المجلس العلمي الأعلى في المملكة المغربية
كلمة المجلس العلمي الأعلى في المملكة المغربية خلال حفل تكريم الفائزين بمسابقة مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في حفظ القرآن وتجويده وترتيله بدكار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
السيد الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، سعادة سفير صاحب الجلالة المعتمد بالسنيغال، السادة الأفاضل والسيدات الفضليات كل بسني اسمه وجليل وصفه؛
إن المؤسسة العلمية في المملكة المغربية التي يرأسها أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله، تمثل الامتداد الشرعي والواقعي للمشيخة العلمية، التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ المغربي، المطبوع بمواقفها، والمختوم بأعمالها وطيب آثارها وخاصة رجالها، المتشبثين بثوابت الأمة واختياراتها، والخادمين لأمنها ووحدتها واستقرارها؛ حيث تحملت عن الأمة المغربية أماناتٍ، عَمِلَت من خلالها ولا تزال على توفيرِ الشروط الملائمة للتبليغ أولا، ولتكريسِ البعد الإنساني للدين الإسلامي ثانيا، ولنشرِ قيم الرحمة للعالمين بكل أجناسهم وألوانهم وأصنافهم ثالثا؛ وذلك عبر منهج تُرسَّخُ بواسطته أُسُسُ التدين الصحيح على مذهب أهل السنة والجماعة، استناداً إلى اختيارات المغاربة في الإمامة العظمى إمارة المؤمنين، المعدودة عندهم في شرائع الدين، وفي العقيدة الأشعرية القائمة على أصل التنزيه والبراءة من تكفير الموحدين، وفي الفقه الجامع لمعالم التسنن المدني الرشيد، وفي السلوك الصوفي المرقي إلى التخلق الحميد، والتزكي السديد ، مع الانفتاح على مختلَف الثقافات، واختيارات التجمعات، مراعاة لخصوصيات الشعوب الإثنية والحضارية على أساس قيم الإسلام الكونية المَرْعِيَّة في المشترك الإنساني.
أيها الحضور الكريم؛ إن المؤسسة العلمية التي يرأسها أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله، ويُؤْتَمَن عليها السيد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى فضيلةُ العلامة القدوة الدكتور سيدي محمد يسف، تعمل من خلال مجالسها الموجودة في جميع أقاليم المملكة وسائر عمالاتها ، على تبليغ قيم الدين الإسلامي السمحة، وتقريب مكارم الحنيفية السهلة، ورعايتها فهما وتنزيلا، وتكريسِ مبادئه الربانية في سلوك المؤمنين بصفة خاصة نصا وتطبيقا؛ مؤَسِّسَةً تدخلاتِها الإيمانية على الدعامات الأساسية الآتية:
- الأهليةِ الإيمانية والعلمية التي أساسها العلم الشرعي؛ باعتبارها شرطا جوهريا لضمان شرعية الأعمال وضابطا لإخلاص النيات، وخدمة الجماعة؛
- تحقيقِ الأمن الروحي الذي هو أساس وحدة الوطن وأمْنِه واستقراره، في أفق توسيع دائرته باعتباره غاية إنسانية مشتركة؛
- التعارفِ والتواصل وسيلةً فعالة لتعميق الأبعاد الإنسانية في العلاقات بين سائر الأجناس تسامحا وتساكنا وتعايشا وتعاونا على صنوف البر؛
- المحبةِ والرحمة باعتبارهما مقصدا أسمى يجسد محبة الله وصدق رجاءَ ثوابه ورحمته، ويؤدي حق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه: إنما أنا رحمة مهداة .
وتفعيلا لهذه الدعامات المؤسسة لعمل المجالس العلمية في المغرب فإن المجلس العلمي الأعلى يعمل جاهدا على تحقيق غايات سامية، ويسعى إلى بلوغ أهداف شريفة شاملة، من أهمها:
- ضمانُ التعريف الصحيح بالدين أحكاما ومقاصد ومنهجا راشدا في التفهيم وطريقة التنزيل؛
- تأمينُ التدين السني الوسطي المعتدل وفق الثوابت الجامعة، والاختيارات الموحدة التي أجمعت عليها مشيخة العلم ؛
- صيانةُ التدين من كل مشوش على الاشتغال الديني سواء كان داخليا بدعيا، أو فتانا أجنبيا ؛ بما يضمن استمرار تميزهم في مآخذهم الشرعية الذي صار بها بفضل الله تعالى نموذجا يحتذى؛
- تحصينُ الأمة من الأفكار المضللة، والممارسات المنحرفة الوافدة على المجتمع، وتحسيسُ الناس بشأنها وتبصيرُهم بمخاطرها المشوشة على بلوغ الحياة الطيبة التي وعد بها عباده الصالحين.
