قراءة في مخطوط: “وسيلة الفقير المحتاج، في شمائل صاحب اللواء والتاج” للعلامة محمد بدر الدين بن الشاذلي الحسني الحمومي: (تـ: 1268هـ)
الرباط- المملكة المغربية
إن المتأمل لسير وتاريخ العظماء، يرى الاهتمام البالغ علـى امتداد تاريخ الأمم الإنـساني بذكر وتدوين سيرهم وأخبارهم، والحديث عن حياتهم وأوصافهم وشمائلهم، وترسم أخلاقهم ومحاسنهم ومآثرهم حتى تناقلها الناس كابرا عن كابر.
ولا يشك أحد أن أعظم عظماء الإنسانية وأفضلهم على الإطلاق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي أخرج البشرية من ظلمات الجهل والضلال، إلى نور العلم والرشاد، فهو المبعوث رحمة للعالمين، وبه ختم الله تعالى الرسالات السماوية. ولشرفه وعلو منزلته -صلى الله عليه وسلم- نجد العلماء منذ فجر الإسلام قد اعتنوا بذكر كل ما يتعلق بأوصافه الحميدة، وشمائله الشريفة، فقاموا بتصنيف الكتب وعقد المجالس، والتحدث عن صفاته الخَلْقِية والخُلُقية، وسمته وهدية، وأمره ونهيه، حتى نتخذها نحن الخلف نبراسا ومنهاجا للتأسي به ولزوم سنته.
وتعد كتب الشمائل وأحوال الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم، من أجل الكتب درجة، وأرفعها منزلة، وأكرمها شأنا ومكانة، لما تحويه من صور عن حياته -صلى الله عليه وسلم-، تصويرا دقيقا، يجعلنا نقف أمام حياته لنتأملها، فتكون لنا سراجا منيرا، وسبيلا مبينا، فهي تخبرنا عن خصال النبي الكريم، وأوصافه وخلاله، وأخلاقه، وآدابه ونحو ذلك، ولهذا سمى الترمذي وغيره من أهل العلم أوصاف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه وآدابه وما يتعلق به بـ: “الشمائل. ”
ويعد كتاب الإمام: “الترمذي” من أحسن ما ألف في هذا الموضوع؛ حيث قام –رحمه الله- بجمع عيون الموضوع ودُرره، ورتبه ترتيبا متناسقا، وجمعه جمعا متقنا، فليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل، فهو كتاب واحد في بابه، فريد في ترتيبه واستيعابه، لم يأت أحد بمماثل ولا بمشابه، سلك فيه منهجا بديعا، ورصعه بعيون الأخبار، وفنون الآثار ترصيعا، حتى عد من المواهب، وطار في المشارق والمغارب.
ونظرا للأهمية العظيمة لهذا الكتاب، ولما يحويه من شمائل أفضل العباد، نجد جماعة من العلماء المسلمين في شتى بقاع العالم قد تصدت له بالشرح والتبيين والتفصيل، فكثرت عليه الشروحات، وتعددت الحواشي والتعليقات، وقد كان لعلماء القطر المغربي النصيب الأوفر في العناية بهذا الكتاب، فوقفوا الأوقاف والكراسي العلمية لتدريسه، كما أبدعوا في شرحه وتلخيصه، واهتموا به وبكل ما احتواه سندا ومتنا وشرحا وتدليلا، فتنوعت شروحهم بين مطولة ومختصرة، فكانت في غاية الإتقان والإحكام والإبداع، إلا أن جل هذه الأعمال لم تلق العناية الفائقة بها، ولم تحظ بالدراسة والتحقيق الذي يخرجها من ظلمات رفوف خزائن المخطوطات، إلى أروقة المطابع والمكتبات.
ومن جملة هذه الشروح التي لم تلق العناية الفائقة، والاهتمام اللازم نجد كتاب:
“وسيلة الفقير المحتاج، في شمائل صاحب اللواء والتاج” لمؤلفه: محمد بدر الدين بن الشاذلي الحسني الحمومي (تـ: 1268هـ). ويُعدُّ هذا الشرح من المخطوطات التي غفلت عنها أيدي الباحثين زمنًا طويلًا، وظل حبيس أدراج المكتبات دونما تحقيق أو تدقيق، رغم أهمية الكتاب ومنهجية المؤلف في شرحه، وموسوعيته، ويظهر ذلك بجلاء في كمِّ المصادر التي اعتمد عليها، وذكره فروق الروايات التي سمعها وصححها، إلى جانب تتبعه لأقوال العلماء في شرحه ورده عليها، مما جعل لهذا الشرح ميزة كبيرة على بقية الشروح.
