كلمة فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية غينيا بمناسبة صدور العدد الأول من مجلة العلماء الأفارقة
آن الأوان فيا لبشرانا
إن انطلاقة مجلة العلماء الأفارقة بصدور باكورة أعدادها بالتحديد مع حلول أول أيام العام الهجري الجديد (1441 هـ) أولجه المولى علينا باليمن والبركات، ووفقنا فيه للطاعات وبوأنا بفضله في مصاف الذائدين عن حمى الملة، دين الفطرة السوية، وجعلنا مرابطين على ثغور الإسلام الوسطي حتى لا يؤتين هذا الدين – غفلة – من ثغرة أحدنا، إنقاذاً لإخوة لنا في الدين والطين.
حقا إنه لقد آن الأوان، بإطلالة هذه السانحة الذهبية، أن يُحَيِّنَ علماءُ القارَّة منتسبُو هذه المجلة مواقفهم من القضايا الساخنة، والمطوقة للقارة الإفريقية بسياج من الهلع واللا أمن.
لقد آن الأوان لعلماء القارة أن يُزيحوا حاجِزَ الصمت وينأَوا بأنفسهم عن اللامبالاة المشخصة لهم – للأسف – إزاء المُعضِلات المصيرية لقارة انتماءاتهم.
لقد آن الأوان، لتقديم حلول ناجعة كفيلة بِلَمّ الشمل وإِقصاءِ شبَحِ التشرذم واللاتفاهُمِ بين الفئات المستنيرة من أبناء القارة، مَعقَدِ آَمَالِ السَّاكِنَةِ فِي رد الاعتبار إلى القارة بكافة المعايير.
لقد آن الأوان، لتصدي علماء القارة لمعالجة مشاكلها بكل موضوعية ومحايدة، علاجاً للعديد من المواقف الحرجة، واستدراكاً لِمَا لَو لَم تتوحد بصددها انطباعاتُ العلماءِ بِحِكمَةٍ بالغة، وترك الحبل على الغارب في غياب تام لضوابط الشريعة، استعصى التغلب عليها وأفضى الشأن حتما إلى استفحال التبعات، مما يلجئ إلى الاستنجاد بأطراف هم إلى تعميق الهوة أقرب منهم إلى تسوية المشكلات، والانتشال من حضيض الهموم، وغياهب الغموم.
لقد آن الأوان لانتفاض هذه الثلة العالمة صائنة الكيان الديني والهوية الحنيفية لنفض ما علق بمنتسبي دين الفطرة من تهم زائفة بإبراز محاسن هذه الملة ،والاستدلال بمسلك السلف الصالح أبطال القرون الفاضلة الذين حازوا سيادة العالم، وانتشرت بهم الفضيلة والخيرات في بقاع مترامية الأطراف على ظهر البسيطة .وظلت الريادة بأيديهم إلى أن جاء من بعدهم خلْف قعد بهم الاستئثار عن الايثار ،فتعلقوا بالفانية بدل الاهتمام بالباقية، وارتمى بعضهم في أحضان الترف والمجون ووقعوا في كثير من الشطط بكل لامبالاة، وعلى مختلف المستويات، فحل التنافر مكان التواد، مَظاهِرُ يَندَى لها الجبين، ويتألم منها اللبيب فإن إطلالة هذه المجلة الجامعة المانعة مِنبَرِ الأخذ والعطاء ومسرح التبادل المحايد، منَصَّةِ تنوير العوام. وانطلاقها مؤذن بتبديد الغيوم وتهدئة عواصف التناحر، إن انطلاقها نشاط يوحي بما يجب على علماء القارة تجاه قاطنتها الذين أنّوا أشد أنين تحت سياط الجهل لآماد سحيقة طويلة ولأسباب شتى.
لذا أصبح ملحا على العلماء تشميرهم عن ساعد الجد لحصر عوامل آفات القارة على اختلاف البيئات وتنوع العوائد، وتباين المشارب، فأبدا لن يَنضب معين الإسلام من حلول شافية لمشاكل البشرية، ولن يخلو وفاضهُ من العطاء الجزيل لصالح الإنسانية، والأدلة على ذلك أشهر من أن تستقضى فهذه المجلة منصة حقيقية لتلاحم الأفكار ومباحثة قضايا الساكنة قصد استصلاحها مع نفسها طبق شريعة بارئها الرحمان مستخلف الإنسان في أرضه، ومستأمن العلماء على النصيحة بالتي هي أحسن لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
تحية لطاقم تحرير هذه المجلة، والعامل على تمهيد سبل التواصل المثمر بين علماء القارة حتى لا تنقطع نافورة عطاءاتهم ومطارحاتهم البناءة.
تحية للرائد المصلح، المبادر إلى تأسيس هذه الهيئة الجامعة لشمل علماء أفريقيا ومن ورائهم جماهير الساكنة قراء إنتاجاتهم العلمية، أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس – نصره الله وحفظه وأيد به الإسلام والمسلمين وأنجز على يديه الكثير من آمال الأمة الإسلامية.
إنه بفضل هذه المجلة قد آن الأوان لرد الاعتبار للطبقة العالمة الإفريقية غابرًاً وحاضرًاً، من خلال تمشيط معضلات القارة وتحيين وصفاتها الطبية الفاعلة، حسب النوازل الآنية من منطلق منظور إسلامي وسط ينبذ العنف ويناطح الغلظة من خلال تأييد مستديم لرؤى التعايش المتسامح لا يستشعر معه المسلم غضاضة لأن إسلامه يربيه على حسن التمسلك ويملي عليه جودة اتخاذ الموقف من المستجدات أيا كان موردها فالرائد ليس إمّعة.
فرع غينيا لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة يبارك هذه الإطلالة المنيفة لمجلتنا الحبيبة التي تتطلع إليها أفئدة المنتسبين بصبر فارغ، وأعناق مشرئبة لما سنجنيه عبر موادها العلمية من فوائد جمة بفضل قرائح العلماء المساهمين.
بارك الله لنا في قطافها ووفقنا كافة لخدمتها. قال تعالى: «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون». 26/83 وقال عزّ وجلّ: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.»2/5. وقال عليه الصلاة والسلام: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم). وقد ضعفه أهل العلم لكن يعمل بمعناه – ومن الفضيلة العمل به لأن من الاهتمام بأمر المسلمين على اختلاف فئاتهم نصيحتهم.
وروى البخاري ومسلم في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم).