فتنة التكفير ملحوظا فيها مسلمات العقد الأشعري

فتنة التكفير ملحوظا فيها مسلمات العقد الأشعري

الأستاذ إدريس بن الضاوية عضو مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ورئيس المجلس العلمي المحلي للعرائش
الأستاذ إدريس بن الضاوية عضو مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ورئيس المجلس العلمي المحلي للعرائش

تصدير

إن من أخص مواقف الخوارج المشاققين، وأظهر مسالك الناكثين منهم والمارقين تصنيفهم للناس على أساس مقولاتهم في العمل والإيمان، وادعاء النجاة دون الجماعة بلا برهان، وتعاطي التكفير بغير مكفر، واحتقارهم تدين عامة المسلمين، واستباحتهم لدمائهم وأموالهم وأعراضهم، والفصل في منازلهم، والجزم بتحديد مقاماتهم ودركاتهم، بسبب صدروهم في الفهم المعوج المتألي على الله في الحكم على مضمرات النفوس وما قر فيها من الاعتقادات، عن نصوص مفصولة عن سياقها، مجتزأة عن سباقها ولحاقها، واتهامهم للصحابة بكتم العلم وعدم قول الحق[1]، وردهم أحاديث من كفروا منهم ومن خيار التابعين، ورفضهم للإجماع الذي هو أحد أصول التشريع المعتبرة عند أهل السنة والجماعة.

قال الحافظ ابن عبد البر: وكانوا بتكفيرهم الناس، لا يقبلون خبر أحد عن النبي، فلم يعرفوا لذلك شيئا من سنته وأحكامه المبينة لمجمل كتاب الله، والمخبرة عن مراد الله من خطابه في تنزيله بما أراد الله من عباده في شرائعه التي تعبدهم بها، وكتاب الله عربي، وألفاظه محتملة للمعاني، فلا سبيل إلى مراد الله منها إلا ببيان رسوله، ألا ترى إلى قول الله عز وجل:﴿وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ اَ۬لذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44]، وألا ترى أن الصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الأحكام، إنما جاء ذكرها وفرضها في القرآن مجملا، ثم بين النبي أحكامها، فمن لم يقبل أخبار العدول عن النبي بذلك ضل، وصار في عمياء، فلما لم يقبل القوم أخبار الأمة عن نبيها، ولم يكن عندهم بنبيهم عدل ولا مؤمن، وكفروا عليا وأصحابه فمن دونهم، ضلوا وأضلوا، ومرقوا من الدين، وخالفوا سبيل المؤمنين عافانا الله[2].

فخرجوا عن سنن الدين في الرأفة بالمسلمين والتماس الأعذار للمخالفين، وعاكسوا أصحاب النبي ﷺ فيما كانوا عليه من السمت وقويم الهدي ومعقول الاقتصاد الذي هذبهم به وزكاهم بسببه؛ فقد روى عبد الرزاق الصنعاني عن أبي قلابة أنه قال: أراد ناس من أصحاب رسول الله ﷺ أن يرفضوا الدنيا ، ويتركوا النساء ويترهبوا ، فقام رسول الله ﷺ فغلظ فيهم المقالة ، ثم قال: «إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد فشددوا فشدد عليهم، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وحجوا واعتمروا فاستقيموا يستقم لكم» قـال: ونزلت فيهم ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ اَ۬للَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: 89] [3].

وقد نبتت فينا نابتات، وشغبت على تدين الجماعة فئات خارجات محرفات غاليات رافضات ومتعاليات مشاغبات، وإن لم تنتسب إليهم انتسابا، ولا اعتمدت الخروج على شاكلتهم اعتمادا، ولا حصلوا مثل تحصيلهم تحصيلا؛ ولا تمثلوا عباداتهم تمثيلا؛ إلا أنها ارتضت من مقولاتهم التكفير بغير مكفر، وقبلت من مذاهبهم التضليل بغير مضلل، مباينة بذلك سنن المهتدين، ومتعالية بتنطعها على مسلمات الوارثين المقتدين، الذي تسالموا على أن التكفير من اختصاص الله تعالى، واتفقوا على أن الإيمان المطلوب في التصديق الذي محله القلب المعبر عنه بالشهادتين للشرع عنوانا؛ لا يضره في معتقدهم عروض أسباب العصيان الذي لا جحد فيها، ولا يؤثر فيه ما يأتيه الغافل من الذنب بجارحته أو بِمُبِينِ فيه.

وقد أعدت هذه الورقة لبيان وهاء مستندهم في التكفير والتفسيق، وإبطال مأخذهم في التضليل والتبديع والتحقير، في مبحثين قاصدين بلا استقصاء ولا تكثير؛

المبحث الأول: في حقيقة الكفر وجهته ومحدداته؛

والمبحث الثاني: في مذهب السادة الأشاعرة في التكفير بالذنـب وتبعاته.

ومن الله تعالى أستمد التوفيق، وبه أستعين على التتبع والجمع وحسن التعليق.

المبحث الأول: في حقيقة التكفير وجهته ومحدداته

المراد بالكفر في اللغة: ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزراع لستره البذر في الأرض، وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها.. وأعظم الكفر: جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا، والكفر في الدين أكثر، والكُفور فيهما جميعا.. ولما كان الكفران يقتضي جحود النعمة صار يستعمل في الجحود، قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِ﴾ [البقرة: 40] أي: جاحد له وساتر، والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية، أو النبوة، أو الشريعة، أو ثلاثتها، .. ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق، ومعناه: من جحد حق الله فقد فسق عن أمر ربه بظلمه..[4].

والكفر حكم شرعي، يراد بحقيقته إنكار الرسالة، وما ينبغي الإيمان به، وجحد ما يتعين الخضوع له؛ فمن أقر بالرسالة وسلم بمقتضى الإيمان في الجملة لا يسمى كافرا؛ لأن الكفر أطلق في القرآن على مستوجبي صفات يجمعها أمور ترجع إلى الكفر بأصول الإيمان، كالكفر بالله، أو الإشراك به؛ أو ادعاء بعض صفات الألوهية للنفس أو للغير مما خلق الله تعالى، أو بكتابه وشريف آياته، أو بملائكته، أو برسله، أو باليوم الآخر، أو الكذب عليه وعلى رسوله، أو التكذيب ببيناته، أو ببعضها، أو الفسق العمد عن أمرها، أو تعمد تحريفها، أو الطعن فيها، أو الاستكبار عليها، أو الارتداد عنها، أو استبدال الكفر بالإيمان، أو إلباس الحق بالبطلان، أو تكذيب الرسل في إخبارهم، أو مشاققتهم في بيانهم، أو الاستهزاء بما جاءوا به، أو استسحار الهدى الذي دعوا إليه، أو الصد عن سبيل الله والتنفير منه، أو حمل الناس على اعتقاد الجاهلية، أو الجدال في آيات الله بالباطل، أو اعتقاد وجود شريك مع الله سبحانه وتعالى..

ويصنف الكفر عند ابن قتيبة أبي محمد عبد الله بن مسلم الدينوري إلى صنفين: أحدهما الكفر بالأصل، كالكفر بالله، جل وعز، أو برسله، أو بملائكته، أو بكتبه، أو بالبعث، وهذا هو الأصل الذي من كفر بشيء منه فقد خرج عن جملة المسلمين، فإن مات لم يرثه ذو قرابته المسلم، ولم يُصَلَّ عليه.

والآخر: الكفر بفرع من الفروع على تأويل، كالكفر بالقدر، والإنكار للمسح على الخفين، وترك إيقاع طلاق الثلاث، وأشباه هذا. وهذا لا يخرج به عن الإسلام، ولا يقال لمن كفر بشىء منه: آمن، كما أنه يقال للمنافق: آمن ولا يقال: مؤمن[5].

