جهود العلماء الأفارقة في خدمة الحديث النبوي الشريف
الرئيس الشرفي لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة فرع بوركينافاسو ورئيس مجلس العلماء في بوركينافاسو
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
معنى الحديث
للحديث معنى عام، يشمل الخبر أو المحادثة، دينية كانت أو غير دينية، ثم أصبح لكلمة الحديث معنى خاص، وهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، فيكون الحديث بذلك مرادفا للسنة، وقد أجمع من يعتد به من المسلمين على أن الحديث متى ثبت وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب اتباعه والرجوع إليه والعمل بمقتضاه، ودليلهم على ذلك قوله تعالى: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾[1]، وقوله تعالى: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾[2] ، وقوله سبحانه مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾[3] ، لذلك حذر الله من مخالفة قوله فقال: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم﴾[4]، ولم يجعل لنا الخيرة أمام حكمه: ﴿وما كان لمومن ولا مومنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم﴾[5]
وهذه النصوص تقطع دابر الشك في وجوب العمل بالحديث النبوي الشريف، ووجوب الأخذ بالسنة المطهرة في الأحكام الشرعية، واعتبار الحديث المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، ولكن وجد في التاريخ الإسلامي مغرضون ممن طمس الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم فحاولوا الاستخفاف بأهمية الحديث أو تشكيك الناس فيه أو الدس فيه بما لا يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يصدر عنه بأي حال من الأحوال.
فمن هؤلاء من زعم باطلا التماس الحق فدعا إلى وجوب الاكتفاء بالقرآن الكريم بدعوى أن ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير كان باعتباره إماما للمسلمين، وبقدر ما تمليه مصلحتهم، فهو اجتهاد منه يتغير بتغير المصلحة، وما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم لا يكون تشريعا وإنما بيان أو تطبيق لما فهمه من القرآن الكريم، إذ لو كان تشريعا لأمر بتدوينه كما أمر بذلك في القرآن، بل إنه نهى عن كتابة شيء عنه فقال: “لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”[6] وقد اشتهر بعض فرق الخوارج قديما بإنكار حجية السنة النبوية في التشريع، والدعوة إلى ترك الحديث والاعتماد على القرآن.
وفي العصر الحديث وجدت طائفة يطلق عليها اسم القرآنيين، يستدلون نصرة لآرائهم بقوله تعالى: ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾[7] وقوله: ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء﴾[8] . فهاتان الآيتان تدلان على أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين وكل حكم من أحكامه، وأنه بينه وفصله بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر كالسنة، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾[9]، فإنه يدل في زعمهم على أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن دون السنة، ولو كانت دليلا وحجة كالقرآن لتكفل الله بحفظهما، وذكروا شبهات كثيرة روج المستشرقون لكثير منها؛ لأنهم يحاربون الإسلام بكل الوسائل.
ولا شك أن ما ذكره المنكرون لوجوب العمل بالأحاديث النبوية في إثبات الأحكام الشرعية من شبه واهية، وحجج داحضة، لا تقف أمام ما أجمع عليه من يعتد بهم من علماء الأمة في كل زمان ومكان، الذين اتفقوا على أن السنة هي الأصل الثاني للأدلة الشرعية، وجرى العمل على ذلك منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا، ولا شك أن حديث: “ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن”[10] معناه صحيح، سواء قلنا إنه حديث مرفوع أو موقوف، والأصح عند أهل الحديث وقفه على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء المكابرين من المنكرين لحجية السنة ذما لهم ومحذرا منهم فقال: “لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر بما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه“[11]، وقد حذر الشاطبي من هؤلاء ورد عليهم بالمنقول والمعقول.