ونسعى من خلال قراءتنا في هذا المخطوط التعريف به وبمؤلفه وفق الخطة التالية:
المحور الأول: التعريف بالمؤلف صاحب الشرح، وذلك بذكر اسمه ونسبه، وشيوخه، وما خلفه من تراث علمي، وثناء العلماء عليه ثم وفاته؛
المحور الثاني: التعريف بالكتاب المخطوط: وسنتناول فيه عنوان المخطوط ونسبته إلى مؤلفه، ثم الباعث على التأليف، ووصف النسخ الخطية المعتمدة في هذه القراءة، ثم المصادر التي اعتمدها المؤلف في هذا الشرح، وأختم بمحتويات ومضمون هذا الشرح والمنهج الذي سلكه المؤلف في شرحه.
المحور الأول: التعريف بالمؤلف
1: اسمه ونسبه
هو أبو عبد الله سيدي محمد؛ المدعو: بدر الدين بن الشاذلي بن أحمد بن الحسين؛ المدعو: ابن الحسين الحمومي الحسني، ولد عام: ثمانية وسبعين ومائة وألف (1178هـ)، شيخ الجماعة بفاس[1]. فقيه صالح الأحوال، عالم عامل نحرير، زاهد عابد، قدوة شهير، كان – رحمه الله – مشاركا في علوم شتى.
2: شيوخه
أخذ المؤلف -رحمه الله- عن مجموعة من شيوخ عصره منهم: العلامة محمد التاودي بن سودة المري[2]، وهو آخر تلامذته موتا من المشهورين، وأبو محمد عبد القادر بن أحمد بن العربي بن التاودي بن شقرون[3][4]، والشيخ محمد الرهوني[5] وغيرهم، وبه انتفع جماعة من علماء عصره من أبرزهم: شيخ الجماعة سيدي محمد بن الطالب بن الحاج وجماعة.
3: مؤلفاته
خلف المؤلف -رحمه الله تعالى- تراثا علميا وفكريا متميزا ومما وقفنا عليه من ذلك:
- شرح على المرشد المعين في الضروري من علوم الدين وسماه بـ: منهل الماء المعين في شرح المرشد المعين [6].
- المنح الذوقية في حل ألفاظ الزروقية (وهو شرح على الوظيفة الزروقية)[7].
- تأليف في السكر والآتاي، عنونه بـ: “رسالة فيما اشتمل عليه الأتاي من المنافع وبيان طبخه وطريقة استعماله وسبب ظهوره”[8].
4: ثناء العلماء عليه
ومن ثناء العلماء عليه نجد صاحب السلوة يحليه بقوله:
“الفقيه الأجل، العالم العلامة الأفضل، الزاهد الورع البركة الأواه، الخاشع الخاضع المتواضع لمولاه… كان رحمه الله عالما عاملا، زكيا فاضلا، خاشعا خاضعا، ذاكرا لربه متواضعا، لم ير قط إلا ذاكرا أو تاليا، أو مدرسا أو مصليا، وكان مجاب الدعوة زكي الأخلاق، عاملا بما يرضي الخلاق، منقبضا عن السلطان وذويه، تاركا للكلام فيما لا يعنيه[9]…
وإليه رضي الله عنه كان يرجع في وقته في مسائل الديانات وما يرجع إليها، ترد عليه بذلك المسائل الكثيرة لعلمه وثقته وورعه.
5 وفاته
توفي رحمه الله في منتصف ليلة السبت ثامن محرم عام: 1266هـ عن تسع وثمانين سنة، وكانت له جنازة عظيمة، حتى كسر العامة أعواد نعشه تبركا، ودفن بزاويته الكائنة بحومة البليدة بفاس، وهو أول من دفن بها وضريحه مشهور، عليه دربوز وكسوة، وهو مزار متبرك به[10].
