مستقبل التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر
نص محاضرة “مستقبل التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر” للأستاذة سكينة ممن عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالنيجر والتي قامت بإلقائها خلال اليوم الثاني من الندوة العلمية الثانية التي نظمها فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في النيجر، تحت عنوان: التراث الإسلامي الإفريقي في النيجر بين الماضي والحاضر وآفاق المستقبل،يومي: السبت والأحد 17-18 ذو القعدة 1440 هـ الموافق لـ 20-21 يوليوز 2019 م، في نيامي.
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي خير الأنبياء والمرسلين، وإمام المتّقين محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد،
فهذا البحث المتواضع والذي موضوعه مستقبل التراث الإسلامي الأفريقي بالنيجر يتناول طريقة إستراتيجية تهدف حفظ وحماية التراث الإسلامي بصفة عامة وفي النيجر خاصة، هذه العملية تندرج في إطار الأهداف التي وضعتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحت رعاية صاحب الجلالة، أمير المؤمنين حفظه ورعاه لحفظ الدين الإسلامي الحنيف، فخلال هذه الأسطر نتعرض للعوائق التي تعوق الإسلام وتراثه في ظل العولمة لنقترح بعض الحلول.
فالبحث يتجزأ إلى مقدمة وفصلين وخاتمة كما يلي:
الفصل الأول: النيجر والثقافة الإسلامية
- نبذة عن جمهورية النيجر
- الثقافة الإسلامية
الفصل الثاني: حفظ التراث الإسلامي النيجري
- دور المدارس القرآنية في إحياء التراث الإسلامي
- أثر القرآن الكريم في الحركة الأدبية ودوره في إحياء التراث الإسلامي الإفريقي في مستقبل النيجر. (عز الأمم تراثها).
الخاتمة
الفصل الأول: النيجر والثقافة الإسلامية
التعريف بالنيجر
النيجر دولة ساحلية صحراوية، تقع في مساحة 1.267.000 كيلو متر مربع، وسكانها 10.790.352 مواطنا، حسب التقارير الأولية للإحصائيات العامة التي أجريت في عام 2001.
وتواجه بذلك مشاكل متعلقة بطبيعتها القاسية وشح الموارد فيها، مع التفجر السكاني.
الحالة العامة للطقس
تقع النيجر في الجزء الأوسط من دول غرب أفريقيا، وهي دولة محبوسة ومحاصرة عن البحر، وثلاثة أرباع مساحتها عبارة عن صحراء جرداء، وتبعد عن أقرب ميناء إليها بألف كيلو متر، ولا تملك وسائل نقل واتصالات كافية، ولهذا فهي تعاني أيضا من مشكلتي التصدير والاستيراد.
والطقس السائد هو الطقس المداري الحار الجاف، صيفه طويل يمتد من أكتوبر إلى مايو.
ولها أيضا فصل مطير في الحالات الجيدة، تمتد فيه الأمطار من يونيو إل سبتمبر. وتتميز النيجر بمنطقتين جغرافيتين، هما
المنطقة الوسطى: وتمتد من نهر النيجر إلى بحيرة تشاد، في عرض150 كيلو متر تقريبا. تتميز طبيعة هذه المنطقة بسهولها المغطاة بالحشائش الصالحة للرعي والزراعة.
أما المنطقة الأخرى فهي الواسعة الكبيرة.
تنحصر الأمطار المنتظمة في الجنوب وفي الغرب من النيجر، حيث يتكاثف وجود المزارعين اللذين لا يستطيعون مد البلاد بحاجته من الغذاء.
خلفية بشرية وثقافية
تعداد سكان النيجر هو عشرة ملايين وسبعمائة وتسعين ألفا، وثلاثمائة واثنين وخمسين نسمة، في حين أن مساحتها تزيد على المليون كيلو متر مربع. وهذا يعني أن النيجر ليس فيها كثافة سكانية قياسا على مساحة الأرض –هذا يبدو نظريا-، ومتوسط الكثافة السكانية في النيجر هو 8,5 مواطن في الكيلو متر المربع، وهذه القلة في الكثافة السكانية التي نفسرها بأنها ذات علاقة بطبيعة الأرض القاسية وشح الموارد والمزارع، تأتي إلى جانب مشكلة سرعة النمو السكاني وغلبة عنصر الشباب، وعدم التكافؤ في توزعهم على الأرض، أي عدم التوزيع العادل على مساحة البلد.
وفي الحقيقة فإن معدل النمو السكاني في النيجر عال جدا، وسيستمر ذلك لسنوات عدة، وهو بنسبة 3,3% سنويا. وهذا النمو هو أعلى نمو سكاني في بلاد إفريقيا، وستكون له مضاعفات كثيرة، منها الحاجة الملحة والمستمرة إلى خدمات صحية وتعليمية وخدمات في أساسيات الحياة، كالماء والغذاء والطرق…، في حين أن 49% من النيجريين، هم ممن دون 15 سنة، ومع أن غلبة العنصر الشبابي يدل على الخير، إلا أنه تنتظمها جملة من النفقات والكفالات التي تثقل كاهل المجتمع، كالحاجة إلى التربية والتعليم والرعاية الصحية وتوفر الخدمات…
كما أن التوزيع السكاني لم يكن متكافئا، فأكثر من 75% من سكان النيجر يقطنون في المناطق القابلة للزراعة والرعي (المطير)، مما يخلق خناقا سكانيا، وكبر حجم المحافظات الشمالية والشرقية.
والشعب النيجري شعب ريفي، فأكثر من 80% من سكانها يسكنون خارج المدن الكبيرة، وفيهم يكثر الرعاة، ولهذا قلما تجد المدن الكبيرة تحوي سكانا كثيرين يصلون 50.000 مواطن، كحال نيامي (العاصمة القومية)، وزندر ومرادي وطاوا وأغاديز.
وكغيرها من شعوب الصحراء، فإن الشعب النيجري يواجه من جملة ما يواجه المشاكل المتعلقة بالطبيعة، كالتصحر والجفاف وندرة المياه، والتي أفرزت ظروفا جديدة، تتمثل في النزوح إلى المدن أو الهجرة إلى الخارج لمقاومة قسوة الطبيعة والبحث عن مصادر رزق أخرى. وهذا النزوح خلق جملة من الصعوبات المتعلقة بالخدمات والأمن، فالمتمدنون في النيجر في عام 1960 5% فقط، ارتفع عددهم إلى 13% في عام 1977، وفي عام 2000 – حسب إحصائيات الجهة المعتمدة في وزارة التخطيط- سيصلون إلى نسبة 25%.
ومع هذا كله فإن الشعب النيجري سيظل في غالبيته ريفيا لسنوات، بل لعقود أخرى.
يتكون الشعب النيجري من عدة قبائل ولغات أهمها:
الهوسا والزرما والفولانيين والطوارق والكانوري. وهؤلاء في غالبيتهم مسلمون، وإسلامهم قديم منذ قرون. ففي إحصائيات عام 1998 ثبت أن نسبة المسلمين في النيجر 98%. ولهذا يجوز القول بأن الإسلام هو المكون الأساسي الأول لثقافة شعب النيجر.
وبالنظر إلى الأمجاد الثقافية، فإن النيجر قد مرت في هذه العقود الماضية بمشاكل متعددة الجوانب، سياسيا واقتصاديا وماليا وغذائيا، حيث أفرزت جملة من الأبعاد الثقافية الجديدة ومنها:
- التأكيد على دور المرأة في المجتمع النيجري، اقتصاديا، وهو نتيجة كثرة خروج الرجال وهجرتهم إلى المناطق الأخرى للكسب، تاركين النساء في المقار. فتولدت ظاهرة إدارة النساء للأمور الاقتصادية كالإنتاج الزراعي ورعي الحيوانات، والقيام بأنشطة اقتصادية، وتربية الأولاد، حتى وصل الأمر إلى الاقتناع بأن المرأة يمكن أن تستقل اقتصاديا.
- انخراط أكثر قطاعات الشعب في الشأن الحكومي، أي مراقبتها ومشاركتها ومحاسبتها.