ومحصل المعنى، أن مورد التكفير خالص للشرع قدرا وحكما[6]، وهو الذي يعلله جنسا ووصفا، وهو الذي حبسه على معنى جحد ما يرتفع به الإيمان المطلوب من المستجيبين الداخلين اعتقادا في كل كليات الدين.

وقد جعل الإمام الغزالي رحمه الله آيات الإكفار بين عينيه، فحصره في تكذيب الرسول ﷺ في شيء مما جاء به من الاعتقادات كالإيمان بالرسل، وباليوم الآخر، أو أصول الفروع المتواترات التي لا تحتمل التأويل. وعلل ذلك بقوله: لأن الكفر حكم شرعي..ومدركه شرعي، فيدرك إما بنص، وإما بقياس على منصوص..فكل مكذب للرسول كافر، وكل كافر فهو مكذب للرسول ﷺ، فهذه هي العلامة المطردة المنعكسة[7].

ويعزز مذهبه قول القاضي عياض في معرض بيان ما هو من المقالات كفر، وما يتوقف أو يختلف فيه وما ليس بكفر: اعلم أن تحقيق هذا الفصل وكشف اللبس فيه، مورده الشرع، ولا مجال للعقل فيه. والفصل البين في هذا أن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية، أو الوحدانية، أو عبادة أحد غير الله أو مع الله فهي كفر.. [8].

وُيِبينُ عن هذا على قول محمد بن إبراهيم المرتضى ابن الوزير: التكفير أعظم القطعيات خطرا، وأجلها في الدين أثرا[9]. ثم قال: إن التكفير لا يكون إلا بجحد معلوم ضروري أو بدليل معلوم قطعي..[10].وزاد الأمر بيانا فقال: التكفير سمعي محض، لا مدخل للعقل فيه؛ ثم بينه من وجهين:

الوجه الأول: أنه لا يكفر بمخالفة الأدلة العقلية وإن كانت ضرورية… ثم قال بعد أن قرر ذلك، فاعلم أن أبعد الناس من الكفر من عظم السمع وعظم الإيمان بما فيه مع البعد من التمثيل والتشبيه..

الوجه الثاني: أن الدليل على الكفر والفسق لا يكون إلا سمعيا قطعيا ولا نزاع في ذلك، وإنما النزاع في بعض الأدلة على التكفير، هل هو قاطع أم لا؟، وأنت إذا عرفت معنى القاطع، عرفت الحق في تلك الأدلة المعينة. واعلم أن القطع لا بد أن يكون من جهة ثبوت النص الشرعي في نفسه، ومن جهة وضوح معناه. فأما ثبوته فلا طريق إليه إلا التواتر الضروري كما تقدم. وأما وضوح معناه، فهل يمكن أن يكون قطعيا، ولا يكون ضروريا؟ في كلام كثير من الأصوليين ما يقتضي تجويز ذلك، وفي كلام بعضهم ما يمنع من ذلك، وهو القوي عندي أن القطع على معنى النص من قبل النقل عن أهل اللغة أنهم يعنون باللفظ المعين معناه المعين دون غيره، وهذا طريقه النقل لا النظر، وما كان طريقه النقل لا النظر لم يدخله القطع الاستدلالي، وإنما يكون من قبيل المتواترات وهي ضرورية، ويؤيد هذا أن شرط القطع، بمعنى النص مع تواتر معناه ينفي الاشتراك، والتجوز، والإضمار، والمعارضة، والنسخ، والتخصيص، والاستدلال القاطع على عدم هذه متعذر، لأنه لا مستند لذلك إلا عدم الوجدان بعد الطلب، وذلك لا يفيد القطع ألبتة، ومنتهى ما يفيد الظن لا سواه، كما ذلك مقرر في العلوم النظرية بل مقرر في العلوم الفطرية، فإن كل عاقل يجرب مثل ذلك، فلم يطلب الإنسان الشيء فلا يجده ثم يجده؟. وقد أورد الرازي هذا السؤال في باب اللغات من «محصوله» مهذبا مطولا، وأجاب عنه بما معناه: أن العلم بالمقاصد يكون مع القرائن ضروريا، فإنا نعلم مراد الله سبحانه بالسماوات والأرض بالضرورة، لا بكون لفظ السماء موضوعا لمسماه، لدخول الاشتراك والمجاز والإضمار في الأوضاع اللغوية.

فإذا تقرر هذا، ثبت أن الدليل القطعي على التكفير ليس هو إلا العلم الضروري بأن هذا القول المعين كفر، وهذا غير موجود إلا في مثل من قدمنا ذكره من القرامطة، ألا ترى أن من أوضح الألفاظ في هذا المعنى لفظ الكفر، وقد جاء بمعنى كفر النعمة، وحمله على ذلك كثير من العلماء في أحاديث كثيرة، وجاء في كلام النبي ﷺ وصف النساء بالكفر، قالوا: يا رسول الله، يكفرن بالله، قال: «لا، يكفرن العشير» وهو الزوج، وجاء في الحديث إطلاق الكفر على النياحة والطعن في الأنساب، والانتساب إلى غير الأب، ومن ثم اختلف الناس في تكفير قاطع الصلاة لورود النص بكفره . والقصد التنبيه على أن لفظ الكفر الموضوع في الشرع لمضادة الإسلام إذا لم يكن قاطعا في معناه الشرعي، فكيف بكثير من الاستخراجات البعيدة والاستنباطات المتكلفة، والإلزامات المتعسفة، والمفهومات المتخيلة، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إذا قال المسلم لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما»، ولا ملجأ للمسلم إلى التعرض لمثل هذا الذنب العظيم، والخطأ في العفو أولى من الخطأ في العقوبة، وتقوى الله نعم الوازع، نسأل الله أن يجعلنا من المتقين[11].

وكل هذا يفيد أن الكفر المقطوع به لفظا وعملا لا يجامع الشهادة لله تعالى بالتوحيد، والقصدَ له بالعبادة التي لا يستحضر فيها وسيط؛ ولا يماشي صريح الإقرار لنبيه ﷺ بالرسالة وما يقتضيانه من الاستجابة الموجبة لقبول الأحكام الشرعية الأساسية التي لها طابع التعميم،وإن تخللها بعض التقصير في تنفيذ بعض الأحكام المنصوص عليها التي لا تعود على أصل الإيمان بالإبطال، كالتكذيب بالوحي والاحتقار للشرع؛ ولذلك قال القاضي أبو بكر الباقلاني: القول عندي أن الكفر بالله هو الجهل بوجوده، والإيمان بالله هو العلم بوجوده؛ وأنه لا يكفر أحد بقول ولا رأي إلا أن يكون هو الجهل بالله فإن عصى بقول أو فعل نص الله ورسوله أو أجمع المسلمون أنه لا يوجد إلا من كافر أو يقوم دليل على ذلك فقد كفر ليس لأجل قوله أو فعله لكن لما يقارنه من الكفر، فالكفر بالله لا يكون إلا بأحد ثلاثة أمور أحدها الجهل بالله تعالى والثاني أن يأتي فعلا أو يقول قولا يخبر الله ورسوله أو يجمع المسلمون أن ذلك لا يكون إلا من كافر كالسجود للصنم والمشي إلى الكنائس بالتزام الزُّنَّار مع أصحابها في أعيادهم أو يكون ذلك القول أو الفعل لا يمكن معه العلم بالله؛ قال: فهذان الضربان وإن لم يكونا جهلا بالله فهما علم أن فاعلهما كافر منسلخ من الإيمان[12].