المحور الثاني: التعريف بالكتاب المخطوط
1: عنوان الكتاب ونسبته إلى المؤلف
ثبت عنوان هذا الشرح في مقدمة النسخ الخطية الموجودة في الخزانات المغربية تحت اسم: “وسيلة الفقير المحتاج، في شرح شمائل صاحب اللواء والتاج”، وهو شرح شهير، قد ذكره غير واحد من أصحاب التراجم والفهارس، وإن كانوا قد ذكروه بغير عنوانه الأصلي، فممن أشار إليه نجد: العلامة الكتاني في سلوة الأنفاس حيث قال في معرض ترجمته لمؤلفه: “وقد ألف تآليف عديدة، منها شرحه للشمائل “[11].
كما ذكره صاحب إتحاف المطالع وقال: “له شرح على الشمائل”[12]. وذكره مخلوف في شجرة النور الزكية وقال: “… له تآليف منها: شرح الشمائل”[13]، كما ذكره العلامة كنون في النبوغ المغربي[14].
أما نسبة هذا الشرح إلى مؤلفه وهو العلامة “محمد بدر الدين بن الشاذلي الحسني “فهي نسبة صحيحة ثابتة، ومن أهم ما وقفنا عليه في ذلك:
- أن المؤلف – رحمه الله- صرح في مقدمة شرحه للكتاب؛ بذكر اسمه، ونسبه، حيث قال بعد البسملة والثناء على المولى تعالى بما يليق به، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه: “وبعد؛ فيقول العبد المضطر لمدد الله اللَّدُني: محمد بدر الدين بن الشاذلي بن أحمد الحسني”…[15]،
لكن وجدنا في تاريخ الأدب العربي لبروكلمان أنه ” شرح على شمائل الترمذي لأبي عبد محمد بن أحمد البناني” [16]، فذكره من غير عنوانه الأصلي منسوبا لأبي عبد الله البناني.
- وممن نسب الكتاب إلى غير مؤلفه الأصلي؛ فؤاد سزكين فذكره كذلك من غير عنوان، منسوبا إلى أبي عبد الله البناني [17].
وهذا خطأ ووهم منهما لأن النسخة التي اعتمداها في فهرسة هذا الكتاب مبتورة الأول، واعتمدا في نسبة الكتاب إلى المؤلف على ذكر اسم ناسخ المخطوط التي وردت في آخر النسخة، وما يؤكد نسبة المؤلف إلى صاحبه الأصلي؛ ما وقفنا عليه في مقدمة نسختي: خزانة مؤسسة علال الفاسي، ونسخة المكتبة الوطنية بالرباط، حيث صدر الشارح الكلام فيها بذكر اسمه ونسبه كما ذكرنا سابقا.
2: الباعث على التأليف
بعد أن ذكر الشارح أهمية كتاب الشمائل، ومنزلته بين سائر مؤلفات السيرة النبوية، بين الدافع الذي جعله يقدم على شرح هذا العمل العظيم، وأن غرضه من ذلك هو المساهمة ولو بجزء يسير في ذكر محاسنه صلى الله عليه وسلم، رجاء التعلق بأذياله، وطمعا بأن يكون من جملة خدامه وأهل وِصَاله، قصد أن يغترف من بحر أفضاله الذي لا يظمأ وارده، حيث قال ما نصه: ” ولا شك أن مطالع هذا الكتاب كأنه يشاهد طلعة ذلك الخباب، ويرى محاسنه الشريفة في كل باب. ..، فأردت أن أتعلق بأذياله، وأن أحسب من جملة خادميه وأهل وصاله، وأن ألقي دلوي إلى بحر أفضاله، كي نشرب من عين زلاله، فإنه بحر لا يخيب قاصده، ولا يظمأ وارده”…[18].
