مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

الأسس العقدية والعملية للتسامح الديني في الإسلام

الدكتور عبد الرحيم الأمين
جلمعة محمد الخامس - الرباط

لقد سبق في علم الله تعالى وشاءت إرادته وأنجزت قدرته أن يخلق الإنسان في هذه الأرض مشرَّفا ومكرَّما بما أنعم عليه من نعم لا تعد ولا تحصى، ومنها: تسخير الكون كله له تفضلا منه سبحانه وإنعاما وإكراما، وقد أكسبه الله قدرة التدبير والتصرف والاختيار بما أنعم عليه به من عقل يميز به ما ينفعه وما يضره، مستنيرا بالتوجيهات الربانية، والكتب السماوية التي جاء بها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وآخرهم وخاتمة عقدهم نبي الرحمة وشفيع الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن الآيات الدالة على هذا التكريم الرباني للإنسان، قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾[1]. فالله عز وجل يخبرنا عن تكريمه لبني آدام من حيث هو، كما يفيده إطلاق الآية؛ لما تقرر عند الأصوليين أن اللفظ المطلق يدل على ماهية مدلوله بلا قيد، فهو لم يخصصه بشخص معين، ولا بجنس معين من الناس، ولا بفئة محددة، فهو لم يقيد بكونه على دين معين أو يتكلم لغة معينة، أو بكونه ذا لون أو جنس أو عرق خاص، أو يتصف بصفة من الصفات، مما يجعل هذا التكريم عاما في الأشخاص، مطلقا في الأحوال.

ومن جهة ثانية فإن الله تعالى هو المتصرف في الكون، إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، وهو مع هذه الإرادة المطلقة والقدرة التامة الكاملة، لم يشأ سبحانه أن يجعل الناس كلهم مؤمنين، وهو قادر على ذلك، ولم يرد أن يجمع الناس على الإيمان والهدى، وهو قادر على ذلك، مما يعني أن التنوع الديني أمر أراده الله سبحانه الذي

لا يقع في ملكه إلا ما يريد، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[2]. وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[3].

وعلى ضوء ما تقدم، فإن التسامح الديني والتعايش الإنساني اقتضته الإرادة الإلهية على مدى تاريخ البشرية، وأقرته التشريعات السماوية والتعليمات الربانية، كما اقتضاه الواقع المعيش والعقل السليم، ومع ذلك فإن التاريخ الإنساني عرف الكثير من الانحرافات في هذا المجال سواء على مستوى التمثلات أو المواقف، أو السلوك والمعتقدات حيث برزت مجموعة من التصورات الفاسدة والسلوكات المنحرفة، غيبت مظاهر التسامح والتعايش الإنساني، والأخوة الإنسانية، وأظهرت ملامح الكراهية والانغلاق على الذات والتمييز على أسس دينية، سواء لدى المسلمين أو عند غيرهم، وسأعمل في هذا البحث المتواضع على إبراز بعض الأسس العقدية للتسامح الديني في المنظور الإسلامي في (المبحث الأول)، ثم التجليات العملية لهذا التسامح في (المبحث الثاني).

المبحث الأول: الأسس العقدية للتسامح الديني في المنظور الإسلامي

يعد التسامح الديني مظهرا من مظاهر السلوك الحضاري بين مختلفي العقائد والأديان، وذلك من خلال احترامهم في اختياراتهم العقدية، ومعاملاتهم معاملة حضارية دون أن يكون هذا الاختلاف الديني سببا في القطيعة أو العداوة على هذا الأساس. وبالرجوع إلى أصول العقيدة الإسلامية نجدها تزخر بالمبادئ التي تؤسس للتسامح الديني، والتعايش المشترك بين الناس رغم اختلاف عقائدهم، ومن ذلك الاعتقاد بأن اختلاف العقائد أمر أراده الله (أولا) وثبوت كسب الإنسان واختياره ومسؤوليته عن أفعاله (ثانيا) وقصر مسؤولية الرسل عليهم الصلاة والسلام على البلاغ (ثالثا) وعدم الإكراه على الدين (رابعا) وإقرار الإسلام أهل الأديان على أديانهم (خامسا).

أولا: اختلاف العقائد أمر أراده الله

من المبادئ العقدية المقررة عند أهل السنة أن كل ما يقع في هذا الكون سبق في علم الله تعالى واقتضته مشيئته، وأن وجود الإيمان والكفر أمر أراده الله، واختلاف العقائد والأديان بمشيئة الله، لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريد.

فالله تعالى لو أراد أن يجمع الناس على الإيمان والهدى لجمعهم على ذلك؛ لأنه الفاعل المختار، لكن إرادته شاءت أن يبقى الاختلاف بين الناس في العقائد والأديان على مر الزمان، مما يقتضي حتمية العيش المشترك بين المؤمنين والكافرين، والمسلمين وغير المسلمين، كما تدل على ذلك الكثير من النصوص الشرعية، منها:

  1. قوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾[4].

قال الطبري في تفسيره للآية: «ولو شاء ربُّكم لجعل شرائعكم واحدة، ولم يجعل لكل أمة شريعةً ومنهاجًا غيرَ شرائع الأمم الأخُر ومنهاجهم، فكنتم تكونون أمة واحدةً، لا تختلف شرائعكم ومنهاجكم، ولكنه تعالى ذكره يعلم ذلك، فخالف بين شرائعكم ليختبركم، فيعرف المطيع منكم من العاصي، والعاملَ بما أمره في الكتاب الذي أنزله إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم من المخالف»[5].

  1. قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾[6].

فهذه الآية تدل على أن عدم اجتماع الناس على الهدى هو مقتضى مشيئة الله جل وعلا؛ لأنه سبحانه لو شاء أن يجمعهم على الهدى لفعل ذلك، قال الفخر الرازي في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾[7]، «تقديره: ولو شاء الله هداهم لجمعهم على الهدى، وحيث ما جمعهم على الهدى، وجب أن يقال: إنه ما شاء هُداهم، وذلك يدل على أنه تعالى لا يريد الإيمان من الكافر، بل يريد إبقاءه على الكفر، والذي يقرب هذا الظاهر أن قدرة الكافر على الكفر إما أن تكون صالحة للإيمان، أو غير صالحة له، فإن لم تكن صالحة له فالقدرة على الكفر مستلزمة للكفر، وغير صالحة للإيمان، فخالق هذه القدرة يكون قد أراد هذا الكفر منه لا محالة، وأما إن كانت هذه القدرة، كما أنها صلحت للكفر فهي أيضا صالحة للإيمان، فلما استوت نسبة القدرة إلى الطرفين امتنع رجحان أحد الطرفين على الآخر إلا لداعية مرجحة، وحصول تلك الداعية ليس من العبد، وإلا وقع التسلسل، فثبت أن خالق تلك الداعية هو الله تعالى، وثبت أن مجموع القدرة مع الداعية الحاصلة موجب للفعل، فثبت أن خالق مجموع تلك القدرة مع تلك الداعية المستلزمة لذلك الكفر مريد لذلك الكفر، وغير مريد لذلك الإيمان. فهذا البرهان اليقيني قوي ظاهر بهذه الآية، ولا بيان أقوى من أن يتطابق البرهان مع ظاهر القرآن»[8].

وقد بين الطاهر بن عاشور رحمه الله ما تشير إليه الآية من خلق الله الخلق دون أن يكونوا مؤهلين لقبول الحق والهدى، مميزا بين المشيئة المتعلقة بالخلق والتكوين، والمشيئة المتعلقة بالأمر والتشريع، فقال: «والمعنى: لو شاء الله أن يخلقهم بعقول قابلة للحق لخلقهم بها فلقبلوا الهدى، ولكنه خلقهم على ما وصف في قوله:

﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانُِهِمْ وَقْرًا…الآية﴾[9]، كما تقدم بيانه، وقد قال تعالى: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أمَّةً واحِدَةً﴾[10]، وبذلك تعلم أن هذه مشيئة كلية تكوينية، فلا تعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى في آخر هذه السورة ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُمَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا… الآية﴾[11]. فهذا من المشيئة

المتعلقة بالخلق والتكوين لا من المشيئة المتعلقة بالأمر والتشريع، وبينهما بون سقط في مهواته من لم يقدر له صون»[12].

  1. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لنَفس أَن تؤمن إِلَّا بِإِذن الله وَيجْعَل الرجس على الَّذين لَا يعْقلُونَ﴾[13].

بين ابن حزم دلالة حرف «لو» المفيدة لامتناع الجواب لامتناع الشرط في الآية، على أن الله تعالى أراد وقوع الكفر والفسوق في الأرض فقال: «هكذا هي الآية، كلها موصولة بعضها ببعض، فنص تعالى على أنه لو شاء لآمن الناس والجن وهم أهل الأرض كلهم، و «لو» في لغة العرب -التي بها خاطبنا الله عز وجل ليفهمنا- حرفٌ يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره فصح يقينا أن الله تعالى لم يشأ أن يؤمن كل من في الأرض، وإذ لا شك في ذلك فباليقين ندري أنه شاء منهم خلاف الإيمان وهو الكفر والفسق»[14].

  1. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾[15].

بين ابن عجيبة رحمه الله في تفسيره للآية عقيدة أهل السنة وتميزها عن أهل الاعتزال فقال: ﴿وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها﴾ «أي: ما تهتدي به إلى الإيمان والطاعة، أي: لو شئنا لأعطينا في الدنيا كل نفس ما عندنا من اللُطف الذي لو كان منهم اختيارُ ذلك، لاهتدوا، لكن لم نعطهم ذلك اللطف لَمَّا علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره، وهو حجة على المعتزلة فإن عندهم: قد شاء الله أن يعطي كل نفس ما به اهتدت، وقد أعطاها، لكنها لم تهتد، وأَوّلوا الآية بمشيئة الجبر»[16].

فكل هذه الآيات تدل على أن إرادة الخالق سبحانه وتعالى اقتضت بقاء اختلاف الناس في الدين والعقيدة، وأن الله تعالى لم يرد أن يجمع الناس على الإيمان والهدى، وهو ما تدل عليه صيغة «لو» الواردة في الآيات والتي تفيد امتناع الجواب لامتناع الشرط، قال الرازي في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾[17]: والمعنى: ولو شاء الله أن لا يشركوا ما أشركوا، وحيث لم يحصل الجزاء علمنا أنه لم يحصل الشرط، فعلمنا أن مشيئة الله تعالى بعدم إشراكهم غير حاصلة»[18].

