العوائد في اللغة جمع عادة والعادة الدأب والديدن وتكرار الأمر.
وأما في الاصطلاح، العادة: ما استمر الناس عليه على حكم المعقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى.
والعرف في اللغة من المعروف ضد المنكر، والعرف ضد النكر، المعروف أيضا ما يستحسن من الأفعال، وهو كذلك كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه.
وفي الاصطلاح: العرف ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول.
وإذا علمنا معنى العرف والعادة في اللغة والاصطلاح فينبغي معرفة أن الفقهاء قد اتفقوا على اعتبار العوائد والأعراف الصحيحة في عملية الاجتهاد، وقد تكلم العلماء كثيرا في هذا الشأن واعتبروا العرف الصحيح مصدرا من مصادر التشريع، أجاد المرحوم د. عمر الجيدي في بسط ما يتعلق بالعرف خاصة في المذهب المالكي في كتابه “العرف والعمل في المذهب المالكي”. واعتمدوا في ذلك أدلة كثيرة على مشروعيته.
مشروعية مراعاة العادة والعرف
إن الأدلة على اعتبار العرف تظافرت حتى بلغت مبلغ القطع وسوف يأتي الحديث عن القاعدة الفقهية الكبرى القطعية: “العادة محكمة” والتي ثبتت باستقراء نصوص الكتاب والسنة وتصرفات الصحابة وعلماء الأمة.
فمن النصوص القرآنية قوله عز وجل: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، البقرة، الآية: 227، وقوله تعالى: (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، البقرة، الآية: 232. وقوله عز وجل: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)، البقرة، الآية: 235. وقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، النساء، الآية: 19.
ومعلوم أن هذه الآيات دائرة على مقادير مالية ومعنوية لم يحددها الشرع وإنما أسند تحديدها إلى عرف الناس في تعاملاتهم الشخصية والاجتماعية.
ومن النصوص الحديثية، قوله صلى الله عليه وسلم لهند: “خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ”، لم يحدد لها صاحب الشريعة مقدارا بل ترك الأمر لما هو متعارف عليه في نفقة الأزواج.
والنصوص كثيرة في الباب، ولكثرتها لم يتردد الصحابة والتابعون في تحكيم أعراف الناس في كثير من القضايا التي أسندها الشرع إلى عوائد المجتمع، كبعض التقديرات المالية والزمانية، وبعض الأمور القضائية كتحديد المدعي من المدعى عليه وملكية المتاع، وغيرها…
ومن جهة الضرورة الواقعية يلزم مراعاة العوائد والأعراف ، حيث إن اختلاف وتغير أعراف الناس غير قابل للانضباط لحكم واحد مع التطور الحاصل في المجتمعات البشرية في تقاليدها ومعهودها في أقوالها وأفعالها. وقد سبقت الإشارة إلى اعتبار القرآن لمعهود العرب في كلامهم عند تنزيل أحكامه. وعلى هذا لا بد من مراعاة معهود المجتمع في أقواله وأفعاله عند الاجتهاد والفتيا والقضاء.
وهذا الدليل أخذ به المالكية كثيرا، وذلك ما يفسر واقعية الفقه المالكي ومواكبته للتطورات الحاصلة في المجتمعات طيلة التاريخ.