ومثله قول القاضي عياض: .. نقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع، وما عرف يقينا بالنقل المتواتر من فعل الرسول ﷺ ووقع الإجماع المتصل عليه. كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس، وعدد ركعاتها وسجداتها ويقول: إنما أوجب الله علينا في كتابه الصلاة على الجملة لا كونها خمسا.. وكذلك أُجْمِع على تكفير من قال من الخوارج إن الصلاة طرفي النهار؛ وعلى تكفير الباطنية في قولهم إن الفرائض أسماء رجال أمروا بولايتهم.. والخبائث والمحارم أسماء رجال أمروا بالبراءة منهم. وقول بعض [غلاة]المتصوفة.. إن العبادة، وطول المجاهدة إذا صفت نفوسهم أفضت بهم إلى إسقاطها، وإباحة كل شيء لهم، ورفع عهد الشرائع عنهم..[13].

أما الموحد المستجيب في الجملة الذي وقع منه فسق وظاهر معلوم من العصيان الذي لا يمس الكليات من الأصول فالإجماع واقع على دخوله في المسلمين واستحقاقه ما يجري على المؤمنين؛ وقد بين ابن القطان الفاسي أن هذا من مسائل الإجماع التي لا يجوز خلافها، ولا يحل مضاداتها في قوله: وأجمع المسلمون من أهل السنة أن مؤمني أهل القبلة الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله وبجميع ما أمر الله تعالى ورسوله بالإيمان به، غير خارجين من الإسلام بكبائرهم، ولا مكفرين بها. وأجمعوا أن أحكام الإسلام جارية على القاتل والزاني وشارب الخمر وسائر الكبائر، مخاطبون باسم الإيمان مشتملة عليهم أحكامه. وأجمع الجميع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين الدارجين من المسلمين أن المؤمن مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، غير كافر بها. وأجمعوا على جواز الصلاة على كل من مات من أهل القبلة، وإن أذنب أي ذنب كان، ولا يحجب الاستغفار ولا الدعاء عن أحد من المسلمين من أهل الكبائر غير المبتدعين الملحدين. وأجمعوا أنه لا يقطع على أحد من عصاة القبلة في غير البدع بالنار، ولا على أحد من أهل الطاعة بالجنة إلا من قطع عليه رسول الله ﷺ بذلك. وأجمعوا أن العصاة من أهل القبلة مأمورون بسائر الشرائع غير خارجين عن الإيمان بمعاصيهم[14].

ولهذا المعنى حذر النبي ﷺ من إطلاق الكفر على من أعلن الإسلام وقبل أحكامه وعده في حالة إطلاقه فبغير شرطه المنصوص عليه واقعا في إثم لساني كبير في قوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر، فقد باء به أحدهما[15]». وقوله: «من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما[16]». وفي رواية: «إذا كَفَّرَ الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما[17]». وقوله: «من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم، ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله[18]». وقوله: «إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم[19]».

ويقوي هذا المعنى الذي يفيد صحة إيمان الموحد الذي لا يجوز منازعة الله في حقه في الاختصاص بالتكفير تعيينا ووصفا؛ ما رواه أبو عمران الجوني، عن جندب، أن رسول الله ﷺ، حدث «أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى على أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك[20]».

وقول ضمضم بن جوس اليمامي: قال لي أبو هريرة: يا يمامي، لا تقولن لرجل: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة أبدا. قلت: يا أبا هريرة، إن هذه لكلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب. قال: فلا تقلها، فإني سمعت النبي ﷺ يقول: «كان في بني إسرائيل رجلان، كان أحدهما مجتهدا في العبادة، وكان الآخر مسرفا على نفسه، فكانا متآخيين، فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب، فيقول: يا هذا، أقصر. فيقول: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟» قال: «إلى أن رآه يوما على ذنب استعظمه، فقال له: ويحك، أقصر. قال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا»، قال: «فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة أبدا. قال أحدهما، قال: فبعث الله إليهما ملكا، فقبض أرواحهما، واجتمعا عنده، فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي. وقال للآخر: أكنت بي عالما، أكنت على ما في يدي قادرا، اذهبوا به إلى النار». قال: «فوالذي نفس أبي القاسم بيده، لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته [21]».

ولذلك لا يجرؤ على إطلاق التكفير بتوابعه النفسية والمادية التي قد تنتهي إلى الاستدماء على شخص تسنن وأساء، وعلم وقصر وضعف وعيه لحق الوارثة النبوية العملية، لما عُلِمَ من انصباغ هذه الملة بالرحمة تلقينا وتنزيلا، واختصاصها بالرأفة تشريعا وتقصيدا، لقول الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.

المبحث الثاني: مذهب الأشاعرة في التكفير بالذنب

حق التكفير  عند محققي الاعتقاديين من الأشاعرة  متعلق بمحض التكذيب للأصول والإنكار لمسلمات الاعتقاد والعمل ومتواتر النقول؛ وقد نص الإمام أبو الحسن الأشعري في الفصل الذي حكى فيه جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة في مسائل الاعتقاد؛ أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر، والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وما أصابهم لم يكن ليخطئهم والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله على ما جاء في الحديث والإسلام عندهم غير الإيمان..[22].

ثم قال بعد أن ساق مشمولات الاعتقاد المسلمة عندهم: فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبه نستعين، وعليه نتوكل وإليه المصير[23].

وصاحب الكبيرة إذا خرج من الدنيا من غير توبة يكون حكمه إلى الله تعالى إما أن يغفر له برحمته وإما أن يشفع فيه النبي ﷺ إذ قال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. وإما أن يعذبه بمقدار جرمه ثم يدخله الجنة برحمته ولا يجوز أن يخلد في النار مع الكفار لما ورد به السمع بالإخراج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ولو تاب فلا أقول بأنه يجب على الله تعالى قبول توبته بحكم العقل اذ هو الموجب فلا يجب عليه شيء بلى ورد السمع بقبول توبة التائبين وإجابة دعوة المضطرين وهو المالك في خلقه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلو أدخل الخلائق بأجمعهم الجنة لم يكن حيفا، ولو أدخلهم النار لم يكن جورا، إذ الظلم هو التصرف فيما لا يملكه المتصرف أو وضع الشيء في غير موضعه، وهو المالك المطلق فلا يتصور منه ظلم، ولا ينسب إليه جور[24].

وهذا الذي قرره الأشعري في مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، وفي الإبانة عن أصول الديانة المنسوب إليه الذي عرض فيه مذهب أهل السنة الحق الذي يدين به على منهج من تقدم من أهل العلم المقتدى بهم، وينتسب إلى السلف بسببها، عندما قال: وندين بأن لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه ما لم يستحله، كالزنا والسرقة وشرب الخمر… ونقول: إن من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبهها مستحلا لها، غير معتقد لتحريمها كان كافرا. ونقول: إن الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كل إسلام إيمانا[25].

ومستند الأشاعرة في تثبيت ذلك، أدلة كثيرة، أولاها بالتقديم، أن الشريعة اعتبرت من المكلف ما يدل على إسلامه بلحاظ ظواهر أحواله الدالة على صدق انتسابه إلى الإسلام، وقبوله الدخول في جماعة المسلمين، والدينونة لله بما فرضه على المكلفين، وإن بدت منه شواهد التقصير، منها قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَّعْمَلْ مِنَ اَ۬لصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪ى وَهُوَ مُومِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدْخُلُونَ اَ۬لْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرا﴾ [النساء: 123].

ووجه الدليل من الآية، أن عمومها يقتضي أن كل من عمل عملا صالحا وهو مؤمن فإنه يدخل الجنة، فيدخل في عمومها من عمل صالحا وكبيرة وهو مؤمن، وإذا ثبت أن من آمن وعمل صالحا وكبيرة يدخل الجنة، فلا يمكن ذلك إلا إذا قلنا: إن صاحب الكبيرة لا يخلد في النار.. وإذا ثبت أن كل من آمن وعمل صالحا لا يخلد في النار، لزم أن كل من آمن لا يخلد في النار وإن لم يعمل صالحا، إذ لا قائل بالفرق في المؤمن الذي يذنب كبيرة بين أن يعمل صالحا أم لا[26].