فالله عز وجل لم يرد أن يجمع الناس على الهدى والإيمان بدليل عدم الوقوع؛ لأن الله إذا أراد شيئا يقول له كن، فيكون، لا يقع في ملكه ما لا يريد، قال أبو الخطاب الكلوذاني، في داليته:

قَالُوا: فَهَلْ فِعْلُ القَبِيحِ مُرَادُه؟ قُـلـتُ: الإِرَادَةُ كُـلُّهَا لِلـسَّيِّد

 لَو لم يُرِدْهُ وَكَانَ، كَانَ نَقِيصَةً   سُبْحَانَهُ عَنْ أَنْ يُعَجِّزَهُ الرَّدِي

ويجدر بي التذكير في هذا المقام بقصة خفيفة، ومناظرة عقدية لطيفة، تلخص عقيدة أهل السنة والمعتزلة في هذا الموضوع وهي أنه: «اجتمع عبد الجبار الهمداني وأبو إسحاق الإسفراييني في موضع، فقال عبد الجبار: «سبحان من تنزه عن الفحشاء»، ففهم عنه أبو إسحاق أنه يريد عن خلقها، وأنها كلمة حق أريد بها باطل، فقال: «سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء»، فالتفت إليه عبد الجبار، وعرف أنه فهم عنه، فقال: «أفيريد ربنا أن يعصى؟»، فقال أبو إسحاق: «فيعصى ربنا قهرًاً؟»، فقال عبد الجبار: «أرأيت إن منعني الهدى، وسلك بي سبيل الردى، أحسن إلي أم أساء؟»، فقال أبو إسحاق: «إن منعك مالَك فقد أساء، وإن منعك مالَه فيفعل في ملكه ما يشاء». فانصرف الحاضرون وهم يقولون: ليس عن هذا جواب. ويحكى أن هذا الجواب بعينه وقع للحسين بن علي رضي الله عنهما مع معتزلي فمر المعتزلي، وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته»[19].

فهذه الإرادة الربانية لا تتنافى مع أمره عز وجل بالإيمان، وإرسال الرسل بالدعوة إليه، وخاتمتهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بدين الإسلام ودعا الناس جميعا إليه، باعتباره دينا عاما وشاملا للناس أجمعين، لكن أمر الله قد يخالف إرادته، فيستجيب له من توافقت فيه إرادة الله وأمره، ولا يستجيب من خالفت فيه إرادة الله أمره.

وبيان ذلك أن الإرادة نوعان: «إرادة شرعية دينية… وإرادة كونية قدرية. والأمر الشرعي إنما تلازمه الإرادة الشرعية الدينية، ولا تلازم بينه وبين الإرادة الكونية القدرية، فالله أمر أبا جهل مثلا بالإيمان وأراده منه شرعاً وديناً، ولم يرده منه كوناً وقدراً. إذ لو أراده كوناً لوقع. ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾[20]. ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾[21]. ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾[22].

فإن قيل: ما الحكمة في أمره بشيء وهو يعلم أنه لا يريد وقوعه كوناً وقدراً؟ فالجواب: أن الحكمة في ذلك ابتلاء الخلق وتمييز المطيع من غير المطيع وقد صرح تعالى بهذه الحكمة، فإنه تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده مع أنه لم يرد وقوع ذبحه بالفعل كوناً وقدراً. وقد صرح بأن الحكمة في ذلك ابتلاء إبراهيم حيث قال: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾[23]. فظهر بطلان قول المعتزلة أن لا يكون أمرا إلا بإرادة وقوعه، وقد جرهم ضلالهم هذا إلى قولهم: إن معصية العاصي ليست بمشيئة الله؛ لأنه أمر بتركها ولم يرد إلا التزام الذي أمر به؛ لأن الأمر لا يكون أمرًاً إلا بالإرادة فنسبوا إليه تعالى العجز واستقلال الحادث بالفعل دونه، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيرًاً[24].

قال البيضاوي عند قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[25]: «وفي تعميم الدعوة وتخصيص الهداية بالمشيئة دليل على أن الأمر غير الإرادة، وأن المصر علُى الضلالة لمَ يرد الله رشده»[26]. وقال عند قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أمَّةً واحِدَةً﴾ أيْ: «مسلمين كلهم، وهو دليل ظاهر على أن الأمر غير الإِرادة، وأنه تعالى لم يرد الإِيمان من كل أحد، وأن ما أراده يجب وقوعه»[27].

وإذا كان المولى سبحانه أراد هذا التنوع الديني بين مؤمن وغير مؤمن، وأن هداية الناس جميعا لم يرده الله عز وجل، فإن هذا يقتضي ضرورةً أن يحصل التعايش والتسامح بين أهل هذه الأديان المختلفة والمعتقدات المتباينة، ولا أحد يملك القدرة على توحيد الناس على دين واحد، وتنميط الناس على نهج واحد؛ لأنه ينشد بذلك مخالفة مشيئة الله، وهو أمر مستحيل عقلا وشرعا، ولذلك نجد الكثير من الحروب التي عرفتها البشرية كان الباعث عليها، محاولة التوحيد والتنميط، وجمع الناس على رأي واحد، وقد باءت كلها بالخيبة والفشل الذريع، لمخالفتها مشيئة الله الذي لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، وهو لم يشأ توحيد الناس على دين واحد، بدليل الواقع الذي يعرف عددا من الأديان والملل والنحل إلى يومنا هذا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو أراد جبر البشر على الإيمان به لسلبهم حرية الاختيار، وذلك لا يعجزه سبحانه وتعالى، والآيات التي أوردناها دليل على أن انتزاع الحرية، والإكراه على الاعتقاد، هو ضد مشيئة الله سبحانه وتعالى، كما أنه ليس من هدي الإسلام[28].

وإذا ما عدنا إلى السيرة النبوية نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنع المشركين من شركهم، ولم يحاربهم لأنهم مشركون، بل تعايش معهم في إطار من التسامح هو وصحابته بمكة لمدة ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام بالتي هي أحسن وبالتدريج من دعوة العشيرة والأقربين إلى دعوة الناس أجمعين، ومن الدعوة سرا إلى الدعوة جهرا، مسترشدا بقوله تعالى: ﴿ادَْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[29]. وقوله سبحانه: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ﴾[30]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[31].

ثانيا: ثبوت كسب الإنسان واختياره ومسؤوليته عن أفعاله

من الأسس العقدية التي تترتب عن إرادة الله عز وجل لهذا التنوع الديني ثبوت كسب الإنسان واختياره ومسؤوليته عن أفعاله بين يدي ربه.

وقد اختلف العلماء في قضية الاختيار والجبر والاكتساب على ثلاثة أقوال:

القول الأول: رأي المعتزلة: قالوا «إن العبد يخلق أفعاله القبيحة، ولا صنع لله فيها ولا يصح إضافتها إليه بوجه، وكذا جميع الإضافات في غير الأشياء المحمودة؛ لامتناع وجود ذلك منه تعالى، وهو مذهب فاسد يؤدي إلى إثبات اللبس، كقولهم لا فعل للعبد أصلاً، وما يضاف إليه توسع ومجاز»[32].

وإسناد الأفعال إلى العبد يقتضي أن الإنسان مختار اختيارا مطلقا في أفعاله، وهو ما يتوافق مع قاعدة التكليف والجزاء، ولكنه يلزم عليه وجود فعل لغير الله، والله تعالى يقول: ﴿خَالِقُ كُلِّ شيء﴾[33].

القول الثاني: رأي الجبرية: قالوا إن الإنسان مجبر على أفعاله، وأنه مسلوب القدرة والإرادة، كالخيط المعلق في الهواء يذهب به الريح أين اتجه، والنخلة تميلها الرياح، وكالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء.

وهذا القول وإن كان يتفق مع إسناد الأفعال كلها إلى الله عز وجل، ولكنه يلزم عليه استواء الأفعال، وألا يدرك الفرق بينها، ونحن ندرك بالضرورة الفرق بين حركة الارتعاش وحركة المضي، وبأنه يبطل محل التكليف وترتيب الثواب والعقاب، ويناقض النصوص كقوله: ﴿لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ﴾[34]، وقوله: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها﴾، أي طاقتها بحسب العادة، فلو لم يكن كسب لاتحد ما قبل «إلا» وما بعدها، فلم يصح الاستثناء[35].

وفي رد القولين السابقين يقول الشيخ زروق رحمه الله: «ودليلنا على المعتزلة قوله تعالى: ﴿خَالِقُ كُلِّ شيء﴾[36] وعلى الجبرية الفرق بين حركة المرتعش والمختار، وقوله تعالى: ﴿وَافْعَلُوا الخَيْرَ﴾[37] وما ورد من الثواب والعقاب، وما ورد من تعليق الأحكام بأفعال المكلفين وقد قيل للحسن رحمه الله: أَجَبَرَ الله عباده؟ قال: الله أعدل من ذلك. قيل: أفوض إليهم؟ قال: الله أعز من ذلك. ثم قال: لو جبرهم لما عذبهم، ولو فوض إليهم لما كان للأمر معنى، ولكنه منزلة بين المنزلتين كبعد ما بين السماء والأرض، ولله فيه سر لا تعلمونه، وقد قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[38] وقال تعالى:

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾[39] فالتقدير ما رميت اختراعاً، إذ رميت اختياراً، ولكن الله رمى اختراعا»[40].

القول الثالث: رأي أهل السنة من الأشاعرة وغيرهم، وهو إثباتهم القدرة الاكتسابية للعبد، بحيث جمعوا بين قولي المعتزلة والجبرية، فاعتبروا الأفعال كلها لله عز وجل، وأن الإنسان له قدرة واختيار مقارن لقدرة الله، قال الشيخ ميارة:

«أجرى الله تعالى العادة أن يخلق عند تلك القدرة لا بها ما شاء من الأفعال، وجعل سبحانه بمحض اختياره وجود تلك القدرة فينا مقترنةً بتلك الأفعال شرطاً في التكليف، وهذا الاقتران والتعلق لهذه القدرة الحادثة بتلك الأفعال من غير تأثير لها أصلاً هو المسمى في الاصطلاح وفي الشرع بالكسب والاكتساب، وبحسبه تضاف الأفعال للعبد، كقوله تعالى: ﴿لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ﴾[41] أما الاختراع والإيجاد فهو من خواص مولانا جل وعز، لا يشاركه فيه شيء سواه تبارك وتعالى»[42].

قال في الجوهرة مشيرا للمذاهب الثلاثة:

وعنـدنا للـعـبد كـسب كـلفا     به ولـكن لـم يـؤثر فاعـرفـا

فلـيس مجـبورا ولا اختـيارا     وليـس كـلا يفـعـل اخـتيارا

وقال بعضهم:

مـذهـبـنا أن لـنـا قـدرة        حـادثـة لسـنا بـها نقـدر

وربـنـا سـوغ إطـلاقـهـا        في قوله: ﴿مِـنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا﴾

ويترتب على تمتع الإنسان بالكسب في اختيار أفعاله ومعتقداته أنه يتحمل تبعات هذه الأفعال والاختيارات، ولا أحد يتحمل مسؤولية الآخر؛ إذا لم يكن تحت ولايته ولا مسؤولا عن رعايته، وهذه خاصيَّة يتميز بها الإنسان وحده، فأمره مُوكل لنفسه فيما يختص بالهدى والضّلال في الاعتقاد، وتحمّله مسؤولية أفعاله، وهذا لا يمنع من النّصح له والإرشاد والتوجيه ودعوته للحق، لكن في نهاية المطاف يبقى كلّ فرد مسؤولا عن أفعاله، ويدل على ذلك نصوص كثيرة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)﴾[43].
  2. قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾[44].
  3. قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[45].
  4. قوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[46].
  5. قوله تعالى: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً﴾[47].
  6. قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾[48].

