جهود علماء السودان الغربي في خدمة الحديث النبوي علماء دولة الشيخ عثمان بن فوديو نموذجا
الجامعة الإسلامية بالنيجر
إن منطقة السودان الغربي من المناطق التي انتشر فيها الإسلام في وقت مبكر من تاريخه، ويرجع تاريخ دخوله إلى القرن الأول الهجري الموافق القرن السابع الميلادي، كما يرجع تاريخ انتشاره وسيادته وهيمنته في السودان الغربي إلى عهد المرابطين الذين حملوا لواء الإسلام إلى المنطقة، بعد نجاحهم في إقامة دولة إسلامية بها.
فقد قامت دولة المرابطين على أساس نشر الإسلام و المذهب المالكي، (هو السائد في المنطقة إلى اليوم)، وكذلك تأثرت المناهج والمقررات الدراسية الفقهية بالكتب المالكية، وكذلك كتب الحديث النبوي وبخاصة الكتب الستة.
ومن أهم العوامل التي أسهمت في ترسيخ المذهب المالكي ودراسة الحديث النبوي في السودان الغربي؛ أن المجتمع السوداني خاصتهم وعامتهم، يعتبرون أن كل ما جاء من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، من أمور دينية وفقهية هو الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولذا تعلقوا بالمذهب المالكي والحديث النبوي، وتشبثوا بهما، ولم يبغوا عنهما بديلا.
فقد قام علماء المالكية في المنطقة بجهود في خدمة الحديث النبوية من خلال مؤلفاتهم وتدريسهم، ومن أبرزهم في القرن التاسع عشر الميلادي الشيخ عثمان بن فوديو الذي قام بجهود كبيرة في خدمة السنة النبوية، ومحاربة البدع والعادات السيئة في مجتمع السودان الغربي، وأخوه الشيخ عبد الله بن فوديو، والشيخ زيد بن الحاج الأثري [1]، وقبلهم الشيخ محمد راجي خال الشيخ عثمان بن فوديو وعبد الله بن فوديو، وأستاذهما الشيخ جبريل بن عمر شيخ الإسلام في السودان الغربي الإمام الحافظ المحدث.
وهذا المقال بعنوان: جهود علماء السودان الغربي في خدمة الحديث النبوي، علماء دولة الشيخ عثمان بن فوديو نموذجا. نريد من خلاله إبراز دور علماء السودان الغربي (وبخاصة في عهد الدولة العثمانية في سكتو) في خدمة الحديث النبوي الشريف، وذلك من خلال تدريسهم لكتب الحديث الشريف وبخاصة الكتب الستة وموطأ مالك، وكذلك لبيان مساهماتهم العلمية في مجال التأليف في الحديث النبوي وعلومه، لتكون جهودهم نبراسا للجيل الحالي وقدوة لهم في الاهتمام بالحديث النبوي وخدمته في غرب إفريقيا.
قسمناه إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة
المبحث الأول : نبذة عن حياة الشيخ عثمان بن فوديو ودولته.
المبحث الثاني : دور علماء الدولة العثمانية في خدمة الحديث النبوي.
الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث
المبحث الأول : نبذة عن حياة الشيخ عثمان بن فوديو ودولته
شهد القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي، حركة إصلاحية دينية وثقافية وسياسية كبرى شملت منطقة واسعة من غرب إفريقيا [2] وذلك على يدي الشيخ المجدد عثمان بن محمد فودي – الفقيه الفلاني- وقد هاجر أجداده من أرض فوتا تور – السنغال- واستقروا في بلاد الهوسا – برن كُنِّي في النيجر اليوم- وقد ولد الشيخ عثمان “يوم الأحد في أواخر صفر سنة ألف ومائة وثمانية وستين من الهجرة”[3] (1168هـ ) الموافق ديسمبر 1754م في قرية مرتا (Maratta) في أرض غوبر – إحدى ولايات الهوسا السبع – وكان أبوه محمد عالما من العلماء في المنطقة، وقد انتقلت أسرة الشيخ إلى قرية طَغِلْ(Dagel) بعد ولادته حيث نشأ، وبدأ تعليمه على يدي والده الشيخ محمد بن عثمان حيث ختم القرآن، درس الإعراب وجميع علوم النحو من الخلاصة وغيرها على يدي الشيخ عبد الرحمن بن المعروف بندو الكبوي، وأخذ التفسير من الشيخ أحمد بن محمد الأمين، ودرس صحيح البخاري عند خاله الشيخ محمد بن راجي الذي أجازه جميع مروياته وغيرهم من علماء المنطقة المنشرين في طول البلاد وعرضها ولا تكاد تجد قرية فضلا عن المدينة في السودان الغربي تخلو من عالم متبحر في العلم أو طالب علم، مما يدل دلالة واضحة على النهضة العلمية التي شهدتها المنطقة قبل الاستعمار الغربي.
