المذهب المالكي والهوية المغربية
المذهب المالكي والهوية المغربية
تقديم
تعتبر الهوية الوطنية لأي بلد عنوان السيادة والتميز، فكل دولة لها مميزات وعناصر ثقافية وحضارية تشكل ثوابت يتعسر الحديث عن تلك الدولة دون استحضارها. والمغرب لا يخرج أيضا عن هذه القاعدة فهويته الوطنية تشكلت عبر تاريخه الطويل من مكونات متعددة اندمجت كي يتحصل منها مجموع فريد.
المذهب المالكي والهوية المغربية
وقد شكل الدين الإسلامي أهم هذه المكونات وثابتا من ثوابتها، ومثلث المدرسة المالكية المنهج الأفضل عند المغاربة لفهم الإسلام وتطبيقه، حتى أصبح لها الأثر الكبير على سلوك الإنسان المغربي بجميع أبعاده الفردية والجماعية، حيث مثل الفقه المالكي المرجعية في أغلب مناحي الحياة لمجتمعية لقرون عديدة: في القضاء والتشريع وإدارة الدولة مع مراعاة أعراف المجتمع المغربي وتقاليده، فضلا عن أن فقهاء المالكية قد أسهموا بالقسط الأوفر في سد أبواب الفتن والحفاظ على الوحدة الوطنية، معالجة النوازل الشديدة لمواجهة الغزو الأجنبي سالكين في ذلك مسلك الوسطية والاعتدال، ومحافظين على المصالح العامة.
ترسخ المذهب المالكي في المغرب
وهكذا ترسخ المذهب المالكي عبر الحقب التاريخية دعامة أساسية في تكوين الشخصية المغربية، وقد لقي عناية من طرف المتعاقبين على الحكم من الدول المغربية، رغم الفترات الحرجة التي اجتازها في العصر الموحدي حيث ظل هذا المذهب كامنا ليظهر من جديد أكثر تألقا وبروزا في العصر المريني ففي هذا العصر رسخت قواعد الفقه المالكي ولقي عناية من طرف أمراء بني مرين من خلال كراسي اللم بالمدارس والمساجد. و توقيف الأوقاف من أجل تدريس المذهب المالكي.
وشهد العصر السعدي محاولة لنشر المذهب الظاهري لكن المغاربة حاربوها وتدخل السلطان ووضع حدا للفتنة، وفي العصر العلوي برز وعي الدولة العلوية الشريفة للمذهب المالكي وكان العديد من سلاطينها علماء في المذهب ومنهم السلطان سيدي محمد بن عبد الله، والمولى الحسن بن عبد الرحمن وغيرهم.
ولم يزل هذا المذهب – بحكم وسطيته وبساطته – مستقرا في نفوس المغاربة حتى أصبح ممتزجا بطبيعتهم وسلوكهم، ورغم كل المحن التي تعرض لها في بعض المراحل التاريخية فإن أهل المغرب بقوا أوفياء له مستثمرين منهجه لاستيعاب الوقائع المستجدة.
خاتمة
تماشيا مع هذه الاستمرارية لمذهب إمام دار الهجرة في هذا البلد السعيد بجدر بالباحثين المجدين في الفقه والتاريخ والقانون أن يعلموا نظرهم في هذا المكون الأبرز للهوية المغربية معرفين به من حيث نشأته وأصوله واستقراره بالمغرب، ومستنبطين مظاهر تفاعل الفقه مع المجتمع والتاريخ، مستفيدين من تلك الثروة الفقهية النوازلية التي خلفها فقهاء المالكية والتي رسمت علاقة الشراكة بين الفقيه والمؤرخ على موضوع واحد وهو المجتمع المغربي لجميع أبعاده، وكل ذلك قصد تمكين الأجيال الجديدة من معرفة أحد أهم مكونات الهوية الحضارية لبلدنا المغرب.