الرسائلُ المغربية إلى الحُجْرة النبَويّة، والتّشوّق إلى الْحجّ: بواعثُ وقضايا
كلية اللغة العربية، جامعة القاضي عياض، مراكش
مهاد
إن دالّة المحبوب على حبيبه أن يخصّه بما يشي بدالته عليه، ويعرفَ شفوف مقامه عند الناس بما ينفرد عنهم فيه، وقد حظي المغاربةُ وأهل الغرب بضريب من هذا الأمر، فإن ذُكِرت فنون الأدب، وضَرَب الناس بأسهمهم على أقدارٍ مقدورة، وقِسَمٍ مقسومة، اختصّ أهل صُقْعِنا بهذا الفن الرِّسالي، فلم يكنْ للمشارقة حظ فيه.
وإنَّا لنلمحُ ميسمَ الغبْطةِ الصارخةِ لمن قُيِّضَ له الإناخةُ بالبيت العتيق من الأندلسيّين، وتفصّى من عوائقِ الوصول، في رسائلِ التهنئة بالصُّدُور عن بيت
الله الحرام، فمن ذلك قول أبي القاسم محمّد بن عبد الله بن الجدّ الفهري (تـ 515 هـ) يخاطبُ صديقا له قَفَل من تلك الوِجْهة الوجيهة: «فيا لها حجّةً مبرورةً
ما أتَمَّ مناسكَها، وأوضح في مناهج البِرِّ مسالكَها، لقد شهد فيه الميقاتُ بخُلُوص إحْلالك وإحرامك، واهتزّ البيتُ العتيق لطوافك واسْتِلامك، ورضِيَتِ المرْوةُ والصَّفَا عن كمال أشْواطك، وتهلَّل بطْنُ الْمَسِيلِ لسعْيك فيه وانحطاطِك، ثمّ بالموقف الأعظم من عرفة سَطع عرف دعائك وتخشّعك، وارتفع خَفْضُ رغْبتك وتضرِّعك، وفي البيت المكرَّم من المزدلفة حظِيَ تقرُّبُك وتزُّلفُك، وزكا تهجُّدك وتنفُّلُك، وعند الإفاضة فاضت الرحمة عليك، وكمُلَتِ النّعمة لديك. وأما مِنىً ففيها قضيتَ مُنَاكَ وأوطارَك، وقُبِلَتْ هداياك وجمارك، وحُطَّتْ خطاياك وأوزارُك، فما صدَرْتَ عن تلك المعالم المكرّمة، والشعائر المعظّمة، إلاّ وهي راضيةٌ عن عَجّكَِ وثَجّكِ شاهدةٌ لك بكمال حجّكَِ، مُشْفقةٌ من فراقك وبُعْدِك، متعلّقةٌ لوْ أمكنها ببُرْدِك، وقبْلُ أوْ بعْدُ ما تأنّسَتْ بكَ يثْرب، ورُفع لك في جناحِها مَضْرِب، فشافهْتَ منازلَ التّنْزيل، وطالعْتَ معاهدَ الرّسول، وقضّيْتَ منْ زيارةِ الْقبْر الْكريمِ واجباً، وقمْتَ بيْنه وبين المنْبَرِ ضارعاً راغبا، فما حُجِبَ عنْه عليْه السّلامُ زَوْرُكَ وإلْمامُك، وقصْدُك وائْتمامُك، وصلاتُك وسَلامك، بلْ كان لكلّ ذلك راعياً سامعا، ويكونُ لكَ بحوْل الله شاهداً شافعاً..
لقراءة المقال كاملا الرجاء تحميله من هنا.
…