ثم رحل الشيخ عثمان لطلب العلم إلى الشيخ جبريل بن عمر في مدينة أغاديس ـ (في شمال النيجر حاليا)، ومكث عنده سنة يتلقى العلم، ودرس عليه كثيرا من كتب الحديث منها صحيح البخاري وصحيح مسلم وموطأ الإمام مالك والسنن الأربعة، ثم رجع إلى قريته لسفر الشيخ جبريل بن عمر إلى الحج، ولم يستطع السفر معه لأن أباه لم يأذن له في المسير إلى الحج [4].
يعتبر الشيخ جبريل بن عمر من الشيوخ الذين أثروا في الشيخ عثمان تأثيرا كبيرا وبخاصة في حركته الإصلاحية، وكان أول من تصدى للعادات الذميمة في تلك البلاد، ويقول الشيخ محمد بلو بن عثمان : “إنه ـ أي الشيخ جبريل ـ أول من قام بهدم هذه العوائد الذميمة في بلادنا السودانية هذه، وكان كمال ذلك ببركته على أيدينا”[5]، وما أن عاد جبريل من الحج حتى رجع إليه الشيخ عثمان مع أخيه الشيخ عبد الله بن فوديو، ووجدا الشيخ جبريل في مورد الماء المسمى كودي (Kodi) ومكثا مدة يدرسان كتب الحديث وغيرها، ثم رجع الشيخ عثمان وترك عبد الله عنده ينهل من علمه، وبقي عنده مدة ثم رجع إلى أهله.[6]
بعد تبحر الشيخ عثمان في العلوم الدينية واللغوية جلس للعلم وطلابه، فكان يدرس الطلاب ويعظ الناس –العوام- ويرشدهم إلى الإسلام الصحيح ونبذ العادات السيئة المخالفة للإسلام الصحيح، وكان الشيخ ينتقل من قرية لأخرى مع أخيه الشيخ عبد الله بن فوديو للإرشاد، وهذا ما أشار إليه الشيخ عبد الله بقوله: “أقمنا مع الشيخ نعينه على تبليغ الدين نسير لذلك شرقا وغربا يدعو الناس إلى دين الله بوعظه وقصائده العجمية ويهدم العوائد المخالفة للشرع … إلى أن سرنا معه إلى بلاد كبي فدعاهم إلى إصلاح الإيمان والإسلام والإحسان وترك العوائد الناقضة لها فتاب كثير منهم”[7].
كان الشيخ في دعوته لا يسير إلى الملوك ولا يحب التقرب إليهم ولكن “لما كثرت الجماعة عنده واشتهر أمره عند الملوك وغيرهم، ورأى أن لا بد من السير إليهم فسار إلى أمير غوبر (باوا ) وبيّن له الإسلام (الصحيح) وأمره بالعدل في بلاده، ثم رجع إلى وطنه”[8] ثم انتقل الشيخ عثمان إلى بلاد زنفرا (zanfara ) للدعوة إلى الله تعالى، وأقام فيها خمسة أعوام للدعوة والتعليم وسبب طول إقامته فيها هو أنه قد “غلب على أهلها الجهل لم يشم غالب أهلها رائحة الإسلام”[9] ثم رجع الشيخ إلى وطنه واستمر في الدعوة إلى الله تعالى بالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتدريس، فازداد أتباعه وكثروا إلى حد ضاق به السلطان ذرعا، فاستدعاه لحضور عيد الأضحى مع باقي العلماء، ولكنه في الحقيقة كان يدبر لقتل الشيخ عثمان، ولما اجتمع العلماء عند السلطان تصدق عليهم بالأموال، فقام الشيخ عثمان بين يديه وقال له: “إني وجماعتي لا حاجة لنا إلى أموالك، ولكن أسألك كذا كذا فعدد له أمورا كلها من إقامة الدين، فأجابه السلطان بأني أعطيتك ما سألت ورضيت لك بجميع ما تحب أن تفعل في بلادنا هذه”[10]، ثم رجع الشيخ إلى قريته سالما غانما واستمر في دعوته وتدريسه إلى أن مات ذلك السلطان (باوا) وخلفه أخوه ياكُبُو، وجعل يكيد للشيخ كسلفه، ولكنه ما لبث أن هلك، وتولى بعده أخوه نفاتا (Nafata) وصار على نهج سلفيه في الكيد للشيخ إلى أن مات، فتولى السلطة ابنه يُنْفَ(yunfa) –تلميذ الشيخ سابقا- وكان قد وعد الشيخ عثمان قبل توليه السلطة بإلغاء المرسوم الذي أصدره سلفه بمنع الوعظ، ومنع الدخول في الإسلام لمن لم يرثه من أجداده، وألا يتعمم أحد بعد اليوم[11]، وغير ذلك من القرارات الجائرة ضد الشيخ وأتباعه، لكن ما أن وصل (ينف) إلى سدة الحكم حتى انقلب رأسا على عقب، وبدأ يحاكي المكايد والمؤامرات للفتك بالشيخ وأتباعه، ووصل به الأمر أن أغار على جماعة أحد أتباع الشيخ وهو عبد السلام لما رفض الانصياع لأوامر السلطان بالرجوع عن هجرته في نهار رمضان وهم صائمون ونهبوا أموالهم، وأسروا ذرا ريهم، واستهزئوا بالإسلام وأتباعه، فزاده ذلك طغيانا فجعل يهدد الشيخ وجماعته إلى أن أمر الشيخ أن يخرج بين جماعته ويفارقهم هو وعياله فقط “فأرسل إليه الشيخ بأني لا أفارق جماعتي، ولكن أفارق بلادك وأرض الله واسعة”[12].