وثانيها: عَدُّ النبي صلى الله عليه إعلان الشهادتين، وحضور الصلاة مع المسلمين، كافيان في حرمة الدم والعرض والمال، وإن اتهم المتحقق بهما في الظاهر بمواقعة معاص منكرة لا تليق بكمل الرجال الذين يبتغون فضل الله تعالى ورضوانه. وقد دل على ذلك قول عبيد الله بن عدي بن الخيار: بينما رسول الله ﷺ جالس بين ظهراني الناس، إذ جاءه رجل فساره فلم يدر ما ساره به حتى جهر رسول الله ﷺ، فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فقال رسول الله ﷺ حين جهر: أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ فقال الرجل: بلى ولا شهادة له، فقال: أليس يصلي؟ قال: بلى ولا صلاة له، فقال ﷺ: أولئك الذين نهاني الله عنهم[27].

وقول أنس بن مالك: قال رسول الله ﷺ: ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله لا تكفره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار[28].

وقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله ﷺ بجارية له سوداء فقال: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت تراها مؤمنة اعتقها. فقال لها رسول الله ﷺ: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم. قال: أتشهدين أن محمدا رسول الله؟ قالت: نعم. قال: أتوقنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم. فقال رسول الله ﷺ: اعتقها[29].

«فدل ذلك على أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو مؤمن، إذا كان قلبه مصدقا لما ينطق به لسانه»[30]. لا يخرجه من الملة ما يقترفه من ذنوب لا تمس أصل الإيمان. لأنه عند جمهور أهل العلم التصديق المجرد الذي يثمر الأعمال الصالحة الموعود عليها أهلها بالجنة. وتصديق ذلك حديث جبريل المبين عن أركان الدين.

قال العلامة الطوفي: قول النبي ﷺ في حديث جبريل حجة عليهم في أن الإيمان هو التصديق المجرد، فإن قيل: قوله عليه الصلاة والسلام: الإيمان بضع وسبعون شعبة يقتضي أن أعمال الجوارح من الإيمان، فلم لا يجعل هذا زيادة على مقتضى حديث جبريل فيعمل بها، ويكون الإيمان هو التصديق مع الأعمال عملا بالحديثين؟ قلنا: لأن حديث جبريل محل تعليم وبيان بحضرة رسولي السماء والأرض، ومعصومي الملائكة والبشر، فلو كان الإيمان زيادة على التصديق، لما أخر بيانه عن وقت الحاجة، وقد أخبر النبي ﷺ أن جبريل علمهم دينهم، ومقتضاه أنه علمهم دينهم كاملا، فلو كان مع ذلك قد أخل بجزء الإيمان ولم يبينه، لم يكن قد علمهم دينهم كاملا، هذا خلف، فثبت أن الإيمان هو التصديق… نعم يتفاضل الناس في آثار الإيمان وهي الأعمال[31].

وقال العلامة ابن خلدون: ملكة الإيمان إذا استقرت عسر على النفس مخالفتها شأن الملكات إذا استقرت فإنها تحصل بمثابة الجبلة والفطرة وهذه هي المرتبة العالية من الإيمان وهي في المرتبة الثانية من العصمة؛ لأن العصمة واجبة للأنبياء وجوبا سابقا وهذه حاصلة للمؤمنين حصولا تابعا لأعمالهم وتصديقهم. وبهذه الملكة ورسوخها يقع التفاوت في الإيمان كالذي يتلى عليك من أقاويل السلف. وفي تراجم البخاري رضي الله عنه في باب الإيمان كثير منه. مثل أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وأن الصلاة والصيام من الإيمان وأن تطوع رمضان من الإيمان والحياء من الإيمان. والمراد بهذا كله الإيمان الكامل الذي أشرنا إليه وإلى ملكته وهو فعلي. وأما التصديق الذي هو أول مراتبه فلا تفاوت فيه. فمن اعتبر أوائل الأسماء وحمله على التصديق منع من التفاوت كما قال أئمة المتكلمين ومن اعتبر أواخر الأسماء وحمله على هذه الملكة التي هي الإيمان الكامل ظهر له التفاوت. وليس ذلك بقادح في اتحاد حقيقته الأولى التي هي التصديق إذ التصديق موجود في جميع رتبه لأنه أقل ما يطلق عليه اسم الإيمان وهو المخلص من عهدة الكفر والفيصل بين الكافر والمسلم فلا يجزي أقل منه. وهو في نفسه حقيقة واحدة لا تتفاوت وإنما التفاوت في الحال الحاصلة عن الأعمال كما قلناه فافهم[32].

ولا يجوز على هذا جعل العمل من الإيمان بحيث يرتفع بارتفاعه كما هو المعتقد عند الخوارج؛ لأن الله غاير بينهما، [ومايز بين مقاميهما[33]]، حتى قال: ﴿وَمَنْ يُّومِنۢ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَٰلِحاٗ نُّكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـَٔاتِهِ وَنُدْخِلْهُ جَنَّٰتٖ تَجْرِے مِن تَحْتِهَا اَ۬لَانْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدا ذَٰلِكَ اَ۬لْفَوْزُ اُ۬لْعَظِيمُۖ﴾ [التغابن 9]. وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اُ۬لصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى اَ۬لذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة 182]. وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمْتُمُۥٓ إِلَى اَ۬لصَّلَوٰةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمُۥٓ إِلَى اَ۬لْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمُۥٓ إِلَى اَ۬لْكَعْبَيْنِۖ﴾ [المائدة 7] سماهم مؤمنين بدون العمل. وقال تعالى: ﴿وَالذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً اِلَّا وُسْعَهَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ اُ۬لْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [الأعراف  41]. عطف الأعمال الصالحة على الإيمان، وبين المعطوف والمعطوف عليه مغايرة. ولأن الأعمال الصالحة لو كانت من جملة الإيمان لما جاز ورود النسخ عليها، لأن الإيمان لا يقبل النسخ، ولأن الأعمال الصالحة لو كانت من جملة الإيمان لما مات أحد مستكمل الإيمان، لأنه ليس لها حد معلوم، وما ليس له حد معلوم لا نهاية لكماله، ولا غاية لأقصاه، ولأن من أتى بالإقرار والتصديق ومات من ساعته قبل أن يأتي بالطاعة أو يمتنع عن المعصية فإنه يموت مؤمنا، فثبت أن الأعمال الصالحة ليست من جملة الإيمان [34].

ورابعها: أن الله تعالى ضمن النجاة لمن نطق بالشهادتين نطقا يستشعر معه دلالتها في العبودية المستحقة لله تعالى وحده، والطاعة المستخلصة لرسوله ﷺ، وإن قصر في القيام بحقهما فهما أو تنزيلا، يدل على ذلك قول النبي ﷺ: «يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام، ولا صلاة، ولا نسك، ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة، لا إله إلا الله، فنحن نقولها» فقال له صلة: ما تغني عنهم: لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة، ولا صيام، ولا نسك، ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: «يا صلة، تنجيهم من النار» ثلاثا[35].

وقوله ﷺ: «إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فقال: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء[36].

وما رواه عياض الأنصاري عن النبي ﷺ قال: إن «لا إله إلا الله» كلمة على الله كريمة، لها عند الله مكان، وهي كلمة من قالها صادقا أدخله الله بها الجنة؛ ومن قالها كاذبا، حقنت دمه، وأحرزت ماله، ولقي الله غدا فحاسبه[37].

