الدورة التواصلية الرابعة – كلمة فضيلة الدكتور محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى بالرباط باسم علماء المملكة المغربية
[نسخة المداخلة الأصلية PDF]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن هذا المشهد الجميل العظيم الذي تملأه إفريقيا بعلمائها وعالماتها مشهد جميل يتناسب وعظمة هذا الشهر المبارك الذي كثرت فيه الخيرات والبركات، فمن الدروس المولوية الحسنية التي يترأسها أمير المؤمنين مولانا محمد السادس بنفسه، إلى كثير من الفتوحات التي منها هذه الندوة العلميةالتي تقيمها مؤسسة محمدالسادس للعلماء الأفارقة عنوانا ومكانا، فالعنوان هو النظر في المؤسسات أو المرجعيات التي تؤطر الإسلام في إفريقيا، ومكان هذه الندوة معهد محمد السادس للعلماء الأفارقة؛ هذا المعهد هو معهد للتكوين، ولإفريقيا فيه حصة كبيرة،حصة كبيرة من شبابها فتيانا وفتيات، يتكونون في هذا الصرح، فإفريقيا حاضرة في هذا المعهد دائما وأبدا،أفواج تخرجت وأفواج تلتحق، ترجع هذه الأفواج إلى بلدانها لتؤطر وتصنع وجودا علميا، وصلة عظيمة بين إفريقيا جنوب الصحراء وبين المملكة المغربية، مملكة إمارة المؤمنين، التي تحافظ على هذه الصورة لإمارة المؤمنين على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان.
ليست هذه أول مرة نشاهد فيها إفريقيا حاضرة في المملكة المغربية، ففي زمن محمد الخامس رحمه الله، وكنا يومئذ طلابا نتابع دراستنا ونسر كثيرا ونسعد سعادة كبيرة عندما نسمع بأسماء زعماء إفريقيا في ذلك الوقت الذين كانوا يناضلون من أجل التحرير تحرير إفريقيا، كان محمد الخامس يستقبل هؤلاء الزعماء، ويعقد معهم لقاءات، ولعل أول مؤتمر انعقد في هذه المملكة كان في هذه الفترة برئاسة محمد الخامس طيب الله ثراه، كنا نسمع بأسماء زعماء إفريقيا فيسرنا ذلك كثيرا، كنا نسمع زعيما اسمه الشيخ أحمد سيكوتوري، زعيم غينيا، ونسمع بالزعيم نيكروما؛ وهو زعيم غانا. هؤلاء كانوا من المناضلين الأولين الذين حملوا راية النضال من أجل التحرير، ثلاثة زعماء؛ محمد الخامس طيب الله ثراه، والزعيم الشيخ أحمد سيكو توري، والزعيم نيكروما، الذين عقدوا أول مؤتمر إفريقي هنا في المملكة المغربية، فإذن المملكة المغربية في عهد محمد الخامس كانت مرتبطة بقضية التحرير التي كانت تهمنا جميعا، كان أهل إفريقيا ومنهم أهل المغرب بزعامة وقيادة ملك المغرب وقتئذ محمد الخامس طيب الله ثراه، مناضلين من أجل التحرير، فإفريقيا كانت حاضرة دائما في المملكة المغربية، وقلوب أهل المغرب دائما مع قلوب الأفارقة؛ لأن هذا المغرب دارهم، دار الأفارقة، كما أن البلدان الإفريقية هي دارنا جميعا، فحيث ما زرنا إفريقيا فنحن في دارنا، وفي وطننا، وبين أهلنا وإخوتنا، فلذلك عندما نشاهد ملتقى علميا كهذا، فإننا نمتلئ سرورا وفرحا.