- التطور الموازي للمدارس العربية الحديثة والمدارس القرآنية التقليدية، مما ينذر بفشل الاتجاه نحو النمط الغربي في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية.
الحالة الإدارية السياسية
تنقسم النيجر إلى ثماني مناطق كبيرة هي: أغاديز – ديفا – دوسو – مرادي – طاوا – تلابيري – زندر – والعاصمة القومية: نيامي.
وتحت كل منطقة محافظات، وتبلغ هذه المحافظات الآن 36 محافظة. وتوجد داخل بعض مدن المحافظات، حيث الكثافة السكانية عالية – تقسيمات أخرى، إذ حولت إلى معتمديات أي مديريات أو دوائر، يكون منها في المدن، وشكل آخر يتكون من مجموعة قرى كبيرة.
وهذه المديريات هي: نيامي، زندر، مرادي، أغاديز، طاوا، دوسو، طيفا، برنن كوني، تلابيري، دوغن دوتشي، فلنغي، طاساوا، تيرا، ماداوا، مغريا، مريا.
أما المديريات اليفية فيصل عددها 213 مديرية، بتصل في مجموعها إلى 265 مديرية، (مدنية وقروية).
تجري في النيجر حاليا سياسة توطيد عرى الديمقراطية والانفتاح واللامركزية (الانعتاق)، وهي حركة بدأت تطورها منذ عام 1990, ففي بحر عشر سنوات عرفت النيجر مؤتمرا وطنيا وأربع حكومات مدنية وحكومتان عسكريتان، وانقلابان عسكريان، وتمردان عسكريان في الشمال والشرق من البلاد. وهذه كلها جعلت النيجر لا تعرف الاستقرار والأمن ولا التطور في السنوات السابقة، إذ لم تتمكن الحكومات السابقة من وضع خطط للانطلاقة الاقتصادية والاجتماعية.
وبعد الاستفتاء الذي انتهى بإقرار النظام الرئاسي الجديد (نصف الرئاسي) البرلماني، بدأت النيجر تتلمس طريقها إلى الاستقرار والتطور، وتعود إلى حلبة الساحة الدولية، فقد تم إجراء انتخابات الرئاسية حرة منذ بداية عام 2000.
الاقتصاد
هناك ظروف قاسية تحد من الانتعاش الاقتصادي في النيجر، تتمثل في قسوة الطبيعة وقلة الموارد، وصعوبة الإنتاج لهجرة الأيدي العاملة المتخصصة إلى الخارج، وإلى جانبها قلة التصدير، والميل إلى الاستيراد. وقد أكدت دراسة قامت بها منظمة “CARE INTERNATIONAL” أن ثلثي الشعب النيجري يعيش في فقر مدقع، بمعدل 75.000 فرنك سيفا الدخل السنوي للفرد الراشد.
وفي المجال البشري، فإن نسبة المتعلمين في المرحلة الابتدائية لا يتجاوز41% في عام 2002، ونسبة المتعلمين بشكل عام على مستوى الدولة 19,9% في عام 2000، والنسبة المئوية للتغطية الصحية لا يتجاوز 42%، ونسبة الوفيات تصل إلى 123 من كل ألف.
وحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة (PNUD)، فإن النيجر تقع في المراتب الأخيرة في التصنيف الأممي للدول من حيث التطور.
وهذا يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من مشاكل متعددة الجوانب.
القطاع التعليمي
فإن المشاكل المذكورة آنفا حالت كثيرا دون تطور المجال التعليمي، فمنذ سنوات الثمانينات والتسعينات، شهدت النيجر تدهورا على المستويين النوعي والكمي في التعليم.
فلم تتطور أو تتوسع المدارس لاستقبال التلاميذ الجدد، ما أعطى فائضا من غير المتعلمين حتى مع إدخال نظام الفصول ذات الوظائف المتعددة، صباحية مسائية ليلية، أو المتنقلة، لم يتم حل تلك المشكلة لأن الأمر يتعلق بـ:
- الإهمال المستمر للصيانة والترميمات الضرورية
- انخفاض أجور المعلمين (كما حصل لباقي موظفي الدولة)، مما أدى اتجاه المعلمين إلى أنشطة أخرى لتغطية حاجاتهم مهملين بذلك المدرسة.