هاجر الشيخ إلى مكان في أطراف بلاد غوبر يسمى غدُو (Godo) لكن هذه الهجرة لم تشف غليل السلطان الذي يريد القضاء على الإسلام وأهله، لذلك استمر في مضايقة الشيخ وأتباعه بأخذ أموالهم “ثم جاوز الأمر إلى أن كانوا يرسلون الجيوش إلينا فاجتمعنا لما اشتد ذلك فأمّرنا الشيخ علينا لينضبط أمرنا”[13] وكانت هذه البيعة بداية الجهاد وإيذانا بتأسيس الدولة الإسلامية، فبدأ الشيخ وأتباعه يدافعون عن أنفسهم بإرسال السرايا إلى القرى التابعة للسلطان مثل : قرية غنغ ومَتَنْكرى، فحالف السرايا الحظ حيث انتصرت وعادت سالمة وغانمة، ولما رأى السلطان أن الشيخ عثمان وأتباعه بدأوا يشكلون خطرًاً كبيرًاً على دولته، راسل أمراء الهوسا يطلب منهم العون والمساعدة للقضاء على الشيخ وأتباعه، فأرسلوا له العون المطلوب، فجهز السلطان جيشا عرمرما للقضاء على الشيخ وأتباعه فالتقى الجيشان قرب بحيرة تسمى “كتو” فهزم الله جيش السلطان وتعتبر هذه المعركة من أعظم المعارك التي جمعت بين سلطان غوبر “ينف” والشيخ عثمان بن فوديو وأتباعه، وهي كما وصفها الشيخ محمد بلو بمثابة يوم التقى الجمعان[14]، وكانت بداية الانطلاق، وصاروا يغزونهم في عقر ديارهم إلى أن فتح الله عليهم كل بلاد هوسا وعين فيها أمراء من تلاميذه لتعليم الإسلام ونشره وحفظ بيضته.
وفي عام 1817م توفي الشيخ عثمان بن فوديو في مدينة سفاوا، وحمل إلى مدينة سكت حيث دفن رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
سقطت الخلافة العثمانية في عام 1903م على يدي الإنجليز، وقد حكمها أحد عشر خليفة، و حاول كل واحد منهم أن يحافظ على الكيان الذي تركه مؤسس الدولة من حيث تطبيق الشريعة الإسلامية[15].
