العقيدة الأشعرية في السودان الغربي وأعلامها
نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالنيجر االمكلف بالشؤون الإدارية والمالية
العقيدة الأشعرية في السودان الغربي وأعلامها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان، على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد،
تمهيد
فتعتبر منطقة السودان الغربي من أهم المناطق التي تأثرت بالمغرب الأقصى منذ قرون طويلة؛ ولهذا تبنت مجموعة من المبادئ الإسلامية التي جاءتها عن طريق المغرب.
ومن هذه المبادئ الإسلامية التي كان للمغرب فضل السبق في إدخالها بمنطقة السودان الغربي، العقيدة الأشعرية التي تنسب إلى أبي الحسن الأشعري.
فقد تسربت هذه العقيدة إلى منطقة السودان الغربي منذ أن تبناها المغاربة مذهبا رسميا للدولة المغربية في عهد الموحدين حتى أصبحت العقيدة المفضلة لدى المجتمع السوداني بفضل هجرة المغاربة إلى المنطقة– وخاصة حملة العلم منهم- الأمر الذي أدى إلى تلاقح فكري وتواصل اجتماعي بين المنطقتين.
ونظرا إلى أهمية العقيدة الأشعرية في تعزيز التسامح والسلام وتوحيد المسلمين في شمال أفريقيا وغربه، وتلبية لدعوة لجنة مجلة العلماء الأفارقة، رأينا أن نشارك في هذا العدد- الذي خصص للمدرسة الأشعرية في السياق الإفريقي ودوره في تعزيز التسامح والسلام- بالموضوع الآتي: العقيدة الأشعرية في السودان الغربي وأعلامها.
وقد تناولنا الموضوع في مبحثين وخاتمة:
في المبحث الأول تحدثنا عن دخول العقيدة الأشعرية إلى السودان الغربي وعن العوامل التي أسهمت في ذلك، وأثرها في تعزيز التسامح والسلام وتوحيد شمال القارة وغربها.
وفي المبحث الثاني تعرضنا لذكر نبذة عن بعض العلماء الذين أسهموا في نشر العقيدة الأشعرية وترسيخها في السودان الغربي.
أما الخاتمة فقد دونّا فيها أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذا البحث.
المبحث الأول: العقيدة الأشعرية في السودان الغربي
أولا- دخول العقيدة الأشعرية إلى السودان الغربي
إذا كانت كتب التاريخ تبين تاريخ دخول الأشعرية إلى الغرب الإسلامي، فإن كتب تاريخ السودان الغربي والتراجم لا تنص على تاريخ وصول هذه العقيدة إلى المنطقة، لكن الشيء المؤكد، والذي لا مراء فيه أن المجتمع السوداني منذ القرن الثامن الهجري لم يعرف عقيدة ولا مذهبا إلا المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني المعتدل أسوة بشيوخهم المغاربة، ومما يؤكد هذا الكلام ما يلي:
- أن بعض الفقهاء يؤكدون أن أغلب أتباع المذاهب الفقهية كانوا يتمذهبون بهذه العقيدة التي تعتبر عقيدة أهل السنة والجماعة.
فهذا الإمام السبكي يذكر في كتابه «معيد النعم ومبيد النقم» أن أتباع المذاهب الفقهية على عقيدة أهل السنة والجماعة، إذ يقول: «… وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة، ولله الحمد، في العقائد يد واحدة، كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية، فلم نر مالكيا إلا أشعري العقيدة[1]».
فإذا كان جميع المالكيين يتمذهبون بهذه العقيدة، فإن السودانيين الذين يعتبرون تلامذة لشيوخ المغاربة أحرى أن يتمذهبوا بعقيدة شيوخهم.
- ما جاء في مقدمة «فتح الشكور» أن من الطابع المغربي للثقافة العربية في السودان الغربي: العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي والانتماء إلى طريقة الجنيد في التصوف[2].
وفي هذا يقول المؤرخ النيجيري عبد الله الآلوري: «.. وكان اتصال مسلمي نيجيريا بمصر وشمال أفريقيا والحجاز من أجل التعلم اتصالا قويا، حتى صارت هذه البلاد تضاهي تلك البلاد في العقيدة والمذهب ومنهج الحياة والتعلم، إذ كان الطلاب يرتحلون لطلب العلم إلى القيروان وفاس» …[3].
وإذا كان المجتمع السوداني تأثر بالمجتمع المغربي في المذهب وفي باقي مناحي الحياة الاجتماعية، فإن تأثرهم بالمجتمع المغربي في الجانب العقدي أحرى أن يكون.
- أن من اطلع على مؤلفات علماء السودان فسيلاحظ ظاهرة الحضور المكثف للمصادر المغربية من جهة، والمالكية الأشعرية من جهة ثانية[4].
ولعل عدم تنصيص كتب التاريخ على أشعرية المجتمع السوداني يرجع إلى بداهته؛ إذ لم يعرف المجتمع السوداني خلال القرن الثامن الهجري إلى وقت قريب أي عقيدة غيرها؛ ولهذا إذا نظرت إلى كتب التراجم وكتب التاريخ التي كتبت في القرن التاسع إلى القرن الحادي عشر في السودان الغربي فلا تجد كتابا ينص على هذا الجانب، مثل «نيل الابتهاج» و «كفاية المحتاج» لأحمد بابا وتاريخ السودان للسعدي وتاريخ الفتاش لكعت.
بل حتى كتب التراجم التي كتبت بعد القرن الحادي عشر لا تنص على هذا الجانب إلا نادرا، فمثلا «فتح الشكور» الذي ترجم لكثير من علماء التكرور لم ينص على أشعرية المترجمين إلا في أربعة مواضع فقط، عندما ترجم صاحب الكتاب لنفسه حيث جاء في مقدمته: «… قال الشيخ الفقيه الولي… المالكي الأشعري اعتقادا. »..
وذكر أيضا في ترجمة الفقيه الأمين بن محمد بن عيسى أنه مالكي المذهب أشعري الاعتقاد…[5] وفي ترجمة الطالب محمد بن الطالب عمر يقول: «.. المالكي مذهبا، الأشعري اعتقادا، الشاذلي طريقة»..[6]. وفي ترجمة عمر بن الخطاط يقول: «… المالكي مذهبا، الأشعري اعتقادا»..[7].