- انخفاض التأطير التربوي في المدارس (ولم يبق إلا على مستوى الامتحانات فقط)، لانعدام وسائل التنقل، وقلة عدد المرشدين التربويين والموجهين، إذ أصبح المشرف التربوي الواحد مسؤولا عن 287 مدرس ومدرسة!!
- عدم توفر الوسائل التعليمية، وخاصة الكتاب المدرسي، فأصبح كل ثلاثة من التلاميذ على كتاب واحد.
وهذه الظروف كلها ولدت استياء لدى المعلمين، وانخفضت روحهم المعنوية بفقدانهم للدافع نحو العمل، فالأجور ضئيلة، ولا تتوفر الوسائل للقيام بالواجب كما ينبغي.
كما خلقت هذه المشاكل توجسا من آباء التلاميذ اللذين فقدوا الأمل في المدرسة، واعتقدوا أن ليس بإمكانها –أيضا- أن تعد رجال الغد، وتوفر لهم مستقبلا وظيفيا مضمونا.
مفهوم الثقافة الإسلامية تتعدد تعريفات الثقافة الإسلامية، ويرجع ذلك إلى جدية هذا المصطلح وحداثته، واختلاف تصورات العلماء المعاصرين حول هذا المصطلح، ومع ذلك يوجد تعريف واضح لها، حيث تمَّ تعريفها بأنها معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، ويشمل ذلك الدين، واللغة، والتاريخ، والحضارة، والقيم، والأهداف المشتركة بصورة واعية هادفة.
يقول الدكتور يسو منكيلا في بحثه المنشور بتاريخ 2017-06-13 م على موقع مجلة قراءات تحت عنوان: “الأدب العربي الإفريقي بين الأصالة الإسلامية والمتعة الفنية”،
لقد عرف علماء القارة الإفريقية فضل اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، واجتهدوا في دراستها، ومنها تدرّجوا إلى تعلّم علوم هذه اللغة وفنونها الأدبية، هكذا كان النظام التعليمي في إفريقيا قبل دخول التنظيمات للمدارس العربية في إفريقيا، وخصوصاً في القرون الماضية.
من ضمن الأهداف التي تسعى إليها المؤسسة تحت رعاية صاحب الجلالة أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله ورعاه للحفاظ على قيم الإسلام السمحة ونشرها، إحياء التراث الإسلامي الإفريقي وصيانته وذلك من خلال مجموعة من الأنشطة والبرامج.
عليه، فإن العلاقة بين التراث والتعليم علاقة مبنية على التكامل والأهداف المشتركة، وأن من مصلحة المهتمين بالتراث والساعين لصونه، أن تبقى هذه العلاقة في أكمل صورها.
الثقافة الإسلامية
انخرطت الثّقافة الإسلاميّة في الآونة الأخيرة في عدة مجالاتٍ حديثة النشأة؛ فإلى جانب توّجُّه الجامعات العربيّة إلى تدريس مادّة الثّقافة الإسلاميّة كإحدِى المواد الأساسيّة في مناهجها، فقد أنشأت مُنظّمة المؤتمر الإسلاميّ ما يُسمّى بالإيسسكو؛ وهي المنظّمةُ الإسلاميّة للعلوم والتّربية والثّقافة، وتتّخذ من الرّباط مقراً لها، وتتمثّل مهمّتها في إعادة استحداث البناء الحضاريّ للعالم الإسلاميّ، ورفع السّتار عن الصّورة الحقيقية للحضارة الإسلاميّة، وتفنيد كل ما يشوبها من إشاعات أُلصقت بها. انطلاقاً من مدى أهمّية الثّقافة الإسلاميّة في نفوس المُسلمين فقد أقامت الإيسيسكو في عام 2005م برنامجاً خاصّاً لعواصم الثّقافة الإسلاميّة، فكانت مكّة المكّرمة العاصمة الأولى للثّقافة الإسلاميّة، ومن ثم تلتها عددٌ من العواصم، حيث تتّخذ كلّ سنة ثلاث عواصم تكون عربيّة وآسيويّة وإفريقيّة.
