كلمة الأستاذ عبد السلام الأزعر مدير معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات خلال حفل تكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بدكار
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، السادة العلماء الفضلاء، السيدات العالمات الفضليات، أيها الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سعيد أن أحضر هذا الحفل البهيج احتفاء بأهل القرآن الكريم أهل الله وخاصته، وسعيد أن أزور هذا البلد الشقيق لأول مرة، وسعيد كذلك أن ألتقي بأبنائي وبناتي خريجي معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، وقد بلغ عددهم أربعمائة إماما ومرشدة.
وفي إطار المسابقات القرآنية ينظم المعهد في شهر شعبان من كل عالم مسابقة في حفظ القرآن الكريم وترتيله، استعدادا لاختيار أفضل المشفعين الذي يتولون إمامة المصلين في تراويح رمضان بمسجد الأخوة التابع للمعهد، والمفتوح في وجه عموم المسلمين.
وقد كان الطلبة السنيغاليون في الطليعة دائما، فقد شرفوا المعهد، وشرفوا بلدهم، وشرفوا شيوخهم، وكانوا عند حسن ظنهم؛ وردا للجميل، اسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة وأذكر أسماءهم في هذا الحفل القرآني العظيم.
لقد فاز عام 2017 الإمامان عبد القادر ديو، وعبد أمادو مختار ديا؛
وفاز سنة 2018 الأئمة : الشيخ تيجان باه، وأنجاي الحاج مالك، ومحمد جي، وعبدو القادر ديو؛
وفاز سنة 2019 الإمامان : مام عبد العزيز غي، وأحمد تيجاني آج؛
وأرجو أن تعطى لهم العناية اللائقة من طرف فرع المؤسسة لأنهم يستحقون كل تقدير.
والجميل في صلاة التراويح في مسجد الأخوة هو الجمع بين التنوع والتعدد من حيث الجنسيات وعدد الأئمة الذي يبلغ 16 كل عام، وبين وحدة الرواية والقراءة التي يصلون بها جميعا.
إن المغاربة منذ دخولهم الإسلام أحبوا الله بصدق وإخلاص، وأحبوا بحب الله رسوله الكريم سيدنا محمدا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وأحبوا بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، وكان هذا الحب معيارهم في كل الاختيارات؛ فاختاروا مذهب فقيه المدينة وإمامها، مالك بن أنس رحمه الله، واختاروا قراءة نافع بن عبد الرحمن المدني إمام قراء المدينة المنورة رحمه الله؛ وبنفس الحب اختاروا نظام الحكم الذي يسره الله لهم بأن ألهم المولى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجميعن.
فالمولى إدريس الأول، خرج من موقعة “فخ” قرب مكة المكرمة فارا بدمه، باحثا عن مكان يطمئن إليه ويستقر فيه، فمر بمصر ولم يجد مبتغاه، ومر بتونس وأشير عليه بأن يرحل في اتجاه الغرب، إلى أن وصل إلى قبيلة أوربة بشمال المغرب الأقصى، ولما تعرف المغاربة على نسبه الشريف، لم يضمنوا له الأمن والاستقرار وراحة البال فحسب، ولكن إضافة إلى ذلك بايعوه أميرا عليهم، وزوجوه بنت شيخ قبيلتهم.
وشاء الله أن يقتل المولى إدريس مسموما، فيوضع المغاربة من جديد في امتحان آخر في حبهم لعترة النبي صلى الله عليه وسلم، ولما بشروا بحمل زوج المولى إدريس الأول، فرحوا فرحا عظيما، فرعوه جنينا، ولما ولد ذكرا، سموه إدريس الثاني ورعوه حتى بلغ الحادية عشرة من عمره، فبايعوه أميرا عليهم.
إنه عربون المحبة الخالصة التي يكنها المغاربة خلفا عن سلف للعترة النبوية الشريفة.
ومنذ ذلك الحين يختار المغاربة إمامتهم العظمى، إمارة المؤمنين من أسباط الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، التي تنتظم عندهم بالطبع عن طريق المحبة، وتتأسس بالشرع عن طريق البيعة.
وها هو أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله سبط النبي الأمين يرعى هذه المحبة المتبادلة بين العرش وشعبه، وبينهم وبين إخوانهم في إفريقيا الذين تربطهم بهم ثوابتهم المشتركة، المتمثلة في الفقه المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف الجنيدي، وقراء نافع برواية ورش عن طريق أبي يعقوب الأزرق.
فأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتمكين ، يسير على نهج أسلافه الميامين، في حماية حمى الملة والدين، وتقوية الأواصر العقدية بين علماء إفريقيا من خلال مؤسستهم التي أحدثها حفظه الله من أجل جمع شملهم، وتوحيد كلمتهم، ومنهج عملهم، ومن خلالهم ترسيخ نموذج التدين الوسطي المعتدل الذي يثمر حياة طيبة لكل الشعوب.
حفظ الله مولانا الهمام أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس بما حفظ به الذكر الحكيم، وسدد خطى علمائنا الأبرار في جميع الأقطار، ورفع هذا البلاء وهذا الوباء عن الإنسانية جمعاء، إنه سبحانه وتعالى على ذلك قدير وبالإجابة جدير والحمد لله رب العالمين.