في ترجمة هؤلاء الأربعة فقط وجدت صاحب «فتح الشكور» ينص على العقيدة الأشعرية، وهؤلاء كلهم من الذين عاشوا بعد القرن الحادي عشر؛ ولهذا أرجح أن عدم تنصيص كتب التاريخ والتراجم على عقيدة المترجمين لهم من العلماء يرجع إلى بداهة اختيار المجتمع هذه العقيدة منذ ما انتصر لها الموحدون بالمغرب خلال القرن السادس الهجري إلى وقت قريب.
وما احتجاج علماء السودان المتكرر بآراء الإمام الغزالي والقاضي عياض والقرافي والشاطبي وأبي عمرو السلالجي وأبي عبد الله السنوسي وغيرهم من أقطاب هذا المذهب إلا دليل قاطع على صلتهم الوثيقة بالعقيدة الأشعرية، ودراسة مؤلفاتهم في الاعتقاد.
وخلاصة القول أن كتب التاريخ والتراجم لعلماء السودان الغربي لم تبين تاريخ دخول العقيدة الأشعرية في المنطقة، لكن الشيء المؤكد أن المجتمع السوداني لم يعرف مذهبا ولا عقيدة من القرن الثامن الهجري إلى القرن الثالث عشر إلا الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني المعتدل أسوة بأساتذتهم المغاربة.
ثانيا- العوامل التي أسهمت في ترسيخ العقيدة الأشعرية في السودان الغربي
إن منطقة السودان الغربي أو غرب أفريقيا منذ أن دخل أهلها في الإسلام واستقرت عقائده في نفوسهم وأشربت حبه قلوبهم ما عرفوا إلا الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني المعتدل، وقد ساعد في ترسيخ العقيدة الأشعرية وتجذرها في مجتمع غرب إفريقيا عدة عوامل، منها:
- خلو منطقة السودان الغربي من تيارات فكرية غير العقيدة الأشعرية:
إن السودان الغربي لم يشهد فرقا فكرية متنوعة كالتي شهدتها بعض المناطق في العالم الإسلامي، الأمر الذي جعل أهل السودان يعتنون بهذه العقيدة التي جاءت من قبل شيوخهم المغاربة الذين ما فتئوا يدافعون عن هذه العقيدة إلى يومنا هذا.
- دور المغرب البارز- الذي يعد المحضن الأكبر لهذا الفكر، والداعي الأول إلى مبادئه والتزام منهجه- في نشر الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني المعتدل في مختلف أرجاء القارة الأفريقية بجهود علمائه الذين بدت آثارهم واضحة وثمارهم ظاهرة في أقاصي القارة الإفريقية، حيث استطاعوا أن يرسخوا الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية في كل أرجاء غرب إفريقيا التي بلغتها دعوتهم.
- – هجرة كثير من علماء المغاربة إلى السودان الغربي أدت إلى تلاقح فكري وتواصل اجتماعي باعتبار السودان أكثر المناطق أمنا ورفاهية في القرون الماضية، مما أعطى أهل غرب إفريقيا فرصة التواصل مع حملة العلم من المغاربة، فأثمرت هذه الجهود الدعوية اختيار مجتمع غرب إفريقيا الفقه المالكي مذهبا والأشعرية عقيدة والتصوف السني سلوكا، لا يبغون عنها بديلا.
- – دور علماء المغاربة في بيان مزايا هذه العقيدة وتحبيبها إلى الناس؛ لما لمسوه فيها من تعزيز التسامح والسلام، وحفاظ على جوهر العقيدة وحرص على درء التشبيه والتعطيل، ولما لمسوه فيها أيضا من وسطية تتجاوز القراءة الحرفية للنصوص، كما تتجاوز التأويل البعيد الذي يصادر دلالة النص من غير داع ملجئ. يقول الإمام السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» في بيان مزايا هذه العقيدة، وأنها عقيدة أهل السنة: «… اعْلَم أَن أَبَا الْحسن لم يبدع رَأيا وَلم ينشئ مذهبا وَإِنَّمَا هُوَ مُقَرر لمذاهب السّلف مناضل عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ صحابة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فالانتساب إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار أَنه عقد على طَرِيق السّلف نطاقا وَتمسك بِهِ. ..»[8].
ولا شك أن المميزات التي تتميز بها هذه العقيدة من تعزيز التسامح والسلام والحفاظ على جوهر العقيدة، ووسطيتها واعتبارها عقيدة السلف جعلت علماء السودان يهتمون بها وبترسيخها في المجتمع.
- – دور علماء السودان الذين كان لهم اليد الطولى والفضل الكبير في انتشار العقيدة الأشعرية، حيث أخذوا لواء نشرها بين المجتمع وطلبة العلم، واعتنوا بكتبها شرحا وتأليفا وتدريسا وتعليقا.
ومن العلماء الذين اعتنوا بتدريس العقيدة الأشعرية القاضي محمود الذي قضى حياته في تدريس العقيدة السلالجية[9]، والفقيه أحمد بن أحمد بن عمر أقيت الذي كان يدرس «أم البراهين»، وله تعليق حسن عليه[10]، والفقيه محمد بن محمود بغيغ الذي قضى عمره في ترسيخ هذه العقيدة من خلال تدريسه عقائد السنوسي وشرح الجزائرية عليها[11]، والشيخ أحمد بابا التنبكتي الذي له شرح على «أم البراهين»[12]، والفقيه محمد بن أحمد بن القاضي محمد بن بكر بغيغ الذي نظم «أم البراهين» نظما حسنا فوجد قبولا كبيرا في أوساط العامة والخاصة[13]، والسلطان الفقيه العالم عثمان بن فودي الذي ألف عدة كتب في التوحيد. جاء في مقدمة أحد مصنفاته في التوحيد «سراج العوام» بعد البسملة والتصلية: «… قال العبد الفقير إلى ربه المشفق من خبث صنعه عثمان بن محمد بن عثمان الفلاتي نسبا، المالكي مذهبا الأشعري اعتقادا… أما بعد: فهذا كتاب موضح بعون الله مقاصد علم الكلام وسميته (سراج العوام إلى سماع علم الكلام)، وبالله أستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل، فأقول أولا: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، واعلم رحمك الله تعالى، أن مدار علم الكلام الذي هو علم التوحيد على ثلاثة أقسام»…[14]، وأخوه الفقيه العالم الجهبذ عبد الله بن فودي الذي نظم العقيدة الوسطى وقد جاء في مقدمته[15]:
الحمد لله الفرد الصمد *** سبحانه عن والــــــد وولد
ثم صــلاته مع السلام *** على نظام سلكة الأنــــام
محــمد وآلـــه الهادين *** وصحبه الذين شادوا الدين
وبعد لما كان أصل الدين *** أفضل العلم باليقين
وكان فيه أعذب الكونين *** نحا ذو عقائد السنوسيين
قد اعتنى بها الكرام القدما *** نظما وكنت لم أجد من نظما
منهم ومن زماننا وسطاه *** وقد رجوت أني معطاه
نظمتها بالله مستعينا *** نظما ميسرا لها معينا
ولا شك أن اعتناء علماء السودان بتدريس هذه الكتب والتأليف في هذا العلم يدل على صلتهم الوثيقة بهذه العقيدة، واهتمامهم الكبير بترسيخها في المجتمع.
