللغة العربية، مرجع سابق.
[32] -قواعد اللغة العربية، مرجع سابق.
[33] -القصائد المسجلة بالشريط (1980م)، وبعض التطبيقات.
[34] – المرجع نفسه.
[35] -القصائد المسجلة بالشريط (1980م)، وبعض التطبيقات.
[36] -المرجع نفسه.
[37] -سورة الرعد: 13.
[38] -وسام طلال، حضارات.
[39] -القصائد المسجلة بالشريط (1980م)، وبعض التطبيقات.
[40] -المرجع نفسه.
[41] -المرجع نفسه.