المبحث الثاني : دور العلماء في خدمة الحديث النبوي أولا ـ الشيخ عثمان بن فوديو
قامت حركة الشيخ عثمان بن فوديو الإصلاحية من أجل العودة بالمسلمين في السودان الغربي إلى الإسلام الصحيح، وترك ما علق به من الأمور المخالفة للعقيدة والعبادات ومحاربة البدع، وعمل على إحياء السنة واتباع المنهج الصالح الذي أقره صلى الله عليه وسلم، ونشره الصحابة من بعده، والتزم بالمذهب المالكي، المذهب الفقهي السائد في دولة سكتو الإسلامية، ويتميز المذهب المالكي بالالتزام بالكتاب والسنة، والابتعاد عن التأويل، وعدم الإسراف في القياس، والتحمس للنقل، وهذا ما جعل الأفارقة يتمسكون به لأنهم يميلون إلى النقل من النصوص الشرعية أكثر من إعمال العقل. وينتسب الشيخ عثمان بن فوديو إلى المذهب المالكي كما أشار إلى ذلك في افتتاح بعض مؤلفاته فيقول :” قال الفقير المضطر إلى رحمة ربه عثمان بن فوديو الفلاني، المالكي مذهبا الأشعري اعتقادا[16] ” كما أنه أفتى بأنه يجب أن تكون الفتوى في غرب إفريقيا على المذهب المالكي، وذلك لفقد بقية المذاهب فيها. لقد بذل الشيخ عثمان كل ما لديه من قوة في البلاغة والحجة وجودة الأسلوب، ومعرفة بالأحكام في سبيل خدمة السنة النبوية، والقضاء على البدع المنتشرة في مجتمعه، و يرى أن لا صلاح لأمر الأمة، ولا علاج لمشاكلها ولا خلاص من الحالة السيئة التي تردت فيها إلا بالتمسك بأحكام الكتاب والسنة، لأنه ما من حكمة أو فضيلة أو إصلاح في تاريخ المسلمين، إلا ونص عليه القرآن وفسرتها السنة النبوية من خلال أحاديثه صلى الله عليه وسلم، ويقول :” أما الدليل على وجوب إتباع الكتاب، فقوله تعالى: ﴿وهذا كتاب أن أنزلناه مبارك فاتبعوه﴾[17] والدليل على وجوب اتباع السنة، قوله تعالى: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾[18] وفي الحديث: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ”[19]. .. والبدعة ما ليس له أصل في الكتاب والسنة والإجماع “[20].
وأكد الشيخ عثمان بن فوديو على ضرورة العودة إلى الكتاب والسنة، والاقتداء بأثر السلف الصالح، والذي يعبر عنه “بمعرفة أخبار السلف من الصحابة والتابعين والاقتداء بهم، وترك محدثات الأمور”[21].
وألف كتبا كثيرة لخدمة السنة النبوية، مثل :
- 1ـ إحياء السنة وإخماد البدعة، طبع سنة 1962م في القاهرة.
- 2ـ تمييز أهل السنة.
- 3ـ توقيف المسلمين على حكم مذاهب المجتهدين الذين كانوا من أهل السنة الموفقين.
- 4ـ سَوق الأمة إلى إتباع السنة.
- 5ـ اتباع السنة وترك البدعة.
- 6ـ وثيقة الإخوان لتبيين دليل وجوب اتباع الكتاب والسنة والإجماع، طبع في كانو 1998م.
- 7ـ أسانيد الفقير المعترف بالعجز والتقصير في بعض ما أخذ بالقراءة أو بالإجازة.
وله مؤلفات أخرى في العبادات وغيرها على المذهب المالكي، وأخرى في التربية والتعليم والسياسية الشرعية والنصيحة والوعظ، وتربو مؤلفاته على خمسين كتابا ورسالة ومعظمها ما زالت مخطوطا.
قد بذل الشيخ عثمان الجهد في التأليف والدعوة إلى اتباع السنة في جميع الأمور، ويراعي في تأليفه همّ أهل زمانه وأغراضهم، ويرد على ما شاع في مجتمعه من بدع وشبهات حول الإسلام في العقيدة والعبادات والعادات، ويهتم بإيراد الأدلة على كل أمر يقرره من الكتاب والسنة، وهو في استدلاله بالسنة النبوية يسوق أكثر من حديث، ويعتمد على ذلك كثيرا، ويجعله الميزان الذي يزن به ما يقرره، وما ينقله من مسائل وقضايا، ولدراسته الواسعة للسنة أثره الواضح في هذا الشأن، فقد كان يستوعب أمهات كتب السنة [22].
وله عناية بالسند إلى حد أن اعتبره من أهم أمور الدين للعلماء والعباد، وأثنى على أهل المشرق بعنايتهم به، وكاد أن ينفرد به في البلاد السودانية إذ هو شبه معدوم فيها، وسجل أسانيده في معظم العلوم التي درسها في مؤلف مستقل أسماه: “أسانيد الفقير المعترف بالعجز والتقصير في بعض ما أخذ بالقراءة أو بالإجازة “ويلتزم الشيخ عثمان بالمذهب المالكي في الفروع الفقهية، ويبّن الأصول التي بني عليها الإمام مالك مذهبه، ويسوق سنده في تلقي هذا المذهب [23].
يعتبر الشيخ عثمان بن فوديو من العلماء الذين أحيوا منهج الاستدلال بالحديث النبوي في المذهب المالكي في السودان الغربي، حيث لا نكاد نجد كتابا من كتبه ورسائله يخلو من الاستدلال بالحديث النبوي في المسائل الفقهية والعقدية والسياسية الشرعية.
ثانيا ـ الشيخ عبد الله بن فوديو وجهوده في خدمة الحديث النبوي
نبذة عن الشيخ عبد الله بن فودي
مولده: ولد الشيخ عبد الله بن فودي في جمادى الآخرة عام 1180ه الموافق 1766م على أكثر الروايات وأقربها إلى الصحة، وذلك لأنه ذكر هو نفسه في كتابه تزيين الورقات [24] من أن بينه وبين أخيه عثمان اثني عشر عاما، ولو نظرنا إلى تاريخ مولد الشيخ عثمان الذي كان في 1168ه الموافق 1754م نجد بينهما اثني عشر عاما، وولد في قرية طقل (degel)على الأشهر.
دراسته: بدأ الشيخ عبد الله دراسته على يد والده الشيخ محمد فودي بن عثمان، حيث درس عليه القرآن الكريم، وبعض متون الفقه المالكي، ثمّ درس على يد أخيه الشيخ عثمان بن محمد فودي: وقال الشيخ عبد الله في دراسته على أخيه :” ومن الشيوخ الذين أخذت العلم عنهم:
شقيقي عثمان بن محمد. ..وقد تركني أبي في يده بعد قراءة القرآن وأنا ابن ثلاث عشرة سنة” [25] وقرأ عليه علم اللغة والنحو والفقه والتفسير، وعلم التوحيد والحديث والحساب وكان ملازما له في الحل والترحال “وصحبته حضرا وسفرا ما فارقته مذ أنا يافع إلى أن حصل لي الآن قريب خمسين سنة” و”ما ألّف كتابا من أول تواليفه إلى الآن إلاّ كنت أولّ من نقله عنه غالبا”[26].
لم يترك الشيخ عبد الله بن فودي للمؤرخين بعده مشقة البحث عن شيوخه حيث خصص للشيوخ الذين أخذ عنهم العلم كتابا سماه “إيداع النسوخ من أخذت عنه من الشيوخ”ويحتوي على معظم الشيوخ الذين أخذ عنهم العلم، ومن أهمهم : خاله المحدث الحافظ الشيخ محمد راجي الذي قرأ عليه صحيح البخاري أجازه في سائر كتب الحديث.
والشيخ جبريل بن عمر الأغدسي: قال الشيخ عبد الله بن فودي فيه :” ومنهم شيخنا وشيخ شيوخنا الإمام العالم الحاج جبريل بن عمر شهرته في العلماء شرقا وغربا تغني عن ذكر شمائله، وقرأت عليه كتب أصول الفقه كالقرافي والكوكب الساطع، وجمع الجوامع مع شروحها، وقرأت عليه بعض تواليفه ولازمته واستفدت منه كثيرا. .. وأجازنا جميع مروياته، وأعطانا ألفية بالسند الذي ألفه شيخه المصري مرتضى “… [27] ثم ذكر علماء عدة ممن قرأ عليهم العلم، وبيّن أنهم من مشاهيرهم، وقال :”والشيوخ الذين أخذت العلم عنهم لا أحصيهم الآن، ولكن هؤلاء مشاهيرهم، وكم من عالم أو طالب علم أتانا من الشرق فاستفدت منه مالا أحصيه، وكم من طالب علم أتانا من الغرب فاستفدت منه مالا أحصيه”[28].
رافق الشيخ عبد الله أخاه الشيخ عثمان في معظم رحلاته مشاركا إياه في الدعوة والتدريس والجهاد، إلى أن أصبح وزيره وكبير مستشاريه، وبعد نجاح حركة الجهاد قرر الشيخ عبد الله أن يحج إلى بيت الله في مكة المكرمة وذلك عام1222هـ الموافق 1808م لكن لم يوفق في ذلك حيث لم يتجاوز مدينة كنو في رحلته ومكث فيها فترة ثم رجع إلى سكتو.
وفي عام 1227هـ الموافق 1812م قرر الشيخ عثمان تقسيم دولته إلى قسمين القسم الشرقي لابنه الشيخ محمد بلو، والقسم الغربي لأخيه الشيخ عبد الله بن فودي، وتفرغ للعبادة والتدريس والتأليف، وفي عام 1233هـ الموافق 1817م توفي الشيخ عثمان بن فودي وتولى الشيخ محمد بلو مقاليد الحكم في سكتو.