ولذلك قال أبو عبيد القاسم بن سلام: الذي عندنا.. أن المعاصي والذنوب لا تزيل إيمانا ، ولا توجب كفرا ، ولكنها إنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي نعت الله به أهله ، واشترطه عليهم في مواضع من كتابه فقال..: ﴿ قَدَ اَفْلَحَ اَ۬لْمُومِنُونَ (1) اَ۬لذِينَ هُمْ في صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ (2)﴾ [المؤمنون: 2] إلى قوله: ﴿وَالذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَٰتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: 9] ﴿أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْوَٰرِثُونَ (10) اَ۬لذِينَ يَرِثُونَ اَ۬لْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُون(11)﴾ [المؤمنون: 11] وقال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ قال أبو عبيد: فهذه الآيات التي شرحت وأبانت شرائعه المفروضة على أهله ونفت عنه المعاصي كلها، ثم فسرته السنة بالأحاديث التي فيها خلال الإيمان في الباب الذي في صدر هذا الكتاب، فلما خالطت هذه المعاصي هذا الإيمان المنعوت بغيرها ، قيل: ليس هذا من الشرائط التي أخذها الله على المؤمنين ولا الأمانات التي يعرف بها أنه الإيمان فنفت عنهم حينئذ حقيقته ولم يزل عنهم اسمه[38] .

وخامسها: أن أصحاب النبي ﷺ لم يكفروا أهل الأهواء الذين باينوا شرط التسنن في معتقداتهم وخاصةِ مقولاتهم، مثل العثمانية، التي نشأت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه المتوفى سنة خمس وثلاثين، وانبنى هواها على الانتصار له وللخليفتين قبله، والاحتجاج لفضلهم والنضال بكل قوة عنهم والدفع لمطاعن المخالفين فيه من الشيعة والزيدية وأضرابهم[39]؛ وتعظيم موقف من خرج من الصحابة على علي بن أبي طالب[40]، واتهامه بالمشاركة في قتل عثمان بحجة توليه الصلاة بالناس يوم النحر وعثمان رضي الله عنه محصور ولم يستأذنه في ذلك، وتغلب عليه فيه[41]، وأخذه نجائبه وأدراعه بعد قتله[42] مع استنقاص فضائل علي جملة بالتوهين وادعاء الاختلاف، وتكلف رد ما صح من مناقبه دون إنصاف[43]، أمام فضائلهم الملحوظة في سبقهم وعلمهم وعقلهم وقيامهم قومة الحق في الانتصار لكتاب ربهم وسنة نبيهم  ﷺ

ومثل المتشيعة الذين شايعوا عليا رضوان الله عليه بزعمهم، وقدموه على سائر أصحاب رسول الله ﷺ[44]. وقالوا إنه الإمام بعد المصطفى ﷺ، وأن الإمامة حق لأولاده من بعده [45]. مع الاشتهار بمواقعة فتنة الطعن في خاصة أصحاب النبي ﷺ، ورد أحاديث الصحابة الذين عادوهم، وتوارث الإمامة في أعقاب علي بن أبي طالب، وهو رأي انفردوا به عن فرق المسلمين كلها، وخالفوا به المتعارف عندهم في طريق تثبيت الإمامة اعتمادا على النصوص المحكمة الواردة عن الثقات، أو استنادا إلى النظام القديم الذي لم يزل عند الأعراب في النظم المسلمات[46].

ومثل الخوارج رأس هذه الأهواء كلها، وأقدم هذه الوجهات وأخطرها بأسرها؛ وأهلهم أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع الذين سبق لهم الخذلان؛ وأول فتنة ظهرت في الإسلام بشهادة النبي عليه السلام[47].

ومع شذوذ هؤلاء في معتقدهم عن مسلك الجماعة الممثل لسبيل المؤمنين المتوارث عن النبي ﷺ لم يكفرهم أصحاب النبي صلى الله عليهم، ولم يجروا عليهم أحكام المرتدين ونقل عنهم البراءة من ذلك كقول الحسن البصري رحمه الله: لما قتل علي رضي الله عنه الحرورية، قالوا: من هؤلاء يا أمير المؤمنين؟ أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، قيل: فمنافقين؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، وهؤلاء يذكرون الله كثيرا، قيل: فما هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا[48].

وسئل سحنون عن قول مالك فى أهل الأهواء: لا يصلى عليهم، فقال: لا أرى ذلك، ويصلى عليهم..، وإنما قال مالك: لا يصلى عليهم أدبًا لهم. قيل له: فيستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا كما قال مالك؟ قال: أما من كان بين أظهرنا وفى جماعة أهل السنة فلا يقتل، وإنما الشأن فيه أن يضرب مرة بعد أخرى، ويحبس وينهى الناس عن مجالسته والسلام عليه تأديبًا له، كما فعل عمر بصبيغ خلى عنه بعد أدبه، ونهى الناس عنه..[49].

سادسها: أن الظواهر النصية لا تفهم إلا من خلال محكماتها التي تظهر عليها وتقيد دلالة سياقاتها التي لا يراد منها معناها المتبادر، وقد ابتلي الناس بهذا المأخذ قديما كما يدل على ذلك في قول ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اَ۬للَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْكَٰفِرُونَ﴾ [المائدة: 44] قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه؛ إنه ليس بكفر ينقل عن الملة ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اَ۬للَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْكَٰفِرُونَ﴾ كفر دون كفر[50].

قال الحافظ ابن رجب: وعنه في هذه الآية قال: هو به كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وكذا قال عطاء وغيره: كفر دون كفر. وقال النخعي: الكفران كفران: كفر بالله وكفر بالمنعم. واستدل البخاري لذلك بحديث ابن عباس الذي خرجه هاهنا، وهو قطعة من حديث طويل خرجه في «أبواب الكسوف»، فإنه النبي ﷺ أطلق على النساء الكفر فسئل عنه فسره بكفر العشير.

وقد خرج هذا المعنى من حديث ابن عمر، وأبي هريرة أيضا وفي المعنى أيضا حديث ابن مسعود، عن النبي ﷺ قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» وقد خرجه البخاري في موضع آخر. وكذلك قوله ﷺ: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» وعنه في هذه الآية قال: هو به كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وكذا قال عطاء وغيره: كفر دون كفر.

وحديث أبي سعيد في هذا المعنى يشبه حديث ابن عباس. وقد خرج هذا المعنى من حديث ابن عمر، وأبي هريرة أيضا وفي المعنى أيضا حديث ابن مسعود، عن النبي ﷺ قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» وقد خرجه البخاري في موضع آخر. وكذلك قوله ﷺ: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وقوله من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما». وللعلماء في هذه الأحاديث وما أشبهها مسالك متعددة: منهم: من حملها على من فعل ذلك مستحلا لذلك. وقد حمل مالك حديث: «من قال لأخيه: يا كافر» على الحرورية المعتقدين لكفر المسلمين بالذنوب. نقله عنه أشهب وكذلك حمل إسحاق بن راهوية حديث «من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر» على المستحل لذلك..

ولأجل ذلك أول أهل العلم الأحاديث الموهمة للتكفير بالذنب التي استند إليها الخوارج، ومن وافقوهم في بدعة التكفير مثل قوله ﷺ: من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد  ﷺ [51]. وقوله ﷺ: كفر بالله ادعاء إلى نسب لا يعرف، وكفر بالله تبرئ من نسب وإن دق[52]. وقوله: قتال المسلم أخاه كفر، وسبابه فسوق[53]. وقوله: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن[54]. وقوله: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض[55].. لأنه يحمل عندهم على الكفر العملي الذي لا ينتفي معه أصل الإيمان. يدل على ذلك قول الإمام الترمذي عقب هذا الحديث: «قتاله كفر»: ليس به كفرا مثل الارتداد عن الإسلام، والحجة في ذلك قوله تعالى: ﴿وَتُوبُوٓاْ إِلَى اَ۬للَّهِ جَمِيعاً اَيُّهَ اَ۬لْمُومِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [ النور: 31 ]، لأنه لا شك أن مرتكب الكبائر داخل في جملة من دعاهم الله إلى التوبة في هذه الآية، وقد سماهم مؤمنين[56]. وما روي عن النبي ﷺ أنه قال: من قتل متعمدا، فأولياء المقتول بالخيار، إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا، ولو كان القتل كفرا لوجب.

