كلمة السيد أحمد التوفيق في حفل تنصيب المجلس الأعلى
بمناسبة حفل تنصيب أعضاء المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، الذي ترأسه أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمسجد القرويين بفاس، يوم الثلاثاء 08 رمضان 1437 (14 يونيو 2016) ألقى وزير الأوقاف والشئون الإسلامية السيد أحمد التوفيق كلمة بين يدي جلالة الملك بالمناسبة، وفيما يلي نص كلمة السيد الوزير:
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحابته الأكرمين
مولاي أمير المؤمنين
بمناسبة تنصيب المجلس الأعلى ل”مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”، يتشرف خديمكم هذا، بأن يقدم بين يديكم الكريمين، عناصر ذات صلة بهذا الحدث الديني العلمي، في سياقه التاريخي، وسوابقه القريبة، ودواعيه في الحاضر، وآفاقه في المستقبل.
مولاي أمير المؤمنين
إن التوجه الإفريقي لسياسة جلالتكم الشريفة، لا تمليه سياسة تعاونية عادية عابرة، تنحصر في مبادلة البضائع والمصالح، بل هو توجه متعدد الأبعاد، يستمد تميزه من الأواصر الجغرافية، والروابط التاريخية، والأسانيد العلمية، والمسالك الروحية، والاشتراك بين المغرب وعدد من بلدان إفريقيا في الثوابت الدينية العقدية والمذهبية.
وإن عددا من مشاريع الشراكة الاقتصادية التي أطلقتها جلالتكم في المدة الأخيرة، مع بلدان في جنوبي الصحراء، تقترن في أذهان أهل تلك البلدان برصيد المغرب الديني والعلمي والروحي المشترك، ويقر المنصفون بأن ما تم بناؤه عبر العصور، في مجال ذلك الرأسمال اللامادي، لا يقاس بنفع ولا يقدر بثمن، وهو باق صامد لكل حوادث الزمان، ومن ثمراته أن علاقات المغرب مع إفريقيا الغربية على الخصوص، لها طابع شعبي مستدام، لا تؤثر فيه الظرفيات العابرة.
إنه رصيد يستند إلى قاعدة صلبة تتمثل فيما يلي:
- الاشتراك في العقد الأشعري الذي يجعلنا جميعا لا نقبل التكفير وبالتالي لا نقبل دعاوى الإرهاب التي يراد ربطها بالدين؛
- الاشتراك في المذهب المالكي في فقه العبادات والمعاملات، وله مزايا تناسب بيئتنا الإفريقية؛
- الاشتراك في بناء الشخصية الروحية المتمثلة في أسانيد الطرق الشاذلية والقادرية والتجانية،
- الاشتراك في الإجازات والأسانيد التي تربط علماء المغرب بعلماء بعض بلدان إفريقيا؛
ومن تجليات الاستمرارية في رعاية هذه الوشائج: التواصل الدائم بين شيوخ الزوايا وبين ملوك المغرب، وحضور العلماء الأفارقة في الدروس الحسنية، وإنشاء رابطة علماء المغرب والسنغال في أعوام الثمانين.
وقد استجدت أمور تهدد هذا الرصيد المشترك، وتهدد بالتالي التقاليد الدينية في إفريقيا والسكينة المرتبطة بها، ومن ضمنها التشويش المذهبي الذي صارت بعض مظاهره تهدد الوحدة داخل المساجد، علما بأن الفتنة بأي عذر كان غير مقبولة شرعا.
وعلى هذا الأساس فإن كل المخلصين القائمين بالدعوة على أساس ثوابتهم الوطنية، سيفرحون بإسهام هذه المؤسسة التي تستشرف تحقيق ربط فعال على صعيد القارة بين العلماء، والغاية المشتركة هي العمل على أن يحافظ لهذه الشعوب على إيمانها وعقليتها المحبة للسلم، وأن تصان لها، في نفس الوقت، ثقافتها المتميزة التي لم تخرجها يوما من توحيد الله والعمل بمكارم دينه، المبين بسنة رسوله الأكرم، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
مولاي أمير المؤمنين
إن آفاق مستقبل هذه المؤسسة، كما خططتم لها من خلال أهدافها في الظهير الشريف، ستتبلور في شراكة في الخبرة بين علماء المغرب وعلماء البلدان الإفريقية الراغبين في ذلك، وبالقدر المتاح لهم سياقا وقانونا، من أجل مقاربة شمولية لقيام الدين، بحمايته وتنمية خدماته. لقد ابتكرتم، يا مولاي، هذه الآلية، قبل كل شيء، بقصد نيل رضا الله في القيام بالأمانة الموضوعة على عاتقكم، كحام للملة والدين، وكراع للتاريخ الروحي المشترك بين المغرب وإفريقيا، وكغيور على الأمن والاستقرار في المنطقة.
إن هذه الشراكة من خلال المؤسسة ستمتد، إن شاء الله، إلى عدد من الميادين، نخص بالذكر منها ثمانية:
أولا: الـتأطير العلمي، وذلك بإسهام العلماء في تبليغ مبني على الوسطية، وبتنسيق الجهود لنشر فكرة أولوية دفع الفتنة واستدامة الأمن والاستقرار كضرورة شرعية قصوى؛
ثانيا: تنظيم التعليم الديني: بجعله حاملا لقيم السلام والرقي بالإنسان لنفع نفسه وخدمة وطنه وإسداء الخير للناس كافة، وعدم تسخيره لأغراض الكراهية والمصالح المفسدة.