- اختيار مجتمع السودان الغربي المذهب المالكي مذهبا رسميا للحكومات المتعاقبة طوال قرون عديدة
كان لاختيار مجتمع غرب إفريقيا المذهب المالكي أثر قوي في دعم عقيدة أهل السنة، فقد كان للإمام مالك موقف كلامي عقدي ديني خالف به أقوال المذاهب المنحرفة[16]، وكان من الأسس التي بنى عليها الأشاعرة مذهبهم وبذلك آزر السودانيون العقيدة الأشعرية وفضلوها على غيرها، وانتسبوا إليها، فكانت هي مذهبهم العقدي إلى جانب فقه مالك وتصوف الجنيد.
وبهذا التمسك القوي بالعقيدة الأشعرية، تمكّن المجتمع السوداني من توحيد صفوفه والابتعاد عن العقائد المنحرفة والفرق الضالة التي تؤدي إلى التفرق والتشرذم، الأمر الذي أسهم أيضا في توطيد العلاقة بين المغرب والسودان الغربي.
- اتباع منهج السودان الغربي منهج المغرب في المقررات المدرسية
إن من تتبع منهج الدراسة في المغرب والسودان الغربي في المجالس والمؤسسات العلمية سيجدهما وجهين لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما[17] علما أن المقررات المغربية أسهمت كثيرا في ترسيخ العقيدة الأشعرية في المجتمع.
ومما يؤكد هذا الأمر أن عبد المؤمن بن علي الموحدي لما تولى السلطة اعتنى بمؤلفات ابن تومرت، وألزم الناس بقراءة أحكام ابن تومرت في العقائد… وكان من نتائج هذه السياسة انتشار كتب المهدي بن تومرت– الذي يعد الزعيم الروحي للموحدين– بين الناس قراءة وشرحا في مختلف أرجاء المغرب، وظهور مدرسة مغربية ذات منحى أشعري في أصول التوحيد والعقيدة[18].
ويعزز هذا الكلام أيضا ما ذكره المؤرخ النيجيري عبد الله الألوري حين ذكر التأثير المغربي على السودان الغربي فقال: «… وأهم المواد المقررة من العلوم والفنون هي: التوحيد الأشعري والفقه المالكي والقصائد الوعظية» …[19].
ولا شك أن اتباع منهج التدريس في السودان الغربي منهج المغرب، له أثر كبير في ترسيخ هذه العقيدة في المجتمع السوداني.
- سيادة الكتب التي لها صبغة أشعرية على الكتب المدرسية
إن من نظر إلى المقررات الدراسية فسيجد أغلبها أو كلها ذات توجه أشعري مثل الرسالة لابن أبي زيد القيرواني والبرهانية للسلالجي والعقيدة الكبرى والصغرى للسنوسي وابن عاشر وغيرها من الكتب التي تركت بصمات واضحة في ترسيخ العقيدة الأشعرية في الغرب الإسلامي:
فرسالة ابن أبي زيد القيرواني تمكنت من فرض هيمنتها على الحلقات العلمية ومجالس الدرس والمناظرة إلى أن ظهر جيل من المغاربة تشربوا المذهب الأشعري وقرأوا الرسالة وشرحوها شرحا أشعريا الأمر الذي أسهم في ترسيخ هذه العقيدة في السودان الغربي؛ لأن كثيرا من علماء السودان الغربي، قرأوا هذه الكتب التي ألفها المغاربة، ودرسوها في حلقاتهم العلمية، فكان أثر ذلك تشبث المجتمع بهذه العقيدة[20]. أما العقيدة البرهانية لأبي عمرو عثمان السلالجي، الذي يعتبر من أكبر العلماء الذين رفعوا راية العقيدة الأشعرية، ووقع الإطباق على أنه عمدة أهل المغرب في علم الاعتقاد على طريقة أبي الحسن الأشعري، وأنه منقذ أهل فاس من التجسيم[21]، فقد وجدت قبولا كبيرا لدى الأوساط العلمية حيث تعاقب عليها كثير من العلماء بالشرح والتدريس، وظلت محور التدريس في علم العقائد في المدارس والجوامع في السودان الغربي فترة طويلة من الزمن[22].
أما العقيدة الصغرى للسنوسي فقد وجدت شهرة كبيرة لدى الأوساط العلمية، حتى قال عنها تلميذه محمد بن عمر الملالي التلمساني: «إنها من أجل العقائد ولا تعادلها عقيدة من عقائد من تقدم ولا من تأخر» …[23]. وقال فيها الشاعر التازي محمد بن الحاج يجبش:
لو أبصرت عيناك حسن عقيــــدة *** قد صاغها هذا الإمام الأوحد
لرأيت ما يجلو القلوب من الصدا *** وينيلها نوراً حكـاه الفــرقـــد
فعليك يا نعم الحبيب بدرسـهــــــا *** تدرك فوائد دونهــا لا توجـــد
في شرحها ظهرت غرائب علمه *** فاقصد إليه ورد فنعم المورد
ولا شك أن كثرة الشروح والحواشي والتعليقات والمنظومات على هذا الكتاب تدل على أهميته واهتمام العلماء به. ومن علماء السودان الذين اعتنوا بهذا الكتاب شرحا وتعليقا وتدريسا: الفقيه أحمد بن أحمد الذي له تعليق حسن على صغرى السنوسي، ومحمد بغيغ الذي كان يدرسها مع شرح الجزائرية له، وأحمد بابا التنبكتي الذي شرحه، والفقيه محمد بن أحمد بغيغ الذي نظمه نظما حسنا بديعا، وغيرهم من علماء السودان الذين أسهموا بشكل فعال في ترسيخ المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية في المجتمع السوداني[24].