وقد روي عن ابن عباس، وطاووس، وعطاء، وغيرِ واحد من أهل العلم قالوا: كفر دون كفر، وفسوق دون فسوق[57].فيقال لمن أثم بغشيان الكبيرة عن عمد: «فاسق، فاجر، زان، سارق، وذلك أنه لا خلاف بين جميع علماء الأمة أن ذلك من أسمائه، ما لم يظهر منه خشوع التوبة مما ركب من المعصية، فذلك اسمه عندنا حتى يزول عنه بظهور التوبة مما ركب من الكبيرة، فإن قال لنا قائل: أفتزيل عنه اسم الإيمان بركوبه ذلك؟ قيل له: نزيله عنه بالإطلاق ونثبته له بالصلة والتقييد، فإن قال: وكيف تزيله عنه بالإطلاق، وتثبته له بالصلة والتقييد؟ قيل: نقول: مؤمن بالله ورسوله، مصدق قولا بما جاء به محمد ﷺ، ولا نقول مطلقا: هو مؤمن، إذ كان الإيمان عندنا معرفة وقولا وعملا، فالعارف المقر، المخالف عملا ما هو به مقر قولا، غير مستحق اسم الإيمان بالإطلاق، إذ لم يأت بالمعاني التي يستوجب بها ذلك، ولكنه قد أتى بمعان يستحق التسمية به موصولا في كلام العرب، ونسميه بالذي تسميه به العرب في كلامها، ونمنعه الآخر الذي تمنعه دلالة كتاب الله وآثار رسوله ﷺ وفطرة العقل[58]».

ولذلك قال الحافظ ابن عبد البر في قول النبي ﷺ: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» المعنى فيه عند أهل الفقه والأثر أهل السنة والجماعة النهي عن أن يكفر المسلم أخاه المسلم بذنب أو بتأويل لا يخرجه من الإسلام عند الجميع فورد النهي عن تكفير المسلم في هذا الحديث وغيره بلفظ الخبر دون لفظ النهي وهذا موجود في القرآن والسنة ومعروف في لسان العرب وفي سماع أشهب سئل مالك عن قول رسول الله ﷺ من قال لرجل يا كافر فقد باء بها أحدهما قال أرى ذلك في الحرورية فقلت له أفتراهم بذلك كفارا فقال ما أدري ما هذا؟ ومثل قوله ﷺ من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما قوله ﷺ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وقوله ﷺ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وقوله لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ومثل هذا كثير من الآثار التي وردت بلفظ التغليظ وليست على ظاهرها عند أهل الحق والعلم لأصول تدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجتمع عليها والآثار الثابتة أيضا من جهة الإسناد..

..فهذه الأصول كلها تشهد على أن الذنوب لا يكفر بها أحد وهذا يبين لك أن قوله ﷺ من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما أنه ليس على ظاهره وأن المعنى فيه النهي عن أن يقول أحد لأخيه كافر أو يا كافر قيل لجابر بن عبد الله يا أبا محمد هل كنتم تسمون شيئا من الذنوب كفرا أو شركا أو نفاقا قال معاذ الله ولكنا نقول مؤمنين مذنبين روي ذلك عن جابر من وجوه ومن حديث الأعمش عن أبي سفيان قال قلت لجابر أكنتم تقولون لأحد من أهل القبلة كافر قال لا قلت فمشرك قال معاذ الله وفزع وقد قال جماعة من أهل العلم في قول الله عز وجل ﴿ وَلَا تَنَابَزُواْ بِالَالْقَٰبِ بِيسَ اَ۬لِاسْمُ اُ۬لْفُسُوقُ بَعْدَ اَ۬لِايمَٰنِۖ﴾[الحجرات 11] هو قول الرجل لأخيه يا كافر يا فاسق وهذا موافق لهذا الحديث فالقرآن والسنة ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين ثم أذنب ذنبا أو تأول تأويلا فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لهاوقد اتفق أهل السنة والجماعة وهم أهل الفقه والأثر على أن أحدا لا يخرجه ذنبه وإن عظم من الإسلام وخالفهم أهل البدع فالواجب في النظر أن لا يكفر إلا إذ اتفق الجميع على تكفيره أوقام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أوسنة وأما قوله ﷺ فقد باء بها أي قد احتمل الذنب في ذلك القول أحدهما قال الخليل بن أحمد رحمه الله: «باء بذنبه أي احتمله ومثله قوله عز وجل وباءوا بغضب من الله وقوله فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا المعنى في قوله فقد باء بها أحدهما يريد أن المقول له يا كافر إن كان كذلك فقد احتمل ذنبه ولا شيء على القائل له ذلك لصدقه في قوله فإن لم يكن كذلك فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم واحتمله بقوله ذلك وهذا غاية في التحذير من هذا القول والنهي عن أن يقال لأحد من أهل القبلة يا كافر. حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا شعبة عن عبد الله بن دينار قال سمعت ابن عمر عن النبي ﷺ قال «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر أو أنت كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت إلى الأول» وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال أخبرنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد القاضي البرتي ببغداد قال أخبرنا عبد الوارث بن سعيد عن الحسين المعلم عن ابن بريدة قال حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الدئلي حدثه عن أبي ذر أنه سمع النبي عليه السلام يقول «لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو بالكفر إلا ردت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا محمد بن سليمان الأنباري وموسى ابن معاوية قالا حدثنا وكيع قال حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك قال: قال رسول الله ﷺ: «من رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله» حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو عمرو عبيد بن عقيل قال سمعت جرير بن حازم يحدث عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله ﷺ: «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» فليت شعري من قال لأخيه يا كافر وهو ممن تسره حسنته وتسؤه سيئته لأي شيء تكون الشهادة عليه بالكفر أولى من الشهادة له بالإيمان، وروى الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: «من عمل مثل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة» ورواه شبعة عن واصل عن المعرور بن سويد قال: سمعت أبا ذر يقوله وعن ابن عمر قال كنا نشهد على أهل الموجبتين بالكفر حتى نزلت ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ وأخبرنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو عبد الرحمان المقرئ قال حدثنا عبد الرحمان بن زياد عن عبد الله بن راشد مولى عثمان بن عفان قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله ﷺ «إن بين يدي الرحمان للوحا فيه ثلاثمائة وخمس عشرة شريعة يقول الرحمان وعزتي لا يأتني عبد من عبادي بواحدة منهن وهو لا يشرك بي شيئا إلا أدخلته الجنة» وأخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني عبد الرحمان بن شريح قال حدثني أبو هانئ عن أبي علي الجنبي قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله ﷺ «من قال رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وجبت له الجنة» وقال رسول الله ﷺ «الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة» وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني أبو إسحاق عن فروة بن مالك الأشجعي أن رسول الله ﷺ «قال لظئر له أو لرجل من أهله اقرأ بقل يأيها الكافرون عند منامك فإنها براءة من الشرك» وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت قال «كنا عند النبي ﷺ في مجلس فقال تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا قرأ عليهم الآية فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عز وجل عليه فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» قال أبو عمر هذا من أصح حديث يروى عن النبي ﷺ وعليه أهل السنة والجماعة وهو يضاهي قول الله عز وجل ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ والآثار في هذا الباب كثيرة جدا لا يمكن أن يحيط بها كتاب فالأحاديث اللينة ترجى والشديدة تخشى والمؤمن موقوف بين الخوف والرجاء والمذنب إن لم يتب في مشيئة الله روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن شرح الله صدره فالقليل يكفيه[59].