فمن خلال هذه النصوص ندرك أن من أصول العقيدة الإسلامية أنه لا أحد يحاسب على جرم الآخر، فلا يحاسب مسلم عن كفر كافر، ولا يحاسب أب أو أم عن ابنهما، ولا ابن عن أبيه ولا زوج عن زوجته، ولا زوجة عن زوجها؛ لأن المسؤولية شخصية، وكل يتحمل مسؤولية اختياراته، ويحاسب على أفعاله، وغيره إنما هو مسؤول عن وسيلة الجهد في النصح والأَمَر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر الاستطاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: }مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ{[49].

فالإنسان في هذا كله إنما يسأل عن تقصيره في الوسيلة والعناية، ولا يسأل عن النتيجة والغاية[50].

ثالثا: قصر مسؤولية الرسل على البلاغ

من الأسس العقدية التي تؤكد ما سبق قصر مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام على البلاغ دون الهداية، وكذلك العلماء والصلحاء والأمراء بعدهم، فهم مكلفون بوسيلة وعناية وليس بنتيجة وغاية، كما تدل على ذلك الكثير من الآيات القرآنية، التي تؤكد على أن وظيفة الرسل هي الإنذار والتبشير والبلاغ، منها:

  1. قوله تعالى: ﴿ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ﴾[51].

هذه الآية تقصر مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم على البلاغ، وأن الله تعالى هو الذي يتولى أمر من استجاب لدعوته ومن امتنع وجزاءه، وليس من مهامه صلى الله عليه وسلم حمل الناس على الإيمان والطاعة، قال الرازي في معنى الآية: «يعني أنه كان مكلفا بالتبليغ، فلما بلَّغ خرج عن العهدة، وبقي الأمر من جانبكم، وأنا عالم بما تبدون وبما تكتمون، فإن خالفتم فاعلموا أن الله شديد العقاب، وإن أطعتم فاعلموا أن الله غفور رحيم»[52].

والقصر في الآية ليس قصرا حقيقيا، وإنما هو قصر بالإضافة إلى إيمان الناس وهدايتهم، وهذا لا ينافي أن الرسول مكلف بأمور أخرى غير البلاغ من عبادة وغيرها، قال محمد الطاهر بن عاشور: «والقصر ليس بحقيقي لأن على الرسول أمورا أخر غير البلاغ، مثل التعبد لله تعالى، والخروج إلى الجهاد، والتكاليف التي كلفه الله بها مثل قيام الليل، فتعين أن معنى القصر: ما عليه إلا البلاغ، أي دون إلجائكم إلى الإيمان، فالقصر إضافي فلا ينافي أن على الرسول أشياء كثيرة»[53].

  1. قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[54].

فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس مكلفا بحمل الناس على الهداية، وإنما مهمته تبليغ الدعوة ليهتدي بها من أراد الله هدايته، ويضل من طبع الله على قلبه وشاءت إرادته ضلاله، فيبقى على جحوده وكفره، قال الزمخشري في معنى الآية السابقة:

«أي: لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت؛ لأنك لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره، ولكن الله يدخل في الإسلام من يشاء، وهو الذي علم أنه غير مطبوع على قلبه، وأن الألطاف تنفع فيه، فتقرب به ألطافه حتى يدعوه إلى القبول»[55]. وقال الشيخ أحمد بن عجيبة: «يعني: أن خاصية الهداية خاصة بالربوبية، وخاصية الربوبية لا تكون لمخلوق، ولو كان أكمل الخلق»[56].

  1. وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمنْذِرِينَ﴾[57].
  2. وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾[58].

من خلال عرضنا لهذه الآيات القرآنية، ندرك أن وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام هي التبشير والإنذار والوعظ والنّصح والتذكير ومجادلة المخالفين بالتي هي أحسن، وليس من مسؤوليتهم هداية الناس إلى الحق والإيمان، وهذا يقتضي أن يتعايش مع من لم يستجب لدعوته فيتعامل معه باعتباره إنسانا شريكا معه في المجتمع رغم الاختلاف في الدين، ويتسامح معه ولا يكرهه على الإيمان.

رابعا: عدم الإكراه على الدين

إذا ثبت أن ما عليه الإنسان من خير أو شر، وإيمان أو كفر أراده الله تعالى، وأن الله تعالى أعطى لعباده الكسب في اختيار أفعالهم وعقائدهم التي لا تخرج عما في علمه سبحانه في الأزل، وأن الرسل عليهم الصلاة والسلام والعلماء والدعاة والمصلحين وولاة الأمر مهمتهم تنحصر في البلاغ دون الهداية، والدعوة دون الاستجابة، فإنه بناء على ذلك كله لا يحق لأحد أن يكره أحدا على الإيمان ولا أن يجبره على الإسلام؛ لأن الله تعالى أكرم الإنسان بنعمة العقل الذي يميز به بين الحق والباطل، وينظر بهفي الكون وما فيه من آيات الله العظيمة الواضحة الدالة على أن للكون ربا وخالقا، وأنه سبحانه أرسل إليه الرسل مبشرين ومنذرين، وداعين إلى الله، ومبينين للناس الحق وطريق الهدى، وترك لهم مسؤولية الطاعة والاستجابة؛ لأن الركن الأعظم في الإسلام هو الإيمان، وأن الايمان تصديق بالقلب ونطق باللسان[59].

وما يؤمن به العبد ويعتقده، بعضه ضروري معلوم من الدين بالضرورة، وبعضه يتوقف على النظر والبرهان والإقناع والاقتناع، ولهذا ذكر علماء الكلام أن أول ما يجب على المكلف هو النظر حتى يعرف الله تعالى ورسله بصفاتهم التي نصب عليها سبحانه الآيات البينات، وفي ذلك يقول ابن عاشر رحمه الله:

أَوَّلُ وَاجِـبٍ عَـلَـى مَـنْ كُـلِّفَا   مُمَكَّـناً مِـنْ نَظَـرٍ أنْ يَعْـرِفَا

اللهَ وَالـرُّسُـلَ بِالـصِّـفَاتِ        مِمَّـا عَـلَيْهَا نَـصَبَ الآيَـاِت

وإذا كانت هذه المعرفة الواجبة بالله عز وجل والرسل عليهم الصلاة والسلام وبكل ما جاؤوا به من كتب وعقائد، لا بد أن تكون عن دليل، فكيف يكون ذلك عن إكراه؟ وإذا كان العلماء قد اتفقوا على صحة الإيمان الناتج عن النظر والمقترن بالحجة والبرهان واختلفوا في إيمان المقلد، فكيف يصححون إيمان المكره ويقبلونه؟ قال الشيخ ميارة: «وللشيخ في شرح الكبرى تقسيم عجيب لابد من إيراده لمسيس الحاجة إليه واشتماله على فوائد، قال رحمه الله: اعلم أن الحكم الحادث ينشأ عن أمورٍ خمسةٍ: علم واعتقاد وظن وشك ووهم؛ لأن الحاكم بأمرٍ على أمرٍ ثبوتاً أو نفياً، إما أن يجد في نفسه الجزم بذلك الحكم، أو لا، والأول إما أن يكون لسببٍ وأعني به ضرورةً أو برهاناً، أو لاَ، وغير الجزم إما أن يكون راجحاً على مقابله أو مرجوحاً أو مساوياً، فأقسام الجزم اثنان، وأقسام غير الجزم ثلاثةً، ويسمى الأول من قسمي الجزم علماً ومعرفةً ويقيناً، والثاني اعتقاداً، ويسمى الأول من أقسام غير الجزم ظناً، والثاني وهماً، والثالث شكاً، فإذا عرفت هذا، فالإيمان إن حصل عن أقسام غير الجزم الثلاثة فالإجماع على بطلانه، وإن حصل عن القسم الأول من قسمي الجزم وهو العلم، فالإجماع على صحته، وأما القسم الثاني وهو الاعتقاد فينقسم قسمين: مطابق في نفس الأمر ويسمى الاعتقاد الصحيح كاعتقاد عامة المؤمنين المقلدين، وغير مطابق يسمى الاعتقاد الفاسد والجهل المركب كاعتقاد الكافرين»[60].

والذي يدل على ضرورة بناء الإيمان على الحجة والبرهان، هو ما كان يقوم به الرسل عليهم الصلاة والسلام، الذين سلكوا شتى الوسائل والأساليب؛ ليقنعوا الناس بالإيمان بالله عز وجل وتوحيده، وكل ما جاؤوا به، فلو كان الإيمان بالإكراه لما سلك الرسل عليهم الصلاة والسلام تلك الطرق التي حكاها القرآن الكريم، ولما سلك القرآن الكريم نفسه تلك الأساليب، ولما بقي الأنبياء لسنوات يقنعون الناس بالحجج والبراهين من أجل الاستجابة لدعوتهم[61].

ومن الآيات الواضحة والصريحة على عدم مشروعية الإكراه في الدين قوله

تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[62].

هذه الآية صريحة في عدم مشروعية الإكراه في الدين، وهي آية محكمة ممتدة في الزمان والمكان؛ لأنها آية مدنية، نزلت إبان إجلاء يهود بني النضير في شأن الأنصار الذين أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، فقد روى الطبري في تفسيره في سبب نزول الآية: بسنده عن ابن عباس قال: «كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلَاتًا، فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾[63].

وروى أيضا عن سعيد بن جبير، قال: «كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقَلًى وَلَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ – قَالَ شُعْبَةُ: وَإِنَّمَا هُوَ مِقْلَاتٌ – فَتَجْعَلُ عَلَيْهَا إِنْ بَقِيَ لَهَا وَلَدٌ لَتُهَوِّدَنَّهُ، قَالَ: فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْهُمْ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارِ: كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَبْنَائِنَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾[64] قَالَ سَعيِدُ بنُ جُبَيْر: مَنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَذْهَبَ ذَهَبَ»[65].

والواضح أن سبب نزول الآية خاص، ولكن لفظها لفظ عام، وقد قرر جمهور الأصوليين أن «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»[66].

والآية عامة تنفي كل أنواع الإكراه كيفما كان نوعه، سواء كان إكراها ماديا أو إكراها معنويا، وهو ما تفيده النكرة في سياق النفي، لأن الإكراه يتنافى مع مفهوم العقيدة، ويتضاد مع مشيئة الله عز وجل الذي خلق الناس وأعطاهم الكسب والاختيار وحملهم المسؤولية، وإلى هذا الأمر يشير الطاهر بن عاشور بقوله: «ونفي الإكراه خبر في معنى النهي، والمراد نفي أسباب الإكراه في حكم الإسلام، أي لا تكرهوا أحدا على اتباع الإسلام قسرا، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصا»[67].وبهذا نخلص إلى أن الإسلام لا يقر إكراه الناس على اعتناقه؛ لأن الخالق سبحانه وتعالى، كرّم الإنسان ووهبه العقل لإعماله في التفكر والتّدبر، وليميِّز به بين الخير والشرّ، وأعطاه الحرّية التي لا تَقِلّ أهمية عن العقل، والتي بها يكون مسؤولا عن أفعاله، فلا «مسؤولية بغير حرية»؛ ولذلك نجد النصوص الشرعية تؤسس دعوتها إلى الإسلام على الإقناع والقول الحسن، والمجادلة بالتي هي أحسن، وليس بالإكراه، قال تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[68]. وقال سبحانه: ﴿وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[69]. وقال جل وعلا: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[70].