وخلاصة القول في تأثير هذه الكتب الثلاثة على مجالس الدرس في المغرب والسودان الغربي أن رسالة ابن ابي زيد القيرواني- التي تعد مقدمتها خلاصة عقيدة المغاربة والمجتمع السوداني- قد حافظت للغرب الإسلامي عامة والسودان الغربي خاصة على مذهب الإمام مالك الفقهي ومذهبه العقدي طيلة قرون؛ فذاعت شهرتها في الآفاق وتولاها كثير من العلماء بالشرح والتعليق، وظلت تدرس في الحلقات العلمية إلى يومنا هذا.
أما «العقيدة البرهانية» للسلالجي فقد وجدت انتشارا واسعا في المغرب والسودان الغربي وأقبل عليها العلماء بالشرح والتدريس والتعليق، وبقيت مهيمنة على مجالس العلم في المغرب والسودان إلى أن ألف العلامة السنوسي عقيدته الصغرى أو «أم البراهين»، فكتبت لها الشهرة والانتشار في الحلقات العلمية لصغر حجمها وبُعدها عن التعقيد، فأقبل عليها أهل العلم بالدرس والشرح والتعليق والتنظيم، وأضحت الكتاب المفضل في العقيدة، الذي نال الاهتمام والعناية في معظم الحلقات العلمية في السودان الغربي.
- دور المؤسسات العلمية في ترسيخ العقيدة الأشعرية
كان للمؤسسات الدينية والعلمية مثل جامع سَنْكري وجِنْغَريْ بير وجامع سيدي يحيى التادلي وغيرها فضلٌ كبير في نشر العقيدة الأشعرية، واستمرار وجودها بالسودان الغربي، حيث كانت محل عناية علمائها الذين يقومون بشرحها وتحليلها وتدريسها في الحلقات العلمية التي تعقد في هذه المؤسسات.
وهكذا أسهمت المؤسسات الدينية والعلمية في الحفاظ وترسيخ هذا الفكر السني المعتدل في المجتمع منذ قرون، وبقيت تقوم بدورها في هذا الجانب إلى وقت قريب.
خلاصة القول في هذا المبحث أن كتب تاريخ السودان الغربي وتراجم علماء المنطقة لم تتحدث عن تاريخ دخول الأشعرية إلى السودان الغربي، لكن الشيء المؤكد والذي لا يشك فيه أحد له إلمام بتاريخ غرب أفريقيا أن السودان الغربي لم يعرف عقيدة سوى العقيدة الأشعرية منذ القرن الثامن الهجري، وأن دراسة علماء المنطقة وتدريسهم تدور حول الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية.
وقد أسهم في ترسيخ هذه العقيدة في المجتمع السوداني عدة عوامل نذكر منها: خلو المنطقة من أي تيار فكري غير الأشعرية، وجهود علماء المغرب في نشر الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني المعتدل، وجهود علماء السودان الذين ما فتئوا يدعون إلى هذه العقيدة السنية، وسيادة الكتب المدرسية التي لها منحى أشعريا على المقررات الدراسية، وقيام المؤسسات الدينية والعلمية المختلفة بتدريس هذه العقيدة في رحابها… كل هذه العوامل وغيرها أسهمت في تجذير المذهب الأشعري في غرب إفريقيا، وجعل المجتمع لا يبغي عنه بديلا.
المبحث الثاني: نبذة عن بعض العلماء الذين لهم دور في ترسيخ العقيدة الأشعرية
لقد أسهم مجموعة من الأعلام في نشر المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية بالسودان الغربي، نذكر منهم:
- – الفقيه مودب محمد الكابري
كان رحمه الله عالما فقيها وليا صالحا، برع في الفقه وغيره من العلوم الإسلامية، وبلغ الغاية القصوى في العلم والصلاح، وأخذ عنه كثير من علماء تنبكت.
ولكثرة طلابه، قيل: لا ينسلخ شهر إلا ويختم عليه تهذيب البرادعي. ويبدو أنه توفي خلال القرن التاسع الهجري[25].
- – الفقيه الإمام الولي السالك العارف الرباني، القدوة المكاشف القطب الغوث، سيدى يحيى التادلي أو التادلسي بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن يحيى البكاء
بلغ الغاية القصوى في العلم والولاية. ويعتبر رحمه الله، من الرعيل الأول من العلماء الذين أسهموا في ترسيخ العقيدة الأشعرية في السودان الغربي[26]… ونظرا إلى مكانته العلمية، أثنى عليه عدة علماء من المنطقة، منهم: القاضي محمود أقيت الذي قال عنه: «ما وطئت قدم تنبكت قط إلا وسيدي يحيى أفضل من صاحبها»…[27].
توفي رحمه الله العام السادس والستين بعد ثمانمائة هجرية[28].
- – العلامة الفقيه أحمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى التكروري التنبكتي
كان رحمه الله فقيها نحويا حافظا مشاركا، ويعتبر من العلماء الذين لهم دور كبير في ترسيخ الفقه المالكي والمذهب الأشعري في السودان الغربي من خلال حلقاته العلمية. توفي ليلة الجمعة من ربيع الثاني عام ثلاثة وأربعين وتسعمائة هجرية )943هـ) عن سن يناهز ثمانين سنة[29].
- – العلامة الفقيه قاضي الجماعة في السودان الغربي، أبو الثناء محمود بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن يحيى الصنهاجي التنبكتي، قاضي السودان، وعالم التكرور وإمامها وفقيهها بلا منازع
كان رحمه الله من خيار عباد الله الصالحين. لازم التدريس نحو خمسين سنة، وأكثر ما يدرس المدونة والرسالة ومختصر خليل والألفية والسلالجية، وعنه انتشرت قراءة خليل في السودان الغربي. وأسهم رحمه الله بتدريسه الكتب الأشعرية في مجالس الدرس في تكريس الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية في المنطقة. توفي سنة خمس وخمسين وتسعمائة[30].
- – العلامة الفقيه أحمد بن محمد بن سعيد سبط الفقيه القاضي محمود بن عمر بن محمد أقيت
كان رحمه الله عالما علامة عاملا بعلمه ورعا ربانيا وليا صالحا جمع بين الحقيقة والشريعة، محدثا أصوليا بيانيا لغويا منطقيا… وله مؤلفات كثيرة، منها: استدراكاته في الفقه، وحاشية لطيفة على مختصر خليل، اعتمد فيها على البيان والتحصيل. وقد أسهم رحمه الله بأنشطته العلمية المختلفة في ترسيخ الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية في المنطقة. توفي رحمه الله عام فاتح المحرم سنة ست وسبعين وتسعمائة، وقيل سنة ست وتسعين وتسعمائة هجرية[31].
- – العلامة الفقيه أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن يحيى التنبكتي
كان رحمه الله، فقيها علامة فهامة ذكيا دراكا محصلا متفننا محدثا أصوليا، بيانيا منطقيا مشاركا في فنون العلم. ألف عدة مؤلفات، منها: تعليقه على صغرى السنوسي والقرطبية، وشرح مخمسات العشرينيات الفازازية لابن مهيب في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وشرح منظومة المغيلي شرحا حسنا… وقد أسهم رحمه الله بأنشطته العلمية المختلفة في ترسيخ الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية في منطقة السودان الغربي. توفي ليلة الاثنين السابع والعشرين من شعبان عام واحد وتسعين وتسعمائة هجرية[32].
- – الفقيه القاضي العاقب بن محمود بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى قاضي تنبكت
كان رحمه الله، عالما فقيها، عالي الكعب في العلوم الإسلامية، مسددا في أحكامه، صلبا في الحق لا يخاف في الله لومة لائم، قوي العارضة. توفي رحمه الله يوم الحادي عشر من رجب عام أحد وتسعين وتسعمائة هجرية بعدما كرس جهوده في ترسيخ الفقه المالكي والمذهب الأشعري، وإرساء قواعد العدل والحق في المنطقة[33].
- – الفقيه العالم العلامة البحر الفهامة مجدد القرن العاشر في السودان الغربي الشيخ محمد بن محمود بن أبي بكر الونكري التنبكتي المعروف ببغيغ
كان رحمه الله عالما علامة متفننا، محققا دراكا، ذكيا فطنا، غواصا على اللطائف… وله رحمه الله عدة مؤلفات، منها: تعاليقه على مختصر خليل، نبه فيه على ما وقع فيه شراح خليل من الهفوات، منظومة على «أم البراهين»… وبقي رحمه الله طول حياته في التدريس والفتوى والقضاء بين الناس، وترسيخ المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية في المنطقة، إلى أن توفي يوم الجمعة من شوال عام اثنين وألف هجرية[34].
- – الفقيه العالم العلامة، رافع رواية مذهب الإمام مالك ومقدمه، سلطان العلماء في السودان الغربي الإمام سيدى أحمد بن الحاج أحمد بن الحاج أحمد بن عمر بن محمد أقيت، المشهور بأحمد بابا السوداني والتنبكتي
له رحمه الله عدة مؤلفات بلغت نيفا وستين مؤلفا، منها: منن الرب الجليل في بيان مبهمات خليل، نيل الابتهاج، كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج، شرح صغرى السنوسي.
ويعتبر العلامة أحمد بابا من أكبر العلماء الذين أسهموا في ترسيخ الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية بالمنطقة من خلال أنشطته العلمية المختلفة. وبقي رحمه الله طوال حياته في التدريس والتأليف والإفتاء إلى أن توفي ضحوة الخميس السادس من شعبان عام ستة وثلاثين وألف هجرية[35].
- – الفقيه العالم الكاتب المؤرخ عبد الرحمن بن عبد الله بن عمران السعيدي أو السعدي التنبكتي
كان رحمه الله عالما فقيها مشاركا، مؤرخا، كاتبا، له باع طويل في علم التاريخ والسير. ألف عدة مؤلفات ورسائل، من أهمها: كتاب تاريخ السودان الذي سجل فيه كثيرا من الحوادث التي وقعت في السودان من عهد سنغي إلى عهد الباشاوات.
ويعتبر مؤلفه هذا من أهم ما ألف في تاريخ السودان.
بقي رحمه الله يدرس الفقه المالكي ويرسخ العقيدة الأشعرية في السودان الغربي ويكوّن الأجيال، إلى أن توفي خلال القرن الحادي عشر الهجري[36].
- – الشيخ الفقيه القطب الرباني والغوث الصمداني الولي الصالح سيدي المختار الكبير بن الولي أحمد بن أبي بكر الوافي الكنتي
كان رحمه الله عالما فقيها، موسوعيا مشاركا، عالي الكعب في العلوم الإسلامية ورعا سياسيا، زاهدا.
وألف رحمه الله عدة مؤلفات في فنون مختلفة، أوصلها بعضهم إلى أربعة عشر وثلاثمائة مؤلف، نذكر منها: هداية الطلاب في الفقه، فتح الوهاب على هداية الطلاب، كتاب المنة في اعتقاد أهل السنة ويسمى أيضا الإرشاد في الهداية وحسن الاعتقاد الممزوج (بين الشريعة والحقيقة)، الرسالة (في التصوف)…
وكرس رحمه الله جهوده في تدريس الفقه المالكي وترسيخ العقيدة الأشعرية وتكوين الأجيال وتربيتهم في المنطقة، إلى أن وافته المنية عام1226ه/1811م[37].
- – الشيخ العالم الفقيه القطب سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكبير
كان رحمه الله عالما فقيها مجتهدا ورعا زاهدا متصوفا، أديبا، شاعرا مطبوعا على التأليف. ترك رحمه الله عدة مؤلفات في فنون مختلفة، منها: إرشاد السالك إلى أقوم المسالك، الغلاوية، الفوائد النورانية في شرح الاسم الأعظم، العقد النظيم في أقوال العلماء في الاسم الأعظم، نظم الورقات لأبي المعالي الجويني إمام الحرمين في الأصول، جنة المريد، الإشارة الأدرارية (في التصوف)، وغيرها من المؤلفات[38].
- -الشيخ حمد بن حمد لوبو المعروف بسيكو امدو، أمير المؤمنين خليفة المسلمين مؤسس دولة ماسينا الإسلامية، الفقيه العالم
كان رحمه الله عالما فقيها تقيا ورعا، شجاعا إماما عادلا مجاهدا. وظل رحمه الله يجاهد بعلمه وقلمه وسيفه لمحاربة البدعة والجهل وإقامة دولة إسلامية في ماسينا، إلى أن وافته المنية عام 1844م[39].
- – ألفا نوح طاهر هو أحد الوجوه البارزة في ماسينا في عهد مملكة دينا التي أسسها سيكو أحمد حمادي بوبو
كان رحمه الله عالما فقيها، واسع المعرفة، لطيفا كاتبا مرموقا، سياسيا محاربا شجاعا. توفي سنة 1860م[40].