واستقل الشيخ عبد الله بالجزء الذي كان يحكمه وعاصمته مدينة غوندو، وتفرغ للتأليف والعبادة، إلى أن وافته المنيّة في عام 1245ه / 1829م وله نيّف وستون سنة في مدينة غوندو[29] ـ رحمه الله تعالى ـ
مؤلفاته: ترك الشيخ عبد الله بن فودي أكثر من مائة مؤلف ما بين كتاب ورسالة موزعة بين كل فروع العلم والمعرفة في زمانه “ولاشك أنه كان أكبر عالم وكاتب عرفته إفريقيا الغربية أو يمكن أن تعرفه، فلا غرابة أن يلقبه الناس بعربي السودان لجهوده الجبارة، وفضلا عن ذلك فهو شاعر مفلق ” [30] غير أن كتبه لا تظهر فيها الأصالة والابتكار بقدر ما تدل على حرصه من تقريب البعيد إلى الأذهان وتسهيل الصعب لطلاب العلم في السودان الغربي، وإنما تظهر أصالته وإبداعه في النظم والصياغة الشعرية، وله المقدرة الفائقة على نظم العلوم في نفس عميق وطويل، وله أكثر من عشرين منظومة وبخاصة مؤلفات الإمام السيوطي [31] ولمنظوماته تأثير في الحلقات العلمية في شمال نيجيريا والنيجر وما جاورهما وبخاصة منظوماته في علوم القرآن والحديث والفقه، ومنظومته في الصرف الحصن الرصين في علم الصرف، حيث صارت من المقررات الجديدة في الحلقات العلمية في المنطقة ومازالت بعض مؤلفاته تُدرس في تلك الحلقات إلى اليوم.
بعض مؤلفاته المطبوعة
- 1ـ ضياء التأويل في معاني التنزيل، تحقيق: أحمد محمد أبو السعود وعثمان الطيب، الطبعة الأولى، مطبعة الاستقامة، القاهرة، 1961م.
- 2ـ ضياء الحكام فيما لهم وعليهم من الأحكام، طبعة زاريا. 1956م.
- 3ـ ضياء الأمة في أدلة الأئمة، وهو كتاب في الفقه.
- 4 ـ اللؤلؤ المصون في صدف القواعد العيون. كتاب في القواعد الفقهية حققه: د.أحمد مرتضى، وطبع بدار الأمة كنو، نيجيريا.
- 5ـ سراج الجامع للبخاري، وهو منظومة تتناول بيان كيفية جمع البخاري لصحيحه ومأخوذة من مقدمة الفتح الباري لابن حجر.
- 6ـ إيداع النسوخ من أخذت عنه من الشيوخ، (فهرس شيوخه) طبعة مكتبة نولا، زاريا نيجيريا 1958م.
لقد كان الشيخ عبد الله حافظاً، عالماً، محدثاً، كما قال الشيخ محمد بلو بن عثمان بن فودي: “العلامة النظار الفهامة شيخنا البركة المصنف المفسر المحدث الحافظ المقرئ المجود النحوي اللغوي البياني المتفنن الآخذ من كل فن بأوفر نصيب، الرائع في كل علم في مرعاة الخصيب الشهير الرحالة آخر السادات الأعلام وخاتمة النظار ذو التحقيقات البديعة والأبحاث الأنيقة الغريبة، المتفق على علمه وهديه ممن قلّ سماع الزمن بمثله [32] ”
ومن جهوده في خدمة الحديث النبوي، أنه نظم ألفية في علم مصطلح الحديث سماها: (مصباح الراوي في علم الحديث ) وجمع فيها قواعد هذا العلم في أسلوب سهل ووضع فيها ما وصل إليه علمه فيما يتعلق بمصطلح الحديث رواية ودراية، وعقد فيها أبوابا في تعريف عالم الحديث وموضوعه وغايته وأنواع علوم الحديث من الصحيح والحسن والمتواتر إلى آخر أنواع علوم الحديث، وتحتوى على تسعة وستين بابا(96) في خمسمائة وعشرين بيتا، والكتاب مطبوع ومحقق حققه أولا الشيخ محمد الغالي موسى في رسالته التي قدمها لجامعة بايرو في كنو تكملة لمتطلبات درجة الماجستير عام 1992م، ثم حققها وعلق عليها الدكتور محمد المنصور إبراهيم بجامعة عثمان دن فودي سكتو1425ه، وشرحها : الشيخ محمد ابن بلو غلغل وسماها دليل الآوي إلى مصباح الراوي. [33]
وله منظومة أخري في الحديث بعنوان: سراج الجامع للبخاري، وهي منظومة تتناول بيان كيفية جمع البخاري لصحيحه ومأخوذة من مقدمة الفتح الباري لابن حجر، ومنظومة ضياء السنَد: نظم فيه جميع ما أجازه الشيخ جبريل بن عمر، وهو: الصحاح الستة، فقه المذاهب الأربعة، الشمائل للإمام الترمذي، الموطأ للإمام مالك، الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي، كتاب الشفا للقاضي عياض اليحصبي، وكتاب النيات في الأعمال الدنيوية والدينية: وهي عبارة عن مجموعة من الأحاديث النبوية التي تحث على إخلاص النية ومراعاة السنة.