فما لم يكن الانسان حرّا مختارا في إيمانه فلا معنى لاعتباره مؤمنا باعتبار الظاهر، وهو يُخفي النفاق والكفر في الباطن، وهذا لا يمنع من النّصح له والإرشاد والتّوجيه ودعوته للحق، ولكن يبقى له القرار في الدخول في الإيمان أو عدمه، فيتحمل مسؤولية قراره، وسيجازى على أفعاله، ومن هنا يأتي مقصد الابتلاء، الذي هو تخيير الله للإنسان بين طريقين: طريق الطاعة، وطريق العصيان؛ ولذلك لم يعط حق الإكراه للأنبياء والرسل، فكيف بمن هو دونهم، وأن الأنبياء اكتفوا بالوعد والوعيد وتركوا الحساب على الاختيار والعقائد والأفعال إلى الله عز وجل.

خامسا: إقرار الإسلام أهل الأديان على أديانهم

وبناء على كل ما سبق أقر الإسلام أهل الأديان على أديانهم، ما داموا لم يمنعوا المسلمين من نشر الإسلام، وأدوا ما عليهم تجاه الدولة إذا كانوا تحت حكم المسلمين من تكاليف النفقات العامة مثلهم مثل المسلمين الذين يسهمون في هذه النفقات، لما رواه البيهقي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن كتابا جاء فيه: }…وَأَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إِسْلَامًا خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ فَدَانَ دِينَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ يَهُودِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْتَنُ عَنْهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالِمٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ، أَوْ عَرْضُهُ مِنَ الثِّيَابِ{[71].

ويدل على هذا أن الكثير من اليهود والنصارى قد حافظوا على دينهم، واستمروا عليه في المجتمع الإسلامي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكرههم على الدخول في الإسلام، وخاصة اليهود الذين عاشوا بالمدينة جنبا إلى جنب مع المسلمين في عهد الرسالة، حيث عقد معهم النبي صلى الله عليه وسلم عهدا يعد أفضل وثيقة للتعايش السلمي والتسامح الديني في التاريخ، ألا وهي صحيفة المدينة التي أقرت اليهود على دينهم، واعترفت لهم بحقوق المواطنة الكاملة والأمن والأمان، وفرضت لهم حقوقا وعليهم واجبات عن طريق التعاقد والتعهد وليس من جانب واحد، ومما جاء في هذه الصحيفة: «وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم». «وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم». «وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم، وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم»[72].

يقول المستشرق الروماني كونستانس جيورجيو في شأن هذه الصحيفة وما تتضمنه من حقوق المواطنة في ظل الاختلاف في الدين: «حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بندا… خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان. وقد دُون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء. وضع هذا الدستور في السنة الأولى للهجرة، أي: عام 623م. ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده»[73].

وقد ذكر القرآن الكريم أن من مقاصد جهاد الدفع الحفاظ على دور العبادة سواء كانت للمسلمين أو لغيرهم من المخالفين في الدين، بل قدم هذه الدُّور على المساجد في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[74].

قال الطاهر بن عاشور: «والمعنى: لولا دفاع الناس عن مواضع عبادة المسلمين لانتصر المشركون ولتجاوزوا فيه المسلمين إلى الاعتداء على ما يجاور بلادهم من أهل الملل الأخرى المناوئة لملة الشرك ولهدموا معابدهم من صوامع، وبيع، وصلوات، ومساجد، يذكر فيها اسم الله كثيرا، قصدا منهم لمحو دعوة التوحيد ومحقا للأديان المخالفة للشرك. فذكر الصوامع، والبيع، إدماج لينتبهوا إلى تأييد المسلمين»[75].

كل ما تقدم من أسس ومبادئ عقدية يؤكد بجلاء أن التسامح الديني يجد أصوله في العقيدة الإسلامية، انطلاقا من أن الاختلاف في الدين وعدم الإجماع على الإيمان أمر أراده الله، وأن كل إنسان مسؤول عن أفعاله يحاسب عليها بين يدي خالقه، فلا يسأل أحد عن كفر غيره، بدليل أن الرسل عليهم السلام كانت مهمتهم البلاغ وليس الهداية، وأن الإسلام أقر أهل الأديان على أديانهم، ولم يجز إجبار أحد على اعتناقه.

المبحث الثاني: التجليات العملية للتسامح الديني في المنظور الإسلامي

بعد عرض أهم الأسس العقدية المؤسسة لقيم التسامح الديني في الإسلام، أنتقل إلى انعكاسات هذه الأسس وتجلياتها على المستوى العملي من خلال بعض الأحكام العملية والوقائع التاريخية في حياة أمتنا الإسلامية مركزا في ذلك على مبادئ ضرورة العيش المشترك والاندماج المجتمعي (أولا) ومشروعية المعاملات المدنية والمالية (ثانيا) ومقتضيات العلاقات الأسرية (ثالثا) والمواطنة والبيعة الشرعية (رابعا) وواجب الإحسان والقيم الأخلاقية (خامسا).

أولا: ضرورة العيش المشترك والاندماج المجتمعي

لقد جرت سنة الله في خلقه، ومقتضى قضائه وقدره، أن يتسع هذا الكون للمؤمنين وغير المؤمنين من خلقه، حتى إن غير المؤمنين هم أكثر الناس في هذا الكون بشهادة كتابه، في قوله تعالى: ﴿وَما أَكْثَرَ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾[76]، واختلاف الناس في الدين والمعتقد قد يكون داخل الدولة أو القبيلة، أو العشيرة أو الأسرة النووية الصغيرة، مما يقتضي ضرورة كونية وواقعية للعيش المشترك في نفس المكان والزمان، رغم الاختلاف في الدين، عملا بالمبادئ الشرعية التي نص عليها القرآن الكريم في قوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾[77]، وقوله: ﴿لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ﴾[78]، ولما تتضمنه السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي من شواهد على ضرورة العيش المشترك داخل الدولة الإسلامية.

فهذا سيد الخلق ورسول الحق صلى الله عليه وسلم عاش في بداية الإسلام بين المشركين في مكة يدعوهم إلى الإسلام ولم يهجرهم أو يطلب ممن أسلم من أصحابه أن يهجر المشركين أو يهاجر بلادهم، ولم يطلب من المشركين أن يخرجوا من بلادهم ليفصل بين المسلمين وغير المسلمين، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا يعيشون مع المشركين ويتعاملون معهم معاملة تتجاوز المعيار العقدي إلى المعيار الإنساني والكوني، كما يدل على ذلك ثناؤه صلى الله عليه وسلم على حلف الفضول الذي عقده المشركون بمكة، والذي يحمل قيما إنسانية من قبيل العدل والنصرة ورد المظالم، حتى قال صلى الله عليه وسلم في شأنه: }لَقَدْ شهدتُ فِي دَارِ

عبدِ اللهِ بنِ جُدْعان حِلْفًا، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْر النَّعَم، وَلَوْ أدعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لأجبتُ {[79].

وقد جاء هذا الحلف الذي حضره الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بعشرين سنة بعد حروب طاحنة بين قريش في الجزيرة العربية، آخرها حرب الفجار التي قامت «بين قريش ومن معهم من كنانة، وبين قيس عيلان، وسميت بحرب الفجار لانتهاك حرمات الحرم والأشهر الحرم فيها، وعلى إثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذي القعدة في شهر حرام، تداعت إليه قبائل من قريش: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان التيمي لسنه وشرفه، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وشهد هذا الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال في شأنه بعد أن أكرمه الله بالرسالة: }لَقَدْ شهدتُ فِي دَارِ عبدِ اللهِ بنِ جُدْعان حِلْفًا، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْر النَّعَم، وَلَوْ أدعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لأجبتُ{[80].

وهذا يدل على استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم للتعايش والتعاون مع المشركين في كل عمل إنساني يحقق العدل، وينشر قيم التسامح والتعايش المشترك بغض النظر عن الدين والمعتقد.

وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عاش بين المشركين وتعايش معهم فمن باب أولى التعايش مع أهل الكتاب الذين يشتركون مع المسلمين في أصول العقيدة والتوحيد والإيمان بالله ربا وإلها، ومن المعلوم أن هذه الأديان تجمع على وجود المقاصد الضرورية التي هي أساس العيش المشترك، قال الغزالي بعد ذكره الضروريات الخمسة: « وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة والزجر عنها يستحيل أن لا تشتمل عليه ملة من الملل، وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق»[81]، ولذلك عاش الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته بين المشركين في مكة ردحا من الزمن، وضاقت بهم السبل فيها، وضيق عليهم المشركون الخناق، أمر صحابته تحت الضرورة الملحة بالهجرة إلى الحبشة، وهو مجتمع نصراني، عند حاكم نصراني؛ لينصفهم ويحميهم من الأذى الذي كانوا يتعرضون له، وهذا يدل على التسامح والتعايش الذي جاء به الإسلام مع غير المسلمين ممن يعتنقون الأديان السماوية، وأن المسلمين هم الذين كانوا يتعرضون للتهجير والتنكيل، ويجبرون على ترك الإسلام والتخلي عن الدين الذي آمنوا به واختاروه عقيدة لهم وليس العكس، وهو ما تلخصه كلمة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أمام ملك الحبشة التي يقول فيها:

«أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأصَْنَامَ، ونأكلُ الميتةَ، وَنَأْتِي الفواحشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ. وَنُسِيءُ الْجِوَارَ وَيَأْكُلُ القويُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وصِدقَه وَأَمَانَتَهُ وعفافَه، فَدَعَانَا إلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ ما كُنا نعبد نحن وآباؤنا مِنْ الحجارةِ والأوثانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأمََانَةِ، وصلةِ الرَّحمِ وحسنِ الْجِوَارِ، والكفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ… فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللَّهِ، فَعَبَدْنَا اللهَ وحدَه، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وحرَّمنا مَا حرَّم عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قومُنا، فَعَذَّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا، لِيَرُدُّونَا إلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وأن نَسْتَحِلَّ مِنْ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إلَى بِلَادِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ؛ وَرَغِبْنَا فِي جوارِك، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ…»[82].

وتثبت لنا وقائع السيرة النبوية أن المسلمين قد تعرضوا في مكة لحصار المشركين ومقاطعتهم وإذايتهم ورفض معاملتهم، ومع ذلك صبروا وهاجروا هجرة مؤقتة للطائف، ثم هاجر صلى الله عليه وسلم هو وصحابته إلى المدينة بعد اشتداد الأذى وعزم المشركين على قتله وهو يقول لمكة:} مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ {[83].

ولما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى يثرب، وجدها تجمع خليطا من السكان مختلفي العقائد والملل، فتعايش معهم رغم اختلافهم في الدين، حتى ارتقى هذا التعايش بين المسلمين وغير المسلمين في المدينة إلى تدوين قواعده وإرساء أسسه في وثيقة للتعايش المشترك عرفت بصحيفة المدينة، حيث تضمنت العديد من الفصول التي تحدد لكل فئات مجتمع المدينة حقوقه وواجباته بغض النظر عن دينه ومعتقداته، وقد اعتبرت هذه الوثيقة أول دستور في التاريخ الإنساني، حتى عدها الكثير من الباحثين النواة الأولى لما يسمى اليوم بالدولة المدنية القائمة على المواطنة والتي تتسع لمختلف الأديان والملل والنحل على أساس المواطنة والانتماء للوطن رغم الاختلاف في الدين أو العرق[84].