- – الفقيه العالم العامل المحقق العارف الواصل مختار بن وديعة الله يركوي تلف الماسيني
كان رحمه الله عالما فقيها عاملا بعلمه، محققا صوفيا زاهدا، مطبوعا على التأليف، جامعا بين الشريعة والحقيقة، وله مناقب كثيرة. وله رحمه الله عدة مؤلفات منها: البروق اللامعة في أصحاب الفيوض الهامعة، الفتوح الربانية في إعراب شواهد المغني القرآنية. وله أشعار كثيرة في الطريقة التيجانية، وله في شيخه الحاج عمر قصائد وأشعار شهيرة. ومن هذه القصائد، قصيدته الكاملية التي مطلعها:
أخـيال سـلمى أم أميمـة جندب منـع الرقـاد فبـت مثـل مـعذب
وقال في قصيدة أخرى:
ألا أيها الشيخ المخلف في الورى عن الله يا سعد الورى ابن سعيد
توفي رحمه الله عام 1280ه[41].
- – الشيخ سيدى أحمد البكاي بن الشيخ محمد بن الشيخ سيدى المختار الكنتي
كان رحمه الله عالما فقيها سياسيا صالحا ذكيا يزوره الناس من كل مكان، وله عدة مراسلات ومؤلفات، توفي سنة 1283هـ[42].
- – العالم الرباني والغوث الصمداني، الشيخ المصلح المجاهد أبو محمد عثمان بن محمد المعروف بابن فودي، الذي قاد حركة جهادية إصلاحية في نيجيريا خلال القرن الثاني عشر الهجري وأسس دولة إسلامية في غرب إفريقيا عمرت قرنا من الزمن (1804 – 1903م) وانتهت بدخول الاستعمار البريطاني في المنطقة:
كان رحمه الله عالما علامة، مالكي المذهب أشعري العقيدة كسائر علماء بلده، مجدد رأس القرن الثالث عشر، خطيبا بليغا، رافع لواء الدين… وله مؤلفات كثيرة تربو على المائة، نذكر منها: سراج الإخوان في أهم ما يحتاج إليه في هذا الزمان، وسراج العوام إلى سماع علم الكلام…
وظل رحمه الله تعالى يناضل بقلمه وسيفه ولسانه في ترسيخ الفقه المالكي و العقيدة الأشعرية في السودان الغربي ، إلى أن انتقل إلى رحمة ربه سنة 1232هـ[43].
- – الشيخ العالم العلامة والقدوة الفهامة والمجاهد الكبير، أبو محمد عبد الله بن فودي:
صاحب التواليف الكثيرة والتصانيف العجيبة، التي اشتهرت في الآفاق والأقطار نظما ونثرا…[44]
وله عدة مؤلفات في فنون كثيرة أوصلها البعض إلى مائة، ما بين منظوم ومبسوط وإنشاء وشرح أو تعليق، ومن مؤلفاته: ضياء التأويل في التفسير، نظم العقيدة الوسطى…[45]
ظل رحمه الله يجاهد بسيفه وقلمه ولسانه، ويكون الأجيال، ويرسخ العقيدة الأشعرية والفقه المالكي في المجتمع السوداني، إلى أن توفي سنة خمس وأربعين ومائتين بعد ألف من الهجرة النبوية.
الخاتمة
بعد هذه الجولة السريعة في العقيدة الأشعرية بالسودان الغربي وأعلامها، نخلص إلى ما يلي:
- – إن المجتمع السوداني منذ أن اعتنق الإسلام اختار المذهب المالكي فقها والتصوف السني سلوكا، وكان على عقيدة السلف أو ما يسمى بـ «أهل التسليم والتفويض». وانطلاقا من القرن الثامن الهجري لم يعتنق أي عقيدة تستحق الذكر إلا العقيدة الأشعرية.
- – إن كتب تاريخ السودان الغربي، وكتب التراجم لم تتحدث عن تاريخ دخول الأشعرية إلى السودان الغربي بشكل واضح، لكن يلمس من خلال التراجم وقرائن الأحوال أنها دخلت إلى السودان بعدما أصبحت مذهبا رسميا للدولة الموحدية بالمغرب.
- – إن جل كتب التراجم لا تنص على العقيدة المتبعة في المنطقة إلا نادرا، وهذا يرجع في رأينا إلى بداهة هذا الأمر حيث لم يعرف غرب أفريقيا خلال القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر- بل إلى وقت قريب- أي عقيدة سوى الأشعرية.
- – إن علماء المغاربة الذين زاروا المنطقة لهم فضل كبير ودور رائد في نشر العقيدة الأشعرية وترسيخها بالسودان الغربي.
- – إن الكتب الدراسية في الحلقات العلمية والمؤسسات العلمية أسهمت بشكل كبير في نشر العقيدة الأشعرية وترسيخها في المجتمع السوداني.
- – إن المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني المعتدل تشكل منظومة فكرية ودينية وعلمية وسلوكية في السودان الغربي لا يمكن الفصل بينها.
- – إن علماء السودان الغربي الذين حملوا راية المذهب الأشعري لهم اليد الطولى والفضل الكبير في انتشاره بين أهل العلم وطلبته، والعناية به تأليفا وشرحا وتدريسا وتعليقا.
- – إن شرح علماء المغاربة الرسالة شرحا أشعريا أسهم في ترسيخ هذه العقيدة في السودان الغربي؛ إذ إن كثيرا من علماء المنطقة قرأوا هذه الشروح ودرّسوها في حلقاتهم العلمية فأدى ذلك إلى تشبث المجتمع بهذه العقيدة.
- – إن بعض كتب علماء المنطقة ورسائلهم، ومنظوماتهم التي وصلت إلينا في العقيدة، تمثل حقا الفكر الأشعري في المنطقة.
- – إن اهتمام علماء السودان بالعقائد السنوسية يدل على تمسكهم بالعقيدة الأشعرية.
- – إن هيمنة العقائد السنوسية، وخاصة أم البراهين على المجالس العلمية أدت إلى الاهتمام بالعقيدة الأشعرية في المنطقة.
- – إن العقيدة الأشعرية تشكل رابطا قويا بين المجتمع المغربي والمجتمع السوداني منذ قرون عديدة؛ ولهذا ينبغي استثمار هذه الرابطة لتوطيد العلاقة الاجتماعية والثقافية والدينية التي تربط بين المنطقتين.
- – إن تبني مجتمع غرب إفريقيا المذهب المالكي فقها والأشعرية اعتقادا، والتصوف السني سلوكا، أسهم في تعزيز التسامح والسلام وتوحيد الشعوب في المنطقة قرونا عديدة.
