إمارة المؤمنين
إمارة المؤمنين ثابت من الثوابت المغربية؛ لأن إمارة المؤمنين من شعائر الدين، وقد نص العلماء على وجوب نصب إمام يقوم برعاية شؤون الأمة الدينية والدنيوية، وله عليها حق الطاعة، وأن البيعة لأمير المؤمنين هي عقد حقيقي وعهد وثيق يجب الوفاء به، وأن منصب الإمامة ليس رمزيا، بل هو حضور فاعل ومؤثر، وأن في وجود الإمام فوائد ومصالح، من أهمها تثبيت الأمن وحفظ الوحدة بمعناها الواسع.
والبيعة هي الصيغة الشرعية لإمارة المؤمنين، وهي في اللغة الصفقة على إيجاب البيع وإتمام الاتفاق بين البائع والمشتري. وفي الاصطلاح الشرعي، عقد حقيقي، غايته تولية الخليفة السلطة العليا، ولفظ البيعة يدل صراحة على التعاقد والعهد، والمصدر الأساسي لنظام البيعة هو الكتاب والسنة.
ومن لوازم البيعة طاعة أمير المؤمنين لأنها من الدين، وهي مؤصلة بالقرآن الكريم لقوله تعلى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ.” (سورة النساء، الآية 59). والسنة النبوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصي الأمير فقد عصاني؛ وإنما الإمام جنية (وقاية) يقاتل من ورائه ويتقى به….) رواه الإمام أحمد في مسنده. ومن أقوال العلماء في ذلك ما ذكره ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة: ” والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم”، أي الانقياد واجب لأئمة المسلمين.
وقد اتفق أهل العلم علة أن إمارة المؤمنين من النعم الكبرى، والفضائل العظمى، التي حمت سائر الثوابت الدينية المميزة للهوية المغربية من المشوشات، وصانت باقي المقومات من الاعتداءات، وحققت للمغاربة نعمة الاجتماع التي تم بها نظام الدنيا، وصلح عليها نظام الدين.
وقد جعلت إمارة المؤمنين المبنية على البيعة الشرعية الموثقة بمشاهدة وشهادة العدول على عاتقها هذا الواجب المقدس، تنفيذا لمقتضى العقد الاجتماعي المتجدد، الذي يربط بين الراعي والرعية، لإقامة مظاهر الشريعة، وتثبيت الأمن بجميع مستوياته، خصوصا الأمن الروحي الذي هم من أكبر مهام إمارة المؤمنين، الذي تحرص عليه بجدية متفردة، لأن الدين والسلطان في ثقافة المغاربة توأمان، لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه.
ولذلك يثبت في حق أمير المؤمنين بمقتضى إلزامية البيعة الشرعية، الالتزام بما هو منوط به من الطوع والانقياد للأحكام التي يأمر بها، لقوله صلى الله عليه وسلم: “وأنا آمركم بخمس، الله أمرهن بهن؛ السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة؛ فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا ان يرجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثى جهمن. فقال رجل: يارسول الله، وإن صلى وصام، قال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله.” حديث حسن صحيح غريب أخرجه الترمذي.