وهناك فريق آخر لا ينكر حجية الحديث، ولكن حاولوا الدس فيه، وسهل لهم مهمتهم عدم تدوين الحديث في كتاب خاص في العصور الأولى، واكتفاء الصحابة وتابعيهم بالاعتماد على الذاكرة، وتعذر حصر ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله في مدة رسالته، واستباحوا لأنفسهم وضع الحديث كذبا ونسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويغلب على الظن أن هذا الوضع حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. فقوله عليه الصلاة والسلام: “من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”[12] يدل على أنه قيل في حالة تزوير أو نسبة ما لم يقله صلى الله عليه وسلم إليه، وبعد وفاته كان ذلك أسهل.
اهتمام العلماء بالحديث
إذا ثبت بالأدلة العقلية والنقلية وبإجماع العلماء الراسخين في العلم أن السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، فلا يستغرب أن يهتم المسلمون بعلم الحديث سندا ومتنا، وتعلما وتعليما، وعملا بما فيه من عقائد وعبادات ومعاملات وآداب. ومن مظاهر هذا الاهتمام:
-
– رواية الحديث
لقد اعتنت الأمة الإسلامية برواية الحديث، فحفظه العلماء والحفاظ، ورواه كل عن الآخر حتى جاء بعضه متواترا باللفظ والمعنى، أو بالمعنى فقط متصلا ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقبل ذلك إلا إذا كان الناقل ثقة عن ثقة، وفي ذلك يقول ابن حزم رضي الله عنه: “نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال، خص الله به المسلمين دون سائر الملل[13]، فقد حرص الصحابة والتابعون ومن بعدهم على أداء ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمانة وإخلاص، وتحروا في النقل حتى انتهى هذا إلى أئمة رجال الحديث ودونت السنة”[14] .
-
– تدوين الحديث
من المعروف أن العرب كانوا يوصفون بالأميين، إذ لم يشتهروا بالكتابة والقراءة قبل الإسلام، ولكن مكة بمركزها التجاري ومكانتها الدينية والاجتماعية عند العرب وجد فيها بعض من كانوا يقرؤون ويكتبون قبل البعثة.
وذكرت بعض الروايات التاريخية أن عددهم لم يكن يتجاوز بضعة عشر رجلا، كما وجدت في المدينة قلة تكتب وتقرأ. ومما يدل على أن عدد من يجيد القراءة والكتابة في مكة أكثر منه في المدينة أنه صلى الله عليه وسلم أذن لأسرى بدر المكيين بأن يفدي كل كاتب منهم بنفسه بتعليم عشرة من صبيان المدينة القراءة والكتابة، وأيضا فإن معظم كتاب الوحي الذين يقدرون بأربعين رجلا كانوا من المكيين، ولكن هذا الأمر قد تغير، إذ كثر القراء والكتاب عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سعيد بن العاص أن يقوم بمحو الأمية في المدينة وتعليم أبنائها القراءة والكتابة كما ذكره ابن عبد البر في كتابه “الاستيعاب.”
ومن المعروف كذلك أن الصحابة كانوا يعتمدون على حفظ ما يسمعونه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى استظهاره في الصدور، لا على الكتابة في السطور؛ لأنهم كانوا منصرفين إلى تلقي القرآن الكريم وانشغالهم بجمعه وكتابته، حتى لا تلتبس السنة بالقرآن إذا كتب الحديث، وهذا هو السبب في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث في أول الأمر، حيث قال: “لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” [15]
وقد اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي فقيل: “هو في حق من يوثق بحفظه، ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب، وتحمل الأحاديث الواردة في الإباحة على من لا يوثق بحفظه، كحديث “اكتبوا لأبي شاة” وفي حديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات”. وفي حديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبوبكر رضي الله عنه إلى أنس رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين، وحديث أبي هريرة أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب، وغير ذلك من الأحاديث. وقيل: إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن فلما أمن ذلك أذن في الكتابة، وقيل: إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة، والله أعلم[16].
قال القاضي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم، وأجازها أكثرهم، لذلك قال ابن الصلاح: “أجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الأخيرة “[17].