الفصل الثاني: حفظ التراث الإسلامي النيجري
دور المدارس القرآنية في إحياء التراث الإسلامي
مصطلح المدارس القرآنية، أطلق على هذا النوع من التعليم، ويطلق عليه باللغات المحلية (مَكَرَنْتا، أو دُودَل)، وهي مدارس تختص بتعليم القرآن والعلوم الإسلامية والعربية. هذه المدارس منتشرة بصورة واسعة في النيجر، وهي ضاربة الجذور في القدم. ويعود تاريخ قيامها إلى دخول الإسلام إلى المنطقة في القرن السابع ولكنها اكتسبت مكانتها في القرن التاسع عشر عند قيام دولة عثمان دان فوديو الإسلامية التي شملت بلاد الهوسا في النيجر ونيجيريا وبلاد أَدَماوا في شمال الكاميرون وشرق نيجيريا، وانتشرت المدارس القرآنية فيها.
وبهذا فإنا نشاهد في نهاية القرن التاسع عشر أن حلقة من الدول الإسلامية قد انتظمت في الشريط الساحلي الصحراوي الذي منه النيجر. كما أن نسبة المسلمين فيها الآن هو 98%. وتضم هذه المدارس غالبية عظمى من المتعطشين إلى العلم بمختلف الأعمار (صغارا وشبابا)، وهو ما ينال إعجاب الآباء وارتياحهم، لأنهم يلمسون ما توصل إليه الأبناء من قدرة على تسميع المحفوظ من الآيات والسور، ويتبارون في حفظ كامل القرآن.
التمويل
يصعب تحديد نفقات أو ميزانية التعليم القرآني (الكتاتيب)، لأن الدولة لا تدعم هذا المجال، بل إن آباء التلاميذ أو الأفراد هم الذين يتولون جميع التبرعات من بعضهم البعض، لبناء الفصول أو للقيام بنشاط اقتصادي لصالح المعلم (المعلم القرآني)، كأن يزرعوا له أو يحصدوا له، أو يبنوا له بيتا… وهكذا. فلا يقفون له مبلغا محددا. ومن ناحية أخرى، فإن قوت يوم التلاميذ والمعلم يأتي من صدقات الناس.
وبالرغم من أن الحكومة أرادت من خلال سياساتها أن تستوعب هذا النظام ضمن النظام التعليمي للدولة، بأن تتولى نفقات هؤلاء المعلمين وتأهيلهم تربويا، إلا أن عدم الإمكانات يقف حائلا، فالقرار الحكومي رقم 98-12 في فاتح يونيو 1998، يقضي باستيعاب هذا النوع من التعليم ضمن التعليم الوطني النيجري، ولكن ذلك يتطلب إمكانات لا قبل للحكومة بها من مثل:
- توفير الإمكانات المالية لتسيير هذا القطاع؛
- شراء معينات ووسائل تعليمية ومراشد تربوية حديثة؛
- شراء الأدوات الضرورية البسيطة التي يحتاج إليها كل تعليم أساسي.
وعليه، يجب الاعتراف بأن الحكومة النيجرية، بالرغم من قصور إمكاناتها تحمل نيات صادقة وحسنة نحو هذا النوع من التعليم، لدعمه وتطويره، فمن خلال إدارة التعليم العربي الأساسي المنبثقة عن وزارة التعليم الأساسي ومحو الأمية، وضعت الحكومة منهجا جديدا ومتطورا لصالح المدارس القرآنية (الخلاوي)، وهو منهج دعت الحكومة إلى تطبيقه، وأرسلت المسؤولين إلى مناطق النيجر المختلفة لتوعية المعنيين وبيان كيفية تطبيق هذا المنهج.