مقترحات
بما أن المغرب لعب دورا كبيرا في دخول الإسلام في المنطقة وترسيخ الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية منذ قرون عديدة، نرجو أن يعيد المغرب– الذي يعد المحضن الأكبر لهذا الفكر، والداعي الأول إلى مبادئه والتزام منهجه- دوره كما كان، وذلك في النقاط التالية:
- – تكوين أئمة شرعيين وسطيين يقومون بتوعية المجتمع وتفهيمهم هذه العقيدة ومزاياها.
- – تقديم منح دراسية تمكن الطلبة من دراسة العلوم الشرعية وتنزيلها على الواقع بشكل صحيح دون تطرف ولا إخلال.
- – إنشاء مدارس عتيقة لتكوين الطالبات اللاتي يعتبرن العنصر الأهم في تربية الأجيال تربية إسلامية صحيحة.
هذا ما تيسر جمعه الآن فما كان صوابا فمن الله وما كان خطأ فمني ومن الشيطان، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الهوامش
[1] – معيد النعم ومبيد النقم، للشيخ الإمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي، ص 75، حققه وضبطه محمد علي النجار وآخرون، الطبعة الأولى، 1948م، دار الكتاب العربي بمصر– القاهرة، منشورات جماعة الأزهر للنشر والتأليف.
[2] – يراجع فتح الشكور، ص: 10 – 11.
[3] – الإسلام في نيجيريا، ص: 50.
[4] – يراجع: ملامح التأثير المغربي في الحركة الإصلاحية للشيخ عثمان بن فوديو، للأستاذ الدكتور عبد العلي الودغيري، مقالة منشورة في حوليات الجامعة الإسلامية بالنيجر، العدد الرابع، ص: 24 وما بعدها، السنة 1998م / 1419هـ.
[5] – نفسه، ص: 64.
[6] نفسه، ص: 127 – 129.
[7] نفسه، ص: 181.
[8] – طبقات الشافعة الكبرى، تاج الدين السبكي، ج3 ص: 365، تحقيق د. محمود محمد الطناحي ود. عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الثانية، 1413هـ، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
[9] يراجع: نيل الابتهاج، ص: 607.
[10] نفسه، ص: 141 – 142.
[11] نفسه، ص: 602.
[12] تاريخ السودان، للسعدي؛ فتح الشكور، ص: 34 – 35.
[13] فتح الشكور، ص: 108 – 109.
[14] سراج العوام إلى سماع علم الكلام، للشيخ عثمان بن فودي، مخطوط بمركز التراث الإفريقي بالجامعة الإسلامية بالنيجر، تحت رقم 205
[15] نظم العقيدة الوسطى، لعبد الله بن فودي، مخطوط في مركز التراث الإفريقي بالجامعة الإسلامية بالنيجر، تحت رقم 1295
[16] تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، ص: 53.
[17] فتح الشكور، ص: 10 – 11.
[18] – عناية المغاربة بالعقيدة الأشعرية، د. عبد الخالق أحمدون، مقالة منشورة في موقع: www.attarikh-alarabi.ma
[19] – الدعوة الإسلامية في نيجيريا، عبد الله الآلوري، ص: 55.
[20] – يراجع تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، يوسف احنانة، ص: 61؛ عناية المغاربة بالعقيدة الأشعرية، د. عبد الخالق أحمدون : 4 وما بعدها.
[21] – يراجع تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، ص 139 وما بعدها.
[22] – نيل الابتهاج، ص: 141 – 142، 602، 607؛ تاريخ السودان، للسعدي؛ فتح الشكور، ص: 30، 108 – 109؛ عناية المغاربة بالعقيدة الأشعرية، ص:10 وما بعدها.
[23] تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، ص: 243؛ عناية المغاربة بالعقيدة الأشعرية، ص: 15.
[24] -نيل الابتهاج : 141 – 142، 602، 607؛ تاريخ السودان؛ فتح الشكور، ص: 30، 32، 134.
[25] يراجع: السعدي، ص: 47 – 49.
[26] – يراجع: السعدي، ص: 49.
[27] – يراجع: نفسه، ص: 50.
[28] – يراجع: نفسه، ص: 50 – 51؛ فتح الشكور، ص: 217 – 218؛ السعادة الأبدية، ص: 22 – 23.
[29] – نيل الابتهاج 137 – 138؛ كفاية المحتاج، ج1 ص 132 – 133؛ السعدي، ص 37 – 38؛ فتح الشكور، ص 27 – 28.
[30] – يراجع: نيل الابتهاج، ص: 607 – 608؛ السعدي، ص: 38 – 39.
[31] – يراجع: نيل الابتهاج، ص 142 – 143؛ كفاية المحتاج، ج1 ص 139؛ السعدي، ص 43، 53، 108؛ فتح الشكور، ص
[32] – يراجع: نيل الابتهاج، ص 141 – 142؛ كفاية المحتاج، ج1 ص 137 – 139؛ السعدي، ص 42 – 43؛ فتح الشكور، ص
[33] – يراجع: نيل الابتهاج، ص: 353 – 354؛ كفاية المحتاج، ج1 ص: 377؛ السعدي، ص: 40 – 41؛ شجرة النور الزكية، ص:
[34] – يراجع: نيل الابتهاج، ص: 600 – 603؛ كفاية المحتاج، ج2 ص: 237 – 240؛ السعدي، ص: 43 – 47؛ السعادة الأبدية، ص: 38 – 39.
[35] – يراجع: كفاية المحتاج، ج2 ص: 281 – 285؛ فتح الشكور، ص: 31 – 37؛ السعدي، ص: 35؛ السعادة الأبدية، ص:
[36] – يراجع تاريخ السودان، ص: 213، 238، 239، 244، 277؛ فتح الشكور، ص: 176؛ الحكم المغربي في السودان الغربي، ص: 533- 536؛ السعادة الأبدية، ص: 43.
[37] – يراجع: فتح الشكور، ص: 152 – 153؛ كنتة الشرقيون، ص: 39 – 54، 210 – 212؛ إزالة الريب والشك والتفريط في ذكر المؤلفين من أهل التكرور والصحراء وأهل شنقيط، ص: 158 – 159.
[38] – يراجع: كنتة الشرقيون، بول مارتي، ص: 82، 213 – 214؛ إزالة الريب والشك والتفريط في ذكر المؤلفين من أهل التكرور والصحراء وأهل شنقيط، ص: 142.
[39] – يراجع أعالي السينغال والنيجر، موريس ديلافوس، ج.2 ص: 231– 233، 234– 239؛ تاريخ أفريقيا الغربية، سيكني مودي سيسوكو، ص: 280 وما بعدها؛ للمزيد يراجع فتح الصمد ذكر نبذة من أخلاق شيخنا أمير المؤمنين أحمد بن محمد أمير ماسينا، لمحمد ابن علي، مخطوط بمركز أحمد بابا بتنبكت، تحت رقم 5285.
