مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

افتتاحية العدد الثاني

ذ. عبد الحميد العلمي
مدير تحرير المجلة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الحق المبين، هادي الورى إلى صراط مستقيم، باعث محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، رحمة بالمومنين، وحجة على العالمين، والحول والقوة لمن لا يؤوده حفظهما، وهو العلي العظيم.

وبعد، فتحقيقا لما تم به الوعد من وسم مجلة العلماء الأفارقة بالعلمية المحكمة ،التي تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بالبلدان الإفريقية، ووفاء بما تقرر بإجماع العلماء على إصدار عددين كل سنة، فقد تم بحمد الله إخراج العدد الأول في موضوع «جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة»، وها نحن اليوم نصدر العدد الثاني في موضوع «المدرسة الأشعرية في السياق الإفريقي وأثرها في تعزيز التسامح والسلام .»

ومعلوم أن العقيدة الأشعرية من الثوابت الدينية المشتركة التي انتشرت واشتهرت في العالم الإسلامي، وحظيت بالقبول الحسن في البلدان الإفريقية، والأوساط العلمية، إذْ تبناها كبار الفقهاء من مختلف المدارس الفقهية السنية، إلى جانب رجال التصوف، الذين كشفوا عن أسرارها، واقتبسوا من أنوارها، وجعلوها عقيدة متجددة، تؤثر في السلوك والوجدان، وتجعل معتنقها يتذوق حلاوة الإيمان، فضلا عن إسهامها الفعال في ترسيخ التربية على القيم الأخلاقية الكريمة .

لقد اختار الأفارقة العقيدة الأشعرية السنية طريقة لهم في تحصيل العقائد الإيمانية الإسلامية، منذ نشأتها وظهورها على يد الإمام المجدد الحجة أبي الحسن الأشعري (تـ 324هـ) -رحمه الله- الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعـري -رضي الله عنه- وتأثروا بها غاية التأثر، وأحاطوها بعناية خاصة، لكونها تتسم بالوسطية والبساطة، والوفاء لتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، كما أنها تناسب الحياة الدينية الإفريقية، القائمة على المحبة والتسامح والاعتدال.

وفي سياق امتداد مذهب الإمام المجدد أبي الحسن الأشعري في العالم الإسلامي ،يقول القاضي عياض بن موسى بن عياض السبتي (ت544هـ)- رحمه الله-: «فكذلك أبو الحسن، فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب بحججه يحتجون، وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقته»[1].

إن الدارس لتاريخ العقيدة الأشعرية، لاسيما في البلدان الإفريقية، يدرك بجلاء ،أن سند الأفارقة في أخذهم للعقيدة الأشعرية السنية لم ينقطع البتة، بل ظل متصلا اتصالا مباشرا إلى واضعها الإمام أبي الحسن الأشعري إلى يوم الناس هذا.

لقد أجمع العلماء من مختلف فروع الثقافة الإسلامية، على إمامة أبي الحسن الأشعري، وأنه رائد روحي كبير، وأنه أحد المجددين على رأس المائة الثالثة، وأنه مرجع في مجال الاشتغال العقدي السني بلا منازع، وأنه أمين على عقائد الأمة ،استطاع بفضل إخلاصه وجهوده أن يجمع كلمة المسلمين على وسط اعتقادي يصل الخلف بالسلف.

يكشف الإمام أبو القاسم علي بن هبة الله بن عساكر الدمشقي (تـ 571هـ) عن مميزات المذهب الأشعري، وعن شخصية صاحبه الإمام أبي الحسن الأشعري أنه: «حسن الاعتقاد، مستصوب المذهب عند أهل المعرفة بالعلم والانقياد، يوافقه في أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد، ولا يقدح في مذهبه غير أهل الجهل والعناد»[2].

من مميزات العقيدة الأشعرية السنية أيضا أن أتباعها لا يكفرون غيرهم، ولا يتبرأ بعضهم من بعض. ولا مكان للغلو والتطرف بين معتنقيها، وأن العقيدة التي مات عليها الإمام أبو الحسن الأشعري -رحمه الله- أنه لا يكفر أحداً من المسلمين، وهم المعبر عنهم بأهل القبلة.

يقول الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (تـ 748هـ): «رأيت للأشعري كلمة أعجبتني،  وهي ثابتة رواها البيهقي،  سمعت أبا حازم العبدري، سمعت زاهر بن خالد بن أحمد السرخضي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: «اشهد علي أني لا أكفر أحداً من أهل هذه القبلة، لأنَّ الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات»[3].

ومن أجل الإسهام في التعريف بالمدرسة الأشعرية السنية في سياقها الإفريقي ،والكشف عن بعض الجوانب المشرقة التي امتازت بها هذه المدرسة السنية، سيتولى صفوة من العلماء والباحثين الكبار،  من إفريقيا ونظرائهم في المملكة المغربية الشريفة، بسط مواد العدد الثاني من مجلة العلماء الأفارقة. وهو إنجاز علمي متميز، ينضاف إلى ما تقوم به مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، كإطار أمثل لتنسيق جهود عالمات وعلماء إفريقيا، من أجل النهوض بإفريقيا الغد، إفريقيا الأمل، إفريقيا المستقبل، إفريقيا أرض التعايش السلمي، كما يريده لها مولانا أمير المؤمنين، سبط النبي الأمين، جلالة الملك محمد السادس، راعي مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، أدام الله عزه وعلاه، ووفقه لما يحبه ويرضاه.

نسأل الله تعالى أن يكون ملف هذا العدد نافعا في بابه، وأن يجد محلا عند قارئه ،آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الهوامش

[1] -ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك ،5/ 25، تحقيق الدكتور محمد بن شريفة، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-المملكة المغربية.

[2] – تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ص: 152، دار الكتاب العربي، بيروت-لبنان، عني بنشره القدضي ،1399هـ/1979م.

[3] – سير أعلام النبلاء ،15/ 88.

تحميل المقال بصيغة PDF