التصوف في إفريقيا
التصوف في إفريقيا
بدخول الإسلام أرض المغرب على يد الصحابة، واستقراره على يد المولى إدريس الأكبر ثم بعده المولى إدريس الأزهر، كانت إفريقيا على موعد مع طلوع شمس الإسلام عليها من بوابة المغرب بعد أن أشرق على مصر والحبشة من بوابة المشرق. وإن كان امتداده عن طريق المغرب أوسع باعتبار الدول المتعاقبة على حكم المغرب وعلاقاتها بالدول الإفريقية من جهة، ثم لكون المغرب قطبا تجاريا ومحطة عبور للقوافل التجارية المتجهة من وإلى إفريقيا من جهة أخرى.
تأثر بلدان إفريقيا بتصوف أهل المغرب
فكان تدين أهل القارة السمراء يحمل طابعا مغربيا تميز بالتوجه الصوفي الروحي المتماهي مع وحدة العقيدة الأشعرية والأخذ بمذهب الإمام مالك في الأحكام الشرعية الفقهية. حيث كان الطابع الأخلاقي يجسد التربية الصوفية لدى الأفارقة من جهة، والتبادل والتفاعل العميقين بين المغرب وإفريقيا من جهة أخرى.
لقد تأثرت بلدان إفريقيا بتصوف أهل المغرب من خلال تلاميذ الشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش والشيخ أبي الحسن الشاذلي، فأنشئت رباطات وزوايا كان لها أتباع كثر بكل من الجزائر وتونس على عهد الدولة الحفصية، وكذا ليبيا مع الدولة السنوسية، وصولا إلى السنغال ودولة ماسنا في مالي والدولة السوكتية في نيجيريا والتشاد والسودان وإثيوبيا وغيرها.
وكانت مظاهر التدين عندهم تمتح من الحقل الصوفي أخلاقا وسلوكا والتفافا حول الشيوخ المربين، كما كانت مناسباتهم وثقافاتهم تترجم مدى تأثرهم الروحي بالحقل الصوفي، كما التزموا في طرقهم وتربيتهم الصوفية بالأخذ عن الشيخ المربي المأذون، فانتمى أغلب المسلمين في الدول الإفريقية إلى الطريقة القادرية أو التيجانية أو المريدية، معتمدين في طرقهم تلك على الأذكار بأعداد وأوراد معلومة وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتحسين الجانب الأخلاقي لدى المريد، بتربيته على الزهد والكرم والتسامح.
دور التصوف في إفريقيا
إن الطرق الصوفية في إفريقيا ملأت ذلك الفراغ المهول الذي صنعته الخرافة على مدى قرون في عقول الناس، بشكل جعل الكثير منهم يمارس الطقوس الوثنية ويؤمن بتأثير قوى سحرية خارقة على الإنسان، فكانت الحركة الصوفية بمثابة الدواء والعلاج لتعليق هذا الإنسان بالإله الواحد وتعريفه بمصيره وربطه بقصده الأصلي الذي وجد لأجله كما كانت الطرق والزوايا الصوفية مراكز علمية تخرج منها علماء في شتى الدول الإفريقية وتركوا مؤلفات تشهد برسوخهم في علوم الشريعة والحقيقة معا، بالإضافة إلى كونها الحجر الأساس للدفاع عن عقيدة تلك الدول وحدودها ومقدساتها، فانطلقت منها الحركات الجهادية التي حاربت المحتلين والمستعمرين.
ومما تجدر الإشارة إليه هو توحد دول القارة الإفريقية روحيا كما توحدت على المستوى التمذهب العقدي والفقهي، فأغلب ساكنة دول إفريقيا هم صوفية وأغلبهم تيجانيون في مشربهم الصوفي، كما أن أغلبهم أيضا مالكيون فقها وأشعريون عقيدة، الشيء الذي يعطي مؤشرا قويا على عمق الروابط التاريخية والدينية بين تلك الدول بفضل تصوفهم السني والتزامهم السلوكي، كما يدل عليه رحلة شيوخ الطرق بين الأقطار ولقاءاتهم ببعض كما هو الحال عند شيوخ التيجانية.
لقد انتشرت الصوفية في إفريقيا بفضل جهود الشيوخ المربين، الذين نشروا الإسلام فقها وسلوكا وعقيدة، فهم من أدخل الإسلام إلى عامة تلك الدول، بل إنهم هم من واجه حملات التنصير التي مهدت للاستعمار وبقيت عقب خروجه، ففضل الزوايا الصوفية على ترسيخ الإسلام وبقائه وامتداده في إفريقيا كبير، وتأثيرها ظاهر بشكل ملحوظ. ونظرا لتشبث الأفارقة بالإسلام نجد طوائف منهم تأثروا واغتروا بتيارات ودعوات متشددة لبَّست عليهم بدعاوى عريضة نحو إقامة السنة ومحاربة البدع والشرك، وطوائف أخر استهجنت تلك الدعوات، وتمسكت بموروثها وانتمائها الروحي وهويتها الدينية التي صبغتها منذ قرون.