سابعها: أن الظواهر لا تدل دائما على الحقيقة، فقد يصدر من المكلف عمل يفيد الكفر ولا يقصده، إما لجهله، وإما لسوء فهمه وإما لتقليد رسخ في قلبه ولم يسطع الانفكاك منه؛ يدل على ذلك ما رواه حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ، قال: « كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر له» وقال غيره: «مخافتك يا رب[60]».

فهذا الحديث يدل ظاهره على كفر الرجل الذي يعتقد أنه حرق وصار رمادا أن الله لن يقدر عليه، ولكن باطنه يدل على أنه كان مثبتا لله تعالى في ذاته موحدا له في أسمائه وأفعاله، عالما بجزائه وشديد أخذه، موقنا بلقائه لمساءلته، خائفا من عذابه الذي لا يطاق.

ولذلك قال ابن قتيبة الدينوري: هذا رجل مؤمن بالله مقر به إلا أنه جهل صفة من صفاته، وظن أنه إذا أحرق وذري في الريح أنه يفوت الله عز وجل، فغفر الله له بمعرفته إياه، ومخافته من عذابه، وجهله بهذه الصفة من صفاته[61].

وكان من آثار أخذ المغاربة بالعقيدة الأشعرية، الالتزام بهذه الوسطية والأخذ بهذا الاعتدال في الاعتقاد، لأن هذه العقيدةَ قربت وصف الإيمان استنادا إلى اعتقاد علماء المدينة، الذين أجمعوا على أنه قول وعمل، يزيد بالطاعات، وينقص بالسيئات، وأن بعضه أفضلُ من بعض.

ثامنها: أن الإسلام يثبت الإيمان المعلن بالشبهة درءا لفتنة الطعن فيه الموجبة للتصنيف الخطير الذي تستحل به الأموال والأعراض والدماء؛ وقد استفاد العلامة محمد بن إبراهيم عبد الباعث ذلك من قول الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اُ۬لْمُومِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَامْتَحِنُوهُنَّ اَ۬للَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُومِنَٰتٖ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي اَ۬لْكُفّ۪ارِ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمُۥٓ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ اِ۬لْكَوَافِرِ وَسْـَٔلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اُ۬للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ﴾ [ الممتحنة: 10].

قال النبي ﷺ: «لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» [62]. وفي رواية «فإنهم أفضوا إلى ما إلى ما اكتسبوا[63]».

ولهذا لا يجوز تكفير المسلم الموحد المقيم للأركان لأنه أتى كبيرة من الكبائر، أو توسل بأحد الأنبياء أودعا الله عند أحد الصالحين، أو ذبح عند ضريح باسم الله تقربا إليه ونفعا للميت وإحسانا إلى ذوي الحاجة؛ لاستحالة العصمة، ولمشروعية التوسل، ولقيام الذبح بالشرط المطلوب شرعا تسمية وقصدا ونفعا.

والنتيجة الكبرى التي تُهِمنا في هذا العصر، أنه بمقتضى هذه العقيدة، لا يجوز الطعن في أحد من أصحاب رسول الله ﷺ، ولا اللمز لهم بسبب ما وقع بينهم من خلاف مرجعه إلى الاجتهاد في مراعاة المصالح، ولا يجوز لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين على أساس ذنب ارتكبه، أو إثم اجترحه، وأن المسلمين الذي صح منهم النطق بالشهادتين، تتكافأ دماؤهم وأمواله، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم.

ومن جميل آثار هذا المذهب في الإيمان أن عموم المقتدى بهم من أهل العلم، المرجوع إليهم في الفتوى والقول في الدين الذين يتبصرون حقيقة إرادة الله في الخلق، ويدركون استحالة التأثير في الفؤاد بالإكراه، ويستحضرون قول الله تعالى: ﴿مَّا يَفْتَحِ اِ۬للَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٖ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦۖ وَهُوَ اَ۬لْعَزِيزُ اُ۬لْحَكِيمُ﴾ [فاطر: 2]، وقوله تعالى: ﴿فَذَكِّرِ اِن نَّفَعَتِ اِ۬لذِّكْر۪ى﴾ [الأعلى: 9 ]، وقولـه: ﴿ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: 22] لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب، وإن كان كبيرا؛ لأنه لا يحبط الإيمان غير الشرك بالله كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدُ ا۟وحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى اَ۬لذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنَ اَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ اَ۬لْخَٰسِرِينَ﴾ [الزمر: 62]. وقال تعالى: ﴿اِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَّشَآءُ وَمَنْ يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ اِ۪فْتَر۪ى إِثْماً عَظِيماًۖ﴾ [النساء: 48]. وقـال سبحانـه: ﴿اِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَّشَآءُ وَمَنْ يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَد ضَّلَّ ضَلَٰلاَۢ بَعِيداً﴾ [النساء: 115] [64].

ويحسن أن نختم هذه الورقة بقول إسحاق بن محمد الفَرْوِي المديني الفقيه : «كنت عند مالك بن أنس، فسمعت حماد بن أبي حنيفة، يقول لمالك: يا أبا عبد الله، إن لنا رأيا نعرضه عليك، فإن رأيته حسنا مضينا عليه، وإن رأيته غير ذلك كففنا عنه، قال: وما هو ؟ قال: يا أبا عبد الله، لا نكفر أحدا بذنب، الناس كلهم مسلمون عندنا، قال: ما أحسن هذا، ما بهذا بأس..[65]».

وبقول الحافظ الذهبي في ترجمة أبي الحسن الأشعري: رأيت للأشعري كلمة أعجبتني، وهي ثابتة رواها البيهقي عن زاهر بن أحمد السرخسي قال: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته فقال: أشهد علي أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات. قال الذهبي: وبنحو هذا أدين. وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحداً من الأمة، ويقول: قال النبي ﷺ: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن[66]». فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم[67].

والحمد لله رب العالمين

الهوامش

[1] روى ابن أبي شيبة عن غيلان بن سلمة، قال جاء رجل إلى أبي الدرداء وهو مريض فقال: يا أبا الدرداء إنك قد أصبحت على جناح فراق الدنيا فمرني بأمر ينفعني الله به، وأذكرك به [وفي رواية: في مصنف عبد الرزاق الصنعاني 3/ 584: أتى رجل أبا الدرداء فسأله عن آية، فلم يخبره] قال [أبو الدرداء]: «إنا من أمة معافاة فأقم الصلاة، وأد زكاة مالك إن كان لك، وصم رمضان، واجتنب الفواحش، ثم أبشر» قال: ثم أعاد الرجل على أبي الدرداء فقال له مثل ذلك، قال شعبة وأحسبه أعاد عليه ثلاث مرات ورد عليه أبو الدرداء ثلاث مرات، فنفض الرجل رداءه وقال: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب} [البقرة: 159] إلى قوله {ويلعنهم اللاعنون} [البقرة: 159] فقال أبو الدرداء: علي بالرجل فجاءه فقال أبو الدرداء ما قلت: قال: كنت رجلا معلما عندك من العلم ما ليس عندي فأردت أن تحدثني بما ينفعني الله به فلم تزد علي إلا قولا واحدا فقال أبو الدرداء: « اجلس، ثم اعقل ما أقول لك، أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا عرض ذراعين في طول أربعة أذرع أقبل بك أهلك الذين كانوا لا يحبون فراقك وجلساؤك وإخوانك، فأطبقوا عليك الثنيات، ثم أكثروا عليك التراب، ثم تركوك بمثل ذلك، ثم جاءك ملكان أسودان أزرقان جعدان أسماءهما منكر، ونكير فأجلساك، ثم سألاك ما أنت أم على ماذا كنت، ثم ماذا تقول في هذا، فإن قلت والله ما أدري سمعت الناس قالوا قولا فقلته والله لا دريت ولا نجوت ولا هديت، وإن قلت: محمد رسول الله أنزل الله عليه كتابه فأجبت به وبما جاء به فقد والله نجوت وهديت ولم تستطع ذلك إلا بتثبيت من الله مع ما ترى من الشدة والخوف «. مصنف ابن أبي شيبة 3/ 53.