وهذا الوضع من التعايش بين المسلمين وغير المسمين لم يقتصر على عصر الرسالة، بل ساد مختلف أطوار التاريخ الإسلامي بداية من عصر الخلفاء وفي عهد عمر بن الخطاب على الخصوص وإلى يومنا هذا.

ورغم ما قد اعترى مختلف هذه الأطوار من بعض التجاوزات فإن الأقليات الدينية عاشت في المجتمع الإسلامي في أمن وأمان، معصومة الدماء والأموال، تتمتع بحقها في المواطنة، وبحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما في ذلك تولي العديد من مناصب المسؤولية والمناصب السياسية[85]، فضلا عن حقها في الخصوصية العقدية وممارسة شعائرها الدينية.

ثانيا: مشروعية المعاملات المدنية والمالية

إن التعايش بين المسلمين وغير المسلمين يقتضي الاندماج بينهم في الحياة اليومية والمعاملات المدنية، وأن يتمتعوا في المجتمع الإسلامي بالحماية الشرعية لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فعن الحسن قال «مَنْ سَرَقَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ أَخَذَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قُطِعَ»[86]، وعن هشام بن عروة، أن ابن أبيرق الظفري، كان سرق درعا من يهودي، فأخذه اليهودي بها، فرمى به غيره، فأغضبهم ذلك فقالوا: أراد أن يعير أحسابنا، فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقوم بعذره، فلما رجعوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الله على رسوله فأخبره خبره: ﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾[87]…»[88]

فقد شرع الإسلام التعامل بين المسلم وغير المسلم بالمعاملات المدنية والمالية، من بيع وشراء وأخذ وعطاء وكراء وقرض ورهن وقضاء واقتضاء وغير ذلك، والعدل معهم وإنصافهم في كل هذه المعاملات، ويدل على ذلك العديد من نصوص القرآن والسنة منها:

  • قوله تعالى:﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[89].
  • فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين كانوا يتعاملون مع غير المسلمين في مختلف شؤون حياتهم اليومية، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:

} اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، فَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا{[90].

والملاحظ أن الأمر لم يقتصر على البيع والشراء الذي هو من المعاملات العوضية القائمة على المشاحة والمكايسة، بل تعدى ذلك إلى تأجيل أداء الثمن الذي هو من باب المعروف والفضل والمكارمة، والتودد والتلطف وحسن والمعاملة، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت:} تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ {[91].

وأخرج عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم،} أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَطْلُبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَقٍّ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَقَالَ: فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَهُودِيٍّ لِلتَّسْلِيفِ مِنْهُ، فَأَبَى أَنْ يُسَلِّفَهُ إِلَّا بِرَهْنٍ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِدِرْعِهِ، وَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَمِينٌ فِي الْأَرْضِ، أَمِينٌ فِي السَّمَاءِ {[92].

وفي النوازل الفقهية نجد في مسائل أبي الوليد أن ابن رشد الجد أفتى بجواز التعامل بين المسلم والذمي، حيث أجاب عن سؤال حول بيع أصول الكروم من النصارى، هل يجوز ذلك وهم يعصرون تمرها خمرا أم لا؟ وكيف إن لم يجز ذلك ووقع البيع، هل يفسخ أو لا؟ فأجاب رحمه الله: «ذلك مكروه ولا يبلغ به التحريم فيفسخ»[93].

وكان صلى الله عليه وسلم يقبل هدايا مخالفيه من غير المسلمين فقبل هدية زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام ابن مشكم[94] في خيبر حيث أهدت له شاة مشوية قد وضعت فيها السم»[95].

وقد قرر الفقهاء قبول الهدايا من الكفار بجميع أصنافهم حتى أهل الحرب قال في المغني: «ويجوز قبول هدية الكفار من أهل الحرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية المقوقس صاحب مصر»[96].

وسئل القاضي أبو عبد الله بن الأزرق عن اليهود يصنعون رغائف في عيد لهم، يسمونه عيد الفطر، ويهدونها إلى بعض جيرانهم من المسلمين، فهل يجوز قبولها منهم وأكلها أو لا؟ فأجاب: «قبول هدية الكافر منهي عنه على الإطلاق نهي كراهة»[97].

ويستفاد من الجوابين جواز التعامل مع أهل الكتاب؛ لأن الكراهة المقصودة ليست كراهة تحريم، وإنما كراهة تنزيه من أجل الاحتياط والحذر من إعانتهم على الحرام ونشر المحرمات بين المسلمين.

وكما يجوز قبول عطايا غير المسلمين، يجوز التبرع عليهم لما في ذلك من البرور الذي تشير إليه الآية السالفة الذكر، وقد نص الفقهاء على جواز الوصية للكافر المعين؛ لقوله تعالى: ﴿…إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً﴾[98] فقد ذكر الكثير من المفسرين أن المراد بالمعروف في الآية وصية المسلم لليهودي.

وظاهر كلام الحنابلة والشافعية أنه يجوز أن يوصي للكافر المعين ولو كان حربياً، جاء في الحاوي الكبير في فقه الشافعية: «وأما الوصية للكافر فجائزة، ذميا كان أو حربيا»[99]

وفي المذهب أقوال بالجواز مطلقا والكراهة، والتفصيل، قال ابن رشد: «قال ابن القاسم: وكره مالك الوصية لليهود والنصارى، قال سحنون: قال ابن القاسم: وكان قبل ذلك يجيزه ولست أرى به بأسا إذا كان ذلك على وجه الصلة مثلَ أن يكون أبوه نصرانيا أو يهوديا أو أخوه أو أخته فيصلهم على وجه صلة الرحم فلا أرى به بأسا وأراه حسنا، وأما بغير هذا فلا، وفي رواية عيسى بن دينار وسئل ابن القاسم عن هذا، فقال: لا أرى به بأسا لمثل أمه وأبيه وإخوته وما أشبه ذلك القرابة..

ورواية ابن وهب عنه أن الوصية للكافر جائزة، واحتج بالحُلّةِ التي كساها عمَرُ أخا له مشركا بمكة، وهو الذي ذهب إليه ابن القاسم في رواية عيسى عنه»[100].

كل ما تقدم يدل على أن اختلاف المسلمين مع غيرهم في الدين ليس موجبا في حد ذاته للقطيعة والعداوة، لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[101].

ثالثا: مقتضيات العلاقات الأسرية

من تجليات التعايش والتسامح بين المسلمين وغير المسلمين، أن الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج بالكتابية يهودية كانت أو نصرانية شريطة أن تكون محصنة عفيفة، قال تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾[102].

وأكثر أهل العلم على أن هذا الحكم خاص بالذمية دون الحربية، غير أن هناك من يرى جواز الزواج بالكتابية حتى ولو كانت حربية، ومن هؤلاء سعيد بن المسيب والحسن البصري، قال الرازي: «قال سعيد بن المسيب والحسن: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب يدخل فيه الذميات والحربيات، فيجوز التزوج بكلهن»[103].

ومشروعية الزواج بالكتابيات تدل على مستوى التعايش والتسامح بين المسلمين

وغير المسلمين، لما يترتب عن هذه العلاقة الزوجية من آثار وحقوق وواجبات، ومعاشرة زوجية ونفقة وتساكن وتعاون ومودة ورحمة بين الزوج وزوجته، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[104]، والآية عامة في كل الزوجات، مسلمات كانت أو كتابيات.

كما يتجلى من خلال ما ينشأ عن الزواج من أبناء تربطهم بأمهم علاقة الأمومة، وبأخوتهم علاقة الأخوة وبأقاربهم علاقة القرابة، وما يلزم على ذلك من حضانة ومصاحبة وولاية وصلة وبرور بين الأقارب بغض النظر عن دينهم، ومن ذلك ما يجب للوالدين، على الأبناء ومنها ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[105]، قال ابن كثير: «فأمر بالإحسان إليهما، وإن كانا مشركين»[106].

وعن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه، قال: «قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ أَسْعَدَ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حَسَلٍ، عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ بِهَدَايَا، ضِبَابٍ، وَقِرظٍ، وَسَمْنٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا، وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾[107] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا»[108].

وعن هشام بن عروة، أخبرني أبي، أخبرتني أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما قالت:} أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً، فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَل َمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾{[109].

قال ابن بطال: «صلة الوالدين المشركين واجبة بكتاب الله تصديقًا لحديث أسماء، وذلك قوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، فأمر ببرهما ومصاحبتهما بالمعروف وإن كانا مشركين»أ[110].

وروى البخاري عن عبد الله بن دينار، قال:} سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ حُلَّةَ سِيَرَاءَ تُبَاعُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ وَالبَسْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَإِذَا جَاءَكَ الوُفُودُ. قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ» فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: }إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا» فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ{[111].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: }زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ{[112] وبكاؤه صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمه ناتج عن حبه وميوله الجبلي الفطري الذي لا يُؤاخذ عليه الإنسان.

رابعا: مقتضيات المواطنة والبيعة الشرعية

من تجليات التسامح في علاقة المواطنين غير المسلمين مع الدولة الإسلامية أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين في الجملة. ويذكر الفقهاء أن غير المسلمين في البلاد الإسلامية ثلاثة أصناف:

  1. أهل الذمة: وهم غير المسلمين الذين اختاروا الاستقرار والسكن بالبلاد الإسلامية وأصبحوا جزءا من نسيج المجتمع المسلم تحت ذمة وأمان ولي أمر المسلمين على أساس قواعد المواطنة بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، ومن ذلك المساهمة في نفقات الدولة التي تحميهم وتوفر لهم الخدمات الاجتماعية والمرافق العمومية وسبل العيش الكريم مثلهم مثل المسلمين، وهذه المساهمة هي ما يصطلح عليه بالجزية.

وبالإضافة إلى الحقوق الاجتماعية يتمتعون بحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية، إذ «لهم أن يقيموا شعائر دينهم في كنائسهم ومعابدهم وأن يتبعوا أحكام دينهم في معاملاتهم وأحوالهم الشخصية، وجميع العهود التي كانت تعطاهم يؤمنون فيها على أنفسهم وأموالهم ويقرون فيها على عقائدهم وشعائرهم الدينية، وفي عهد عمر لأهل إيليا ما نصه «أعطاهم الأمان لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسائر ملتهم، لا تسكن كنائسهم ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صلبهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم»[113]، وفي مقابل هذه الحقوق كانوا يلتزمون بمجموعة من الشروط أهمها ما أشار إليه الماوردي بقوله: «ويشترط عليهم في عقد الجزية شرطان:

مستحق ومستحب، أما المستحق فستة شروط:

أحدها: أن لا يذكروا كتاب الله تعالى بطعن فيه ولا تحريف له.

والثاني: أن لا يذكروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتكذيب له ولا ازدراء.

والثالث: أن لا يذكروا دين الإسلام بذم له ولا قدح فيه.

والرابع: أن لا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح.

والخامس: أن لا يفتنوا مسلما عن دينه، ولا يتعرضوا لماله ولا دينه.