الاهتمام بالأسانيد
الإسناد هو رفع الحديث إلى قائله، وعن طريقه يمكن تحقيق الأحاديث ومعرفة رواتها، وخاصة بعد الصحابة الذين كانوا يروون ما سمعوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، أو ما سمعوه عن بعضهم مع نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يتوقفون في قبول أي حديث يرويه صحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا إلى عدالة الصحابة، فلما وقعت الفتنة ونجم عنها انقسامات واختلافات بين المسلمين، وكثرت الأهواء والبدع كثر الدس على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك بدأ العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم يتحرون في نقل الأحاديث، ولا يقبلون منها إلا ما تحروا طريقها واطمأنوا إلى ثقة رواتها وعدالتهم، وذلك عن طريق الإسناد، فبه تحفظ السنة وتصان من الدس والتحريف والوضع، لذلك قال عبدالله بن المبارك: “الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء”. ولأهمية الإسناد في الإسلام وضع علماؤه علم الجرح والتعديل، فأصبح الإسناد من خصائص الأمة المحمدية التي انفردت به، إذ لم يؤثر عن أمة من الأمم من العناية برواة أخبارها وأحاديث أنبيائها غير هذه الأمة.
اهتمام علماء المسلمين بمتن الحديث
على الرغم من أهمية الإسناد في الإسلام لم يكتف العلماء به في قبول الحديث مهما اتصف رواته بالعدالة والضبط، بل اشترطوا شروطا كثيرة في متنه، بحيث لا تكون فيه أية علة قادحة، كالشذوذ ومخالفة القرآن أو الواقع، أو الاضطراب، لذلك عرفوا الحديث الصحيح المقبول بأنه: ما رواه عدل ضابط متصل السند، غير شاذ ولا معلل. وأي حديث لم تتوفر فيه هذه الشروط الخمسة يكون ضعيفا، لا يؤخذ به في استنباط الأحكام؛ لأن الحديث الضعيف لا يفيد حكما، وقد أجاز بعض العلماء العمل به في فضائل الأعمال فقط، كالأحاديث التي تحث على الأخلاق الكريمة والعمل الصالح، كما فعل الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين.”
أما الحديث الموضوع المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يؤخذ منه حكم، ولو تناول المواعظ أو التعاليم الخلقية، بل تحرم روايته إلا للتنبيه على أنه حديث موضوع، فعلمنا أن الحديث إذا كان صحيحا أو حسنا فإنه يكون مصدرا للتشريع الإسلامي، لذلك بذل علماء الإسلام في كل زمان ومكان مجهودا كبيرا في تمييز الحديث الصحيح من غيره ليعرفه الناس ويعملوا به؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾[18] صدق الله العظيم.
اهتمام علماء إفريقيا بالحديث النبوي الشريف
اهتم علماء إفريقيا بالحديث النبوي الشريف لكونه المصدر الثاني من مصادر دينهم الحنيف، فلا يستغرب أن يقوم هؤلاء بجهود كبيرة من أجل تعلم علم الحديث وتعليمه والعمل بهديه في كل حياتهم الدينية ومعاملاتهم الدنيوية؛ إذ كان من الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سبقوا إلى الإسلام وضحوا بأرواحهم وبكل ما يملكون من أجل التمسك بتعاليمه ونشر دعوته أحد الأفارقة، وهو بلال الحبشي رضي الله عنه، كما تعتبر القارة الإفريقية أول قارة آوت الإسلام ووفرت الأمن والحماية والسلام للمسلمين، الذين استضعفوا في الأرض واضطهدوا في بلادهم وأوذوا من أهلهم وعشائرهم.