ثالثا: التعاون بين طرق التصوف وبين هيآت العلماء، وذلك لأن إكراهات الوقت الحاضر تقتضي أن يكون للعلماء هيآت يتحملون فيها مسئوليتهم كعلماء، وأن يكونوا مرجعية بتلك الصفة، على أن يوجهوا الناس للتحلي بأخلاق مدارس التزكية وينتفعوا في تقوية الوازع بما يغرسه الشيوخ في النفوس من أحوال التواضع وسلوك الانضباط.
رابعا: تدبير الخدمات الدينية، ولاسيما ما يتعلق منها بالمساجد وتأطيرها، بعيدا عن التأثر بأهداف مذهبية أو سياسية .
خامسا: الإعانة على إقامة الأوقاف المدرة للدخل، من أجل ضمان التمويل المحلي الذاتي للحاجيات الدينية التي هي حاجيات اجتماعية.
سادسا: تقوية جانب الإعلام الديني، في عصر تكنولوجيا التواصل، وما يعنيه من ضرورة إشاعة الكلمة الطيبة والحكم الشرعي الصحيح.
سابعا: التعاون في تكوين القيمين الدينيين، على غرار ما يتم في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدات.
ثامنا: التعاون في تكوين أجيال جديدة من العلماء، ويتزامن هذا التصور، مع الإصلاح المهم الذي أمرت به جلالتكم على صعيد جامعة القرويين.
مولاي أمير المؤمنين
إن إحداث المؤسسة قد استقبلته إفريقيا العالمة بالحمد والترحيب، ومن التعابير الصادقة لهذا الاستقبال، ما جاء في كلمة مفتي نيجيريا الشيخ الحسيني الذي قال: “إننا نعتبر النداء إلى هذه المؤسسة عملا جاء في وقته، وها نحن نرى اليوم أن الله تبارك وتعالى قد حقق لنا أمنية غالية عجزنا عن تحقيقها مع شدة الحاجة إليها من قبل، حتى قيض الله تبارك وتعالى أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس أيده الله ونصره للقيام بهذا العمل الكبير”. انتهى كلام الشيخ.
لقد قطعت المؤسسة منذ الإعلان عنها شوطا ضروريا في نصب آلياتها تتجلى على الخصوص، في تعيين الرئيس المنتدب، وتعيين الأمين العام للمؤسسة، وتعيين مديرها المالي، وتعيين اللجنة الخماسية المكلفة بالتأسيس الأولي للمجلس الأعلى للمؤسسة، وقيام هذه اللجنة بتأسيس هذا المجلس الذي يحضر اليوم أعضاؤه في صيغته الأولية، وعددهم 103 ينتمون إلى 30 من البلدان الإفريقية، ينضاف إليهم لتكوين هذا المجلس 20 من علماء مملكتكم الشريفة.
وفي الشهور المقبلة، يا مولاي، فإن العمليات الموالية المرتقبة هي:
أولا: استكمال الآليات المركزية:
بتشكيل اللجان الأربع الدائمة؛
بتكوين المكتب التنفيذي وشروعه في عمله.
ثانيا: مباشرة الوجود الشرعي للفروع على صعيد البلدان؛
ثالثا: بداية التخطيط للعمل المحلي.
مولاي أمير المؤمنين
وفي الأخير أستئذن جنابكم المنيف في الإشارة إلى ما لا يجوز أن يعلق بالأذهان حول المؤسسة من التصورات؛
ذلك لأن هذه المؤسسة بمقتضى الظهير الشريف المحدث لها:
1) ليست ولا يمكن أن تكون بديلا لأي مجلس أو هيئة أو مؤسسة عمومية في بلد من البلدان؛
2) ليست ولا يمكن أن تكون زرعا لجسم غريب في سياق له تقاليد محلية لأنها تنطلق من الثوابت المشتركة؛
3) أن إنشاء الفروع في البلدان مرهون بالاحترام التام للقوانين المحلية؛
4) إن منطلقات المؤسسة وأهدافها تضعها فوق الأغراض والمنافسات؛
5) لا يمكن أن يتم باسم المؤسسة ولا بوسائلها الانخراط في شأن من شئون السياسة.
مولاي أمير المؤمنين
يضطلع المجلس الذي يتم تنصيبه اليوم تحت الرئاسة الفعلية لجنابكم الشريف بمهام أساسية، يتوقف عليها السير السليم والفعال للمؤسسة، وطبقا لتوجيهاتكم السامية، فإن هذا المجلس سيحرص، بالصرامة اللازمة، على أن تنمو هذه المؤسسة لخدمة الإسلام في إفريقيا، بأبعاده في السلم والتعبئة لقيم الخير والأخلاق.
حمد الله مساعيكم، يا مولاي، وتقبل منكم، ورضي عنكم وأرضاكم، والسلام على مقامكم العالي بالله ورحمة الله تعالى وبركاته.
للاطلاع على فيديو الكلمة التي ألقاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، المرجو الضغط هنا.