والسادس: أن لا يعينوا أهل الحرب ولا يودوا أغنياءهم.

فهذه الستة حقوق ملتزمة فتلزمهم بغير شرط، وإنما تشترط إشعارا لهم وتأكيدا؛ لتغليظ العهد عليهم، ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم»[114].

  1. المعاهدون: وهم غير المسلمين الذين بينهم وبين المسلمين عهود كما كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش لفترة معينة، قال ابن منظور: «المعاهد من كان بينك وبينه عهد، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما»، وقال أبو حيان:

«المعاهدون الذين لهم مع المسلمين عهد إلى مدة»[115]. فالمعاهدون هم الذين عاهدهم المسلمون أو ولي أمر المسلمين بأن لا يتعرض لهم أحد في بلاد الإسلام مدة وجودهم بها، فهم معصومو الدم والمال، لا يجوز لأحد الاعتداء عليهم في أنفسهم ولا في أموالهم ولا في أي حق من حقوقهم؛ لحديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:} مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ {[116]. وقوله صلى الله عليه وسلمَ: }مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرحِ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَامًا{[117].

  1. المستأمنون: وهم الأشخاص الذين ينتمون إلى دولة من الدول التي بينها وبين المسلمين حروب، فيدخلون البلاد الإسلامية لغرض من الأغراض بأمان دون نية الاستيطان فيها باستمرار، وقد يدخل في هذا السائحون والعاملون عملا مؤقتا، وأما إذا طالت المدة بأن تجاوزت السنة فإنهم ينتقلون من صفة المستأمن إلى صفة الذمي، فتجري عليهم أحكام أهل الذمة. ويدخل في عقد الأمن تأشيرة الدخول التي تمنحها الدولة للأجانب لدخول البلاد، والأصل في هذا قوله تعالى:

﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾[118].

والمستأمن يتمتع بالحق في الأمان والحماية في ماله ونفسه وعرضه، ما دام مستأمنا في دار الإسلام، ولا يجوز الاعتداء عليه ولا غدره أو نقض أمانه، وقد حذر الإسلام أتباعه من غدره وخيانته، كما شدد الإسلام على وجوب حمايته في نفسه وماله وعرضه، ومنع أي اعتداء على أي حق من حقوقه، لقوله صلى الله عليه وسلم أنه قال: }إِذَا أَمَّنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا{[119]. وقوله صلى الله عليه وسلم:} مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ لِوَاءَ غَدِرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{[120]، وقوله: }لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ{[121].

وعلى المستوى العملي نجد المدينة المنورة وهي مهد الدولة الإسلامية في عهد النبوة عاش فيها اليهود بعهد مع المسلمين، وكان صلى الله عليه وسلم غاية في الحلم معهم والسماحة في معاملتهم.

وشهد عهد الخلفاء الراشدين صورا من سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين من إعانتهم بالمال أو النفس عند الحاجة، ومن كفالة العاجز منهم عن العمل أو كبير السن، وغير ذلك.

ففي خلافة أبي بكر رضى الله عنه كتب خالد بن الوليد رضى الله عنه في عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق- وكانوا من النصارى -: «وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيا فافتقر، وصار أهل دينه يتصدق ونعليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله»، ونفس المعاملة سلكها الخليفة من بعده عمر رضي الله عنه الذي «أوصى بأهل الذمة أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم»، ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى منزله، فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾[122] والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه[123].

وعن مجاهد قال: كنت عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وغلامه يسلخ شاة فقال: }يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى خشينا أو روينا أنه سيورثه{[124]. وفي خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إلى عدي بن أرطأة: وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه.

وهذا لون من السماحة في المعاملة والعدل الذي لا يعرف له وجود إلا في الإسلام؛ لأنه قائم على احترام الإنسانية ومعرفة حقوقها[125].

وفي الوقت الحاضر ورغم ما يظهر هنا وهناك من مظاهر التطرف والتشدد والتمييز على أسس دينية عند بعض من ينسبون إلى الدين الإسلامي الحنيف، فإن طوائف عديدة من النصارى واليهود وغيرهم يعيشون في بلاد الشام ومصر وبلاد المغرب العربي واستمرارهم فيها منذ قرون شاهد على سماحة الإسلام، وهذا ما جعل المستشرق الإنجليزي توماس آرنولد يقول: «إن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح»[126]. ويقول أيضا: «لما كان المسيحيون يعيشون في مجتمعهم آمنين على حياتهم وممتلكاتهم ناعمين بمثل هذا التسامح الذي منحهم حرية التفكير الديني تمتعوا وخاصة في المدن بحالة من الرفاهية والرخاء في الأيام الأولى من الخلافة»[127]، وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: « العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها، سمح لهم جميعا دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى، أوليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فظائع الإسبان واضطهاد اليهود. إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا أنفسهم في شؤون تلك الشعوب الداخلية. فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة وهم لا يستخدمون معنا أي عنف»[128].

خامسا: واجب الإحسان والتخلق

إن كل ما تقدم يبين أن العلاقة بين المسلم وغيره قائمة على التخلق بالخلق الكريم، والمعاملة الحسنة، كما تدل على ذلك النصوص الشرعية ووقائع السيرة النبوية ومن ذلك:

  • قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾[129] حمل الجمهور هذا الأمر على أنه من العام الذي أريد به الخصوص، أي أنه خاص بالمسلمين، لكن بعض المفسرين لا يرون تخصيصه بالمسلمين أخذا بعموم اللفظ، إذ الأصل حمل العام على عمومه، ولفظ الناس شامل للمسلم وغير المسلم، قال الرازي عند قوله تعالى: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾: «وزعم أبو جعفر محمد بن علي الباقر أن هذا العموم باق على ظاهره، وأنه لا حاجة إلى التخصيص، وهذا هو الأقوى، والدليل عليه أن موسى وهارون مع جلال منصبهما أمرا بالرفق واللين مع فرعون، وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم مأمور بالرفق وترك الغلظة، وكذلك قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾[130]، وقال تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[131] وقوله: ﴿وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾[132] وقوله: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ﴾[133]».

[134]– قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[135] وهذه الآية عامة للمؤمنين وغير المؤمنين، قال الطنطاوي في معنى الآية: «والمعنى: قل أيها الرسول الكريم لعبادي المؤمنين، أن يقولوا عند محاورتهم لغيرهم، الكلمة التي هي أحسن، والعبارة التي هي أرق وألطف؛ وذلك لأن الكلمة الطيبة، تزيد في المودة التي بين المؤمنين، وتكسر حدة العداوة التي بينهم وبين أعدائهم»[136]، وقال الطاهر بن عاشور في مقصد الآية: «والمقصد الأهم من هذا التأديب تأديب الأمة في معاملة بعضهم بعضا بحسن المعاملة وإلانة القول، لأن القول ينم عن المقاصد، بقرينة قوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾[137]، ثم تأديبهم في مجادلة المشركين اجتنابا لما تثيره المشادة والغلظة من ازدياد مكابرة المشركين وتصلبهم، فذلك من نزع الشيطان بينهم وبين عدوهم، قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[138]. والمسلمون في مكة يومئذ طائفة قليلة وقد صرف الله عنهم ضر أعدائهم بتصاريف من لطفه ليكونوا آمنين، فأمرهم أن لا يكونوا سببا في إفساد تلك الحالة»[139].

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «لو قال لي فرعون: بارك الله فيك، قلت: وفيك، وفرعون قد مات»[140].

  • قال تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[141] وقوله: ﴿وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾[142] « ذلك أن العقيدة الإسلامية منعت على المسلم أن يسب آلهة المشركين احتراما لشعورهم، ودعما للتسامح والتعايش رغم الاختلاف العقدي، قال تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[143]. قال فخر الدين الرازي: « الصحابة متى شتموا الأصنام فهم كانوا يشتمون الرسول عليه الصلاة والسلام، فالله تعالى أجرى شتم الرسول مجرى شتم الله تعالى»[144].

قال الطاهر بن عاشور: «على أن سب آلهتهم لما كان يحمي غيظهم ويزيد تصلبهم قد عاد منافيا لمراد الله من الدعوة، فقد قال لرسوله -عليه الصلاة والسلام- ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[145]، وقال لموسى وهارون- عليهما السلام- ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾[146]، فصار السب عائقا من المقصود من البعثة، فتمحض هذا السب للمفسدة ولم يكن مشوبا بمصلحة. وليس هذا مثل تغيير المنكر إذا خيف إفضاؤه إلى مفسدة؛ لأن تغيير المنكر مصلحة بالذات وإفضاؤه إلى المفسدة بالعرض. وذلك مجال تتردد فيه أنظار العلماء المجتهدين بحسب الموازنة بين المصالح والمفاسد قوة وضعفا، وتحققا واحتمالا»[147]. وقد علل القرطبي رحمه الله النهي عن سب آلهتهم بقوله: «نهى سبحانه المؤمنين أن يسبوا أوثانهم، لأنه علم إذا سبوها نفر الكفار وازدادوا كفرا. قال ابن عباس: قالت كفار قريش لأبي طالب: إما أن تنهى محمدا وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها، وإما أن نسب إلهه ونهجوه، فنزلت الآية. قال العلماء: حكمها باق في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة، وخيف أن يسب الإسلام أو النبي عليه السلام أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك، لأنه بمنزلة البعث على المعصية»[148].

ومن المعاملة الحسنة عيادة مريضهم، فقد روي عن أنسٍ بن مالك: }أَنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَضَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءَهُ وَيُنَاوِْلُهُ نَعْلَيْهِ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَأَبُوهُ قَاعِدٌ عِنْدَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا فُلَانُ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ فَسَكَتَ أَبُوهُ فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ الْغُلَامُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِي مِنَ النَّارِ»[149].

كما أن من المعاملة الحسنة الدعاء لهم؛ لما رواه البخاري في الأدب المفردَ عن أبي موسى قال: }كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاءَ أنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَكَانَ يَقُولُ: «يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ»[150].

وروى البخاري عن أبي الزناد، أن عبد الرحمن، قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه:

}قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ وَأَصْحَابُهُ، عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، قَالَ: }اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ{[151].

خاتمـة

وهكذا ومن خلال ما سبق نخلص إلى:

  • أن التسامح الديني والتعايش المشترك بين الناس بغض النظر عن معتقداتهم يجد أسسه في العقيدة الإسلامية السمحة.
  • أن من أصول العقيدة الإسلامية الاعتقاد بأن الاختلاف في الدين أمر أراده الله تعالى، وأن العباد يمتلكون الاختيار الكسبي، ويتحملون مسؤوليتهم الشخصية عن أفعالهم، ولا أحد مسؤول عن الاختيارات العقيدية لغيره. حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام إنما أمروا بالبلاغ دون الهداية، وبالتالي لا يجوز إكراه أحد على الدين ولذلك نجد الإسلام أقر أهل الأديان على أديانهم، ومكنهم من ممارسة شعائرهم الدينية في البلاد الإسلامية دون نكير.
  • أن من التجليات العملية للتسامح الديني في الإسلام ما تزخر به الأحكام الشرعية والوقائع التاريخية في حياة أمتنا الإسلامية من مبادئ العيش المشترك والاندماج المجتمعي، ومن ذلك مشروعية المعاملات المدنية والمالية بين المسلمين وغيرهم، وكذا مشروعية العلاقات الأسرية بينهم، وما يترتب عنها من آثار الزوجية والأمومة والقرابة وصلة الأرحام، ثم ما يترتب عن رابطة المواطنة والبيعة الشرعية بين المواطنين غير المسلمين وولي الأمر الذي يدير شؤون المواطنين الدينية والدنيوية بمختلف أديانهم، بالإضافة إلى واجب الإحسان إليهم والتحلي بالأخلاق الحسنة السمحة مع الناس جميعا، وهي التي كانت السبب في إسلام الكثيرين في التاريخ الإسلامي.
  • وبناء على كل ما سبق ندرك أن الكثير من خطاب الكراهية الذي نجد له أثرا في تاريخنا، ونجد بعض الناس يروجونه في وقتنا ليس له أساس عقدي، ولا سند شرعي، وإنما الكثير منه تم إخراجه عن ظروفه وسياقه التاريخي، ونحن نعلم أن الأحكام الشرعية تراعي الزمان والمكان والحال، ولا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان والأحوال.
  • أن من شأن تبني خطاب الكراهية والترويج له أن يسهم في انحباس الإسلام، والإساءة إلى صورته في المجتمعات غير المسلمة، كما أنه يستغل من بعض الجهات للطعن في الإسلام وتعبئة الرأي العام الغربي وتوحيده ضد الإسلام والمسلمين.
  • أن الميل عن التسامح الديني إلى خطاب الكراهية أسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في ارتماء الكثير من شباب المسلمين عن جهل منهم في أحضان الإرهاب الذي يترجم هذا الخطاب إلى عنف همجي في صور مقززة لا يقبلها الشرع الحكيم ولا العقل السليم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

الهوامش

[1] القرآن الكريم، سورة الإسراء، 70.

[2]  القرآن الكريم، سورة التغابن، الآية: 2.

[3] القرآن الكريم، سورة يونس، الآية: 99.

[4] القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية: 48.

[5] محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن (مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 2000)، ج. 10، ص: 389.

[6] القرآن الكريم، سورة الأنعام  : 35.

[7] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية: 35.

[8] – فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، 1420)، ج. 12،ص: 521.

[9] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية: 25.

[10] القرآن الكريم، سورة هود، الآية: 118.

[11] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية: 149.

[12] -محمد الطاهر بن عاشور، تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد (تونس: الدار التونسية للنشر، 1984)، ج. 7، ص:206.

[13] القرآن الكريم، سورة يونس، الآية: 99.

[14] أبو محمد علي بن أحمد بن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل (القاهرة: مكتبة الخانجي، 2010)، ج. 3،ص: 82.

[15] القرآن الكريم، سورة السجدة، الآية 13.

[16] – أحمد بن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 2002)، ج. 4،ص:

[17] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية: 107.

[18] الرازي، مفاتيح الغيب، ج. 13، ص: 108.

[19] – شهاب الدين زروق، شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 2006 )، ج1،ص:

[20] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية107.

[21] القرآن الكريم، سورة السجدة، الآية: 13.

[22] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية 35.

[23] القرآن الكريم، سورة الصافات، الآية 106.

[24]محمد الأمين الشنقيطي، مذكرة في أصول الفقه (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الخامسة، 2001)، ج. 1، ص: 229.

[25] القرآن الكريم، سورة يونس، الآية 25.

[26] – ناصر الدين البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1418 هـ)، ج. 3، ص:110.

[27] البيضاوي، أنوار التنزيل، ج. 3، ص: 152.

[28] – قال ابن عجيبة في تفسيره: «واعلم أن الحق- جلّ جلاله- جعل لكل عصر تربية مخصوصة بحسب ما يناسب ذلك العصر، كما جعل لكل أمة شرعة ومنهاجًا بحسب الحكمة، فمن سلك بالمريدين تربية واحدة، وأراد أن يسيرهم على تربية المتقدمين، فهو جاهل بسلوك الطريق، فلو كان السلوك على نمط واحد ما جدد الله الرسل بتجديد الأزمنة والأعصار، فكل نبي وولي يبعثه الله تعالى بخرق عوائد زمانه، وهي مختلفة جدا، فتارة يغلب على الناس التحاسد والتباغض، فيبعث بإصلاح ذات البين والتآلف والتودد، وتارة يغلب حب الرياسة والجاه، فيربى بالخمول وإسقاط المنزلة، وتارة يغلب حب الدنيا وجمعها، فيربى بالزهد فيها، والتجريد والانقطاع إلى الله. »(ابن عجيبة، البحر المديد، ج. 2،ص: 47).

[29] القرآن الكريم، سورة النحل، الآية: 125.

[30] القرآن الكريم، سورة الشورى، الآية: 48.

[31] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية: 56.

[32] – زروق، شرح الرسالة، ج. 1، ص:56

[33] القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية: 16.

[34] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية: 286.

[35] محمد عليش، الفتوحات الإلهية الوهبية شرح منظومة إضاءة الدجنة، في اعتقاد أهل السنة (بيروت: دار الكتب العلمية، 1984) ص:119.

[36] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية: 102.

[37] القرآن الكريم، سورة الحج، الآية: 77.

[38] القرآن الكريم، سورة الصافات، الآية: 96.

[39] القرآن الكريم، سورة الأنفال، الآية: 17.

[40] – زروق، شرح الرسالة، ج. 1،ص: 57.

[41] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية: 286.

[42] – محمد ميارة المالكي، الدر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين (القاهرة: دار الحديث،

[43] القرآن الكريم، سورة النجم، الآيات: 38 – 41.

[44] القرآن الكريم، سورة المدثر، الآية: 38.

[45] القرآن الكريم، سورة الزلزلة، الآيتان: 7 – 8.

[46] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية: 117.

[47] القرآن الكريم، سورة مريم، الآية: 95.

[48] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية 94.

[49]مسلم بن الحجاج النيسابوري، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(بيروت: دار إحياء التراث العربي)، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان رقم الحديث: 78.

[50] وأمْا قوله تعالى:﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثَْقَالِهِمْ﴾ ]سورة العنكبوت: 13[ وقوله تعالى:﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ألاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ ]سورة النحل: 25[ وغيرها من النصوص، فليس معناه أن أحدا سيحاسب في موضع أحد، أو يسأل عن أفعال غيره، بل الجميع سيحاسب على فعله فقط، فيحاسب المتبوع على تسببه وإضلاله، ويحاسب التابع على ضلاله. قال الرازي: « واعلم أنه ليس المراد منه أنه تعالَى يوَصل اْلعقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤساء، وذلك لأن هذا لا يليُق بعدل الله تعالى، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿وَأنْ ليْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ ]النجم: 39[، وقوله: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخْرى﴾ ]الإسراء: 15[ بل المعنى: أن الرئيس إذا وضع سنة قبيحة عظم عقابه، حتى إن ذلك العقاب يكون مساويا لكل ما يستحقه كل واحد من الأتباع. »(الرازي، مفاتيح الغيب، ج. 20، ص:197(.

[51] القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية: 99.

[52]  الرازي، مفاتيح الغيب، ج. 12، ص:442.

[53] ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج. 7، ص:61.

[54] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية: 56.

[55] جار الله الزمخشري، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة، 1407 هـ)، ج. 3،ص: 422.

[56] ابن عجيبة، البحر المديد، ج. 4، ص:262.

[57] القرآن الكريم، سورة سورة النمل، الآية: 92.

[58] القرآن الكريم، سورة الأحقاف، الآية: 9.

[59] ومن أضاف من أهل السنة العمل بالجوارح فهو يقصد تحقق الإيمان الكامل، بمعنى أن العمل بالجوارح هو من شروط الكمال، وأما أصل الإيمان فهو التصديق بالقلب والنطق باللسان للشهادتين، قال ابن رشد: «فقول مالك إن الإيمان لا يكون إلا بقول مع العمل، معناه مع عمل القلب وهو التصديق، لا مع عمل الأبدان على ما بيناه. فقول من قال من أهل السنة إن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، معناه أن هذا هو الإيمان الكامل الذي يكون العبد به مؤمنا في الظاهر والباطن؛ لأنه مؤمن عند الله في الباطن بما يعلمه من إخلاص قلبه، وهو مؤمن عندنا في الظاهر بما نسمعه من شهادته ونراه من صلاته؛ لأن ما نسمعه من شهادته ونراه من صلاته ليس بإيمان، وإنما هو دليل على الإيمان، فيحكم له بحكمه بما ظهر إلينا من قوله وفعله. »(أبو الوليد بن رشد، البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة (بيروت: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1988)، ج. 18،ص: 587.

[60] ميارة، الدر الثمين، ج. 1، ص: 30.

[61] بالإضافة إلى إقامة القرآن الكريم الحجج على الناس بالبراهين العقلية من خلال مقدمات منطقية منتجة في قضايا عقدية كثيرة كوجود الله ووحدانيته وقدرته على الخلق والبعث، بحيث لم يكتف بالخبر الإلهي الذي لا يشك المؤمن به في صدقه، نجده يأمر بالنظر والتْفكر في الآيات الكونية التي نصَبها الله سبحانَه دْليلا على وجوده وقدرته وْوحدانية، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَْدَبَّرُونَ القَرْآنَ] النِّسَاءِ: 82[ وقوله: ﴿أفَلا يَنْظَُرَُونَ إِلى الَإِبِلِْ كَيْفََْ خُلِقَتْ…﴾ ]الغَاشَِيَْةِ: 17[، وقوله:

﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وََفِي أنْفُسُِهِمْ﴾] فُصِّلَتْ: 53[، وقوله: ﴿أوَلمْ يَرَوْا أنَّا نَأتِي الأرَْضَ نَنْقُُصُها مِنْ أطرافِها﴾ ]الرَّعْدِ:

[62] القرآن الكريم، سورة البقرة الآية: 256.

[63] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية: 256.

[64] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية: 256.

[65] الطبري، جامع البيان، ج. 5، ص: 408.

[66] قال القرافي: « فالحق أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب خلافًا للمزني، وأبي ثور؛ فإنهما زعما أن خصوص السبب يكون مخصصًا لعموم اللفظ». ]شهاب الدين القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول (مكة المكرمة: مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة: الأولى، 1995) ج. 5،ص: 213[.

[67] ابن عاشور، التحرير والتنوير ج. 3،ص: 26.

[68] القرآن الكريم، سورة يونس، الآية: 99.

[69]القرآن الكريم، سورة النحل، الآية: 125.

[70] القرآن الكريم، سورة فصلت الآية: 34.

[71] – أبو بكر البيهقي، السنن الكبرى (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، 2003) كتاب الجزية، باب كم الجزية، رقم الحديث: 18674.

[72] – عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية (شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية،

[73] – – كونستانس، جورجيو، نظرة جديدة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعريب محمد التونجي (الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، 1983)،ص: 192.

[74] – القرآن الكريم، سورة الحج، الآية: 38.

[75] ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج. 17، ص:276.