- صونُ المساجد عمارة، ووظيفة، وتنمية وحماية ووقاية ؛
- تأهيلُ العاملين في المجال الديني، من خلال بلورة رؤية واحدة لعمل تشاركي مستند إلى إحسان فهم الدين ومقاصده، والقيام بحق بلاغه؛
- ضبطُ الفتوى في الأمر العام بمؤسستها توحيدا للوجهة ودرءاً للفتنة، وإخمادا لنار التفريق وتسكينا لِهِيَاج الشر؛
- تعزيزُ التعليم الشرعي المنضبط برؤية المؤسسة خصوصا في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات لضمان الاستمرارية الممكنة من حفظ التدين الصحيح، تعليما يَتَحَقَّقُ به الترقي في مراتب الإسلام والإيمان والإحسان ويسهل حفظُ تماسك الجماعة؛
أيها السادة الفضلاء والسيدات الفضليات؛ إن وظائف المؤسسة العلمية وأنشطَتها الأساسية المستمدة من وظائف النبوة، والمتمثلة في التعليم، والتزكية، والتبليغ، والإصلاح، ومراعاة وحدة الجماعة…، تتطلع إلى بلوغ المقاصد والغايات المشتركة بين جميع المسلمين.
وبناء على ذلك كله؛ فإن مؤسسة العلماء تعمل دوما على:
- تعميمِ الفهم الصحيح للدين وتعزيزه بصور التنزيل الراشدة، وتحذيرِ المتعاطين للنظر في الدين من التحريف الغالي، والتأويل الجافي، والانتحال الطاغي لنصوص الشريعة، إسهاما في علاج الممكن من حالات فساد التدين المشاهدة في الواقع الإسلامي؛
- معالجةِ اختلالات التدين تحريفا وانتحالا وتأويلا في حالتي الفهم والتنزيل، لدرء الفتن على صعيدي الوطن والأمة الإسلامية؛
- تعزيزِ التنوع الثقافي والحوار بين مذاهب الأمة واختياراتها المختلفة من خلال بث خلق المحبة والنصيحة وثقافة السلم والسلام؛
- تسخيرِ القيم والمعارف الشرعية لدعم الأمن ومكافحة الغلو والعدوان؛
- بيانِ مظاهر الجمال والرحمة والمحبة في التشريع الإسلامي إسهاماً في ترشيد النظرة إلى المحيط والبيئة والطبيعة؛
- تبادلِ التجارب الناجحة في مجال التدين السمح، وإبراز سمات العمل الإسلامي في المغرب الذي صار محل تطلع واستلهام.
- الإسهام في حل المشكلات الاجتماعية والأخلاقية الناشئة عن إغفال خصائص الإنسان؛ بتكريس العناية بالبعدين الروحي والمادي بمختلف تجلياتهما في توازن وانسجام؛
- الانفتاحِ على الثقافات والمعارف الإنسانية المتنوعة أخذا وعطاء، تفعيلا لقيم التعارف والتعاون الأصيلة في الدين؛
- المشاركةِ في إغناء وتطوير المعارف الإنسانية من منظور إسلامي منفتح، ومؤسس على الاحترام والتكامل المثمر.
أيها الحضور الكريم؛ إن مؤسسة العلماء زيادة على ذلك تحمل رسالة عظيمة للإنسانية؛ مِن أسسها الإسهام في خدمة الإنسان بما هو إنسان تُعَمِّق فيه البعد الآدمي، وتُؤَسِّس لعلاقته بالآخر من خلال نشر المحبة، وبناء الأمن، وتعزيز السلام، ومحاربة كل أشكال التمييز والتهميش، وتعميق التعارف في معانيه وأبعاده الشاملة لإقامة جسور التواصل بين الأديان والثقافات، على أساس أن الله تعالى رب الجميع، وأن رسالته تخص الجميع، وأن التفاضل عنده لا يكون إلا بالتقوى، مصداقا لقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم..﴾ [الحجرات:13].
والحمد لله رب العالمين