إن إفريقيا العالمة اليوم تتكلم، علماء إفريقيا يتحدثون، ويقولون كلمتهم، وعندما تقدم الأمة علماءها، وتجعلهم رؤساء لها، الرأس لا بد أن يكون قويا لأن فيه كل الخيرات، والرأس فيه السمع والبصر، وهو أجمل ما في الإنسان وأقوى ما في الإنسان، فإفريقيا العالمة يقودها اليوم العلماء، ويقودها أهل الفضل وأهل الشجاعة والمروءة والأخلاق، إفريقيا تتحرك اليوم لتنهض ولتقول كلمتها، ولابد للعالم أن يسمع كلمة إفريقيا اليوم، إفريقيا اليوم تريد أن تتكلم، لأنها سكتت كثيرا، ولا يمكنها أن تسكت الآن.
في إفريقيا علم، في أفريقيا حكمة، لم يعرفها العالم بعد كما ينبغي أن يعرفها، في إفريقيا علماء، في إفريقيا حكماء، في إفريقيا مناضلون رجالا ونساء أقوياء.
عندما نذكر أفريقيا اليوم، وإفريقيا العالمة موجودة الآن في هذه القاعة، أنظر إلى إفريقيا العالمة، إفريقيا المناضلة التي تريد أن تعيد قوتها، وهي اليوم موجودة هنا أمامنا، لذلك فإن هذا الشهر المبارك الذي كثرت فتوحاته، وكثرت بركاته، فمن دروس الحديث والعلم التي تلقى بمنبر الدروس الحسنية الرمضانية، ذلك المنبر العالمي الذي يتكلم من فوقه المسلمون؛ علماء الإسلام من هذا العالم الكبير، يتكلم من فوق هذا المنبر العالم الهندي، والعالم الفارسي، والعالم العربي، والعالم الأوروبي، والعالم الأمريكي، كلهم تكلموا من فوق هذا المنبر، فهو منبر عالمي يتكلم منه علماء الأمة الإسلامية، وينورون العقول والقلوب، وقد سعدنا كثيرا بحضور علماء إفريقياالذين يحملون معهم هذه القارة، يحملون معهم إفريقيا حيث ما كانوا، حيث ما وجدوا، حيث ما حلوا، فإفريقيا موجودة معهم، لذلك فنحن في هذه القاعة، نشعر بأن إفريقيا حاضرة معنا هنا برجالها ونسائها، بعلمائها وعالماتها، بفضلائها وفضلياتها، هذه إفريقياحاضرة معنا في هذا الشهر المبارك، وهي تنتظر الشيء الكثير من رجالاتها، من علمائها، من فضلائها، تنتظر منهم الشيء الكثير؛ أن يرفعوا رايتها، و يعلوا مقامها، و يشرفوااسمها حتى يسمعه كل الناس في هذه الدنيا، إفريقيا قارة كبيرة، في أفريقيا رجال عظام، في إفريقيا علماء، في إفريقيا حكماء، كما قلنا، لكنها تنتظر انتظارات من أبنائها اليوم على اختلاف مشاربهم، على اختلاف مهماتهم، على اختلاف تخصصاتهم، تنتظر من رجالها ومن نسائها أن يرفعوا مكانتها.