فلنقف على أثر القرآن الكريم في الحركة الأدبية ودوره في إحياء التراث الإسلامي الإفريقي في المستقبل النيجري:
لماذا القرآن؟
إنه من المعروف والملحوظ أن الشعب النيجري متمسك بدينه الإسلامي، فالمراكز العلمية والقرآنية هي أسهل طريقة للوصول إلى المعلوم.
نذكر ضمن هذه المراكز مدرسة غار هراء الحديثة، مدرسة السكينة، مدرسة دار البيان والتي تقدم خدمات تعليم القراءة باللغة العربية خلال 12 حصص لا غير.
شهدت ولا تزال تشهد هذه المدارس قبولا فائقا من قبل الإداريين وكوادر البنوك الذين يتوجهون إلى الاقتصاد الإسلامي.
ننتهز الفرصة حتى المأمول لأن نقطة الانطلاق والهدف الأساسي لأي جهد يتم بذله لصون التراث أو تعزيزه أو نشره أو إنقاذه هي المجتمعات، لأنها تعد القوى الحقيقية التي تحمي تراثنا.
وبناء عليه فإن ضمان انتقال التراث الإسلامي إلى الأجيال الأصغر سنا يعد أمرا ضروريا من أجل تعزيز الصلة التي تربطنا بالتاريخ وبهويتنا؛ وإنه لأمر ضروري أن نبتكر الأساس لثقافة حقيقية لصون التراث الثقافي في كافة مصادره.
يقول الدكتور يوسو منكيلا، القرآن الكريم هو الموجّه الأول والرئيس للحركة الأدبية العربية الإسلامية في كل مكان انتشر الإسلام فيه، وخصوصاً في إفريقيا أمّ القارات والحضارات الأولى، الأمر الذي جعل القرآن الكريم النصّ الإمام والمصدر الأساس، والمنوال الذي يُنسج عليه، فلا يجد من يدرس اللغة العربية وآدابها مندوحة من أن يبدأ دراسته لها في بادئ الأمر بأساليب القرآن الكريم.
وكان لإعجاز القرآن الكريم في الفجر الإسلامي أثره البالغ في النفوس، فالوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة مثلاً، اعترفا بأن القرآن الكريم ليس من كلام الإنس والجن، فنصوصه وأساليبه المعجزة تطرح نفسها بصفتها نموذجاً أعلى للكمال والجمال اللغوي.
وإذا كان القرآن الكريم هو الباعث الأول على ازدهار الحركة العلمية منذ القرون الوسطى، فمن الطبيعي أن تكون علوم القرآن هي أول ما يشغل المسلمين.
ومن علوم القرآن التي تتعلق باللغة: إعجاز القرآن، وإعراب القرآن, وعلم القراءات، الذي يعتمد من حيث اللغة على المشترك اللفظي من حيث الترادف، والأشباه والنظائر، والمعرّب والدخيل والتضاد، وبتلك المواد اتّسع نطاق اللغة العربية ومعانيها، وقد اختصر جلال الدين السيوطي تلك العلوم التي تتناول ناحية من نواحي القرآن في كتابه «الإتقان في علوم القرآن، كما نرى ذلك في تطبيقات الزمخشري في تفسيره الكشاف، وآراء عبد القادر الجرجاني، الذي اشتهرت عنايته الشديدة بتوضيح وجوه البلاغة والإعجاز في القرآن، تكاد تدرس هذه العلوم في المراكز المذكورة أعلاه.
وكذا دور المتاحف والفضاءات الثقافية في تعليم التراث، دور المنظمات الدولية في تعليم التراث، وسائل الإعلام وتعليم التراث، المؤسسات الأهلية لتعليم التراث، دور التعليم العالي والمؤسسات المجتمعية في تعليم التراث، والاستراتيجيات الحديثة في تعليم التراث، التجارب العربية والعالمية الرائدة في تعليم التراث.