[76] القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية: 103.

[77] القرآن الكريم، سورة الكافرون، الآية: 6.

[78] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية: 55.

[79] أبو بكر البيهقي، السنن الكبرى، كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب إعطاء الفىء على الديوان، ومن تقع به البداية، رقم الحديث: 13080.

[80] صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم في السيرة النبوية (طرابلس: دار الإيمان، الطبعة الرابعة، 2016)، ج. 1، ص: 50.

[81] أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1993) صفحة 174.

[82] ابن هشام، السيرة النبوية، ج. 1، 290.

[83]محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي (القاهرة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية،

[84] أكرم العمري، «أول دستور أعلنه الإسلام»، كلية الإمام الأعظم، ط1، (1972)، ص: 37.

[85] نص الماوردي وغيره على جواز تولي الذمي لوزارة التنفيذ في الدولة الإسلامية. أبو الحسن علي الماوردي، الأحكام السلطانية (الكويت: مكتبة دار ابن قتيبة، 1989)، ص: 59.

[86] أبو بكر بن أبي شيبة، المصنف في الأحاديث والآثار (مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409)، كتاب الحدود، باب ما جاء في المسلم يسرق من الذمي الخمر، يقطع أم لا؟، رقم الحديث: 28419.

[87] القرآن الكريم، سورة النساء، الآية: 107.

[88]عمر بن شبة النمري، تاريخ المدينة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت (جدة: طبع على نفقة حبيب محمود أحمد، ط 1، 1359 هـ، ج. 2، ص: 408.

[89] القرآن الكريم، سورة الممتحنة، الآية: 8.

[90] مسلم، الصحيح، كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر كالسفر، رقم الحديث: 124.

[91] أبو عبد الله البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه (دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422هـ)، كتاب البيوع، باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم، والقميص في الحرب، رقم الحديث: 2916.

[92] أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المصنف (بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1403)، كتاب البيوع، باب الرهن والكفيل في السلف، رقم الحديث: 14091.

[93] أبو الوليد بن رشد، مسائل أبي الوليد بن رشد (دار الجيل – دار الآفاق الجديدة، 1993)، ج. 2، ص: 144.

[94] سلام بن مشكم بن الحكم بن حارثة بن الخزرج أحد أفراد قبيلة بني النضير في عهد الرسالة، وكان زوجا لصفية بنت حيي.

[95] أبو القاسم الطبراني، معجم الطبراني الكبير (القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 2008)، باب الباء، ج. 2، ص: 35.

[96] ابن قدامة، المغني، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح الحلو (بيروت: دار عالم الكتب، 1997)، ج.

[97] أحمد بن يحيى الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى إفريقيا والأندلس والمغرب (طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية، 1981)، ج. 11، 111.

[98] القرآن الكريم، سورة الأحزاب، الآية: 6.

[99] أبو الحسن علي الماوردي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى،

[100]ابن رشد، البيان والتحصيل، ج. 12، ص:477.

[101] القرآن الكريم، سورة الممتحنة، الآية: 8.

[102]القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية: 5.

[103] الرازي، مفاتيح الغيب، ج. 11، ص:295.

[104] القرآن الكريم، سورة الروم، الآية: 21.

[105] القرآن الكريم، سورة العنكبوت، الآية: 8.

[106] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج. 3، ص:324.

[107] القرآن الكريم، سورة الممتحنة، الآية: 8.

[108] أبو عبد الله أحمد بن حنبل، المسند، تحقيق أحمد محمد شاكر (القاهرة: دار الحديث، الطبعة الأولى، 1995)، مستد المدنيين، عبد الله بن الزبير بن العوام، رقم الحديث: 16111.

[109] البخاري، الصحيح، كتاب الأدب، باب صلة الوالد المشرك، رقم الحديث: 5978.

[110] ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف، شرح صحيح البخاري (مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، الطبعة الثانية،

[111] البخاري، الصحيح، كتاب الأدب، باب صلة الأخ المشرك، رقم الحديث: ص: 886.

[112] مسلم، الصحيح، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، رقم الحديث:

[113] عبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية (دار القلم، 1988)، ج. 1، ص: 42.

[114] الماوردي، الأحكام السلطانية، ص:225.

[115] الرازي، مفاتيح الغيب، ج. 11، ص: 361.

[116] أبو داود سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون (دمشق: دار الرسالة العالمية للطباعة والنشر، 2009) كتاب الجهاد، باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته، رقم الحديث: 2760.

[117] البخاري الصحيح، كتاب الديات، بابإثم من قتل ذميا بغير جرم، رقم الحديث: 6914.

[118] القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية: 6.

[119]البيهقي، السنن الكبرى، كتاب السير، باب الأسير يؤمن فلا يكون له أن يغتالهم في أموالهم وأنفسهم، رقم الحديث:

[120]أبو عبد الرحمان النسائي، السنن الكبرى (بيروت: مؤسسة الرسالة، 2001) كتاب السير، باب فيمن أمن رجلا فقتله، رقم الحديث: 8686.

[121] محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (القاهرة: دار المعارف، 1998) ج. 6،ص: 209.

[122] القرآن الكريم، سورة التَّوْبَة، الآية: 60.

[123] أبو يوسف، الخراج (بيروت: دار المعرفة، 1979)،ص: 126.

[124]أبو عبد الله البخاري، الأدب المفرد (الرياض: مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، 1998)، باب قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾، رقم الحديث: 128.

[125] اللحيدان سماحة الإسلام، ص:36.

[126] توماس آرنولد، الدعوة إلى الإسلام (مكتبة النهضة، مصر، ط 3، 1970)، ص:81.

[127] توماس آرنولد، الدعوة إلى الإسلام، ص:81.

[128] زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي (بيروت: دار صادر، الطبعة العاشرة، 2000)،ص: 364.

[129] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية: 83.

[130] القرآن الكريم، سورة النحل، الآية: 125.

[131]  القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية: 108.

[132] القرآن الكريم، سورة الفرقان، الآية: 72.

[133] القرآن الكريم، سورة الأعراف، الآية: 199.

[134] الرازي، مفاتيح الغيب، ج. 3، ص: 589.

[135] القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية: 53.

[136] طنطاوي التفسير الوسيط، ج. 8، ص: 372.

[137] القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية: 53.

[138] القرآن الكريم، سورة فصلت، الآية: 34.

[139] ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج. 15، ص: 132.

[140] البخاري، الأدب المفرد، باب كيف يدعو للذمي، رقم الحديث: 1113.

[141] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية: 108.

[142] القرآن الكريم، سورة الفرقان، الآية: 72.

[143] القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية: 108.

[144] الرازي، مفاتيح الغيب، ج. 13، ص:109.

[145] القرآن الكريم، سورة النحل، الآية: 145.

[146] القرآن الكريم، سورة طه، الآية: 44.

[147] ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج. 7، 430.

[148] أبو عبد الله القرطبي الجامع لأحكام القرآن (القاهرة: دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية، 1964)، ج. 7، 61.

[149] ابن حنبل، المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه رقم الحديث: 12792.

[150] البخاري، الأدب المفرد، باب إذا عطس اليهودي، رقم الحديث 940.

[151] البخاري، الصحيح، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم، رقم الحديث: 2937.

قائمة المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم، برواية حفص عن عاصم.
  2. ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف، شرح صحيح البخاري، مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، الطبعة الثانية، 2003م،
  3.  ابن قدامة، المغني، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح الحلو بيروت: دار عالم الكتب، 1997م.
  4. أبو الحسن علي الماوردي، الأحكام السلطانية، الكويت: مكتبة دار ابن قتيبة، 1989م.
  5.  أبو الحسن علي الماوردي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1999م.
  6.  أبو القاسم الطبراني، معجم الطبراني الكبير، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 2008م.
  7. أبو الوليد بن رشد، البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، بيروت: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1988م.
  8. أبو الوليد بن رشد، مسائل أبي الوليد بن رشد، دار الجيل – دار الآفاق الجديدة، 1993م.
  9.  أبو بكر البيهقي، السنن الكبرى، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، 2003م.
  10. أبو بكر بن أبي شيبة، المصنف في الأحاديث والآثار، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409ه.
  11. أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المصنف، بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1403ه.
  12. أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1993م.
  13. أبو داود سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون، دمشق: دار الرسالة العالمية للطباعة والنشر، 2009م.
  14.  أبو عبد الرحمان النسائي، السنن الكبرى، بيروت: مؤسسة الرسالة، 2001م.
  15. أبو عبد الله أحمد بن حنبل، المسند، تحقيق أحمد محمد شاكر، القاهرة: دار الحديث، الطبعة الأولى، 1995م.
  16. أبو عبد الله البخاري، الأدب المفرد، الرياض: مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، 1998م.
  17. أبو عبد الله البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422هـ.
  18. أبو عبد الله القرطبي الجامع لأحكام القرآن، القاهرة: دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية، 1964م.
  19. أبو محمد علي بن أحمد بن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، القاهرة: مكتبة الخانجي، 2010م.
  20. أبو يوسف، الخراج، بيروت: دار المعرفة، 1979(.
  21.  أحمد بن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 2002م.
  22. أحمد بن يحيى الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى إفريقيا والأندلس والمغرب، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية، 1981م.
  23.  أكرم العمري، «أول دستور أعلنه الإسلام»، كلية الإمام الأعظم، الطبعة الأولى، 1972م.
  24. توماس آرنولد، الدعوة إلى الإسلام، مكتبة النهضة، مصر، ط 3، 1970م.
  25. جار الله الزمخشري، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة، 1407هـ.
  26. زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي، بيروت: دار صادر، الطبعة العاشرة، 2000م.
  27. شهاب الدين القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، مكة المكرمة: مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة: الأولى، 1995م.
  28. شهاب الدين زروق، شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 2006م.
  29. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم في السيرة النبوية، طرابلس: دار الإيمان، الطبعة الرابعة، 2016م.
  30. عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة 2، 1955م.
  31. عبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية، دار القلم، 1988م.
  32. عمر بن شبة النمري، تاريخ المدينة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، جدة: طبع على نفقة: السيد حبيب محمود أحمد، ط 1، 1359هـ.
  33. فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، 1420ه.
  34. كونستانس، جورجيو، نظرة جديدة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعريب محمد التونجي، الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، 1983م، 192.
  35. محمد الأمين الشنقيطي، مذكرة في أصول الفقه، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الخامسة، 2001م.
  36. محمد الطاهر بن عاشور، تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، تونس: الدار التونسية للنشر، 1984م.
  37. محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 2000م.
  38. محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، القاهرة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية، 1975م.
  39. محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، القاهرة: دار المعارف، 1998م.
  40. محمد عليش، الفتوحات الإلهية الوهبية شرح منظومة إضاءة الدجنة، في اعتقاد أهل السنة، بيروت: دار الكتب العلمية، 1984م.
  41. محمد ميارة المالكي، الدر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، القاهرة: دار الحديث، 2008م.
  42. مسلم بن الحجاج النيسابوري، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
  43. ناصر الدين البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1418هـ.

تحميل المقال بصيغة PDF