كلمة الأستاذ سيدي محمد رفقي الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في افتتاح ندوة «الثوابت الدينية المشتركة: أسس الهوية الإفريقية» التي نظمها فرع المؤسسة في جنوب أفريقيا
الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة
الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أصحاب المعالي، سيداتي وسادتي،
إنه لمن دواعي الفرح أن أجد نفضي اليوم بين ظهرانيكم بصفة الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.
بادئ ذي بدء، اسمحوا لي أن أعبر لكم عن شكري وامتناني للمنظمين، ولمختلف الشخصيات التي خصصت لنا استقبالا حارا وساهمت في إنجاح لقائنا هذا.
سيداتي وسادتي،
أليست لنا عدة مبررات لكي نؤمن ونقتنع أن العالم الذي نعيش فيه، هو في الحقيقة عالم معقد يصعب فهمه، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى ظاهرة التعددية المرتبطة بالانتماء العرقي والثقافي والديني؟
فتعدد مجتمعاتنا الإفريقية، هي في حد ذاتها غنى وإثراء لا يقدر بثمن، ويفرض علينا المحافظة عليها بكل الوسائل المشروعة وبكل ما أوتينا من قوة.
لكن، من المنطقي أيضا، أننا لا يمكن أن نفهم وندرك معنى التعددية، دون الدعوة إلى الحوار والتضامن الأخوي كسلوك في الحياة.
فالحوار والتضامن الأخوي هو بالأساس حالة وجدانية.
في الواقع، يقتصر الأمر على أن نعيش في صيغة حوار ناجعة، وفي ابتكار منهج التفاهم والتعاون والمؤازرة فيما بيننا.
وعلى هذا الأساس، فالحوار الذي يبدأ من الأنا والذات ومع الآخر، هو في آن واحد، لغة مبتكرة، وجب الإبداع في استحداثها دائما وباستمرار.
وهذه هي سنة المؤمن.
سلوك روحي ينقل المؤمن إذن:
- من وجدان منغلق، إلى وجدان منفتح على استقبال الآخر،
- من الميول لطمس الآخر، إلى احترامه بدل ذلك،
- من الاشمئزاز والكراهية كسلوك، إلى اللقاء الأخوي الصافي.
فالأمر هو أيضا، أن نعيش في تلاحم مع كل من يؤمن بصفة مختلفة عنا، وذلك في مقاربة تعتمد على البحث عن معرفة الآخر والاعتراف به كما يحدد -هو- وجوده، وبالتالي احتضانه لذاته.
والأهم في ذلك، هو أن نتعلم دائما كيف نتبادل الحديث وكيف نتضامن.
ولكي نعمل على تحقيق ذلك، لابد من:
- أن نخرج من الخطاب البلاغي الذي يطغى عليه التصنع والجمود،
- أن نفكر بلا حدود في لغة جديدة للحوار الداعي للتضامن،
- أن نسكن اللغة الصريحة بالمفهوم البلاغي، كما نسكن البيت الذي نقطنه.
يجب ألا ننسى أننا نعيش في كنف مجتمع التاريخ الذي شهد منذ القدم الإثراء المتبادل من خلال مؤسسات تاريخية عتيدة، كانت ولا زالت الضامن الحقيقي لكرامة الإنسان بكل أبعادها الروحية.
إن إمارة المؤمنين – التي يجسد روحها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، – تلخص ذلكم التناغم الإسلامي الذي يضمن الكرامة الإنسانية على مستوى كل الأبعاد والتجليات.
اثنا عشر قرنا من إسلام السلام والتسامح في أحضان إمارة المؤمنين التي بصمت العالم، وخصوصا القارة الإفريقية ببصمات روحية يشهد لها التاريخ.
ففي كنف إمارة المؤمنين، استطاعت المملكة المغربية أن تجسد مع أشقائها الأفارقة السلام الروحي والتسامح والحوار والتضامن الأخوي.
ففي هذا الإطار، ينطوي القرار السيادي لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بإحداث مؤسسة تعنى بالعلماء الأفارقة.
فمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، هي تعبير عن عمل ينبثق من الجذور التاريخية العميقة، ويعتمد على التراث الحضاري الغني الذي تجلى دائما في العلاقات المميزة بين المملكة المغربية وبقية البلدان الإفريقية الشقيقة.
إنها مبادرة ملكية سامية تقدم ضمانات الاستمرارية لهويتنا الإسلامية المشتركة، وتجمع ما بين حقوق الإنسان سواء كانت تشريعية سماوية أم دنيوية.
إنه التزام يضمن تجسيدا حقيقيا للإيمان، في مجتمع يطمح إلى السلم الروحي وإلى الطمأنينة والسكينة التي تملأ القلوب.
سيداتي وسادتي،
إننا نتقاسم القيم الأساسية المشتركة، لأننا ننبعث من إنسانية واحدة ومن تراث روحي مشترك.
فثقافاتنا وحضاراتنا تأخذ معينها من نفس منابع الوحي الإلهي.
إنه من الجدير بنا، أن نعرف منابعنا ومصادرنا الإفريقية حتى يتسنى لنا أن نتعارف فيما بيننا، وبالتالي يقبل بعضنا على بعض من أجل التعاون البناء.
فثقافاتنا المختلفة، قاسمها المشترك هو المرجع الأخلاقي الذي يجمعنا ويحفزنا على التلاقي والتضامن واحترام الآخر.
سيداتي وسادتي،
لا بد من التذكير أن الدين الإسلامي الحنيف، ينبني على مرتكزات الخلق الحسن، والمحبة، والتآزر، والرحمة، والإخلاص، والتسامح والسلم،
والمؤمن الحق الذي يعيش وفق هذه المرتكزات، هو بالتأكيد: مهذب رقيق الإحساس، عاقل، متسامح، جدير بالثقة ومسؤول.
ويمكن لهذا المؤمن الحق أن يمنح في الأخير: المحبة للآخر، الاحترام، التضامن، السلام، والرغبة في العيش الرغيد مع الآخرين.
إن حياة المؤمن كلها رحمة ساطعة للعيان، منبعها الحقيقي رحمة الله سبحانه وتعالى.
وبالتالي، فإن المؤمن مطالب دائما أن يأخذ بعين الحسبان في هذه الحياة الدنيا التعاليم الأخلاقية الإسلامية التي تحث دائما على الرحمة والشفقة والتسامح والتضامن والسلام. والمسلم قبل كل شيء، هو إنسان مسالم ومتسامح ويتمتع بعقل واع ومستنير.
وفي الأخير، يجب التأكيد على أن التعاليم الأخلاقية لديننا الحنيف، تمنح للقارة الإفريقية وللإنسانية جمعاء، التعاليم التي تشيع السلم والسلام والتضامن والأمان. والرسالة الخالدة المنبثقة من هذه التعاليم السمحة، هي الكفيلة بأن تجعل من المؤمن إنسانا في راحة نفسية مع نفسه أولا، وبالتالي بإمكانه، بعد ذلك، أن يمنح لسائر المجتمع الحكمة والتضامن المتناغمتين مع بهاء روح تعيش بسلام آمن.
أشكركم على تفضلكم بالإصغاء،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.