لقد أحسنتم أيها الفضلاء عندما اخترتم المملكة المغربية لإقامة نشاطكم، مملكة إمارة المؤمنين، فهذا هو الطريق السليم الصحيح، الذي ينبغي أن يسلكه كل من أراد أن يحقق وجودا حقيقيا مقبولا عند الناس، وإفريقيا تبحث كذلك عن وجود حقيقي لها، ومكانة لها بين الناس، فلذلك لا بد أن تخوض المعركة، والمعركة التي تخوضها إفريقيا اليوم، ليست هي المعركة التي خاضتها من أجل التحرر والتحرير من الاستعمار، لا، هذه التي تخوضها اليوم إفريقيا بعلمائها وعالماتها، بمفكريها وبرجالاتها، الذين يملكون القول ويحسنون المخاطبة، مخاطبة الآخرين بما يتناسب مع الرسالة التي تحملها إفريقيا اليوم، فإفريقيا عندما تتحدث إنما تريد أن تقول للناس بأنكم نسيتم أن هناك أمة إفريقية، أن هناك قارة كبيرة اسمها إفريقيا، وأن فيها إنسانا عنده ما يقدمه للدنيا اليوم، وهذا يحتاج إلى نضال، ونضالية هذه المرحلة مختلفة تماما عن نضالية المرحلة السابقة التي خاضتها إفريقيا بنجاح، فهو طويل ولا بد أن يحتاج إلى نضال، ولا بد أن يحتاج إلى صبر كبير، وهذه الأشياء موجودة عند إفريقياالتي صبرت كثيرا وهي صابرة، وناضلت كثيرا وهي مناضلة، وهي الآن تريد أن تشق طريقها إلى وجود حقيقي لتقدم للعالم ما عندها،عندها حكمة لا يعرفها الناس، لم يطلع عليها الآخرون، عندها فلسفة أيضا، تريد أن يعرفها الناس. إفريقيا عندها كلمة تريد أن تقولها للعالم، تريد أن تحدث العالم بما عندها، تحب إفريقيا أن تكون عضوا مشاركا في هذا العالم، في دنيا الناس جميعا، هذه إفريقيا. لذلك فإن هذا الاجتماع، هذا اللقاء الإفريقي العلمي المبارك، هو جزء أو فصل من فصول النضال، الذي ينبغي أن تخوضه إفريقيا بعلمائها وبعالماتها وبمفكريها، هذه إفريقيا.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق المناضلين من أجل الوجود الحقيقي لهم في هذه الدنيا، وأن يوفقهم ليرفعوا صوتهم كثيرا حتى يسمعه العالم كله.
هذه هي الكلمة التي أحب أن أقولها لإفريقيا العزيزة علينا، لأننا نحن أيضا جزء من إفريقيا هذه، يهمنا أمرها، إفريقيا كانت حاضرة في هذه المملكة مملكة إمارة المؤمنين منذ عهد محمد الخامس، وذكرت لكم الزعماء الذين كانوا يتكلمون باسم إفريقيا في ذلك الوقت، الشيخ أحمد سيكوتوري، والزعيم نيكروما، غانا وغينيا، أما اليوم فإن إفريقيا بأجمعها ترفع صوتها، وتتحدث، وهي مستعدة للنضال بنسائها وبرجالها، بعلمائها وبعالماتها، وبكل الفاعلين النشيطين في أفريقيا.
فتحية كبيرة للقائكم، وتحية كبيرة للرسالة التي تحملونها، وللأمانة التي حملتكم إياها إفريقيا، وهي تنتظر منكم أن تحققوا الشيء الكثير لتظهر بصورتها الحقيقية، ليس كما قدمها الذين استعمروها وأكلوا خيراتها، لا. إفريقيا الآن تريد أن تتحدث بنفسها، وتقدم نفسها بنفسها، وأنتم لسانها، بالإضافة إلى أنكم أنتم عقلها، وضميرها، ووجدانها، فأنتم لسانها الذي يرفع كلمتها، ويخاطب الآخرين باسمها.
تنتظر منكم إفريقيا، يا علماء إفريقيا، يا عالمات إفريقيا، تنتظر منكم إفريقيا الكثير، أن تحققوا لها رجاءها، وتحققوا لها أملها، وتحققوا لها وجودا حقيقيا في هذا العالم بين الناس، وألا يحرم الناس مما عند إفريقيا من حكمة ومن علم ومن تجربة ومن خيرات كثيرة.
وبما أن إفريقيا قدمت علماءها وعالماتها، وجعلتهم لسانها، فإن نجاحها سيكون محققا إن شاء الله.
وفقكم الله ووفقنا جميعا في هذا الشهر المبارك حتى نحقق لأوطاننا ولأهلنا ولقومنا ما يتمنونه.
[نسخة المداخلة الأصلية PDF]