ولا شكّ أن التراث الإسلامي يمثّل الذّاكرة الحيّة للفرد وللمجتمع، ويمثّل بالتالي هويّةً يتعرّف بها الناس على شعْبٍ من الشعوب؛ كما أن التراث بقيمه الثقافية، والاجتماعية يكون مصدرا تربويا، وعلميا، وفنيا، وثقافيا، واجتماعيا.. ذلكم أن تراكم الخبرات يُكوّن الحضارة، وتراكم المعلومات يُكوّن الذاكرة، وهذه الذاكرة بدورها
كـلّ الأمم تعـتـزّ بتراثها
والنظرة النقدية الى التراث وما ينبغي استخدامه وما لا يتناسب مع معطيات العصر، وما تثيره العلاقة مع التراث من أزمات ترتبط بالعولمة وتجلياتها والهوية وشروحها وغير ذلك.
الخاتمة
إن لكل أمة تراثا تعتز به وتفتخ، وتعتبره الجذر الذي يمتد في الماضي السحيق ليؤرخ ماضي الأمة وأمجادها العظيمة، وتعتبر الحاضر امتدادا للماضي، ويشكل السمة المميزة لكل أمة عن غيرها. ويتضمن الموروث التراثي الثقافي معلومات جمالية، وتاريخية، وعلمية، واجتماعية اقتصادية، أو قيم روحية للماضي، والحاضر والمستقبل. وتبرز هنا الحاجة الماسة والمستمرة لتقييم أهمية وحالة التراث الثقافي، والدور الذي يلعبه في وجوده على هذه الأرض، والدور الاقتصادي والتكنولوجي للتراث الثقافي في الفنون، والتغيرات الاجتماعية والعلمية. وهذا التقييم يعتبر أساسا لاتخاذ القرارات من أجل حماية ونقل معاني القيم التراثية للمجتمع.
وهذه الحماية لن تتحقق إذا لم تكن ضمْن نهضة ثقافية حديثة شاملة، مرفقة بوعي لمكوّنات هذا التراث الثقافي، والنظر إليه لا كماضٍ غاب وانقضى، بل هو حاضرٌ دوْمًا وحيٌّ، ومحفّزٌ لنا في الاندماج بفعالية في الحاضر، والإطلالة بثقة على المستقبل، لا كقيدٍ يكبّلنا ويشدّنا إلى ذلكم الماضي لوحده، فننقطع عن دورة الحياة المعاصرة، وننكفئ على أنفسنا فتجرفنا التيارات الخارجية، ولا نقوى حينها على المقاومة
وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور علي يعقوب أستاذ الجامعة الإسلامية بالنيجر أثناء مداخلته في الندوة أن دور العلماء في الغرب الإفريقي لم يقتصر فقط على التدريس، بل كان يشمل كل جوانب الحياة، وأن علماء المنطقة التي تسمى الآن النيجر تركوا تراثا غنيا من حيث محتواه يشمل كل مناحي الحياة، وهذا ما يشير بوضوح لدورهم الكبير في المجتمع
يؤكد الدكتور حميد لحمر أستاذ التعليم العالي ـ جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس في مداخلته في ندوة التراث الإسلامي الأفريقي أن منطقة الغرب الإسلامي تزخر بتراث إسلامي إفريقي غني ومتنوع يمتد إلى كل مناحي الحياة ينبغي الحفاظ عليه وصيانته
فهكذا
بدت محل إجماع حيناً واتفاق حينا
ويبقى سؤال تطرحه هذه الخاتمة: هل للأدب العربي مستقبل في إفريقيا؟ وهذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر وهو: هل للإسلام مستقبل في القارة الإفريقية؟!
فنجيب بهذه المشاعر هي التي عبّر عنها الشاعر محمد أحمد أغ شفيع بقوله:
رمى الغرب تشتيت الصفوف بقهره
وقسـم أبناء الصـحاري بمكره
وحـاول تسـخير العقـول بخبثه
ويجعل من صحرائنا جزء أرضه
فأصـبح في جهـد لتفريق صفّـنا
وتشتيت هذا الشعب ها هو همّه
فهـذا شـمالي وأبيـض لونــه
وهذا جنوبي وأسـود وصـفه
ولكـنـه قـد خـاب ظـناً لأنـه
تخيّل هذا اللـون يفصـل بينـنا
أخـوتنا أعـلى من اللـون إنـها
نتاج نضـال قد توحّد في العنا.