مجلة العلماء الأفارقة

مجلة العلماء الأفارقة مجلة علمية نصف سنوية محكمة تعنى بالدراسات الإسلامية والثوابت المشتركة بين البلدان الإفريقية تصدرها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. تنشر فيها مقالات علمية تخدم أهداف المؤسسة المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر بشأنها

جهود العلماء الأفارقة في خدمة الثوابت الدينية المشتركة

Slider

كلمة الدكتور أمال جلال رئيس جامعة القرويين

الدكتور أمال جلال
رئيس جامعة القرويين

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تتميز الروابط الدينية والثقافية التي تجمع المغرب بشعوب إفريقية جنوب الصحراء بكونها تاريخية تعود لقرون عديدة. وتأكيدا لأهمية هذه الروابط التي ظلت تجمع المغرب بإفريقيا باعتباره جزءاً لا يتجزأ منها، فقد تم إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تجسيدا لعمق الأمانة الملقاة على كاهل جلالة الملك محمد السادس نصره الله حماية للملة والدين بصفته أميرا للمؤمنين.

وليس من قبيل الصدفة أن يقرر جلالته بأن يكون مقر المؤسسة التي تحمل اسمه الشريف بمدينة فاس اعتبارا لمكانتها الدينية كعاصمة علمية وروحية للمغرب، ولما تحظى به هذه المدينة من مكانة في قلوب الأفارقة. ولعل هذا ما يفسر حرص جلالته على أن يكون تنصيب المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في رحاب جامع القرويين بفاس مباشرة بعد أن ألقى جلالته خطابه السامي بهذا الجامع يوم 8 رمضان 1437هـ موافق 14 يونيو 2016م، حيث تشرف العلماء بالسلام على جلالته قرب محراب جامع القرويين.

وليس من قبيل الصدفة كذلك أن يصدر الظهير الشريف المتعلق بإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في نفس اليوم الذي صدر فيه الظهير الشريف الذي يقضي بإعادة تنظيم جامعة القرويين وذلك يوم 7 رمضان 1436هـ الموافق 24 يونيو 2015م.

وقد صدر الظهيران بشكل متزامن بناء على رؤية شمولية حكيمة، وتدبير رائد استشرافي لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس للشأن الديني عموما ولمسؤولية العلماء الكبيرة في نطاقه، باعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من مؤسسة إمارة المؤمنين ،يتجلى في قيامها على حماية الدنيا والدين وكفالتها لمصالح جميع المؤمنين ورعايتها للأمن الروحي والسلوك القويم.

ومعلوم أن جامعة القرويين، باعتبارها أقدم جامعة في العالم ما زالت تؤدي وظيفتها العلمية والدينية والتعليمية بدون انقطاع منذ تأسيسها سنة 245هـ- 859م إلى اليوم، قامت وما زالت تقوم بدور الجامعة الحاضنة لوفود العلماء والمتعلمين ،والمنفتحة على مختلف الثقافات والحضارات والأجناس، تكريسا لدورها المتميز في ربطها للجذور المغربية الإفريقية جنوبا، بالفروع الأندلسية

وقد ارتبطت جامعة القرويين بالمدارس العلمية الإفريقية على مستوى العلوم الشرعية،  والحضارة الإسلامية،  عبر مختلف المراحل التاريخية،  وتميزت على الخصوص بتكوين أفواج من العلماء الأفارقة الذين قصدوها ليكرعوا من مناهل العلوم فيها بصفة تلقائية مما أسهم في تأسيس نوع من التجانس المعرفي والروحي يتجلى في عدة مظاهر من التطابق الفكري والانسجام الروحي.

وسيدخل عما قريب في سجل هذا التاريخ الحافل ما يسطر اليوم من الأهداف والمقاصد، وما يوضع لتنفيذها من البرامج والمناهج، وما يتم تنفيذه على أرض الواقع من الإنجازات. ومعلوم أن مختلف المؤسسات والمعاهد التابعة لجامعة القرويين تحتضن اليوم عددا لا يستهان به من الطلبة الأفارقة علما أن معظم طلبة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات هم من دول إفريقية شقيقة متعددة يتلقون تكوينهم على يد أساتذة جامعيين وعلماء مبرزين في جو علمي رفيع المستوى وفي ظروف بيداغوجية جد مريحة.

إن الاطلاع الواعي، والتأمل الصحيح في المنطلقات والأهداف المسطرة في طليعة كل واحد من الظهيرين الشريفين المشار إليهما أعلاه، لَيُبَيِّنان من وجوه التناوب في هذا النطاق ما ينبغي أن يكون العلماء منه على بال.

وإن تكامل ما يُناط بكل من جامعة القرويين بمختلف مؤسساتها ومعاهدها وبمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة لهو نعم المرشد إلى ما يتعين على العلماء في الوقت الراهن القيام به، ولنعم الدليل على الوجهة الصحيحة في ما يتطلبه الواقع من الجهد والإبداع والاجتهاد.

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾. وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).

نسأل الله جلت قدرته وتعالت حكمته أن يبارك في عمر أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ويزيد في مدده حتى يرى منا معاشر العلماء ما تقر به عينه، وأن يجعلنا عند حسن ظنه.

تحميل المقال بصيغة PDF