ومن علماء القارة الذين لهم باع طويل في خدمة الحديث النبوي الشريف:
1 – الشيخ عبد الله بن فودي
اسمه ونسبه: هو أبو محمد عبد الله بن فودي، ولد سنة 1180هـ – 1766م على الراجح[19] في بلاد هوسا بنيجيريا، وأصله من فوتا تورو بالسنغال، وهو الشقيق الأصغر للشيخ المجدد عثمان بن فودي الذي أسس مملكة إسلامية في شمال نيجيريا، وقد نشأ عبد الله بن فودي في بيئة علمية ودينية ملتزمة، بدليل أن أكثر من أخذ عنهم العلم، ممن أورد ذكرهم في مختلف كتبه مثل: “إيداع النسوخ” و “ضياء السند “و”تزيين الورقات” هم من أقاربه في النسب، فقد ذكر في بعض كتبه ثمانية عشر من شيوخه المشهورين، وكان معظمهم من أهل بيته وعشيرته، كوالده وشقيقه الشيخ عثمان بن فودي، وكذلك أعمامه وأخواله، وقد ذكر هو نفسه بعض من أخذ عنهم العلم في كتابه “إيداع النسوخ بذكر من أخذت عنهم من الشيوخ” ومدحهم في قصائد تشهرهم وتشيد بفضائلهم.
وبتتبع هؤلاء الشيوخ وما درسه على كل واحد منهم نجد أن الشيخ عبد الله ابن فودي قد تعمق في دراسة كل العلوم العربية والإسلامية منذ نعومة أظافره، بما فيها علم الحديث النبوي الشريف، حيث ذكر هو نفسه أنه أخذ كتاب العراقي دراسة والبخاري رواية عن شقيقه الشيخ عثمان بن فودي، كما أخذ من الشيخ الحاج محمد بن راج مودب بن حم علم الحديث دراسة ورواية، كمختصر صحيح مسلم، وصحيح البخاري كله قراءة عليه، وقد أجازه هذا الشيخ جميع مروياته في الحديث التي أخذها من شيخه المدني السندي الأصل، أبي الحسن علي[20]، وهناك شيوخ آخرون غير من ذكرهم الشيخ في كتبه إذ قال: “وكم عالم أو طالب علم أتانا من الشرق فاستفدت منه ما لا أحصيه، وكم عالم أو طالب علم أتانا من الغرب فاستفدت منه ما لا أحصيه، جزاهم الله جميعا رضوانه وأحلهم لجوار جنابه ،وأعطانا من بركاتهم “[21] .
مؤلفاته:
ألف الشيخ عبد الله بن فودي في كل العلوم الإسلامية تقريبا، وذكر تلميذه الشيخ سعد أن مؤلفاته بلغت مائة وسبعين كتابا[22] منها، كتاب: سراج جامع البخاري، ومصباح الراوي، كلاهما في علم الحديث النبوي الشريف.
وتوفي الشيخ عبد الله رحمه الله سنة 1245هـ الموافق 1829م بمدينة (غوندو) وله من العمر ست وستون سنة، وقيل خمس وستون.
وقد حزن أهل عصره بوفاته لأنهم فقدوا عالما جليلا، ووليا صالحا، ومجاهدا كبيرا، ومجددا مشهورا، فرثوه بقصائد كثيرة من بينها رثاء ابن أخيه الأمير محمد بلو بن الشيخ عثمان بن فودي بقصيدته الهائية المشهورة، ورحمهم الله جميعا .[23]
2 – الشيخ صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله العمري المعروف بالفلاني
نسبة إلى قبيلة فلان أو الفلاتة المشهورة في إفريقيا، من مواليد عام 1166هـ الموافق 1753م في السودان، و هو عالم جليل في علم الحديث وغيره من العلوم الإسلامية ،ويعتبر من أهم علماء المالكية في عصره في المدينة المنورة، التي استقر فيها إلى وفاته عام 1248هـ الموافق 1803م، وكان قبل ذلك قد طلب العلم في السودان، حيث نزلها بعض أسلافه، وولد صالح ونشأ بها، وتنقل في طلب العلم إلى كل من بلاد الشنقيط والمغرب وتونس ومصر، وكان جامعا بين العلم والعمل، وله أسانيد عالية في علم الحديث، وقد انتشر سنده العالي في المشرق والمغرب عن طريق تلاميذه، ولم يكتف الشيخ صالح من تعلم الحديث وتعليمه، بل ألف كتبا كثيرا في هذا العلم، منها:
((إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار)) وكتاب: ((قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات)) مطبوع كذلك[24]
3 – الشيخ محمد هاشم بن أحمد الفوتي المالكي المدني (المشهور بألفا هاشمي)
من مواليد عام 1283 هـ في بلدة حلوارا من فوتا تورو بالسنغال، وهو من أقارب المجاهد الكبير والعالم الرباني، الشيخ عمر الفوتي في النسب، وصفه الباحثون والمؤرخون علميا وخلقيا بكسر الخاء وخلقيا بضمها، فمن حيث العلم قالوا إنه كان عالما بمعنى الكلمة، بلغ صيته أرجاء العالم الإسلامي لكثرة من درس من طلبة العلم، وكثرة ما ألف من الكتب في مختلف العلوم الإسلامية. كان منذ طفولته يحب مجالسة العلماء ومناقشتهم، فبدأ ينهل من بحار العلوم على يد أعمامه وأخواله وعلماء بلاده، ومن غيرهم من علماء البلاد المجاورة، وسهل له كل ذلك مساعدة والديه اللذين كانا يساعدانه ماديا ومعنويا، الأمر الذي مكنه من حفظ القرآن الكريم على رواية ورش، وبلغ من العلم مبلغا عظيما ومكانة مرموقة حتى أصبح مرجعا لأهله ومواطنيه في التدريس والفتوى على الرغم من صغر سنه، واشتهر بلقب ألفا، ويعني باللغة الفلاتية الشيخ، أو العالم، أو الفقيه.
هجرته إلى الديار المقدسة:
قام الفرنسيون بغزو بلاده السنغال سنة 1320هـ فقاومهم في بداية الأمر، فلما أدرك صعوبة الاستمرار في هذه المقاومة نظرا إلى تفوق العدو في العدة والعتاد قرر مغادرة بلاده إلى الحجاز لأداء فريضة الحج على الرغم من صعوبة التنقل، إذ لا يمكن للإنسان أن يسافر في ذلك الوقت إلا مشيا على الأقدام أو ركوبا على الدواب، لذلك نستطيع أن نتصور ما بذله من جهود، وما عاناه من متاعب حتى دخل مكة المكرمة سنة 1322 هـ، وأدى فريضة الحج.
وأثناء إقامته في مكة تفوق على عدد من علمائها فكرموه غاية التكريم بعد أن عرفوا مكانته العلمية وفضله في الدين والنسب، لذلك رجع إلى مكة بعد زيارته للرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وتصدر للتدريس في المسجد الحرام حتى نهاية عام 1326هـ، ثم قرر مجاورة الرسول صلى الله عليه وسلم في مدينته المنورة حتى لقب بالمدني، ثم لم يمض على إقامته في المدينة وقت طويل حتى اشتهر بين علمائها وطلبة العلم فيها متصدرا للتدريس في المسجد النبوي الشريف.
مؤلفاته:
صنف العلامة الرباني الشيخ ألفا هاشم كتبا كثيرة ومفيدة في كثير من العلوم، وكان معظم هذه المؤلفات عند أحد تلاميذه، فلما توفي الشيخ رحمه الله جاء أحد الشيوخ إلى مكة وبحث عن تلك المؤلفات حتى وجدها عند ذلك التلميذ، فأخذها ليطبعها على حسابه الخاص بمصر، ولكنه توفي قبل أن يتمكن من ذلك، ولم يعلم بعد وفاته مصير تلك المؤلفات التي كانت ستثري المكتبات الإسلامية وينتفع بها المسلمون.
وقد أورد بعض الباحثين أسماء 80 كتابا من مؤلفات الشيخ ألفا هاشم بعضها في علم الحديث مثل:
- – كتاب فتح المغيث في علم الحديث.
- -كتاب تقريب المعاني في تخريج أحاديث جواهر المعاني، وهو كتاب هام ولكن لم يتمكن من إكماله.
- – كتاب أحاديث رواها الشيخ عبد القادر الجيلاني.