3: وصف النسخ الخطية
قبل الشروع في ذكر مضمون الكتاب موضوع القراءة، يجدر بنا تقديم وصف النسخ المخطوطة المتوفرة بين أيدينا من هذا المؤلف، إذ توجد للكتاب المخطوط نسخ متعددة متوفرة في الخزانات العلمية بالمملكة المغربية الشريفة، وقد اعتمدنا من كل ذلك على نسختين خطيتين:
الأولى: نسخة المكتبة الوطنية بالرباط تحمل عنوان: “وسلية الفقير المحتاج في شرح شمائل صاحب اللواء والتاج” تحت رقم: 461، وهي منسوبة لمؤلفها العلامة بدر الدين بن الشاذلي بن أحمد الحمومي الحسني، في مجلد كبير، عدد صفحاتها:
616، كتبت بخط مغربي، تحمل طررا وتعليقات كثيرة في الغالب أنها من وضع قراء النسخة، ناسخها: محمد بن أحمد البناني الفاسي أصلا المراكشي منشأ ودارا، تاريخ الفراغ من نسخها: يوم الإثنين رابع ذي الحجة عام: ستة وثمانين ومائتين وألف 1286) هـ)، أولها: الحمد لله الذي جعل العلم رافعا للدرجات، وماحيا للسيئات.
وآخرها: وافق الفراغ من هذا التعليق يوم الاثنين ثالث وعشرين من رجب عام: ستة وثمانين ومائتين وألف (1286هـ)، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
ملاحظة: النسخة بها خروم كثيرة في بدايتها.
الثانية: نسخة خزانة مؤسسة علال الفاسي بالرباط، وتحمل عنوان: وسيلة الفقير المحتاج في شرح صاحب اللواء والتاج” تحت رقم: 74 – ع 136، منسوبة إلى مؤلفها:
بدر الدين بن الشاذلي بن أحمد الحسني، عدد صفحاتها: 291، قياسها: 22/18 مسطرتها: 20، ضمن مجموع من الصفحة: 1، إلى الصفحة: 291. كتبت بخط مغربي مزخرف، مدادها أسود، يتخلله اللون الأحمر عند ذكر ترجمة الباب، وكلام المصنف، وبعض الأعلام. ..، أولها: الحمد لله الذي جعل العلم رافعا للدرجات، وماحيا للسيئات.
ملاحظة: النسخة مبتورة الآخر.
وتوجد نسخ أخرى للكتاب في كل من الخزانة الحسنية بالرباط[19]، والمكتبة الوطنية[20] بالرباط كذلك، واقتصرنا على النسختين الموصوفتين لجودة خطهما ولأن هذا ما توفر بين أيدينا، أما باقي النسخ الأخرى فالمتوفر منها بضعة أوراق مع الاختلاف في نسبتها إلى مؤلفها.
4: المصادر المعتمدة في هذا الشرح
استقى الشارح –رحمه الله- مادته ومعلوماته من عدة مصادر ومراجع متنوعة كـ: القرآن الكريم، وبعض التفاسير القرآنية، كـ: تفسير القرطبي، وأحكام القرآن لابن العربي، وكتب الحديث (السنن الستة والأدب المفرد للبخاري. ..) وكتب الفروع الفقهية المالكية كالمدونة وشرح الوغليسية للشيخ زروق…، وكتب التصوف وأقوال العارفين، وكتب التراجم والأعلام البشرية، وكتب علوم الحديث والرجال، وكتب اللغة وقواعدها من نحو وصرف، وكلام العرب وأشعارهم، مما يدل على سعة معرفة الشارح، وموسوعيته في عدة مجالات علمية، وقدرته على الفهم والشرح والاستدلال، وقوة بحثه واطلاعه على الجزئيات، والاستدلال عليها واستدعاء الشواهد المختلفة والمتنوعة .
5: محتويات الكتاب ومنهج الشارح
يعد كتاب “وسيلة الفقير المحتاج في شمائل صاحب اللواء والتاج” شرحا نفيسا في بابه، جمع فيه مؤلفه ما تطمح إليه نفوس مبتغي الفوائد، ومقتنص الفرائد، مع دقة وسلامة في الأسلوب، نحا فيه نحو الإيجاز المتقن، ليس فيه تطويل مُمل، أو اختصار مخل.
وقصد الشارح إلى بيان صفات رسولنا صلى الله عليه وسلم السنية، ونعوته البهية، من أجل أن يكون ذلك وسيلة إلى امتلاء القلب بتعظيمه، لأن في تعظيمه تعظيم للشريعة الإسلامية.