[2] التمهيد 23/324

[3] الزهد لابن المبارك ص: 365، وتفسير عبد الرزاق 2/22.

[4] المفردات للراغب الأصفهاني مادة [كفر]

[5] المسائل والأجوبة ص: 65

[6] قال الإمام فخر الدين الرازي عند شرحه قوله تعالى:﴿ خَتَمَ اَللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصٰرِهِمْ غِشَٰوَة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم﴾ [البقرة : 6]: اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أنهم لا يؤمنون أخبر في هذه الآية بالسبب الذي لأجله لم يؤمنوا، وهو الختم، والكلام هاهنا يقع في مسائل:

المسألة الأولى: الختم والكتم أخوان، لأن في الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطية، لئلا يتوصل إليه أو يطلع عليه، والغشاوة الغطاء فعالة من غشاه إذا غطاه، وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة.

المسألة الثانية: اختلف الناس في هذا الختم، أما القائلون بأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى فهذا الكلام على مذهبهم ظاهر، ثم لهم قولان، منهم من قال: الختم هو خلق الكفر في قلوب الكفار، ومنهم من قال هو خلق الداعية التي إذا انضمت إلى القدرة صار مجموع القدرة معها سببا موجبا لوقوع الكفر، وتقريره أن القادر على الكفر إما أن يكون قادرا على تركه أو لا يكون، فإن لم يقدر على تركه كانت القدرة على الكفر موجبة للكفر، فخلق القدرة على الكفر يقتضي خلق الكفر، وإن قدر على الترك كانت نسبة تلك القدرة إلى فعل الكفر وإلى تركه على سواء، فإما أن يكون صيرورتها مصدرا للفعل بدلا عن الترك يتوقف على انضمام مرجح إليها أو لا يتوقف، فإن لم يتوقف فقد وقع الممكن لا عن مرجح، وتجويزه يقتضي القدح في الاستدلال بالممكن على المؤثر، وذلك يقتضي نفي الصانع وهو محال، وأما إن توقف على المرجح فذلك المرجح إما أن يكون من فعل الله أو من فعل العبد أو لا من فعل الله ولا من فعل العبد، لا جائز أن يكون من فعل العبد وإلا لزم التسلسل، ولا جائز أن يكون لا بفعل الله ولا بفعل العبد، لأنه يلزم حدوث شيء لا لمؤثر، وذلك يبطل القول بالصانع. فثبت أن كون قدرة العبد مصدرا للمقدور المعين يتوقف على أن ينضم إليها مرجح هو من فعل الله تعالى. مفاتيح الغيب 2/ 291.

[7] انظر فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ص: 25؛ والصواعق المحرقة على أهل الرفض والزندقة 1/132

[8] الشفا 2/604

[9] العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم 4/ 207

[10]     العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم 4/ 187

[11] العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم 4/ 178.

[12] الشفا بتعريف حقوق المصطفى – وحاشية الشمني 2/ 292

[13] الشفا 2/612

[14] الإقناع في مسائل الإجماع 1/35

[15] البخاري برقم 6103 عن أبي هريرة

[16] الموطأ 2/984، والبخاري برقم 6104 عن عبد الله بن عمر

[17] الترمذي برقم 60

[18] البخاري برقم 6105 عن ثابت بن الضحاك

[19] الموطأ 2/984، ومسلم برقم 2623.

[20] مسلم برقم: 2621

[21] مسند أحمد 14/ 46، والبيهقي في شعب الإيمان 9/62

[22] مقالات الإسلاميين: 293

[23] مقالات الإسلاميين ت ريتر ص: 297

[24] الملل والنحل 94  103 باختصار

[25] الإبانة 26

[26] كتاب الوسيلة بذات الله تعالى وصفاته 115

[27] الموطأ برقم 413

[28] سنن أبي داود برقم 2532 وسنن سعيد بن منصور 2/176 ومسند أبي يعلى الموصلي 7/287 والقضاء والقدر للبيهقي 194 والاعتقاد له 188 وقال عقبه: ولهذه الأحاديث شواهد ذكرناها في كتاب الإيمان وفي كتاب البعث والنشور وعلى هذا درج من مضى من الصحابة والتابعين وأتباعهم من أهل السنة. وانظر سنن أبي داود 4/184.

[29] الموطأ برقم 1469

[30] التمهيد 9/116

[31] شرح الأربعين النووية

[32] تاريخ ابن خلدون 1/584

[33] ما بين المعقوفين زيادة من عندي

[34] التمهيد لقواعد التوحيد 131

[35] ابن ماجة برقم 4049 عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

[36] الزهد لابن المبارك 2/109 وأحمد 11/570 والترمذي برقم 2639، وابن ماجه برقم 4300 وابن حبان 1/462 عن عبد الله بن عمرو

[37] كشف الأستار عن زائد البزار 1/10

[38] الإيمان للقاسم بن سلام ص: 36 وما بعدها.

[39] انظر العثمانية 5

[40] انظر العثمانية 153

[41] النصرة لسيد العترة للشيخ المفيد ص: 207

[42] النصرة لسيد العترة للشيخ المفيد ص: 209

[43] انظر العثمانية 157 و 158

[44] مقالات الإسلاميين 5

[45] انظر التعريفات 443

[46] انظر للاستفادة تاريخ الآداب العربية لكارلو نالينو 240

[47] عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه أن النبي ﷺ مر برجل ساجد وهو منطلق إلى الصلاة فلما قضى الصلاة ورجع إليه وهو ساجد قال ثم قال النبي ﷺ من يقتل هذا فقام رجل فحسر عن ذراعيه واخترط سيفه وهزه ثم قال يا نبي الله بأبي أنت وأمي كيف أقتل رجلا ساجدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد عبده ورسوله فقال رسول الله ﷺ ثم قال من يقتل هذا فقام رجل فقال أنا فحسر عن ذراعيه واخترط سيفه حتى رعدت يده فقال يا رسول الله كيف أقتل رجلا ساجدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد عبده ورسوله فقال رسول الله ﷺ: «أما والذي نفسي بيده لو قتلتموه لكان أول فتنة وآخره» رواه أحمد 5/42 وإسناده صحيح.

[48] مصنف عبد الرزاق 10/150

[49] شرح ابن بطال 16/138

[50] فتح الباري لابن رجب 1/137

[51] ابن ماجه برقم 639

[52] الدارمي برقم 2861

[53] الترمذي برقم 2634

[54] البخاري برقم 2475

[55] البخاري برقم 121 ومسلم برقم 65

[56] انظر شرح كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، إملاء محمد بن أحمد السرخسي 1/156

[57] الترمذي برقم 2635

[58] تهذيب الآثار مسند عبد الله بن عباس 2/650.

[59] التمهيد 17/14

[60] البخاري برقم 3481، ومسلم برقم 2756

[61] المسائل والأجوبة لابن قتيبة ص: 104

[62] البخاري برقم 1393

[63] مسند إسحاق بن راهويه 3/623

[64] انظر الجامع لابن يونس 24/37

[65] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4/358

[66] الموطأ برقم 66 بلاغا ووصله ابن عبد البر في التمهيد 24/318

[67] سير أعلام النبلاء 15/88. ومن رائق ما سطر العلامة ابن تيمية من فتاوى قوله: فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار، لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع، فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع. مجموع الفتاوى 23/ 345.

 

كلمات مفتاحية : ,