كما جمع الشيخ ألفا هاشم مكتبة تحتوي على كتب قيمة ومخطوطات نادرة، ولكن لكونه لم يرزق إلا البنات لم يستطعن المحافظة على هذه المكتبة العلمية لصغر سنهن، ففقدت.
أما صفاته الخلقية، فقد كان رحمه الله طويل القامة، عريض الجبهة، واسع العينين، عظيم الأنف، خفيف اللحية، يرتدي عمامة بيضاء وعباءة سوداء، وهي زي العلماء في ذلك العصر. أما أخلاقه فقد كان دمث الأخلاق، طيب القلب كريما، الأمر الذي جعل الناس يحبونه، ويلتفون حوله، فكان طبيعيا أن يحزن أهل المدينة بوفاته في عام 1349هـ، وخرج أهلها وعلى رأسهم أميرها لتشييع جنازته [25].
هذا ولم يكتف علماء إفريقيا بتعلم الحديث النبوي الشريف وتعليمه فقط ،أو تدوينه، أو الدفاع عنه فحسب، بل تمسكوا به في العقيدة والشريعة والسلوك إيمانا منهم بأن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأنهم لن يتمكنوا من القيام بدور الأنبياء في تعليم البشرية وهدايتها إلى ما فيه صلاحها في الدنيا وسلامتها في الآخرة إلا إذا استقاموا وصلحوا في أنفسهم قبل محاولة إصلاح غيرهم؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا إصلاح إلا بعد الصلاح، لذلك جاهدوا أنفسهم في الالتزام بهدي القرآن والتمسك بالسنة النبوية الشريفة حتى أصبحوا علماء ربانيين يملكون إيمانا قويا وسموا روحيا لا يشاركهم فيه عامة الناس فتمكنوا من هدايتهم، ومن التأثير في مجتمعاتهم، ومن إصلاح إخوانهم الأفارقة. فمن قرأ سيرة هؤلاء فسيرى العجائب في أخلاقهم وإنجازاتهم العلمية والإسلامية، ونسأل الله أن يجزيهم عن الإسلام وعن قارتنا أحسن الجزاء.
الهوامش
[1] سورة الحشر، الآية 7.
[2] سورة آل عمران، الآية 31 – 23.
[3] سورة النحل، الآية 44.
[4] – سورة النور، الآية 36.
[5] – سورة الأحزاب، الآية 36.
[6] حديث متواتر.
[7] سورة الأنعام، الآية 39.
[8] سورة النحل، الآية 89.
[9] سورة الحجر، الآية 9.
[10] رواه الإمام أحمد وحسنه.
[11] أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة بألفاظ متقاربة.
[12] حديث متواتر.
[13] ذكره السيوطي في تدريب الراوي، ص: 2 /604.
[14] التشريع والفقه في الإسلام تاريخا ومنهجا، لمناع قطان، ص 69.
[15] – رواه مسلم في الزهد والرقاق ،5326.
[16] – راجع هذا الموضوع وما قيل فيه في شرح النووي على صحيح مسلم ،18/ 120 – 129.
[17] – المصدر السابق.
[18] – سورة الحشر ، الآية 7.
[19] – راجع العدد الرابع لحوليات الجامعة الإسلامية الدولية في النيجر.
[20] – راجع ضياء السند، لعبد الله فوي، 1 /267. وتزيين الورقات ،2 /31.
[21] – إيداع النسوخ بذكر من أخذت عنهم من الشيوخ، ص 10.
[22] – راجع كتابه المحفوظ في المركز الإسلامي، جامعة صكتوا، ص 21.
[23] – راجع مقدمة كتابه “ضياء التأويل” بقلم أبي بكر محمود جومي، ص 5 – 6، ومقدمة كتاب “توضيح الغامضات”، ص 84-85.
[24] – راجع ترجمته في الأعلام ،3 /281. وهدية العارفين ،1 /424.
[25] – راجع ترجمته في كتاب: أعلام من أرض النبوة، للشريف أنس بن يعقوب الكتبي الحسني، 1 /206، وكتاب أفضل السلالم لمعرفة سيرة ألفا هاشمي، للشيخ مدان تال.