وصدر المؤلف شرحه بمقدمة أشار فيها بعد ذكر الله والثناء عليه والصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام، وذكر اسمه ونسبه، إلى أهمية الاشتغال بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه سبب في نيل البركات وحصول الخيرات، وأن أعظم ذلك: الاشتغال بشمائله صلى الله عليه وسلم، ونبه إلى أن أجل كتاب صنف في هذا الشأن، كتاب: “الشمائل” للإمام الترمذي، ونقل جملة من أقوال أهل العلم ممن أثنوا على هذا التأليف البديع والعمل الرفيع، واستطرد الكلام في هذه المقدمة بتعريف علم الحديث، فبين مفهومه، والغاية من تعلمه، وموضوعه، ومسائله، وفائدته، وبعض ألقابه.
وبعد ذكره لأسباب الإقدام على شرح هذا الكتاب المبارك، شرع في حل ألفاظه، وبيان معانيه ومقاصده، وبدأ بالبسملة، فشرح ألفاظها وذكر جملة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تحث على البدء بها.
ثم قصد المؤلف إلى شرح الأحاديث التي أوردها الإمام الترمذي في كتابه من جميع الجوانب الحديثية، والفقهية، واللغوية، لكونه –رحمه الله- من المحدثين الذين برعوا في علوم اللغة وجمعوا بينها وبين الحديث والفقه. ..
وبدأ الكلام بسند الأحاديث الواردة في نص الكتاب، كاشفا عن بعض الطرق التي ورد الحديث منها، ثم تكلم في رواة السند النبوي، واقفا عند أساميهم، باحثا في سيرهم وأحوالهم، والصفات التي تُؤهلهم لقبول روايتهم للحديث من عدالة وضبط، أو تُرد لصفات أخلت في شروط الرواية، وأقوال أهل العلم فيهم، مدققا، معلقا، وكاشفا عن تحقيقات أهل المصطلح وأقوال المحدثين.
بعد ذلك يعمد الشارح إلى بيان معان الألفاظ الواردة في الحديث، مبينا معناها في اللغة واصطلاح أهل العلم، ذاكرا المراد الذي سيقت له في الحديث، مدللا على ذلك من كلام اللغويين، والفقهاء، والمحدثين وغيرهم، بإيجاز في العبارة، وبتركيز يناسب المقام، معضدا ذلك بسوق جملة من الأبيات الشعرية، وكلام العرب إذا اقتضى الحال ذلك.
اعتناؤه في شرحه بالمسائل النحوية، حيث نجده يعمد إلى ذكر أوجه إعراب كلام المصنف وبعض الألفاظ الواردة في الأحاديث النبوية الشريفة، مستعينا في الاستدلال على تلك الأوجه بالكتب المعتمدة عند أهل الصنعة النحوية، وأئمة اللغة العربية، كالمبرد والزمخشري وغيرهما، مع ترجيح الأصوب في أغلب المسائل، مما يدل على أن الشارح -رحمه الله- كان بارعا في علوم اللغة.
نجده يقف في ثنايا شرحه للحديث النبوي الشريف على جملة من كتب أهل الزهد ورجال التصوف، كرسالة الإمام القشيري وغيرها، مع الاستعانة ببعض أقوال العارفين بالله كالإمام الشعراني، والإمام الجُنَيْد، وغيرهما.
من خلال النظر في الأدلة الواردة في هذا المخطوط، يبرز لنا جانب مهم من الشخصية العلمية والفقهية للشارح، حيث اعتمد في أغلب المواضيع على أقوال الفقهاء وآرائهم واجتهاداتهم، ناقلا نص كلامهم إذا اقتضى الأمر ذلك. وهذا ما يوضح بجلاء شخصية العالم الموسوعي والفقيه الأصولي المجتهد، الذي يبين بوضوح طريقة الاستدلال عند العلماء والمحدثين والفقهاء وأهل اللغة، وذلك باستعمال الأصول التي استقر رأي العلماء عليها والعمل بها، كما نجده يعمل على البرهنة بطريقة علمية على العملية الاستنباطية.