[40] – يراجع الحضارة الإسلامية في مالي، ص: 239 – 246.
[41] – يراجع: أشهى العلوم وأطيب الخبر في سيرة الحاج عمر، تأليف الشيخ موسى كمرا، ص: 50 وما بعدها، تحقيق وتقديم وتعليق خديم محمد سعيد امباكي وأحمد شكري، الطبعة الأولى، 2001م، منشورات معهد الدراسات الإفريقية.
[42] – يراجع: إزالة الريب والشك والتفريط في ذكر المؤلفين من أهل التكرور والصحراء وأهل شنقيط، أحمد بلعراف التكني، ص: 90 – 92، دراسة وتحقيق الدكتور الهادي المبروك الدالي، الطبعة الأولى، 2001م؛ كنته الشرقيون، بول مارتى، ص:
[43] – يراجع إنفاق الميسور، ص: 81 – 131؛ رسالة في التعريف بالمصطفى التورودي، ص: 48 وما بعدها؛ حوليات الجامعة الإسلامية بالنيجر، العدد الرابع، سنة 1998م، ص: 12 وما بعدها.
[44] – يراجع ضياء التأويل في معاني القرآن، للعلامة محمد بن عبد الله بن فودي، ج1 ص: 4، طبعة دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي، بدون تاريخ والطبعة.
[45] – يراجع ضياء التأويل، ج1 ص: 5.
المصادر والمراجع
- – إزالة الريب والشك والتفريط في ذكر المؤلفين من أهل التكرور والصحراء وأهل شنقيط: أحمد بلعراق التكني، دراسة وتحقيق وتقديم د. الهادي المبروك الدالي، الطبعة الأولى، 2001م، الشركة العامة للورق والطباعة، مطابع الوحدة العربية، الرواية.
- – الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فوديو الفلاني: آدم عبد الله الألوري، الطبعة الثالثة، 1978م.
- – أشهى العلوم وأطيب الخبر في سيرة الحاج عمر: الشيخ موسى كمرا، تحقيق وتقديم وتعليق خديم محمد سعيد امباكي وأحمد الشكري، الطبعة الأولى، 2001م، منشورات معهد الدراسات الإفريقية بالرباط، المغرب.
- – إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور: للشيخ محمد بلو، تحقيق بهيجة الشاذلي، الطبعة الأولى، 1996م، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، منشورات معهد الدراسات الإفريقية بالرباط.
- – بداية الحكم المغربي في السودان الغربي: محمد الغربي، مؤسسة الخليج للطباعة والنشر الصفاة- الكويت.
- – تاريخ السودان: للشيخ عبد الرحمن السعدي، وقف على طبعه السيد هوداس، طبعة 1981م، باريس.
- – تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي: ذ. يوسف احنانة، الطبعة الثانية، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 1428هـ/2007م.
- – حوليات الجامعة الإسلامية بالنيجر، العدد الرابع، السنة 1419هـ/1998م.
- – السعادة الأبدية في التعريف بعلماء تنبكت البهية: بابير الأرواني، مخطوط في مكتب الباحث.
- – رسالة في التعريف بالمصطفى التورودي: للشيخ عبد الله بن القاضي محمد الحاج، تقديم وتحقيق الدكتور عبد العلي الودغيري، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الطبعة الأولى، 2003م، مطبعة النجاح الجديدة– الدار البيضاء.
- – شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: للشيخ محمد بن محمد مخلوف، طبعة دار الفكر للطباعة والنشر.
- – سراج العوام: للشيخ عثمان بن فودي، مخطوط بمركز إحياء التراث العربي الإفريقي بالجامعة الإسلامية بالنيجر، تحت رقم 205.
- – ضياء التأويل في معاني القرآن: للعلامة محمد بن عبد الله بن فودي، طبعة دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي، بدون تاريخ والطبعة.
- – طبقات الشافعة الكبرى: تاج الدين السبكي، تحقيق د. محمود محمد الطناحي ود. عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الثانية، 1413هـ، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
- – عناية المغاربة بالعقيدة الأشعرية: د. عبد الخالق أحمدون، مقالة منشورة في موقع: attarikh-alarabi.ma
- – العلاقات بين المغرب الأقصى والسودان الغربي في عهد السلطنتين الإسلاميتين مالي وسنغي: الشيخ الأمين عوض الله، الطبعة الأولى، 1398هـ /1979م، دار المجمع العلمي بجدة.
- – فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور: لأبي عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي، تحقيق محمد إبراهيم الكتاني ومحمد حجي، الطبعة الأولى، 1981م، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
- – فتح الصمد ذكر نبذة من أخلاق شيخنا أمير المؤمنين أحمد بن محمد أمير ماسينا: لمحمد ابن علي، مخطوط بمركز أحمد بابا بتنبكت، تحت رقم 5285.
- – كتاب أصول الدين: لمجدد الدين عثمان بن محمد بن فودي، الطبعة الرابعة، بدون تاريخ ولا مكان.
- – كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج: أحمد بابا التنبكتي، دراسة وتحقيق الأستاذ محمد مطيع، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 1421هـ/2000م.
- – كنتة الشرقيون: بول مارتي، عربه وعلق عليه ووضع له ملحقات محمد محمود ولد ودادي، طبعة 1985م، مطبعة زيد بن ثابت– دمشق.
- – معيد النعم ومبيد النقم: للشيخ الإمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي، حققه وضبطه محمد علي النجار وآخرون، الطبعة الأولى، 1948م، دار الكتاب العربي بمصر- القاهرة.
- – المغرب مالكي… لماذا؟: إعداد الدكتور محمد الروكي، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 1424هـ/2003.
- – منظومة أم البراهين: للفقيه محمد بن أحمد بغيغ، مخطوط في معهد البحوث العلمية بنيامي، تحت رقم 766.
- – نظم العقيدة الوسطى: لعبد الله بن فودي، مخطوط في مركز التراث الإفريقي بالجامعة الإسلامية بالنيجر، تحت رقم 1295.
26ـ نيل الابتهاج بتطريز الديباج: أحمد بابا التنبكتي، الطبعة الأولى،
1398هـ/1989م، منشورات كلية الدعوة الإسلامية بطرابلس.
المواقع:
- – موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب.
- – موقع مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية:achaaria.ma29 – موقع التاريخ العربي: www.attarikh-alarabi.ma