ثالثا: الشيخ زيد بن الحاج الأثري المحدث الراوي وجهوده في خدمة الحديث النبوي
يعتبر الشيخ زيد من كبار علماء الحديث النبوي وحفاظه ومدرسيه في السودان الغربي في القرن التاسع عشر الميلادي، قال الشيخ عبد الله بن القاضي محمد الحاج في ترجمته:”رحل إليه شيخنا (المصطفى التورودي) قُبيل الجهاد، فقرأ عليه ألفية الحافظ المحدث الأثري الأصولي عبد الرحيم زين الدين العراقي، قراءة بحث وضبط وإتقان، وعدة كتب من مصطلحات علم الأثر والجامع الصغير. .. وكان حافظا للأحاديث النبوية مميزا بين صحيحها وحسنها وضعيفها وموضوعها وموقوفها وموصولها ومرسلها، وغير ذلك مما يتعلق بعلم مصطلح الحديث ” وذكر حكاية تؤكد قوة حفظه وإتقانه لصحيح البخاري، وملخصها: أنّ الشيخ زيد الأثري حضر مدرسة الشيخ العلامة أبي الأمانة جبريل فذكر الشيخ جبريل حديثا فقال :
رواه البخاري، فقال له الشيخ زيد : هذا الحديث لم يخرجه البخاري أصلا، وأنكر عليه بعض طلاب الشيخ، واعتبر ذلك من قلة الأدب مع الشيخ، فقام الشيخ جبريل ودخل داره وراجع صحيح البخاري، فتبيّن له أن البخاري لم يخرج الحديث، وإنما رواه أبو داود في سننه، فرجع إلى الدرس، وقال لزيد : صدقت والصواب معك، فقال زيد: لمّا تكلمتَ يا شيخ بهذا الحديث وأسندته إلى البخاري، تفكرت ساعتئذ من كتاب بدء الوحي إلى كتاب الصيد والذبائح فلم أره فيه، وهذا يدل على استحضاره التام لصحيح البخاري.
وعاش هذا العالم مدرسا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن استشهد في معركة تُنْتُوَا مع الشيخ عثمان بن فوديو وليس له مؤلفات إلا شرح لطيف لقصيدة من قصائد الشيخ عبد الله بن فوديو ـ رحمه الله تعالى.
الخاتمة
توصلنا من خلال هذا البحث إلى النتائج الآتية:
1ـ أن الشيخ عثمان بن فوديو من العلماء الذين خدموا الحديث النبوي في السودان الغربي، وذلك من خلال تدريسه ومؤلفاته.
2ـ أن الشيخ عثمان من العلماء الذين اهتموا بالإسناد في السودان الغربي وله أسانيد وإجازات وبخاصة الكتب الستة.
3ـ أن الشيخ عبد الله بن فوديو من العلماء الذين ساهموا في إحياء علم الحديث ومصطلحه في السودان الغربي من خلال منظوماته الحديثية.
4ـ أن منطقة السودان الغربي (غرب إفريقيا) كان زاخرا بالعلم والعلماء وبخاصة في الحديث النبوي ومصطلحه.
5ـ أن لعلماء الدولة العثمانية دورا بارزا في خدمة الحديث النبوي.
الهوامش
[1] – اكتفينا بذكر ثلاثة علماء في الدولة العثمانية وهم : الشيخ عثمان والشيخ عبد لله والشيخ زيد لشهرتهم في المجال في عهد تأسيس الدولة العثمانية، وكان قبلهم علماء بارزين في المنطقة لكنهم خارج نطاق البحث لذلك لم نوردهم.
[2] – عبد العلي الودغيري، ملامح من التأثير المغربي في الحركة الإصلاحية، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد السادس عشر 1999، ص68.
[3] – الشيخ الوزير جنيد، ضبط الملتقطات، مخطوطة، ص16، وقد اختلف في تاريخ ولادته على أقوال وكذلك مكان الولادة، والذي أثبتناه هو الأقوى.
[4] -الوزير جنيد المصدر السابق، ص17. وهذا يفند القائلين بأن الشيخ عثمان قد ذهب إلى الحج، وتأثر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم رجع ودعا إليها في السودان الغربي. وإنما تـأثر بشيخه جبريل بن عمر الذي حج، وجاور، وبعد رجوعه، قام بالدعوة إلى العقيدة الصحيحة في المنطقة، ومن تلاميذه النجباء الشيخ عثمان بن فوديو، وعبد الله بن فوديو.
[5] الشيخ محمد بلو، إنفاق الميسور، طبعة 1964، القاهرة، مصر، ص45.