ونشير في الأخير إلى أن الشارح ينبه على بعض الفروق الموجودة في كتاب الشمائل المحمدية للإمام الترمذي، بين النسخ المشرقية والمغربية، من ذلك أنه –رحمه الله- أشار إلى أن النسخة المشرقية أثبتت فيها تراجم كل باب، بخلاف النسخة المغربية التي نجدها خالية من التراجم حيث قال ما نصه: “اعلم أن نسخة المشارقة التي شرح عليها المناوي وابن السلطان وابن محرز وغيرهم، في أولها بعد البسملة: الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى قال الشيخ أبو عيسى الترمذي: باب خلق النبي صلى الله عليه وسلم، والموجود في النسخ المغربية بإسقاط ذلك والابتداء بعد البسملة بذكر الحديث”[21].
ثم ختم الشارح –رحمه الله – هذا المؤلف بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
خاتمة
وفي ختام هذه القراءة لا بد أن ننبه إلى أن الموروث الثقافي المغربي قد طاله النسيان، وأصبح عرضة للضياع والإهمال، لذا أصبح من واجبنا إعادة الاعتبار لهذا التراث المنسي، والعمل على نفض غبار السنين عنه، حتى لا يبقى هذا التأليف ومثله حبيس الخزائن، بعد أن جَهِد صاحبه في دَرِّه، والنساخ في حفظه.
الهوامش
[1] -إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع لعبد السلام ابن سودة، تحقيق: الدكتور محمد حجي، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، 1417هـ – 1997م: (1/ 391)، وسلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس في من أقبر من العلماء والصلحاء بفاس لمحمد بن جعفر الكتاني، تحقيق مجموعة من الباحثين، دار الثقافة، الطبعة الأولى، 1425هـ- 2004م: (1 /190).
[2] – انظر: الدر النفيس فيمن بفاس من بني محمد بن نفيس، للوليد بن العربي العراقي، تقديم وتحقيق: أحمد العراقي، مطبعة آنفو برانت فاس، 2008م: (ص: 348)، وثمرة أنسي في التعريف بنفسي لسليمان الحوات (ص: 98)، وشجرة النور الزكية لمخلوف: (1 /435).
[3] هـ – 1995م: (2 /625)، وـموسوعة أعلام المغرب، مجموعة من المؤلفين، تنسيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، 2008م: (7 /6742)
[4] -الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد الحجوي الثعالبي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى،
[5] -مقدمة أوضح المسالك وأسهل المراقي للمترجم، إتحاف أعلام الناس لعبد الرحمن بن زيدان (4 /181 – 186)، سلوة الأنفاس لمحمد بن جعفر الكتاني (1 /901 – 011).
[6] – توجد نسخة محفوظة بالمكتبة الوطنية بالرباط تحت رقم:2062د.
[7] – توجد نسخة محفوظة في مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، الدار البيضاء، تحت رقم: 1 /355.
[8] – توجد نسخة محفوظة في مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، الدار البيضاء، تحت رقم:332.
[9] – انظر: سلوة الأنفاس للكتاني: (1 /190).
[10] – انظر: سلوة الأنفاس للكتاني: (1 /19)، إتحاف المطالع لابن سودة: (1/ 391).
[11] – سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس في من أقبر من العلماء والصلحاء بفاس لمحمد بن جعفر الكتاني: (1 /971).
[12] – انظر: إتحاف المطالع لعبد السلام ابن سودة: (1 /931).
[13] – انظر: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد مخلوف، طبعة بالأوفسيت عن الطبعة الأولى، دار الكتاب العربي، بيروت –لبنان، دون تاريخ: (ص:004).
[14] – النبوغ المغربي عبد اللهكنون، الشركة العالمية للكتاب: (1 /311).
[15] – انظر الصفحة الأولى من المخطوط.
[16] – تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان –تعريب عبد الحليم النجار- الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة –مصر، دون تاريخ: (3 /491 – 195).
[17] – تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين –تعريب: محمود فهمي حجازي- منشورات جامعة محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، 1403هـ – 1983م: (1 /803).
[18] – (ص: 7).
[19] – توجد نسخ متعددة بالخزانة تحمل الأرقام: 183، و1495، و 5034، و9936، و2769، و1299.
[20] – توجد نسختان خطيتان بالمكتبة تحت رقم: 2363ك، ورقم 2663ك.
[21] -انظر: الصفحة 10 مخطوطة خزانة مؤسسة علال الفاسي.