البيعة في الإسلام وخصوصيات بيعة أهل المغرب لأئمتهم
البيعة في الإسلام
البيعة في الإسلام هي الأسلوب الشرعي في تنصيب رئيس الدولة الإسلامية“ أمير المومنين “ وهي أساس الدستور الإسلامي في تشكيل السلطة العليا لتسيير شؤون المسلمين.
وتعتبر البيعة من مبتكرات الحضارة الإسلامية وخصوصياتها، وإنما سميت عملية تنصيب السلطة العليا في الإسلام “بيعة” تشبيها لها بفعل البائع والمشتري، لأنهم كانوا إذا بايعوا الإمام وعقدوا عهده، جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد الذي قطعوه على أنفسهم، ومن ثم ورد ذكر ” اليد” في سياق الحديث عن “البيعة” في الآية رقم 10 من السورة رقم 48 (سورة الفتح):” يد الله فوق أيديهم”.
وقد أجمع المسلمون ما عدا الشيعة الإمامية على أن تعيين الخليفة يتم بالبيعة أي بالاختيار والاتفاق بين الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد، وبين شخص الخليفة، فهي إذن عقد حقيقي من العقود التي تبرم بين إرادتين على أساس الاختيار والرضا.
قال “الماوردي” – في أحكامه السلطانية-:”فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلا، وأكملهم شروطا، ومن يسرع الناس إلى طاعته، ولا يتوقفون عن بيعته”.
وأهل الحل والعقد هم الذين يمثلون الأمة في اختيار الخليفة باعتبار أن نصب الإمام من الفروض الكفائية على الأمة بمجموعها، يتصدرهم العلماء المختصون (أهل الاجتهاد) والرؤساء، ووجوه الناس وأعيانهم.
والأصل في البيعة، بيعـة العقبة التي كانت بمكـة حيث بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بيعـة الرضوان تحت الشجـرة التي كانت بعدها بنحـو ست سنوات، ولكليـهما ذكر في كتاب الله عز وجل في الآيتين رقم 10– ورقم 18 من السورة رقم 48 (سورة الفتح) ونص الآية رقم 10:” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم” ونص الآية رقم 18:” لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم، فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا”.
وكما كان من نتائج بيعة العقبة إقرار مبدأ الهجرة الدينية من مكة إلى المدينة، ثم قيام الدولة الإسلامية بقيادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.
كان من نتائج بيعة الرضوان انعقاد صلح الحديبية بين المسلمين ومشركي مكة والذي أفضى نقضه من طرف المكيين بعد سنتين من عقده إلى فتح مكة، ونسخ وجوب الهجرة:” لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا”.
خصوصيات بيعة أهل المغرب لأئمتهم
لأهل المغرب خصوصيات يتميزون بها عن غيرهم فيما يخص بيعات ملوكهم. منها:
- أن تكون البيعة مكتوبة، يشهد بها عدول الأمة وقضاتها على المبايعين بالسمع والطاعة للإمام والتزامه بأداء وظائف الإمامة كاملة غير منقوصة، وينتقى لإنشائها أبرع الكتاب، ويدعى لكتبها أحسن الخطاطين.
- ومنها: أن نصوصها كانت تعلق في صدر أقدس الأمكنة بالبلد كالمساجد الجامعة والأضرحة المتبرك بها إعلانا لشرعيتها وإشارة إلى دوامها واستمرارها.ومنها أن الكلمة العليا فيها للعلماء، بوصفهم حملة الشريعة المطلعين على أسرارها، والمسؤولين أمام الله أكثر من غيرهم عن نصح المسلمين وإرشادهم إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم، ودرء كل مفسدة عنهم ووقايتهم من كل زيغ وانحراف عن جادة الدين وصراطه المستقيم.ومن خصوصيات البيعة عند أهل المغرب كذلك أنها ميثاق غليظ ينعقد عليه إجماعهم، ويعضون عليه بنواجذهم ويعدون نكثه مروقا من الدين، ومفارقة لجماعة المسلمين، ما دام من انعقدت له البيعة مستمسكا بحبل الله المتين، حاميا للوطن والدين.
- ومن خصوصياتها أنهم حافظوا عليها في صيغتها الشرعية ورسومها المرعية بقدر محافظتهم على إمارة المومنين نظاما لحكمهم وتدبير شؤون دينهم ودنياهم لا يقبلون به بديلا، ولا يبغون عنه حولا، مع الأخذ بالطريف المفيد والمبتكر الجديد من اجتهادات أهل العلم والفكر والنظر، مما لا يتعارض مع شرع الله ودينه.
دولة الأشراف العلويين
هذا عن البيعة بالمغرب وخصوصياتها بوجه عام، وأما بالنسبة لدولة الأشراف العلويين، فالعرف أو ما جرى به العمل في الدولة السعيدة، أنه عند وفاة السلطان يجتمع العلماء وأهل الحل والعقد، وتحرر بيعة لمن ثبتت أهليته لتولي منصب الخلافة والملك، ويوقعون عليها، وهذه تسمى البيعة الخاصة التي تعرض على باقي الطبقات، ثم تقوم باقي المدن كل واحدة بدورها بتحرير بيعتها ويكون وفد ليحملها إلى الخليفة في مقر إقامته، معزين ومهنئين.
وبهذه الطريقة انعقدت إمامة أمراء المومنين بالمغرب ومنهم إمام المغرب في عصرنا هذا مولانا محمد السادس دام له النصر والتمكين.
الخلاصة
والخلاصة أن نظام البيعة في تقاليد أهل المغرب وأعرافهم يرتكز أساسا على مبدأ توثيق الحقوق والواجبات المتبادلة بين الراعي والرعية، وكأنه في روحه وجوهره يتغيـى الأبعاد السامية في العدل والإنصاف، والتي جاءت واضحة صريحة لا لبس فيها ولا غموض فـي أول خطـاب لأول الخلفـاء الراشدين أبي بكر الصديق بعد مبايعته خليفة لرسول الله “ صلى الله عليه وسلم“ حين قال رضي الله عنه شارحا سياسته في التسيير والتدبير:” أيها الناس، إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”.
* محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى