مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

فقرات من الدرس الافتتاحي للدروس الحسنية الرمضانية لعام 1439هـ ألقاه معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد التوفيق في موضوع: حقوق النفس في الإسلام وأبعادها الاقتصادية

الأستاذ أحمد التوفيق
وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، الرئيس المنتدب لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة

فقرات من الدرس الافتتاحي للدروس الحسنية الرمضانية لعام 1439هـ ألقاه معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد التوفيق في موضوع: حقوق النفس في الإسلام وأبعادها الاقتصادية.

..بينما كان العلماء يستنبطون القواعد من الأصلين في القرنين الثاني والثالث، اتجه فريق إلى تطبيق أخلاق الدين على حياتهم في مناحي التزهد، همهم السلوك، وفي مركزه النفس، وهم يسمعون قوله تعالى: “إن النفس لأمارة بالسوء”، وقوله تعالى: “ونهى النفس عن الهوى”وقوله تعالى: “أرأيت من اتخذ إلهه هواه”، بدأ بعض هؤلاء القلقين وعاظا ومذكرين، ثم جمع علماؤهم، مثل ابن المبارك، رقائق الأخلاق في نصوص نفيسة، وسرعان ما ظهرت في هذا التيار بوادر استنكار لغلبة الشح وضعف التزكية.

في هذا السياق ظهر تيار التصوف، وجعل تربية النفس في عمق مشروعه، اهتم بعض الآخذين به بأخلاق العامة، وتكرس آخرون للحقائق التي لا يتشوف إليها إلا الخاصة، رأى التيار الأول أن عدم إصلاح النفس بالتزكية خطر على فهم الدين من حيث هو خطر على السلوك، ورأى التيار الثاني أن ضرر نسيان النفس لا يقف عند فساد أخلاق المعاملات، بل يتعدى ذلك إلى حجاب الإنسان عن الحقيقة المطلقة التي هو مرشح لملامسة قدر منها. وأما المتوجهون إلى العامة فقد تكلموا عن النفس بلغة الاتهام حتى قرنوها بالشيطان، واهتم بالتأليف في عيوبها مشاهيرُ منهم السلمي المتوفى في أوائل القرن الخامس للهجرة، فقد وضع كتابه في “عيوب النفس”، وكلما ذكر عيبا ذكر أمامه التمرين الذي به يمكن أن يُزال، ومن هذه العيوب الكذب والشح والبخل واتباع الهوى والتكبر والطمع والتكاسل في أداء الحقوق والغفلة وطلب الرياسة بالعلم أو الدين، إلخ… وقد وصل هذا التراث المتعلق بالاحتياط من النفس إلى الجمهور الواسع بواسطة كتب الحكم، مثل “حكم” ابن عطاء الله، وبواسطة منظومات مثل منظومة الشيخ المغربي أحمد زروق، ومثل قصيدة البردة في المديح النبوي للبوصيري المغربي الأصل، كما تناوله في المغرب شعر الأدب الشعبي، ومما يحفظه الناس في مقدمة قصيدة البردة، مما يتعلق بالنفس، قولُ الناظم:

فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت      من جهلها بنذير الشيب والهرم

إلى أن يقول:

فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها       إن الطعام يقوي شهوة النهم

إلى أن يقول:

وخالف النفس والشيطان واعصهما   وإن هما محضاك النصح فاتهم

ولا تطع منهما خصما ولا حكما         فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

أما أهل العرفان من الصوفية فلهم كلام موجه لأمثالهم من أهل الأذواق، فمن ذلك قول ابن عربي في رسالة “كنهُ ما لابد منهُ”:

“ومما لابد منه محاسبةُ نفسك ومراعاةُ خواطرك مع الأوقات، واستشعار الحياء من الله تعالى بقلبك، فإنك إذا استحييت من الله منعت قلبك من أن يخطر فيه خاطر ذمه الله أو يتحرك بحركة لا يرتضيها الله تعالى، ولقد كان لي شيخ يقيد حركاته في كتابه بالنهار، فإذا أمسى جعل صحيفة بين يديه وحاسب نفسه على ما فيها، وزدت أنا بتقييد خواطري”.

ومن الإنصاف أن نشير إلى أن استمرار الفضل في الأمة إلى يومنا هذا، قد أمكن بالحرص على قدر أدنى من النقد الذاتي، أي من التشوف إلى التزكية، وتفاوتت الأحوال في الأزمان بحسب ما تهدد النفوسَ من غوائل النسيان والطغيان.

ألقي هذا الدرس الحسني بتاريخ: الجمعة 2 رمضان 1439هـ (18 ماي 2018م) بالقصر الملكي بالرباط.

تحميل المقال بصيغة PDF