[6] انظر : عبد الله بن فوديو، تزيين الورقات للشيخ، مخطوط في مكتبة الباحث، ص8.
[7] المصدر نفسه، ص8.
[8] – عبد الله بن فوديو، المصدر السابق، ص4.
[9] المصدر نفسه، ص4.
[10] المصدر نفسه، ص7.
[11] انظر: إنفاق الميسور، ص95.
[12] عبد الله فوديو، المصدر السابق، ص03.
[13] المصدر السابق، ص03.
[14] انظر: إنفاق الميسور، ص301.
[15] عبد الله عبد الرزاق، الإسلام والحضارة الإسلامية في نيجيريا، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة ص65 – 67 بتصرف.
[16] مقدمة كتابه أصول الولاية وشروطها.
[17] الأنعام : 551.
[18] – الحشر: 7.
[19] رواه الترمذي : حديث رقم : 2676 وأبو داود حديث رقم: 43 وابن ماجه حديث رقم: 34.
[20] وثيقة الإخوان لتبيين دليل وجوب اتباع الكتاب والسنة والإجماع، طبعة 1 كانو 1998م، ص 772.
[21] المصدر السابق، ص 221.
[22] – انظر : حسن عيضى عبد الظاهر، الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا وقيام دولة الفلاني، طبعة جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية 1981م ص 212.
[23] – المصدر السابق، ص: 022.
[24] – تزيين الورقات، ص 4، مطبعة شيناـ زاريا ـ نيجيريا (بدون تاريخ).
[25] المصدر السابق، ص2.
[26] المصدر السابق، ص3.
[27] المصدر السابق، ص 7 مرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس من جواهر القاموس.
[28] المصدر السابق، ص 8.
[29] – انظر: الشيخ عبد الله بن القاضي محمد، رسالة في التعريف بالمصطفى التوردي. تحقيق د. عبد العلي الودغيري، طبعة معهد الدراسات الإفريقية جامعة محمد الخامس، المغرب 2003م، ص 65.
[30] علي أبوبكر، الثقافة العربية في نيجيريا، ط2، 2014م، دار الأمة كنو، نيجيريا، ص 303.
[31] انظر: مقدمة محقق اللؤلؤ المصون. أ. د. أحمد مرتضى، طبعة دار الأمة، كنو 2015م، ص 138 بتصرف.
[32] – إنفاق الميسور، مصدر سابق، ص 112.
[33] – انظر: مقدمة تحقيق د. محمد المنصور إبراهيم، الطبعة الثانية 2005م دار العلم للطباعة والنشر، سكتو، نيجيريا ص11 بتصرف.
فهرس المصادر والمراجع
1ـ الشيخ الوزير جنيد بن محمد البخاري، ضبط الملتقطات، مخطوط في مكتبة الباحث.
2ـ حسن عيسى عبد الظاهر، الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا وقيام دولة الفلاني، طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1981م
3ـ سليمان بن الأشعث (أبو داود) سنن أبي داود، بتحقيق عزة الدعاس، نشر دار الكتاب العربي.
4ـ عبد الله عبد الرازق إبراهيم، (دكتور) الإسلام والحضارة الإسلامية في نيجيريا، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة
5ـ عبد الله بن فودي، تزيين الورقات، مخطوط في مكتبة الباحث
6ـ عبد الله بن فوديو، اللؤلؤ المصون، تحقيق: أ. د. أحمد مرتضى، طبعة دار الأمة، كنو، نيجيريا
7ـ الشيخ عبد الله بن القاضي محمد، رسالة في التعريف بالمصطفى التوردي تحقيق:أ.د. عبد العلي الودغيري، طبعة معهد الدراسات الإفريقية جامعة محمد الخامس، المغرب 2003م
8ـ عبد العلي الودغيري، ملامح من التأثير المغربي في الحركة الإصلاحية، مجلة كلية الدعوة الإسلامية، العدد السادس عشر 1999م
9ـ عثمان بن فوديو، وثيقة الإخوان لتبيين دليل وجوب اتباع الكتاب والسنة والإجماع، طبعة 1 كانو 1998م
10ـ عصمت عبد اللطيف دندش، دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1988م
11ـ علي أبوبكر، الثقافة العربية في نيجيريا، ط2، 2014م، دار الأمة كنو، نيجيريا.
12ـ مجهول، تاريخ سكت، باريس، 1966م
13ـ الشيخ محمد بلو، إنفاق الميسور، طبعة 1964، القاهرة، مصر.
14ـ محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، طبعة أحمد شاكر.
15ـ محمد بن ماجه (ابن ماجه)، سنن ابن ماجه، طبعة محمد فؤاد عبد الباقي.